![]() |
السيرة النبوية : ٣٧٦- الذي تغير أن صُلح الحُديبية أوقف تشويه قريش للإسلام ، فانطلق الدُّعاة في كل مكان يدعون بدون مضايقات من قريش . |
السيرة النبوية : ٣٧٧- التشوية والتضييق الذي كانت تمارسه قريش قبل صلح الحُديبية لتشويه صورة الإسلام جعل الناس تخاف وتهاب من الدخول في الإسلام |
معجزات النبي صلى الله عليه و سلم معنى تسمية معجزة هو أن الخلق عجزوا عن الإتيان بمثلها ،وهي على ضربين : ضرب هو من نوع قدرة البشر ، فعجزوا عنه ، فتعجيزهم عنه فعل لله دل على صدق نبيه ، كصرفهم عن تمني الموت . وتعجيزهم عن الإتيان بمثل القرآن على رأي بعضهم ، ونحوه . وضرب هو خارج عن قدرته ، فلم يقدروا على الإتيان بمثله ، كإحياء الموتى ، وقلب العصا حية ، وإخراج ناقة من صخرة ،وكلام شجرة ، ونبع الماء من الأصابع ، وانشقاق القمر ، مما لا يمكن أن يفعله أحد ، إلا الله ، فكون ذلك على يد النبي صلى الله عليه و سلم من فعل الله تعالى و تحديه من يكذبه أن يأتي بمثله تعجيز له |
وصفه الله تعالى بكتاب عزيز ((لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت : 42 ) ، أحمكت آياته ، و فصلت كلماته وبهرت بلاغته العقول ، وظهرت فصاحته على كل مقول ، وتظافر إيجازه وإعجازه ، وتظاهرت حقيقته ومجازه ، وتبارت في الحسن مطالعه ومقاطعه ، وحوت كل البيان جوامعه وبدائعه ، واعتدل مع إيجازه حسن نظمه ، وانطبق على كثرة فوائده مختار لفظه ومن معجزات الرسول صلى الله عليه و سلم ايضا |
قال الله تعالى اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ( 1) وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ( 2)- القمر حدثنا عبد بن حميد حدثنا محمد بن كثير حدثنا سليمان بن كثير عن حصين عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: انشق القمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى صار فرقتين على هذا الجبل وعلى هذا الجبل فقالوا سحرنا محمد فقال بعضهم لئن كان سحرنا ما يستطيع أن يسحر الناس كلهم |
قا ل أنس بن مالك :أتي النبي صلى الله عليه وسلم بإناء وهو بالزوراء فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ القوم قال قتادة قلت لأنس كم كنتم ؟ قال ثلاثمائة أو زهاء ثلاثمائة . متفق عليه وعن عبد الله بن مسعود قال كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال اطلبوا فضلة من ماء فجاءوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء ثم قال حي على الطهور المبارك والبركة من الله فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل . رواه البخاري |
وعن ابن عمر قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا منه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله؟ قال ومن يشهد على ما تقول ؟ قال هذه السلمة .فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بشاطئ الوادي فأقبلت تخد الأرض حتى قامت بين يديه فاستشهدها ثلاثا فشهدت ثلاثا أنه كما قال ثم رجعت إلى منبتها . رواه الدارمي (صحيح) وعن جابربن عبد الله قال سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فلم ير شيئا يستتر به وإذا شجرتين بشاطئ الوادي فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما قال التئما علي بإذن الله فالتأمتا فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا وإذا الشجرتين قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق . رواه مسلم |
وعن أنس قال قال أبو طلحة لأم سليم لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء ؟ فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخرجت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدي ولاثتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلك أبو طلحة ؟ قلت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه قوموا فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت الله ورسوله أعلم قال فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلمي يا أم سليم ما عندك فأتت بذلك الخبز فأمر به ففت وعصرت أم سليم عكة لها فأدمته ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم أذن لعشرة فأكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلا . متفق عليه |
وعن ابن عمر قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا منه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله؟ قال ومن يشهد على ما تقول ؟ قال هذه السلمة .فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بشاطئ الوادي فأقبلت تخد الأرض حتى قامت بين يديه فاستشهدها ثلاثا فشهدت ثلاثا أنه كما قال ثم رجعت إلى منبتها . رواه الدارمي (صحيح) وعن جابربن عبد الله قال سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فلم ير شيئا يستتر به وإذا شجرتين بشاطئ الوادي فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما قال التئما علي بإذن الله فالتأمتا فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا وإذا الشجرتين قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق . رواه مسلم |
"الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة، والقدوة الرائعة، في علو الهمة والشَّجَاعَة والإقدام، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حمي الوطيس في الحرب، كان أكثر الناس شجاعة، وأعظمهم إقدامًا، وأعلاهم همة، وقد قاد صلوات الله عليه بنفسه خلال عشر سنين سبعًا وعشرين غزاة، وكان يتمنى أن يقوم بنفسه كل البعوث التي بعثها والسرايا التي سيرها، ولكن أقعده عن ذلك أنه كان لا يجد ما يزود به جميع أصحابه للخروج معه في كل بعث، وكان أكثرهم لا تطيب نفسه أن يقعد ورسول الله قد خرج إلى الجهاد. ("الوَطِيسُ: التَّنُّور وهو كناية عن شِدَّة الأمرِ واضْطِرام الحَرْب" النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير [1/447]). |
- روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لولا أن رجالًا من المسلمين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل» (رواه البخاري [2797]). فأية همة عالية أعلى من هذه الهمة النبوية" (الأخلاق الإسلامية، لعبد الرحمن الميداني [2/480]). |
- وكان صلى الله عليه وسلم القدوة في الهمة العالية في العبادة. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا»" (رواه البخاري [4837]، ومسلم [2819] واللفظ للبخاري). |
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فأطال القيام، حتى هممت بأمر سوء، قيل وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه (رواه مسلم [773]). |
دلالات في مشي النبي : ففي ظلالِ مشيِ خيرِ من وطِئَ الثرى صلى الله عليه وسلم نمضي، لنرى معالِمَ طريقه التي خطها لنفسه ولمن بعده من أمته، نعم ربما هي مجردُ مِشية مادية على أرضٍ مدها ربي مدًّا كان يمشيها صلى الله عليه وسلم، لكنها قد تكشف عن كثيرٍ من رموز قد تفك لنا شفرات لطالما عجَزنا عن استيعابها، وعلامات لطريق النور الذي رسمه وأهداه لنا صلى الله عليه وسلم. |
قوامة بقدر أمَّة: يقول هند بن أبي هالة رضي الله عنه: "يسوق أصحابه" المعنى اللغوي: (أي يقدّمهم أمامه ويمشي خلفهم تواضعًا، ولا يدع أحدًا يمشي خلفه) [النهاية لابن الأثير]. وفي رواية : "كان ينُسّ أصحابه، والنسّ السَّوْق، وكانت مكة تسمى الناسّة؛ لأن الباغي فيها والمحدث يخرج منها[1]. وكان صلى الله عليه وسلم يقول لهم: «امشوا أمامي، وخلوا ظهري للملائكة» [2]. المعنى الدلالي: هنا معنى من معاني التربيت على كتف الصحبة واحتوائهم معنويًّا ونفسيًّا برفع الهمم وشد الأزر؛ لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يسوق رعيته من قبل بمكة في الجاهلية بنفس الطريقة الحانية التي تُشعر من يرى هذه الصورة من بعيد بمدى تحمله لهذه المسؤولية العظيمة، وكأنه حامي ظهورهم وململم لشملهم ومكفكف جراحهم وخائف عليهم من ذئاب الصحراء ولهيب الفيافي وقفر العيش الأخروي، ولربما كان هذا هو السبب في أنه ما بَعَث الله نبيًّا إلاَّ رعى الغنم [3]. |
وكما يقول الإمام ابن حجر : "قال العلماء: الحكمة في إلهام الأنبياء من رعي الغنم قبل النبوة: أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم، ولأن في مخالطتها ما يحصل لهم الحلم والشفقة؛ لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق، وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأمة وعرفوا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها، فجبروا كسرها ورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها، فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة" أ.هـ [4]. |
إنه معنى راقٍ من معاني القوامة التي لا تعدلها قوامة في تاريخ البشرية، إنها قوامة على الأمة المحمدية بأسرها تستشعرها في مجرد تأخره عنهم صلى الله عليه وسلم، حتى يطمئن على نهاية السرب، وتقر عينه برسو المسير، وكأنه صلى الله عليه وسلم يقول لهم: هيا أكملوا المسير.. لا تتوقفوا وامضوا قدمًا إلى الأمام.. وأنا من ورائكم.. فلن أعيش لكم مديدًا، ولن أدوم طويلا، وماذا لو مت أو قتلت؟ أنتم حماة العقيدة وحراس النصر، قد تأخرت عنكم وأنا شاهد فيكم لأكون في مقدمتكم وأنا غائب عنكم. |
إنه تأخر بتوجيه وسوق كما قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: "يسوق أصحابه". إن سلوكه الحالي صلى الله عليه وسلم لم يكن مغايرًا بحال لمنهجه البعيد وغاياته الكبرى في تحقيق نفس الطريقة معهم في شتى الدروب؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم يسوقهم، ليس فقط في المشي، بل في كل صغيرة وكبيرة، لقد كان سوقا حالًّا على أرض الواقع وكان أيضًا تطبيقا وتحقيقا لمدارك عظمى وأهداف جسام. لذا فقد لاقى أصداءه المشرقة بين جنباتهم رضوان الله عليهم أجمعين حتى علا صوته وارتفع ارتفاع مؤذن الخير في سماء التوحيد ليمتد نور هذا السوق عبر الأزمان والعصور إلى يومنا هذا. |
ووالله لو كان هذا السوق لذئاب خادعة أو وحوش ضارية كما يكذب البعض ويفتري على صحابته صلى الله عليه وسلم ما سمعنا له صدى، ولاندثرت معالمه وماتت آثاره فلم يصل لنا منه شيء، لكنهم رضي الله عنهم بلّغوا عنه حق التبليغ، فجزاهم الله خيرًا، فنقلوا لنا حتى لمحات عينيه ولفتات رجليه قولًا وعملًا، حتى كانوا ينقلون حديثه تسلسلا وصفًا لحاله في أثناء التحدث، وتطبيقًا لحال الوصف وما كان ذلك ينبع إلا من قلوب مُحِبة له حق المحبة وموقرة له حق الوقار؛ كما قال عز وجل: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}[الفتح: من الآية 21] فرضي الله عنهم أجمعين. |
الجلال والشرف والتوكل: ولِم لا؟ وقد كان سيد ولد آدم، فاصطفى الله تعالى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفى نبينا صلى الله عليه وسلم من بني هاشم. وفي وصف أم معبد في أثناء هجرته صلى الله عليه وسلم حين مرّ على خيمتها جملة حدَّثت بها زوجها لم تكن لتخطئه صلى الله عليه وسلم وذلك في قولها: "محفود محشود". المعنى اللغوي: يقال (محفود أي مخدوم، والحفدة الخدم؛ قال الله جل وعز: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: من الآية 72]، يقول: "هم بنون وهم خدم، ويقال في دعاء الوتر: "وإليك نسعى ونَحفِد"، يريد بـ"نحفد" نبادر، وقولها "محشود": هو من قولك أحشدت لفلان في كذا إذا أردت أنك أعددت له وجمعت له) [1]. المعنى الدلالي: من العجيب حقا أن تستشعر هذه الأعرابية هاتين الصفتين بهذه الطريقة في تلك اللحظات تحديدًا، فالأحرى -لكي نكون منصفين في تصوير وصفها- أن نقول: محفود بلا خدم محشود بلا حشد، بل إن قاصر النظر يرى أنه كان الحشد عليه صلى الله عليه وسلم بجائزة مادية قدرها مائة ناقة لمن يعثر عليه ويسلمه لقريش، فأي حشد توسمته هذه الأعرابية النجيبة وأي حفد استشعرت به تلك الأريبة؟!! |
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في هذه اللحظات مهاجرًا من مكة إلى المدينة مع الصديق رضي الله عنه، حاله حال الطريد -إن تكلمنا على ظاهر الحال- الذي يخشى عواقب صناديد قريش وما يدبرونه له من مكايد، ومَنْ في مثل حاله صلى الله عليه وسلم قد تحفه مشاعر التخفي والتحرز من الآخر والترصد والترقب لكل ما حوله، لكن هذا الوصف المفترض لم يكن يرافقه وتلك المشاعر لم تكن تنتابه صلى الله عليه وسلم رغم كونها أصعب اللحظات التي يمكن أن يلاقيها بشر في سفره، بل رأينا توكله على الله عز وجل حتى في حلب شاة أم معبد الهزيلة العجفاء. إن هذا الوصف يثبت لنا شرفه وجلاله وبهاءه صلى الله عليه وسلم، ويثبت لنا بديهة صفاته وانسيابها قلبا وقالبا، قولا وعملا بلا تكلف صلى الله عليه وسلم ليكون خلقه القرآن. |
علو الهمة والمثابرة في العمل مع التواضع: صفتان عظيمتان قلما اجتمتعا معا، فكثيرٌ ممن أهمتهم همتهم وطموحاتهم المستقبلية تلوثوا بغثيان الكبر والاغترار والعجب، وكثير ممن أهمهم التواضع تراهم أفرطوا في التذلل إلى حد الزهد في طلب الهمم، فما عزموا على معالجة أنفسهم من داء العجب بالتواضع إلا وأصابوها بداء العزوف عن طلب الهمة والاستزادة من الطموح ومعالي الأمور، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني لنا مثالاً جديدًا وسطًا بين هذا وذاك، يتضح ذلك في وصف مشيته صلى الله عليه وسلم؛ يقول هند بن أبي هالة رضي الله عنه واصفًا النبي صلى الله عليه وسلم للحسن رضي الله عنه: "كان إذا زال زال قَلِعا". المعنى اللغوي: (الزَّوَّال: الذي يتحرَّك في مشيه كثيرًا وما يقطعه من المسافة قليل) [لسان العرب]، وهو دليل المثابرة في نيل الأمور، (وقَلِعا: معناه أنه إذا مشي وتَقَلَّعَ في مَشْيَتِه: مشَى كأَنه يَنْحَدِرُ، أَراد قوّة مشيه، وأَنه كان يرفع رجليه من الأَرض إِذا مشى رَفْعًا بائنًا بقوّة، لا كمن يَمْشِي اخْتِيالًا وتَنَعُّمًا، ويُقارِبُ خُطاه، فإِنّ ذلك من مَشْي النساء ويُوصَفْنَ به، وقال الأزهريّ: يقال هو كقوله: كأَنما يَنْحَطُّ في صَبَبٍ، وقال ابن الأَثير: الانْحِدارُ من الصَّبَبِ، والتَّقَلُّعُ من الأَرض قريب بعضه من بعض، أَراد أَنه كان يستعمل التَّثَبُّّت ولا يَبِينُ منه في هذه الحال اسْتعجال ومُبادرة شديدة) [لسان العرب]. |
وفي غريب الحديث ("إذا زال زال قلعًا" هو بمنزلة قول علي عليه السلام في وصفه: "إذا مشى تقلع") [غريب الحديث لابن قتيبة]، (التقلع:القوة في المشي مع تتابع الخطى) [دلائل النبوة للبيهقي]. (إذا مشى كأنما ينحط من صبب) (وكأَنما يَنْحَطُّ في صَعَد؛ هكذا جاءَ في رواية، يعني موضعًا عاليًا يَصْعَدُ فيهو ينحطّ،والمشهور: (كأَنما ينحط في صَبَبٍ) أَي في موضع مُنْحدر؛ وقال ابن عباس: أَراد به أَنه قويّ البدن، فإِذا مشى فكأَنه يمشي على صَدْر قدميه من القوة) [لسان العرب]. المعنى الدلالي: إذًا فقد كانت مشيتُه صلى الله عليه وسلم مفعمة بالحيوية والنشاط والهمة والحركة الشاملة المنتظمة مع القوة وتتابع الخطي الثابتة الرزينة بلا توقف ولا عجلة ولا اختيال أو تنعم أو تبختر، وكان صلى الله عليه وسلم يرفع رجليه من الأرض رفعًا بائنًا بقوة، ويمشي صلى الله عليه وسلم كأنما يصعد موضعًا عاليًا، وهذا الوصف دليل على التواضع والمثابرة وعلو الهمة أيضًا، والنشاط والتفاؤل، والتوكل والاحتساب، والحلم والصبر، وثبات المبدأ، ولم تختلف هذه المشية ولم تتبدل في العصرين المكي والمدني، بل كانت دومًا ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، في مرحلة الاستضعاف ومرحلة الجهاد، في المنشط والمكره، وفي العسر واليسر، إنها مشية ينبغي للنبلاء محاكاتها؛ ففيها الكثير من الرفعة وعلو الشأن والقدرة على إحكام الأمور وبسط الظل. |
وقال هند بن أبي هالة رضي الله عنه ذريع المشية: المعنى اللغوي: (والتَّذْرِيعُ في المشي: تحريك الذِّراعين وذَرَّع بيديه تَذْرِيعًا:حرَّكهما في السعْي واستعان بهما عليه، وقيل في صفته صلى الله عليه وسلم: إِنه كان ذَرِيعَ المشْي أَي سريعَ المشْي واسعَ الخَطْوة) [لسان العرب]. المعنى الدلالي: من المعروف أن استخدام الذراعين في المشي دلاله على انتظام المشية واتزانها واتزان الجسد كله معها، وهذا دليل على التوازن والاستقرار النفسي مع ما يحمله أيضا من دلالات معنوية أخرى تعبر عن السعي الصريح نحو الحق ووضوح الهدف ومعرفته للطريق الذي سيسلكه وعدم التردد في معرفة الوجهة التي سينتهجها، فالساعي نحو طريق بتردد هل يمضي فيه أم يمضي في غيره لا تراه أبدًا ينتهج هذه المشية، على خلاف عدّائي الماراثون مثلًا، وإن كان استخدامهم للذراعين بطريقة أكبر، وكذلك فيها دليل على تكاثر المسؤوليات والأعباء التي تنتظره، بل ينتظرها ويستقبلها على رحمة ورحب وسعة من أمره بحسبان مسبق منه صلى الله عليه وسلم، ولا تتحمل مشيات أخرى غير تلك المشية. |
(يخطو تَكَفِّيًا): المعنى اللغوي: يميل الى سمته وقصد مشيته؛ كما قال في الرواية الأخرى: "كأنما ينحط في صبب". المعنى الدلالي: وليس كما زعم كثيرون أي مال يمينًا وشمالاً، كما تكفأ السفينة. قال الأزهري: "هذا خطأ؛ لأن هذا صفة المختال". [صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، واختياره من المباح أسهله، وانتقامه لله عند انتهاك حرماته]. ويأتي وصفٌ درِّيٌ آخر يوضح لنا جزءًا من الصورة مفقودًا في قول هند بن أبي هالة رضي الله عنه "ويمشي هونا": المعنى اللغوي: في غريب الحديث قوله: "يخطو تكفيًا ويمشي هونًا" يريد أنه يميد إذا خطا، ويمشي في رفق غير مُخال، لا يضرب عطفا"، والهون بفتح الهاء: الرفق؛ قال الله جل وعز: {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: من الآية 63] [غريب الحديث لابن قتيبة]. المعنى الدلالي: قبل أن يتدافع لأذهاننا صورة غير واقعية عن مشيه صلى الله عليه وسلم تأتي كلمة (هونًا) وتكسر حدة التكفي والاقتلاع السابقين وحتى لا يتبادر للذهن أنها مشية خيلاء أو أن بها شيئًا من المرح أو الزهو،كما قال تعالى: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا}[الإسراء: 37]. |
قال قتادة: "لا تمش في الأرض فخرًا وكبرًا، فإن ذلك لا يبلغ بك الجبال، ولا تخرق الأرض بكبرك وفخرك"[تفسير الطبري]، وتأتي كلمة (هونًا) دليلا على تواضعه صلى الله عليه وسلم في مشيته وتطبيقا للآيتين الكريمتين اللتين ركزتا على صفة التواضع في المشي، ثم هي دلالة على تريثه وحلمه وأناته صلى الله عليه وسلم، واتزانه كذلك، ليكتمل المعنى الذي أوضحناه في العنوان: تواضع مع علو الهمة. |
حروب النبي مع المشركين علم جميعًا أن المشركين هم أكثر من آذى رسول الله والمسلمين، بل إنهم لم يكتفوا بالإيذاء فطردوا المسلمين من مكة التي هي وطنهم الذي وُلِدُوا وتَرَبَّوا فيه، واستولوا على ممتلكاتهم من الأموال والبيوت.. ومع هذا كله لم يفكر الرسول طوال إقامته في مكة أن يعتدي على أحد من المشركين، مع ما كان له من عِزَّة ومَنعَة؛ فهو من أرقى عائلة في مكة، ومن أَعَزِّ بطون قريش، وصاحب النسب والشرف، إلا أن له رسالةً ساميةً يريد أن يؤديها، فكان يتحمَّل الإيذاء إلى أبعد الحدود، ويحثُّ أصحابه على الصبر، وعدم مقابلة السيئة بمثلها، إلا أن قريشًا تمادت في غيِّها وضلالها وكبريائها، فكان لا بد من وقفات حازمة ترد للمسلمين بعض حقوقهم المسلوبة وأموالهم المنهوبة، وهذا من دون شك أمرٌ لا ينكره عاقل، ولا يعارضه صاحب رأي سديد. |
تأتي غزوة بدر الكبرى لتمثِّل أُولَى الصدامات الحقيقية بين المشركين والمسلمين، وإذا تدارسنا أسباب هذه المعركة في هدوء ورَوِيَّة لوجدنا أن المسلمين قد دُفِعُوا إليها دفعًا، وأنه لم يكن في نيِّتهم القتال، وإنما اضطرهم المشركون من قريش إليه.. فأهل مكة الكافرون هم الذين بدءوا بإيقاع الظلم على المسلمين، ولم يكن الظلم ظلمًا واحدًا، بل كان ظلمًا متعددًا مُرَكَّبًا، فظُلمٌ في الجسد بالتعذيب والحرق والإغراق والقتل أحيانًا، وظلم في المال بمصادرته بدون وجه حق واغتصابه بالقوة، وظلم في الديار بالطرد منها وأخذها، بل بيعها وأكل ثمنها، وظلم في النفس والسمعة بالسب والقذف وتشويه السمعة، وظلم في الحرية بالحبس والعزل عن المجتمع. فماذا يفعل المسلمون لرفع هذا الظلم؟! لقد اضْطُرَّ المسلمون للهجرة وترك الديار والأموال والأهل وكل شيء، وكانت هجرتهم مرتين إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، ولم يتركهم كفار مكة يعيشون حياتهم في أمان هناك، بل طاردوهم وحاصروهم وراسلوا مشركي المدينة ويهودَها لاستئصال المسلمين تمامًا من على وجه الأرض! ماذا يجب أن يفعل المسلمون إزاء هذه الأفعال؟! هل ينبغي على المسلمين أن يسلِّموا رقابهم ورقاب أولادهم لسيوف قريش؟ أم كان عليهم أن يحملوا متاعهم وعيالهم إلى بلد آخر؟! إنَّ أي عاقل أو حُرٍّ لن يجد أمامه سبيلاً إلا المقاومة لدفع الشر، وقمع الفساد.. وهذا ما فعله المسلمون، ولمَّا لم تكن لهم طاقة بغزو مكة، واسترداد ثرواتهم المنهوبة فكَّروا في مهاجمة قوافل مكة التجارية والمارة على طريق المدينة، لقد كانت محاولة لرفع ولو جانبًا من الظلم الواقع على كواهلهم منذ سنوات. |
ثم إن هذه حالة حرب حقيقية، وليس هنا مجال لما يطعن به المستشرقون بأن المسلمين يُغِيرُون على الآمنين من قريش، فهذه حرب معلنة بين دولة المدينة المسلمة وبين دولة مكة الكافرة، وكلا الطرفين يستحل دم ومال الآخر، وكلا الطرفين يضرب مصالح الآخر، وهذا عُرْفٌ في حالة الحرب متعارف عليه في كل الأزمان وفي كل الأماكن، وليس من ابتكار المسلمين، كما أن الإسلام دين واقعي، يرد القوةَ بالقوة، ويُشهِرُ السيف في وجوه من أشهروا سيوفهم عليه. إنهم يلومون المسلمين؛ لأنهم هاجموا قوافل قريش التي استولت على أموالهم وديارهم! ألم يكن من الأجدر بهم أن يلوموا قريشًا التي سلبت المسلمين كل ما يملكون ظلمًا وعدوانًا! خرج المسلمون فعلاً لمهاجمة القافلة، ولكن شاء الله سبحانه وتعالى أن يتمكن أبو سفيان قائد قافلة قريش من الهرب بها، وأرسل إلى مكة يستدعي النجدة، وجاءت قريش بألف من الجنود لقتال المسلمين، وخرج على قيادة الجيش كل زعماء مكة تقريبًا، وجعلوا على رأس الجيش أبا جهل، فرعون هذه الأمة. وفي الطريق علم المشركون بنجاة قافلتهم وأموالهم؛ فرأى عدد منهم الرجوع، وعدم الانسياق إلى الحرب؛ وكان منهم عتبة بن ربيعة والأخنس بن شريق [1]، وآخرون..، لكن أبا جهل حمَّس الناس، وصمم على البقاء بالجيش عند بدر ثلاث ليالٍ؛ ينحرون الإبل، ويشربون الخمر، وتغني القيان حتى تظل العرب تهاب قريشًا. وكما رأينا كان بإمكان جيش قريش أن يرجع وألا يحارب، أو يدخل في قتال مع المسلمين خاصة بعد نجاة القافلة، ولكن إصرار بعض قادتها على الحرب هو الذي ورَّطهم في القتال، ودارت معركة من أشرس المعارك في تاريخ الإسلام انتهت بهزيمة ساحقة للمشركين، وقَتلِ سبعين من قادتهم، وأَسْرِ سبعين آخرين، وتحصيل قدر من الغنائم عوَّض المسلمين عن بعض أموالهم المسلوبة. |
ورغم ما أصاب قريشًا في بدر؛ فإنها لم تتعظ، ولم تتراجع عن غيِّها، بل تمادت فأوقفت التصرف في قافلة أبي سفيان، التي أفلتت في بدر لتجهيز جيشٍ بأموالها لحرب المسلمين، ولم تكتفِ قريش بتجهيز الجيش من داخل مكة بل بدأت تستنفر القبائل المحيطة بها للمساعدة لها، وكونت قريش بالفعل جيشًا كبيرًا، وهنا اضطر المسلمون لخوض الحرب مرة أخرى؛ دفاعًا عن أنفسهم، وعن الدولة الإسلامية، فكانت معركة أُحُد.. جاءت قريش بجيش قوامه ثلاثة آلاف مقاتل، وكان قائدهم هو أبو سفيان، ومعه: صفوان ابن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وخالد بن الوليد، وغيرهم، وجهَّزوا كذلك ثلاثة آلاف بعير؛ ومائتي فرس، وسبعمائة درع [2]، وأشعلت قريش حربًا إعلامية ضخمة تحفِّز الناس على حرب المسلمين، وقاد هذه الحرب الإعلامية أبو عزة الجمحي [3]. وخرج المسلمون للمشركين في سبعمائة مقاتل، ودارت المعركة المشهورة التي انتهت بالمصاب الأليم الذي أصاب المسلمين، واستُشهِدَ من المسلمين سبعون على رأسهم حمزة بن عبد المطلب، وقامت قريش بالجريمة الشنعاء، إذ مثَّلت بجثث الشهداء المسلمين، مخالفةً بذلك كل الأعراف والقيم، ووضح للجميع مدى الحقد والكراهية التي يحملها المشركون في قلوبهم للمسلمين. |
وكان من الممكن أن تكتفي قريش بهذه المعركة، وتكون في مقابل معركة بدرٍ، لكنَّ مشركي قريش أَبَوا إلا أن يستأصلوا المسلمين من المدينة بشكل نهائي، وجمَّعت قريش -وبمعاونة اليهود- عشرة آلاف مقاتل، وتحزَّبوا جميعًا، وكان الهدف الأوحد لهم هو إنهاء الوجود الإسلامي تمامًا من المدينة، وتحرَّكت هذه الحشود الهائلة لتحيط بالمدينة التي يقطنها المسلمون، واضطُرَّ المسلمون لبذل جهود جبَّارة لحماية أنفسهم من الشر المحدق بهم، فحفروا خندقًا حول المدينة، لئلا يستطيع الجيش المهاجم الدخول إليهم، ومع هذا فقد حاول بعض المشركين اقتحام الخندق لقتال المسلمين، وكان لا بدَّ من مواجهة ذلك التحالف الضخم الآتي لاقتلاع دولة الإسلام، فكانت غزوة الأحزاب. فهل يُلامُ المسلمون على دفاعهم عن المدينة، وقتالهم للمشركين، وقد جاء المشركون بهدف الاستئصال الجذري لهم، وإبادتهم بشكل جماعي؟! ثم بلغَ الرسول أن بني المصطلق يجمعون له [4]، ويُعِدون عُدتهم لغزو المدينة المنورة، فكان لا بد من تفادي ما حدث قريبًا في الأحزاب، وذلك بتوجيه ضربة قوية لبني المصطلق توقِف تحرَّكاتهم، وتحمي المدينة من شرورهم، وها هو رسول الله يتجه إلى مكة يريد أداء العمرة، ولم يُرِدِ القتال أبدًا، ويثبت ذلك كلامه يوم الحديبية: «وَاللَّهِ لا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إِلَى خُطَّةٍ يَسْأَلُونِي فِيهَا صِلَةَ الرَّحِمِ إِلا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا» |
ولقد استقبل رسول الله سهيل بن عمرو مفاوض قريش، وكان أرغب ما يكون في موادعة القوم، وإن كان قادرًا على تحكيم السيف، وإنزال خصومه على منطقه الذي آثروه مذ صَدُّوه عن البيت، وتكلم سُهَيْلٌ فأطال وعرض الشروط التي يتم في نطاقها الصلح، ووافق عليها النبي، ولم يبقَ إلا أن تُسجَّل في وثيقة يمضيها الطرفان [6]، ورغم ما في هذه الشروط من إجحافٍ ظاهر اعترض عليه الصحابة، إلا أن النبي آثر الموادعة، لأنه يريد تَجَنُّبَ القتال، وعدم الدخول في حروب.. وكان ينبغي بناءًا على بنود الصلح أن يدخل من شاء في حلف النبي أو في حلف قريش، وتُطبَّق عليه أحكام الصلح، وقد دخلت قبيلة خزاعة في حلف المسلمين، ودخلت بنو بكر في حلف قريش، ولكنَّ بكرًا الموتورة من خزاعة بفعل ثأر قديم بيَّتت رجالاً من خزاعة، وقتلوهم فلما استجار الخزاعيون بالحرم انتهكت بنو بكر حُرمَة البيت وقتلتهم بداخله، وقد شارك في ذلك العديد من فرسان قريش! واستنجدت خزاعة بالنبي، وكان حقًّا عليه أن يفي بعهده وينصر حلفائه، ويعاقب قريشًا التي نقضت العهد؛ فكان فتح مكة، فهل يُلام رسول الله على حربه لمن نقض عهده، وقتل حلفاءه؟! وبعد فتح مكة أكل الغلُّ قلوب قبيلة هوازن؛ فجمعوا الجموع لرسول الله، وظنًّوا أنهم قادرون على إطفاء نور الله، وإخماد جذوة الحق، ولكن الرسول وصلته الأخبار فتجهَّز هو والمسلمون للقائهم، وخرجوا إليهم في سهل حنين، فكانت غزوة حنين. هذه هي حروبه مع المشركين، ما كانت إلا اضطرارًا، وما بدأها أبدًا، ولكنَّهم دائمًا كانوا يبدءون، وما ظلمهم لحظةً واحدة، ولكنهم كانوا دائمًا يظلمون، وبرغم كل ذلك لم يكن متشفيًا فيهم أبدًا، ولا حاقدًا عليهم، بل كان يتحين الفرص للعفو، ويُكثر من قبول الأعذار، ولا يجعل الحرب إلا آخر دواءٍ. ولم يكن هذا مرةً أو مرتين في حياته، بل كان كذلك على الدوام، فأي حروبٍ مع المشركين -بعد أن شرحنا أسبابها- كان من الممكن أن يتجنبها؟! وأي المعارك كان من الممكن ألا يخوضها؟! |
عظمة النبي صلى الله عليه وسلم محمد صلى الله عليه وسلم هو الأعظم إنه بحق الأعظم كيف لا وقد اصطفاه الله على بني آدم وهو خاتم الأنبياء والمرسلين أرسله ربه رحمة للعالمين ليخرج الناس من الظلمات إلى النور . إنه الأعظم فإذا كان في البشرية من يستحق العظمة فهو محمد ، هذا كلام علماء الغرب المنصفين . والمسلمين يؤمنون به ويحترمونه ويوقرونه ويبجلونه . فهو قدوتنا العليا وهو شفيعنا يوم القيامة وقائدنا إلى الجنة . إن محمداً صلى الله عليه وسلم يستحق العظمة . كيف لا وقد أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور وهداهم إلى صراط مستقيم . |
عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بالبراق ليلة أسري به ملجماً مسرجاً، فاستصعب عليه ، فقال له جبريل : أبمحمد تفعل هذا ؟ فما ركبك أحد أكرم على الله منه . قال : فارفض عرقاً . إنه " رجل واحد في مقابل جميع الرجال " ، الذي استطاع بنصر الله له وبصدق عزيمته وبإخلاصه في دعوته أن يقف أمام الجميع ليدحض الباطل ويُظهر الحق حتى يحق الله الحق بكلماته ولو كره الكافرون . |
إن هذا الرجل العظيم الذي استطاع أن يقف أمام العالم أجمع وأمام جهالات قريش وكفرها العنيد وأمام الأصنام وعبادة الكواكب وكل ما يعبد من دون الله وقف يدعو الله وحده لا شريك له ونبذ كل ما سواه ، إنه بحق لجدير بكل تبجيل واحترام ليس فقط من أتباعه بل من كل من يفهموا العبقرية وخصائصها . |
إن الصفات التي تفردت في هذا الرسول العظيم لجديرة بأن يحصل على نوط الامتياز ويحظى بكل تقدير واحترام . إنه بحق الأعظم . فهل بعد ذلك يوجد أي رجل أعظم منه ؟ كلا ، لا يوجد رجل أعظم منه فقد عاش حياته كلها في خدمة البشرية جمعاء وجاء بالدين الخاتم والمسعد لجميع البشر . إن هذا الرجل العظيم محمد صلى الله عليه وسلم بحق رجل لم تنجب البشرية مثله كيف لا وقد قال عنه الجبار " وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ " .. وقال تعالى " وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ " |
إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم نعمة أنعم الله به علينا فإنه حريٌ بنا حينما نتذكر النعمة نتذكر المنعم بها ونشكره عليها. وهذا الشكر يستوجب منا أن نتمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً لقوله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} (سورة الأحزاب /آية 21). فما أعظم هذه النعمة وما أعظمك يا رسول الله وقد منحك الله سبحانه من كمالات الدنيا والآخرة ما لم يمنحه غيره من قبله أو بعده . وقد أعطاه الله في الدنيا شرف النسب وكمال الخلقة، وجمال الصورة وقوة العقل، وصحة الفهم وفصاحة اللسان وقوة الحواس والأعضاء، والأخلاق العلية والآداب الشرعية من: الدين، والعلم، والحلم والصبر والزهد والشكر والعدل والتواضع والعفو والعفة والجود والشجاعة والحياء والمروءة والسكينة والتؤدة والوقار والهيبة والرحمة وحسن المعاشرة ما لا يستطاع وصفه وحصره. |
فما أعظمك يا رسول الله ولقد صدق ربنا سبحانه وتعالى إذ يقول في شأنك ووصفك{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (سورة القلم/ آية 4). وها نحن نأتي إلى نبذة يسيرة من محاسن صفاته ومحاسن آدابه لتكون لنا نموذجاً نسير عليه حتى نكون على قدم نبينا صلى الله عليه وسلم. أعميت عيني عن الدنيا وزينتها --- فأنت والروح شيء غير مفترق إذا ذكرتك وافى مقلتي أرق --- من أول الليل حتى مطلع الفلق وما تطابقت الأجفان عن سنةٍ --- إلا وإنك بين الجفن والحدق |
نسبه صلى الله عليه وسلم أما شرف نسبه وكرم بلده ومنشئة فإن نسبه صلى الله عليه وسلم ينتهي إلى إسماعيل بن إبراهيم. نسب شريف وآباء طاهرون وأمهات طاهرات؛ فهو من صميم قريش التي لها القدم الأولى في الشرف وعلو المكانة بين العرب. ولا تجد في سلسلة آبائه إلا كراماً ليس فيهم مسترذل بل كلهم سادة قادة، وكذلك أمهات آبائه من أرفع قبائلهن وكل اجتماع بين آبائه وأمهاته كان شرعياً بحسب الأصول العربية ولم ينل نسبه شيء من سفاح الجاهلية بل طهره الله من ذلك. روى مسلم عن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله عليه و سلم يقول: "أن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم". |
كمال خلقته صلى الله عليه وسلم أما صورته وجماله وتناسب أعضائه وحسنه فقد جاءت الآثار الصحيحة المشهورة بذلك وكثر الواصفون لحسن جماله صلى الله عليه وسلم ومنها أنه كان أبيض مشرباً بالحمرة، أزهر اللون، ظاهر الوضاءة، واسع الجبين، كث اللحية سخل الخدين، أبيض الأسنان إذا تكلم كأن النور ينهمر من فمه ويكفي في وصفه قول أبو هريرة رضي الله عنه: ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه. ووصفه بعض أصحابه فقال: كان رسول الله فخماً مفهماً يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر. وأخرج البزار بإسناد حسن عن عائشة رضي الله عنها قالت تمثلتُ في أبي: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه --- ربيع اليتامى عصمة للأرامل فقال أبي(تعني أبا بكر): ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . لئن أعطي سيدنا يوسف شطر الجمال فقد أعطي محمد صلى الله عليه وسلم الحسن كلّه . |
الساعة الآن 03:40 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.