![]() |
|
صادف اليوم 8 ديسمبر .. ذكرى انتفاضة الحجارة .. والتي انطلقت من بلدة جباليا لتعم ارجاء فلسطين.. بدأت الانتفاضة يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 1987 واسشتهد خلالها 1500 فلسطيني.. حيث بدأت بشكل عفوي بعد حادث دهس شاحنة اسرائيلية لعمال فلسطينين استشهد خلاله 4 فلسطينيين واصيب آخرون https://scontent-a-fra.xx.fbcdn.net/...15&oe=5507C223 |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
ما هو الرابط بين العنصرية في أميركا، التي تتجلى في قتل البوليس لشبان سود من دون مبرر، وبين التعذيب الذي تمارسه قوى أمنية أميركية من الـ «سي. آي. أي» والجيش في الخارج. في الداخل عنصرية، وفي الخارج تعذيب، وفي كلتا الحالتين يصرخ الأميركيون الليبراليون، ويقولون: أهذا نحن؟ أهذا ما نعتقد أننا يجب أن نكون عليه؟ يؤكدون على استثنائيتهم وتميزهم عن بقية العالم ثم يناقضون أنفسهم بالتساؤل والاحتجاجات التي يعتبرونها مخالفة لخصائص وطنهم أو أمتهم. لا يدركون أن هذه المعتقدات بذاتها هي مصدر العنف غير المبرر. الاعتقاد بأنهم متفوقون على العالم الآخر، وكل ما هو خارج أميركا هو في عداد «الآخر»، وأن هذا التفوق الأخلاقي والمعنوي هو ما يجعلهم مختلفين وهو ما يضعهم على «قمة الجبل» بالنسبة للآخرين، حسب التعبير الذي استخدمه أول خطيب قاد جماعة من المهاجرين البريطانيين إلى شمال أميركا، وذلك في عشرينيات القرن الـ 17. تراكمت فوق هذه الميثولوجيا شرائح من إيديولوجيا التفوق حيث يسود الاعتقاد عن الذات بأنها الأكثر حرية والأكثر أخلاقية والأكثر صواباً في هذا العالم. ويعتقدون بالتالي أنهم الأفضل في هذا العالم، وبناء عليه فهم يحق لهم التصرف في كل بلد آخر في العالم. جيوشهم منتشرة في كل أنحاء العالم. وزارة الدفاع عندهم تقسم العالم إلى 7 مناطق، في كل منطقة قسم من الجيش الأميركي وقيادة تقرر السياسة الخارجية الأميركية بغض النظر عن وزارة الخارجية. بالمناسبة، لعبة الفوتبول الأميركية لا يمارسها غيرهم، لكن البطولة في كل عام يسمونها بطولة العالم. كل ما يحدث في العالم، حتى في الأماكن الأكثر نأياً يمس المصالح الأميركية في العالم. ربما استطعنا تفسير العنصرية والتعذيب عندهم بالقوة. هم الأقوى في هذا العالم، وبالتالي يستطيعون أن يتصرفوا بشعبهم وبشعوب العالم كما يشاؤون. أما نحن في لبنان وغيره من الأقطار العربية، فإن العنصرية عندنا، كما الاستبداد والتعذيب وشتى أنواع الممارسات اللاإنسانية، فهي ربما تفوق ما عند الأميركيين. يستطيعون انتخاب رئيس من غير أبناء جلدة الأكثرية عندهم، أما نحن فلا نستطيع انتخاب رئيس من أي نوع كان. والسبب هو العجز. الضعف مصدر عنصريتنا والقوة مصدر عنصريتهم. فهل تتساوى هذه وتلك؟ من ساواك بنفسه فما ظلم. لكن علينا أن نقسو على أنفسنا، وأن نظلم أنفسنا بالبحث والسؤال عن مصادر العنصرية والتعذيب في مجتمعنا. قضى الأميركيون وقتاً طويلاً في تطهير أنفسهم وهماً بأن مساوئ الجنس البشري تقع على عاتق الآخرين، وهم بالتالي غير مسؤولين إلا عن إصلاح هذا العالم ولو بالحرب والتدمير وتحويل أقطار بأكملها إلى صحراء مجدبة. لدينا «داعش» وأخواته. والعيب ليس فيه وحده. في كل طائفة «داعش»، وفي كل ذات منا «داعش» صغير. تأسس «داعش» و «القاعدة»، وغيرهما، على الاعتقاد بأن ما يقولونه هو كلام الله، وبأن ما يمارسونه هو شريعة الله. صحيح أنهم يستخدمون تكنولوجيا الغرب، ويأكلون منتجات الغرب، ويوصون الواقعين تحت سلطتهم بأنظمة غذائية مستوردة. لكن الاعتقاد بامتلاك الحقيقة ـ وأسوأ الاعتقادات أن الحقيقة التي لدينا هي الحقيقة الإلهية ـ هو شيء نابع من مجتمعنا ومن تراثنا. المذابح التي ترتكب لا تقتصر عليهم ولا على المرحلة الراهنة. في كل مراحل تاريخنا، ارتكبت مذابح مشابهة؛ ولم تكن جميعها دفاعاً عن النفس. مشكلة الأميركيين أنهم لم يتفوقوا على أنفسهم. قضى نظامهم بالتفوق على العالم. مشكلتنا في هذا المجال أكبر. لا نستطيع التفوق على أنفسنا إلا بالنقد الجذري لمجتمعنا. ذلك يقتضي أن لا تقتصر السياسة على السطح الاجتماعي السياسي وعلى الصراع من أجل السلطة. السياسة هي فن التسوية، والدولة إطار ناظم للمجتمع ولتراكم التسويات. نزلت الجماهير العربية إلى الميادين لممارسة السياسة، لكننا حتى الآن ألقينا الملامة على الاستبداد. ولم نستطع الدخول إلى غور المجتمع لممارسة السياسة الأعمق والتي تتعلق بالمجتمع وممارسته تجاه نفسه. عنصريتهم مصدرها القوة. «داعشيتنا» مصدرها الضعف. والتعذيب واحد. الفضل شلق |
نرمين الخنسا: الأدب هو المساحة النقيّة الأخيرة http://assafir.com/Medias/Photos//20...6f4da9cd47.jpg «شخص آخر» عنوان الرواية الجديدة لنرمين الخنسا الصادرة حديثا عن منشورات «سائر المشرق»، وفيها تروي لنا سيرة بطلتها علا، التي تتعرض للخطف من قبل جماعة مجهولة، وفي الأسر تبدأ باستعادة حياتها وتفاصيلها لعلها تعرف من هم الخاطفون. حياة تقع في التباسات البلد بكل ما يحمله من تناقضات وانقسامات، وإن كانت علا تعرف نهاية سعيدة باطلاق سراحها، لانها لم تكن الشخص المطلوب، لكن من دون أن نعرف السبب الحقيقي لعملية الخطف هذه. حول الرواية، هذا اللقاء. تقوم الفكرة الرئيسية في روايتك الأخيرة على الالتباس، وكأنك عبرها ترغبين في القول إن البلد كله يقع ضمن هذه الحالة. إلى أي درجة يلعب الالتباس دورا في الكتابة الروائية عندك؟ ^ قصدت بروايتي الشخص الآخر القابع في أعماقنا بشكل خفي، يرقد بانتظار ظرف معين أو لحظة معينة ليظهر بقوة فينا. فكل واحد منّا، لديه قرين هو على غير دراية به. وقد يتفاجأ به عند ظهوره. إضافة إلى معنى الشخص الآخر أي الالتباس بالاسم: كم أصبحت حياة الإنسان رخيصة، وبلحظة قد يفقدها بسبب التباس ما. وهذا ما رأيناه في بعض حالات الخطف أو محاولات القتل الخ.. تبدو روايتك هذه من أكثر رواياتك تشاؤما، إذ كل المشاريع تنتهي بالفشل. هل وصلت إلى اليأس المطلق من هذا البلد؟ ^ بعد كل الأوضاع التي تسود لبنان حاليا، والعالم العربي، للاسف أصبحت مساحات الظلام أكثر بكثير من مساحات الضوء ولأنني واقعية في حياتي وفي رواياتي فأنا أحاول أن أقارب المواضيع بشكل منطقي بعيدا عن أي تزوير أو تزيين له. لأنني أعتقد أن تجميل الأشياء المشوهة يزيدها تشويها لكن هذا لا يعني أنني متشائمة إلى أقصى الحدود بل أحيانا أشعر بأنه لا بدّ من أن تفتح كوة في هذا الجدار الذي يحاصرنا ويضيق علينا الحياة وهذا ما نأمل به جميعنا ونحلم به. بعيدا عن التفاؤل الذي تتحدثين عنه، كل الأشياء في الرواية تنتهي إلى طريق مسدود، من أي منطلق تتحدثين عن هذه الكوة؟ ^ انا أراهن دائما على عدم استسلام الناس وتحديدا اللبنانيين بسبب عزيمتهم وحبهم للحياة وأعتبر أن ما يجري بالرغم من قساوته إلا انه من دون شك عابر، ضيف ثقيل لا بدّ من أن يغادر وإن طالت إقامته قليلا. ما الذي دفعك إلى كتابة راهن لم نعرف بعد كيف سيتحدد شكله النهائي؟ نعرف أن الكتابة الروائية تأتي عادة لتؤرشف ماضيا انتهى، بينما أنت تكتبين عن حالة لا تزال حاضرة ولم تتخذ بعد شكلا نهائيا؟ ^ الرواية طرح للواقع ومرآة تعكس كل ما يدور حولنا. ولعل هذا الطرح ضمن روايتي يجعل البعض يتدارك الكارثة التي تتسع دائرتها يوما بعد يوم وأخشى ما أخشاه أن تبتلعنا جميعا في يوم لا ينفع فيه الندم. كأنك لا تزالين فعلا تؤمنين بالأدب من حيث استطاعته تغيير شيء ما في هذه الحياة؟ ^ وأراهن عليه دائما. الأدب هو المساحة النقية، الأخيرة، والتي قد تنفذ من خلاله إلى فضاءات أكثر بياضا وصفاء وأنا أعتقد أننا نستطيع من خلال الأدب أن نؤثر إلى حدّ كبير في الأجيال الصاعدة، في نمط تفكيرها ويكون البوصلة الحقيقية إلى السلام ودعوة مباشرة للانخراط فيه. وفيما يعنيني فإن رواياتي وتحديدا «شخص آخر» قد أدخلتها الكثير من المدارس الرسمية والخاصة في المنهاج الدراسي لتلامذة الصفوف الثانوية لما رأته فيها من نموذج أدبي يصلح لنبذ العنف والتمذهب والطائفية.. عُلا، بطلة الرواية، وهي في الأسر، تتذكر حياتها الماضية بأسرها، لكن تأتي الخاتمة لتبقى مفتوحة على احتمالات وأسئلة مختلفة. صحيح أنها نجت من الخطف، لكن الأسئلة تبقى معلقة: لمَ اخترت هذا الفضاء المفتوح؟ تقصدت أن أترك الخاتمة مفتوحة للعديد من الأسئلة التي قد تراود القارئ. وأنا في طبعي أحب النهايات المفتوحة والمعلقة لأترك مساحة كبيرة لأن يشاركني القارئ من خلال تحليلاته وخياله في إيجاد وضع نهايات تتلاءم مع طريقة تحليله ونظرته للأمور. هل تريدين القول إن العمل الأدبي لا يكتمل إلا مع قارئه؟ ^ طبعا. مبدئيا، العمل الأدبي يُكتب لكي يُقرأ وإلا لا حاجة للنشر فنكتفي بوضع أعمالنا الأدبية في الأدراج ليطويها الغبار. القارئ هو الذي يحيل العمل الأدبي إلى الضوء فيما تحيلها الأدراج إلى الظلام. قد يكون ظلاما أقل من واقعنا؟ ^ هذا صحيح، لكن التعتيم على انجاز أدبي أو إحالة عمل أدبي إلى الظلام يصيب الكاتب بالكثير من الاحباط والانكسار قد يؤدي به الأمر إلى معاداة القلم وأحيانا إلى كسره. أجرى الحوار: إسكندر حبش |
غُرّتهُ سُنبلة إلى الشهيد زياد أبو عين سيدخلُ عمّا قليلٍ علينا ويُلقي السلامَ، ويجلسُ مبتسماً.. ثمَ يُشْعِلُ سيجارةً، أو يُنادي على نادلِ النارِ؛ هَبْ لي، بلا سُكّرٍ، قهوتي الفاحمة. يردُّ بإصبعهِ شَعْرَ غُرّتهِ فهيَ مُهمَلَةٌ / مثلَ سنبلةِ الجدولِ الناعمة!/ يُطمْئنُنا أنّه سوف يزرعُ ما خلعوا../ بل يغطّي المدى بغاباتِ نظرتهِ /الحاكمة. أو يثوبُ إلى رشْدِهِ قائلاً؛ سترى كيف أجعلها جنّةً، مثلما بدأت في كتابِ الزمانِ، مُعَلّقةً حالمة! لن يتركوكَ تُتَمِّمُ ما اجترحَ الشهداءُ وأخشى من العضّةِ النادمة.. فليقتلوني، إذاًْ، دون حقّي، ولا عيْش للأنفسِ الراغمة. .. وكيف أرى غَرْقَداً في التلالِ وعوسجَ أشواكهِ قائمة؟ وأهتفُ عاش السلام لِعَمّوُرةِ القتْلِ والحَرْقِ/والدّهْمِ والهَدمِ والضربةِ القاصمة.. والسيّدُ العَدلُ أعمى! يرى ما يرى القاتلون لميزانِ كفّتِهِ الغاشمة؟ ثمّ يسأل عمّا جرى في الدهاليز، ينصتُ، يقطعُ، ينفي، يُصادقُ، يضربُ كفّاً بكفٍ،/ وتطفحُ عيناهُ../ يكوي الذي قد يراهُ.. وتبقى على حالها غائمة. كان يجمعُنا مثلما تفعلُ الأُمّهاتُ بلا موعدٍ، حولَ قصّتنا الغارمة. ويدهشهُ أنّنا في العزاءِ المُقيمِ وأنّ قيامتَهُ.. قائمة؟ سيضحكُ منّا ويبكي علينا؛ فَهَذي البدايةُ للشجرِ الحُرِّ حتى يظلَّ على عَرْشِهِ الأبديِّ.. وليسَ كما تهجسُ الخاتِمة. وأسألُ؛/ كم مرّةً سوف يأخذكُ النايُ/ للسجنِ والجرحِ والغازِ.. حتى انتباهةِ عينيكَ في برزخِ الظُلمةِ الدّاهمة؟/ وكم مرّةً ستموتُ، ليعرفَ مَن غابَ، أنّكَ قلبُ الترابِ / ونارُ الصفيحِ ودربُ المسيحِ/ وأنكَ ماضٍ ولن تستريح../ لتوقظَ جمرَتَنا النائمة. ومَن سنُمازحُ في سهرةِ الأصدقاءِ إذا التبسَ الحرفُ، عَمْداً، ولا مَن يُفارقُ معنى الحكايةِ! لكنَّه الحُزنِ يغلبُ أفراحنَا القاتمة. ومَن سيجيءُ،/ وقمصانُهُ غيمةٌ لا تبالي، / فيمطرُ من ظمأٍ للسهولِ إذا عَزَّ فَيْضُ السيولِ وجفَّت ينابيعها الهائمة؟ تجلّيتَ يا صاحبي مثلَ زيتونةِ الحقلِ،/ أو مثلَ ليمونةٍ طبعوا خدّها للعروس، وأكملتَ زينتكَ، اليومَ، فاخرُجْ علينا لنعرف أنّ البلادَ لها عشقُها المستحيلُ، وأنّ لأعراسها الأخْذةَ الحاسمة. المتوكل طه |
https://fbcdn-sphotos-b-a.akamaihd.n...9ff829e0a65833 "مشكلة المتزمتين أنهم لا يفرقون بين حرية المرأة, و هي حق لكل إنسان و ليست حكراً على الرجال فقط, و بين الإنفلات الأخلاقي." لـِ/ غَـادة السمان !~` |
أنهمر حزناً على أصابع الآلة الكاتبة كصفصافة تنتحب عصافيرها تك تك في قلب الظلام الدامس تعني أنني لست امرأة من المعدن تك تك بأصابع تشتعل قهراً فوطني ليس رقعة شطرنج غادة السمان |
العرب يعودون إلى مناقشة هويتهم ها هو التاريخ يدور بالعرب، مرة جديدة، فيعودون إلى مناقشة هويتهم وأصولهم وأعراقهم وأنسابهم، في ضوء معطيات موقعهم الجغرافي هائل الامتداد ورسالة الدين الحنيف، الإسلام، التي شُرّفوا بها وفتحت لهم آفاق الدنيا ومجد السلطة في رحاب العالم لقرون عديدة، بنهاياتها المأساوية، التي جعلتهم مزقاً من البلاد الحاكمة بالجغرافيا والمحكومة بالهيمنة الأجنبية. فقبل مئة عام أو أكثر قليلاً، ومع سقوط السلطنة العثمانية التي حاول سلطانها أن يكون خليفة فوقف «نسبه» غير الهاشمي، بل غير العربي، حائلاً دون ذلك، انتبه العرب إلى واقعهم المهين، ووجدوا من يحرضهم للنهوض ومواجهة العثمانيين باعتبارهم «استعماراً». فلا دولتهم هي دولة الإسلام، ولا سلطانها من النسب الشريف، ثم إنهم يعاملون العرب بالذات باستعلاء منفّر. وحين وقعت الانتفاضة الدستورية في اسطنبول، في العام 1909، وجرت إعادة صياغة الحكم، كان الغرب الاستعماري يتقدم لوراثة السلطنة وممتلكاتها في «العالم العثماني» الفسيح، فأخذت «الولايات» الأوروبية تستعيد حريتها تدريجياً، بينما كان على العرب أن ينتظروا الحرب العالمية الأولى والانهيار الشامل للسلطنة كي يباشروا ـ جدياً ـ رحلة البحث عن التجسيد السياسي لهويتهم الأصلية في مختلف ديارهم، ولا سيما في المشرق العربي. على أن الغرب، ممثلاً ببريطانيا وفرنسا أساساً، كان لديه مشروعه لهذا المشرق العربي، ممثلاً باتفاق سايكس ـ بيكو (1916) الذي وزع أقطار المشرق بين المستعمرين الوافدين بعسكرهم إلى المنطقة، بعدما كانوا قد مهدوا لذلك المشروع عبر نسج علاقات خاصة مع بعض الأعيان والزعماء المحليين. في حين تولت بعثاتهم التبشيرية وإرسالياتهم التعليمية إرساء قاعدة معلومات محترمة عن «السكان» بتوزعهم الديني بل الطائفي والمذهبي، مفرقين بين المسيحيين والمسلمين، ثم بين المسيحيين والمسيحيين والمسلمين والمسلمين. فأما ركيزة المشروع الاستعماري الجديد، فلسوف تعتمد، بداية، على تحريض العرب ضد «السلطنة» واستعادة ملكهم المضيع (بصيغة عصرية للخلافة). هكذا اندفع الشريف حسين بن علي، ملك الحجاز، ينادي بالثورة العربية سنة 1915 مفترضاً أن حلفاءه سيمهّدون أمامه الطريق لاستعادة مجد الخلافة الضائع! ولم يكن البريطانيون بحاجة إلى أكثر من إعلان الشريف حسين «ثورته» التي تخاطب في الوجدان العربي المجد الضائع، فيخرج العرب على السلطنة ويندفعون إلى قتال الأتراك الذين صاروا الآن «مستعمرين»، طلباً للحرية. .. ثم كانت معاهدة سايكس بيكو 1916 التي توزع فيها البريطانيون والفرنسيون أقطار المشرق العربي بالعدل والقسطاس: لبنان وسوريا لفرنسا، وفلسطين مع الأردن (أو بعض البادية السورية) والعراق لبريطانيا، التي كانت أصلاً تضع يدها على الخليج العربي وتمد نفوذها إلى ما سيكون بعد سنوات قليلة «المملكة العربية السعودية» بعد تمكين عبد العزيز آل سعود من الانتصار على الشريف حسين وطرده، فينفيه البريطانيون (بعدما أدى ما عليه!) إلى قبرص حيث مات فيها. لن تكتمل الخريطة المقررة للمشرق العربي إلا مع وعد بلفور (1917) الذي أعطى من لا يملك (البريطاني) لمن لا يستحق (اليهود ممثلين بالحركة الصهيونية) فلسطين لتكون وطناً قومياً لليهود! في هذه الأثناء، كان الرواد من المفكرين والكتاب يعيدون إحياء الهوية العربية، متحمّلين الاتهامات بأنهم بهذا الكشف إنما يخدمون الاستعمار الغربي في جهده لتدمير «دولة الإسلام» ممثلة بالإمبراطورية العثمانية. وكان طبيعياً أن تتوالى الانتفاضات ضد الاستعمار الجديد فكانت «ثورة العشرين» في العراق التي انتهت بخروج شيعته على حكم الدولة الجديدة، برغم تنصيب فيصل الأول (ابن الشريف حسين) ملكاً عليها. بينما تم استرضاء شقيقه عبد الله بإمارة على شرقي الأردن (ستُكتشف أهميتها للمشروع الإسرائيلي في مقبل الأيام). وتوالت الثورات والانتفاضات في سوريا رفضاً لتقسيمها إلى أربع دول على قاعدة طائفية ـ مذهبية (سنة وعلويون ودروز). في حين رسم للبنان كيان جديد يضم إلى «المتصرفية» التي كانت قد أنشئت بعد فتنة 1860 (على قاعدة طائفية) أجزاء من ولايات عثمانية سابقة، أو ما يسمى لبنانياً (الأقضية الأربعة ـ أي الشمال والجنوب والبقاع وبيروت) وهي التي تضم أكثريات إسلامية (سنية وشيعية). عبر هذه التطورات جميعاً كانت فكرة «العروبة» تتبلور وتكتسب مضمونها السياسي المرتكز إلى أن هذه الهوية ضاربة في أعماق التاريخ، على اختلاف مراحله وطبيعة الحكام في ظل «الخلافة» التي كانت قد ماتت سريرياً. برز المفكرون والكتاب والأدباء، وبينهم كثير ممن احترفوا الصحافة، بل لعلهم قد اقتحموا عالمها الجديد. وكانت «الطليعة» في غالبيتها من «الشوام»، لبنانيين وسوريين، ولأنهم من «رعايا» مناطق تخضع ـ كلياً أو جزئياً للسلطنة ـ فقد وجدوا في القاهرة الملجأ والمنطلق للتبشير بدعوتهم إلى العروبة. هكذا، ظهرت في القاهرة «دار الهلال»، بروايات جرجي زيدان التي تشكل محاولة لإعادة كتابة التاريخ بأسلوب روائي، ثم بمجلة «الهلال» الثقافية الشهرية، وصدرت معها في أواخر القرن التاسع عشر مجلة «المقتطف» ثم مجلة «المقطم»، بينما كان عبد الرحمن الكواكبي القادم من حلب يقوم بمحاولة إعادة كتابة التاريخ متحرراً من ظل الهيمنة العثمانية. في المقابل، أخذت تطل محاولات لإنشاء أحزاب سياسية تدعو إلى استعادة الهوية الأصلية للمنطقة وأهل «العروبة». وشهدت بلاد الشام خصوصاً، في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان، حركة فكرية نهضوية واسعة، واضحة بمضمونها السياسي وإن تعثرت تجاربها الحزبية. وقد تعززت السياسة في هذه الحركة مع الاطلاع على معاهدة سايكس ـ بيكو، ثم على «وعد بلفور»، إذ تأكد عرب المشرق، خصوصاً، أنهم مستهدفون في وحدة بلادهم كما في هويتهم، وبالتالي في مستقبلهم بمشاريع لتقسيمهم دولاً بلا مقومات للحياة، تضرب مشروعهم الوحدوي، وتخلق صراعاً حول سلطات وهمية في دول غير قابلة للحياة، ما يمهد للمشروع الإسرائيلي الذي كان العمل جارياً على تحقيقه فعلياً، فوق أرض فلسطين. في أواسط الثلاثينيات ظهر «الحزب السوري القومي الاجتماعي» منادياً بوحدة «الهلال الخصيب» الذي يضم لبنان وسوريا والعراق والكويت ومعها قبرص، بوصفها نجمة «الهلال». في الأربعينيات أعلن في دمشق عن قيام «حزب البعث العربي الاشتراكي» منادياً بوحدة عربية شاملة تضم بلاد العرب جميعاً في ما بين المحيط والخليج. وفي أعقاب نكبة فلسطين، توالى ظهور التنظيمات السياسية الوحدوية وقد أعطتها فلسطين التي احتلتها القوات الصهيونية الوافدة من الغرب، بتغطية دولية شاملة، الشعار والهدف: توحيد الأمة لمواجهة مخاطر ضياع فلسطين واجتياح الأمة جميعاً، وكانت «حركة القوميين العرب» أبرز هذه التنظيمات. على أن الصراع على السلطة في بلاد الشام، بعد نكبة فلسطين، وتحت شعارات العودة إلى الميدان لتحرير الأرض، أخذ معظم هذه الأحزاب إلى متاهة فكرية وسياسية، سرعان ما دخل إلى حومتها العسكر، فانتهى الأمر بأن آل الحكم إلى الجيش في سوريا، ثم في العراق. وكان الأردن المستفيد الأعظم من النكبة، إذ تحولت الإمارة إلى «مملكة» بعدما ضم الأمير عبد الله الذي غدا الآن ملكاً على الأراضي الفلسطينية التي أرجأت إسرائيل احتلالها إلى وقت آخر. وكان القائد الذي أشرف على بناء الإمارة ثم المملكة على قاعدة عسكرية صلبة هو الجنرال البريطاني الأصل غلوب، والذي منحه «الملك» لقب الباشوية تقديراً لإخلاصه. في هذا السياق تطل القاهرة كحاضنة فكرية ـ سياسية، ثم بعد «ثورة 23 يوليو» 1952 كمشروع قيادة لإعادة صياغة المشروع القومي العربي، خصوصاً أنها استحقت القيادة بالجدارة بعد صمودها للعدوان الثلاثي خريف 1956، ثم بعد دخولها المعترك السياسي العربي (المشرقي) بقبولها «اللجوء السياسي» لسوريا في دولة الوحدة: الجمهورية العربية المتحدة، التي لم تعمر مع الأسف إلا ثلاث سنوات ونصفاً. من المنطقي الافتراض أن فكرة العروبة وتجسيداتها السياسية تلقت ضربات قاتلة عبر فشلها في مواجهة المشروع الإسرائيلي، ثم في عجزها عن حماية فكرة الوحدة وقد تحولت إلى «دولة نواة» عبر الجمهورية العربية المتحدة التي جمعت سوريا إلى مصر.. ثم توالت الضربات عبر هزيمة 1967، ثم عبر طي صفحة الصراع ـ أقله عسكرياً ـ مع العدو الصهيوني، بعد توقيع السادات معاهدة الصلح مع إسرائيل، ثم لحق به الأردن، ومن بعده «منظمة التحرير» التي كانت قد أخرجت ـ بقواها العسكرية ـ من الأردن وسوريا ولبنان. وقد كانت بيروت المحطة الأخيرة لهذه المرحلة من النضال الفلسطيني الذي «استقل» عن سائر «العرب»، بعدما استقل نظام كل منهم بقراره. فإذا الأمة تعود إلى خانة الأحلام، وإذا القرار يعود ـ مرة أخرى ـ إلى دول القرار في الغرب، بالقيادة الأميركية التي ترسم لنا طائراتها الحربية المتجولة في سماء المشرق العربي، بذريعة قتال «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، ملامح المستقبل العربي.. خارج العروبة، وربما خارج الإسلام أيضاً. طلال سلمان تنشر بالتزامن مع جريدة «الشروق» المصرية |
|
قد لا يجوز أن نسأل عن حصاد العام الثقافي والفني، فقد أمضينا هذا العام في ارتقاب حرب ومخاض حرب وتقطعات حرب. قد يجدر بنا أولاً أن نذكر المغني الذي انتزعت حنجرته والمفكر الذي لفظ أنفاسه في السجن والفنان الذي هشمت يده والشاعر الذي زار السجن والروائي الذي يرتقب بحذر زوار الليل. لكن المصائر الفاجعة للفنانين والمثقفين تندمج في قصة الحرب أو الحروب ولا تشير إلاً إلى الكوارث التي تحل بالبلاد إجمالاً وإلى انخساف مكانة المثقفين وفعاليتهم، وإلى البطش الذي وحده يسود على الثقافة وغيرها. لن نجد في ذلك كله سوى تضاعيف محزنة، لكن العجب هو في أن آخرين استمروا يغنون واستمروا يروون وينظمون ويصوّرون. وإذا كان أول ما يخطر هو ما بين هذه الأعمال وبين الحرب القائمة حولها وأمامها ووراءها. أول ما يخطر هو البحث عن الترجمة والانعكاس أو الموازاة أو التناظر بين الواقع المتفجر والأشكال الفنية والفكرية. سنقول عندئذ غالباً في أنفسنا ولأنفسنا أن الوقت لم يحن بعد لمعاينة كهذه، ربما سنقول إن تبادلات ما بين الفن والفكر والواقع لم تعش بعد معاناة ومخاضاً كافيين ليصدر عنها مبان وتصورات وترجمات. أو ربما سنقول إن الأمر يحتاج إلى تمعن وطبخ ونضوج وهذه تحتاج إلى وقت وإلى أمعان وإلى نار خفيفة وهادئة، والمهم أن علينا الانتظار وأن الفرز والتمييز والتقييم ليس وقتها الآن. إلا أن حجة كهذه قد تقنع شاعراً لا يزال سادراً في غنائه ومصوّراً لا يزال مستمراً في فنه وروائياً لا يزال يقع على موضوعات ماضيه أو آفلة. هؤلاء يعانون الحروب بأجسادهم وأنفاسهم وقلوبهم ولكنهم لا يجدون فسحة يكتبون أو ينغمون أو يلونون بإزائها ما يناظرها أو يترجمها أو يوازيها من قريب أو بعيد، لكن ثمة من يجدون داعياً لأمور أخرى. يجدون في الحرب دعوة مباشرة لخوضها من طرف ما، لينتظموا فيها ولو بسلاح آخر، قد يكون الريشة والقلم أو الوتر، عندئذ تغدو محاكاة القتال هي السائدة. يوصف القتال كما هو وترشح اللغات بالدوي الحربي وتمتلئ بالكليشيه العسكري أو العقائدي، وقد لا يكون النص سوى وثيقة من وثائق القتال القائم، ينقل الحرب كما هي ويقولها بلغتها نفسها. قد يكون الواقع نضالياً وقد يكون «أدبياً» أخطأ المرمى، لكن الأكيد أن هذه الحروب المتطاولة التي لا مخرج منها تقتضي مقابلاً أدبياً لا يكتفي بالنقل ولا بالوثيقة وإنما يبني عالماً موازياً. غير اننا لم ننتظر الحرب لنبدأ أسئلتنا. تأتي الحرب وتفاجؤنا ونحن ثقافياً وفنياً وأدبياً في حيرة كاملة. إن لم نقل إننا في حال من الجمود والضنك الحقيقيين. فما سمي في حينه الحداثة لم يبق فقط موقوفاً على نخبة ضئيلة، لكن كان في أول أمره وفي أواسطه هزيلاً ركيكاً. لقد كان شعبياً وشعبوياً بدون أن تكون له صلة بالشعب، فهو يعكس على هذا النحو شعبوية نخبة «مثقفة» لم تجد لنفسها أفقاً أوسع ولا مجالاً أعمق أو أكثر امتداداً. كانت الحداثة بهذا المعنى حالة تترجم شعبوية المثقفين، لذا لم تعتم أن حولت القومية والتجديد إلى أديان أو عقائد متدينة، ولم يكن مفاجئاً أن ترث الأصولية الدينية هذه الشعبوية، فمن الواضح أن الأصولية الدينية تتقاطع مع هذه الحداثة في العديد من النقاط، بل وترثها بدون أي عوائق، ولم يكن مستغرباً أن ننتقل من تدين إلى تدين آخر. على الصعيد الأدبي، كانت الحداثة الأدبية والتي انطلقت من الشعر قد وصلت إلى حد استنفدت فيه طورها الأول، استنفدت بدرجة خاصة ما في هذا الطور من شعارات وكليشيهات ووجدت نفسها في الطور الثاني والثالث ضائعة تائهة، بعد ان انتهت على مستوى الشعر مسائل من نوع تفجير اللغة وتخريب اللغة إلى هلهلة واضحة لم يعد واضحاً أين نحن في هذا المتاه. الا ذلك الصراع الذي يبقى خالداً بين قصيدة الشعر، ثم إن رواية ما بعد محفوظ قد استنفدت الذاتية والشاعرية والتداعي والزمن المكسور والتقنيات الجديدة، لتصل هي الأخرى إلى ضائقة حقيقية. لم ننتظر الحرب لنصحو على هذه الحيرة. لقد كانت الحرب حيرة بحد ذاتها. ولن تخرجنا من هذه الحيرة حروب أخرى. عباس بيضون |
|
تتدافع الأسئلة في البال، ويتسبب «لامنطق» تدافعها في وهن القدرة على ترتيب أولوياتها. فكيفما جالت عيوننا على امتداد «وطن عربي»، أيقنا أن كتلته البشرية إما مأزومة أو مهزومة.. أنت كمفكر ومن رواد علماء الاجتماع العرب المرموقين في تحليلاتهم. كيف تجري ترتيب أولويات ما نحن فيه، وما سنكون عليه؟ فهل لديك جرأة القول بعد فقدان معنى ما نشهد ونشاهد؟ الأزمة والهزيمة لفظتان خادعتان يمكن إخلاء القاموس العربي منهما. متى كان الوضع سويّاً ليتأزم؟ ومتى امتدت انتصاراتنا لتكون الهزيمة استثناءً؟ للخيال الأصولي أن يذهب إلى أزمنته الغابرة، بحثاً عن السويّ فيها، وللنهضوي أن ينظر إلى نهضته من جهة ما قبلها، ولكن هذا لا يغيّر من مشهد اليوم، وهو مشهد تاريخ عربي يتشظّى في نطح جدارٍ مسدود. الانسداد كلمة أنسب، وهو نتيجة صيرورة طويلة تراخت فيها عوامل المناعة فبدت كأنها تحمل موتاً بطيئاً. أليست يومياتنا، اليوم، في عدد قتلانا؟ لقد فوت العرب فرص تغيير كبرى، وما كان ممكنا منها لم يعد ممكناً. ولو دفعت القول إلى أقصى ما يخطر في ذهني، خصوصاً من وجهة جيوسياسية، لقلتُ إن العرب أصبحوا يعيشون كلّ يوم على أنه آخر أيامهم، ولقد نجحوا في تدريب جامعتهم العربيّة على تأبينهم! لا جرأة في قول هذا بقدر ما فيه من حزن. في إحدى المقابلات مع قسطنطين زريق المنشورة العام 94 في صحيفة «السفير» قال يومها «نحن أمة متخلفة ولا بد من ثورة على الذات».. وفي الجامعة اليسوعية أطلق أدونيس مؤخراً عبارة « لسنا أنفسنا».. ما هي شروط تحقق ثورة الذات على «أنفسنا» كي نجد أنفسنا؟ لقد حان الوقت ليقول العرب للعرب بعض حقائقهم، من دون مواربة. لقد عشنا طويلاً نموّه على الذات، ننتج اللّامعنى ونتداوله، نتكاذب سياسيّاً وأخلاقياً، وحتّى فكريّاً، كما تتكاذب، اليوم، ألقاب «المحلّلين» على الشاشات. طوّعنا اللغة لهذا التكاذب، فلا هي، بعد هذا، تصدّقنا ولا نحن نصدّقها. لقد صعب علينا إعادة المعاني إلى الأشياء. لم يعد من الإفراط القولُ بأن الأغلبيّة تنتج اللّامعنى، في التكرار وفي الكلام العابر، ولم يعد من قبيل الهزل أن يقال إنه من الرفق بالمعنى أن تكف الأغلبية عن الكلام! كيف يكون الحديث عن الأولويات في وضع كهذا؟ الأولويات كانت دائماً مقلوبة، تقلبها مقايضات أنظمة مستبدّة. أكبر الخسارات، في أشهر المقايضات، كانت خسارات الحقوق والحرية والعدالة الاجتماعيّة. وإذا أضفنا أن مصالح القوى الخارجية تُملي علينا، في كل مرحلة، أولويّاتها المتجدّدة فإن من الخسارات أيضاً ما كان يسمّى سيادة وطنيّة. أما ما يبدو أن الربيع العربي أراد إعادة ترتيبه من الأولويات فهو يبدو، في أغلب حالاته وحتى الآن، مدهوساً، متناثراً بين أقدام الطوائف والميليشيات المتناحرة، وحتّى في خطب الحركات والأحزاب السياسيّة. أما في أهدأ الحالات كحالة تونس فتتقاسمه ماضويّتان، واحدة سياسيّة والأخرى دينيّة. هذه الماضوية تؤكد، من جديد، أن إعادة ترتيب الأولويات، في علاقتها بالتغيّر الاجتماعي، تحتاج إلى قطيعة يبدو أن الثقافة العربية لا تتحملّها، وهذا موضوع آخر. نداء الثورة على الذات له أصول روحانية تقوم على مجاهدة النفس وعلى تأمّل يعتبر أن منافذ الذات لا تنفتح إلاّ من الداخل. لكن الأمة ليست كائنا ميتافيزيقيا. السؤال هو: ثورة من، وعلى أية ذات؟ الحديث عن ثورة أمّةٍ على ذاتها، هكذا في المطلق، غالباً ما يكون تحاشيا تقليديا للحديث عن ثورة اجتماعية. لقد حدث ان ادّعت الأمة ثورتها على ذاتها في الخطب الفاشية أيضاً! مهما يكن، فالسائد، عربيّاً، هو جلد ذاتٍ مطلقة، أسطوريّة، وهو جلد لا يخلو من مازوشيّة بدائيّة. نعم، لسنا أنفسنا، بمعنى من المعاني، وتخصيصاً إذا كان هذا يعني ذلك الانفصام الذي يكثر الحديث عنه في الخطاب العربي والذي تعبّر عن أعراضه ازدواجيّة في الفكر والسلوك، كما تعبّر عنه ثنائيات فكرية وإيديولوجيّة لم تستطع الثقافة العربيّة لا حلّها ولا الاستغناء عنها: التراث أو الأصالة والمعاصرة أو الحداثة، الهويّة والاستلاب، الخ... بهذا المعنى الانفصامي لسنا أنفسنا ولا غيرنا. وما دامت الحال هي هذه، فأيّ نفس، أيّ ذاتٍ، نبحث عنها؟ أهي تلك الممكنة التي يبدو مستعصياً علينا، أكثر فأكثر، بناؤها أم تلك المستبطَنة من تجربة بائسة؟ هناك اليوم، من يبحثون عن أنواع من أنفسهم أو من صور ذواتهم في غياهب القرون الخالية. يقولون إنهم وجدوها حيث تركها الأولون وإنهم فرحون بذلك. نعرف كيف يحتفلون بهويّة قاتلة، فعلاً. هل من الضروري إضافة، أن خطاب الهويّة في الفكر العربي هو، في مجمله، من أكثر الخطابات رجعيّةً؟ لقد ساهم جموده في جلب كوارث الماضي إلى الحاضر وفي شد المستقبل إلى الماضي، كما ساهم في ترسيخ التسلط السياسي الذي سلّح الهويات بالأساطير والسواطير في مواجهة التغيير. الخطاب الهويّاتي السائد، فكرياً وسياسياً، هو مما يجب تعريته وتفكيكه مثلما تفكك القنابل الموقوتة. هوياتنا تتوحّش، اليوم، وتتعسكر. أين يكمن سر أزماتنا المتناسلة من رحم الازمات المتكررة والمتشابهة؟ لقد افتقدت معاني اللغة في إعطاء معناها الدال.. نشعر وكأننا في حالة انعدام الجاذبية.. من هم هؤلاء الذين يتشكل منهم هذا المجموع البشري المقيم بين المحيط والخليج؟ (طبعاً باستثناء اسرائيل). كان لعبارة «من المحيط إلى الخليج» معنى الانتماء الحضاري أو الثقافي وحتى الاجتماعي، إلى حد ما. ولذلك كان يبدو بديهياً أن يقال «المجتمع العربي» و «الشعب العربي» في صيغة المفرد كما يقال «الوطن العربي». كان لها أيضاً، في لحظات محددة من التاريخ السياسي العربي الحديث، معنى الكينونة العربية المتماسكة المتكاملة، وقد تم توظيف هذا، مثلاً، بدهاء جيوسياسي غربي، في استعمال عبارة الصراع العربي الاسرائيلي، بقطع النظر عمن كان، فعلاً، يصارع اسرائيل من العرب. اليوم يتبيّن أن كل هذا من مجاز «اليوتوبيا» أو العجز. طبعاً، لا تزال هناك تجليات في الحياة العامة وخيوطٌ من الأواصر تكسبك شعوراً بانتماء قَد يحدّ من إحساسك بالغربة في بلد عربي، لكن مصائر العرب، إجمالاً، تنوعت وتوازت واختلفت وتعارضت وتحاربت، وفُرسانهم في ذلك أنظمتهم. لقد أصبحت مصائر البعض مصائبَ البعض. يكفي أن نتساءل: كم هي البلدان «الشقيقة» التي تؤاخي بينها حدود مشتركة؟ أو كم «شقيق» أقرب من الصديق ومن غير الصديق؟ وإذا كان نقد هذا الوضع العربي العام أو «حال الأمة» أمراً مألوفاً فإنّ من غير المألوف نقد الشعب أو هذه الشعوب من المحيط إلى الخليج. تعودنا نقد المجتمع ومجاملة الشعب، حتى لكأن المجتمع بلا شعب أو لكأن الشعب خارج المجتمع. كلنا شعبويون، من هذه الوجهة. الربيع العربي بيّن أنّ الشعب يمكن أن يريد وأن يثور ولكنه، في ثورته، يفرز أنبل ما فيه وكذلك أسوأ ما فيه. لقد تظاهرت النخب، خصوصاً السياسية منها، باحترام إرادة الشعب وخياراته، مهما كانت، وهذا حال دون طرح السؤال عن مضمون وعيه الممكن وعن إفرازات وعيه التجريبي. اختصاراً، هذا يعني ضرورة إرجاع مفهوم الشعب إلى الواقع الاجتماعي. من هي هذه النحن؟ هل حاسبت نفسك على ما كتبت في معنى الثورات والجمهور و...؟ مباشرةً، مع بدء الثورة في تونس، كتبت مقالاً صغيراً بعنوان «لكي لا تأكل الثورة أولادها باكراً». كان من الواضح فيه أن الخوف ليس من أن تأكل الثورة أولادها، فهذا مألوف ومنتظر، وإنما هو من أن يكون ذلك بنَهمٍ سريع. غمرةُ الفرح جعلت البعض يجدون في هذا التحذير بعض التشاؤم المبكر، لكن سرعان ما تبيّنت مرحلة المرور من ثوار بلا ثورة إلى ثورة بلا ثوار، بعد أن عاد الثوار إلى مواقعهم، سالمين وغير سالمين. ولقد قيل عمّن «ركبوا» الثورة أو «سرقوها» الشيء الكثير. كتبت أيضاً «أسئلة الثورة» وأظنها لا تزال مطروحة. ولو كان لي أن أضيف لأضفت إلى الثمانية ثلاثة أسئلة، على الأقل، كانت متضمّنة في النص، ولكن الأحداث جعلت منها أسئلة كبرى: سؤال الدين، وسؤال المرأة، وسؤال التدخّل الخارجي. ومهما كان الرأي أو رأيي في ما كتبت عن الثورة فإن أقرب ما كتبت إلى نفسي هو النص ذو المسحة التراجيديّة عن «البوعزيزي وراء الخير والشر» والذي تمثّلت فيه البوعزيزي وأسئلته، وهو يواجه موته. ما كتبته عن الثورة هو قليل ولا يكاد يتسع للمحاسبة، خصوصاً أن أغلبه أسئلة بلا أجوبة. ثمة الكثير مما نخشى وقوعه، لكننا لا نستطيع ترسيم خطوط وحدود هذه الخشية و»الخشيات».. لكن المفجع وسط هذه المخاوف ما نشهده من هدير لصوت العنف، لهذه الاحتفالية الغرائزية بموت الذات؟ كيف لك كمتبصر في شؤون المجتمعات العربية أن ترسم مساراتها ومصائرها؟ وكيف نقيم الثورات ونقع في الفوضى والعنف، كيف نغفو على تحليلات كبار المحللين والمثقفين ثم نستفيق على «كليبات» الرؤوس المقطوعة؟ ما قلته عن الانسداد العربي وعن تحايل اللامعنى في تغطيته كان من منظور الكينونة العربيّة، كما كان يُنظر إليها في خطاب التجانس والتكامل، وباعتبار اختلاف المصائر الجيوسياسيّة، بالدرجة الأولى. يمكن أن أضيف أن الثورات العربية قاربت وباعدت، في نفس الوقت، بين هذه المصائر: قاربت، شعبيّاً، في الانفتاح على الممكن وحتى اتصالياً، عبر الوسائل الحديثة، وباعدت، رسميّاً، في تنوّع الردود على هذا الممكن وفي الحذر منه. لكن، ومهما كان من مآلات الثورات العربية، فما حدث هو تحريك للتاريخ. ومثلما يحدث عند تحريك بركةٍ راكدة، آسنة، فإن ما يطفو خليط مما تراكم. وإذا كان من المألوف في الثورات أن تشقّها فوضى قد تختلف تسمياتها فإن العجب هو من ثورات تدفع ثمنا غاليا لتنحرف إلى نقائضها، بدفع من أضدادها. غالبا ما يكون هناك إفراط متعمّد في إسناد الفوضى والخراب، بل وحتى بعض مظاهر الإرهاب إلى الثورة. ما علاقة قطع الرؤوس، مثلاً، بالثورة؟ إنه من هُوامات الوصوليّة إلى السماء، اتخذت من عَنْفنة الدين طريقاً دمويّاً إلى الله. وهذا يُسأل عنه التحليل النفسي! ما ضيّعه العربُ، جماعياً، يعانون تبعاته فرادى، وأغلب هذه المعاناة قاسٍ وفيه انتكاس تاريخي سحيق. حالة تونس استثناءٌ في المشهد حتى الآن. وإضافة لما يقال عن مدنيةِ الانتقال الديموقراطي في تونس وعن سلميّته وحتى عن أناقته، فإن أبرز ما حمل المشروع الديموقراطي في تونس، من وجهة نظري، أمران: تحوّل المطلب الديموقراطي إلى مطلب اجتماعيّ وظهور بوادر قابليّة الدين للاندراج في مشروع المجتمع الديموقراطي. إن خطاب الهوية في الفكر العربي هو، في مجمله، من أكثر الخطابات رجعية، لقد ساهم جموده في جلب كوارث الماضي إلى الحاضر وفي شد المستقبل إلى الماضي، كما ساهم في ترسيخ التسلط السياسي الذي سلح الهويات بالأساطير والسواطير... هوياتنا تتوحش اليوم وتتعسكر منى سكرية.. |
|
|
|
|
|
https://scontent-b-lhr.xx.fbcdn.net/...7b&oe=55074B50 Smile though your heart is aching Smile even though it's breaking. When there are clouds in the sky you'll get by. If you smile through your fear and sorrow Smile and maybe tomorrow You'll see the sun come shining through For you. Light up your face with gladness, Hide every trace of sadness. Although a tear may be ever so near That's the time you must keep on trying Smile, what's the use of crying. You'll find that life is still worthwhile- If you just smile. That's the time you must keep on trying Smile, what's the use of crying. You'll find that life is still worthwhile- If you just smile. |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
الساعة الآن 10:06 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.