منتديات بنات فلسطين

منتديات بنات فلسطين (http://www.bntpal.com/vb/index.php)
-   ▪« قطوُفٌ دَآטּـيَة ]≈● (http://www.bntpal.com/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   متجدد/ وقفات تأمل في حياة نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم (http://www.bntpal.com/vb/showthread.php?t=18284)

صمت المحابر 05-24-2014 06:30 PM

وتروي عائشة رضي الله عنها فتقول: "دخل رهطٌ من اليهود على رسول الله، فقالوا: السام عليكم [6] قالت عائشة: ففهمتها؛ فقلت: وعليكم السام واللعنة، فقال رسول الله: «مهلاً يا عائشة! إن الله يحب الرفق في الأمر كله»، وفي رواية: «وإياك والعنف والفحش»، فقلت: يا رسول الله، أولم تسمع ما قالوا؟! قال رسول الله: «قد قلت: وعليكمٌ» [7].

فهذا رسول الله -وهو القائد الممَكَّن في المدينة- يدخل عليه مجموعة من اليهود، فيدعون عليه بالموت في وجهه وهم يتحايلون باستخدام لفظ (السَّام) القريب من كلمة (السلام)، بحيث لو واجههم رسول الله بذلك لقالوا: "كذبًا: لقد قلنا: السلام"، ورسول الله مع يقينه بما قالوا، ومع وجود عائشة رضي الله عنها في المجلس وسماعها لمثل ما سمع، إلا أنه لا يقيم عليهم حكمًا ما داموا مُنْكِرين، ولا يقول: شهادتي وشهادة عائشة رضي الله عنها أمام شهادتكم، بل يكتفي بأن يرد لهم الكلمة بأدب، فيقول: «وعليكم»، ولا يفعل مثلهم، ولا ينطق بلفظهم، بل إنه ينهى عائشة رضي الله عنها عن العنف والفحش، ويأمرها باتِّباع الرفق في المعاملة، حتى مع مَن يدعو عليك بالموت في وجهك!

صمت المحابر 05-24-2014 06:31 PM

وأعجب من هذا موقفه مع (زيد بن سعنة) وكان من أحبار اليهود، قال زيد بن سعنة: "إنه لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حِلمًا، فكنت أتلطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله، فخرج رسول الله من الحجرات، ومعه علي بن أبي طالب، فأتاه رجل على راحلته كالبدوي، فقال: يا رسول الله، قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام، وكنت أخبرتهم أنهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغدًا، وقد أصابهم شدة وقحط من الغيث، وأنا أخشى -يا رسول الله- أن يخرجوا من الإسلام طمعًا كما دخلوا فيه طمعًا، فإن رأيت أن تُرسِل إليهم من يُغيثهم به فعلت، قال: فنظر رسول الله إلى رجل جانبه -أراه عمر- فقال: ما بقي منه شيء يا رسول الله..".

صمت المحابر 05-24-2014 06:32 PM

قال زيد بن سعنة: "فدنوت إليه، فقلت له: يا محمد، هل لك أن تبيعني تمرًا معلومًا من حائط بني فلان إلى أجل كذا، وكذا؟ فقال: "«لا يا يهودي، ولكن أبيعك تمرًا معلومًا إلى أجل كذا وكذا، ولا أُسمي حائط بني فلان»"، قلت: نعم، فبايَعَنِي، فأطلقت همياني، فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا، قال: فأعطاها الرجل وقال: «اعجل عليهم وأغثهم بها»".

قال زيد بن سعنة: "فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة، خرج رسول الله في جنازة رجل من الأنصار ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، ونفر من أصحابه، فلما صلَّى على الجنازة دنا من جدار فجلس إليه، فأخذت بمجامع قميصه، ونظرت إليه بوجه غليظ، ثم قلت: ألا تقضيني -يا محمد- حقي؟ فوالله إنكم -يا بني عبد المطلب- قوم مُطْل، ولقد كان لي بمخالطتكم علم! قال: ونظرتُ إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره وقال: أي عدو الله، أتقول لرسول الله ما أسمع، وتفعل به ما أرى؟! فوالذي بعثه بالحق، لولا ما أحاذر قوته لضربت بسيفي هذا عنقك، ورسول الله ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة، ثم قال: «إنَّا كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التباعة؛ اذهب به -يا عمر- فاقضه حقَّه، وزده عشرين صاعًا من تمر مكان ما رُعْتَهُ»".

صمت المحابر 05-24-2014 06:33 PM

قال زيد: "فذهب بي عمر فقضاني حقي، وزادني عشرين صاعًا من تمر، فقلت: ما هذه الزيادة؟ قال: أمرني رسول الله أن أزيدك مكان ما رُعْتُكَ، فقلت: أتعرفني يا عمر؟ قال: لا، فمن أنت؟ قلت: أنا زيد بن سعنة، قال: الحَبْر؟ قلت: نعم، الحبر. قال: فما دعاك أن تقول لرسول الله ما قلت، وتفعل به ما فعلت؟ فقلت: يا عمر، كل علامات النبوة قد عرفتُها في وجه رسول الله حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أختبرهما منه: (يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا)، فقد اختبرتهما، فأُشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا، وأشهدك أن شطر مالي -فإني أكثرها مالاً- صدقة على أمة محمد، فقال عمر: أو على بعضهم؛ فإنك لا تسعهم كلهم، قلت: أو على بعضهم، فرجع عمر وزيد إلى رسول الله، فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله" [8].

صمت المحابر 05-24-2014 06:33 PM

فانظر -رحمك الله- إلى هذا اليهودي الذي يُخطِّط ويدبر لكي يستثير غضب رسول الله عامدًا متعمدًا؛ لكي يختبر صدق نبوته، فقام بعدة أمور الواحد منها يكفي لإثارة غضب أي إنسان، فقد ذهب -أولاً- لطلب الدَّيْن المستحق له قبل الموعد المحدد له، ثم أخذ -ثانيًا- بمجامع قميصه وردائه يجذبه..! وتخيل هذا الموقف والرسول في وسط أصحابه، وأمام الناس! ثم نظر إليه -ثالثًا- بوجه غليظ.. ثم ناداه -رابعًا- باسمه مجردًا من أي لقب ولا كنية، فقال: "ألا تقضيني يا محمد حقي؟"، ثم هو -خامسًا- يسبُّه ويَسُبُّ عائلته حين قال: "فوالله إنكم يا بني عبد المطلب قوم مطل"!

صمت المحابر 05-24-2014 06:34 PM

فهذه أسباب خمسة فيها من التطاول والتعدي ما فيها، فإذا أضفت إلى كل هذا أن اليهودي يخاطب رأس المدينة المنورة وأعلى سلطة فيها، والرسول يقف آنذاك في وسط قوته وعزوته من المهاجرين والأنصار، إذا أضفت ذلك عرفت أن الجزاء المتوقع لمثل هذا المتطاول قد يكون في أعراف كثير من الناس هو القتل! وهو ما لم يكن غريبًا؛ فقد اقترحه عمر بن الخطاب الذي كان يحضر الواقعة.. فماذا فعل رسول الله..؟! لقد تلقى هذه الاعتداءات -ولا أقول بِتَفَهُّمٍ والتماس عذرٍ فقط- ولكن تلقاها بابتسامة وترحاب! لقد نظر الرسول -كما يروي زيد بن سعنة- إلى عمر في سكون وتؤدة، ثم قال: «أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التقاضي، اذهب به يا عمر فاقضه حقه وزده عشرين صاعًا مكان ما رُعْتَه»!

صمت المحابر 05-24-2014 06:34 PM

إن هذا السلوك السامي لا يفهمه عامة الملوك والسياسيين، بل لا يفهمه عموم الناس.. إن تواضع رسول الله جعله يقول لعمر: «إنه كان أحوج إلى نصيحة بحسن الأداء»! مع أنه لا يحتاج لهذه النصيحة؛ لأن موعد السداد لم يأتِ بعد، ولكنها محاولة لتسكين فؤاد اليهودي والتبسط معه..

وهوبعد ذلك يرى أنه من الرحمة أن يعوضه عن الخوف الذي لحقه من جَرَّاء تهديد عمر، فزاده عشرين صاعًا، وكل هذا دون انفعال أو تصلُّب، ودون أن يأخذ قسطًا من الوقت يفكر فيه، ويحسب العواقب والنتائج، إنه رد فعل طبيعي جدًا له، وهو غير متكلف فيه.. فهذه هي طبيعته الفطرية مع عموم الناس، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وسواء أحسنوا العرض أم أساءوا في الطلب..

صمت المحابر 05-24-2014 06:37 PM

إن العالم -بشتى مرجعياته وعقائده- لَيَحتاج حقيقةً إلى هذا المعين الصافي من أخلاق النبوة، ويوم يعرف الناس هذه الأخلاق ستتغير -لا محالة- الكثير والكثير من أوضاع الأرض، وستُفتَح طرقٌ واسعة للخروج من كثير من المشكلات والأزمات.

وليس أفضل لختام كلامنا من كلام العزيز الرحيم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].

صمت المحابر 05-26-2014 07:33 PM

نماذج من علو همة النبي صلى الله عليه وسلم

"الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة، والقدوة الرائعة، في علو الهمة والشَّجَاعَة والإقدام، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حمي الوطيس في الحرب، كان أكثر الناس شجاعة، وأعظمهم إقدامًا، وأعلاهم همة، وقد قاد صلوات الله عليه بنفسه خلال عشر سنين سبعًا وعشرين غزاة، وكان يتمنى أن يقوم بنفسه كل البعوث التي بعثها والسرايا التي سيرها، ولكن أقعده عن ذلك أنه كان لا يجد ما يزود به جميع أصحابه للخروج معه في كل بعث، وكان أكثرهم لا تطيب نفسه أن يقعد ورسول الله قد خرج إلى الجهاد. ("الوَطِيسُ: التَّنُّور وهو كناية عن شِدَّة الأمرِ واضْطِرام الحَرْب" النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير [1/447]).

صمت المحابر 05-26-2014 07:34 PM

- روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لولا أن رجالًا من المسلمين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل» (رواه البخاري [2797]). فأية همة عالية أعلى من هذه الهمة النبوية" (الأخلاق الإسلامية، لعبد الرحمن الميداني [2/480]).

صمت المحابر 05-26-2014 07:34 PM

- وكان صلى الله عليه وسلم القدوة في الهمة العالية في العبادة. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا»" (رواه البخاري [4837]، ومسلم [2819] واللفظ للبخاري).

صمت المحابر 05-26-2014 07:35 PM

- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فأطال القيام، حتى هممت بأمر سوء، قيل وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه (رواه مسلم [773]).

صمت المحابر 05-26-2014 07:36 PM

الرسول صلى الله عليه وسلم يبكي!

فإن نبينا صلى الله عليه وسلم كان من أرق الناس قلبًا، ومن أسرعهم دمعة، ومن أعظمهم خوفًا لله تبارك وتعالى، ورحمة لأمته جميعًا، وله صلى الله عليه وسلم مع نفسه ومع أصحابه الكرام مواقف سطرها التاريخ وحفظتها لنا كتب السيرة تُبيِّن ما كان عليه من رقة القلب وخشوعه، وأثر ذلك على جوارحه عليه الصلاة والسلام.

صمت المحابر 05-26-2014 07:37 PM

ففي موقف من مواقف حياته الشريفة تذرف عينا النبي صلى الله عليه وسلم أمام أصحابه الكرام فيرون في ذلك أمرًا مستغربًا فيوضح لهم النبي صلى الله عليه وسلم الأمر على حقيقته، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال:

"كان ابن لبعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم يقضي -أي في سكرات الموت- فأرسلت إليه أن يأتيها فأرسل: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل إلى أجل مسمى فلتصبر ولتحتسب» فأرسلت إليه فأقسمت عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمت معه ومعاذ بن جبل وأُبي بن كعب وعبادة بن الصامت، فلما دخلنا ناولوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تقلقل في صدره حسبته قال كأنها شَنَّة، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد بن عبادة: أتبكي! فقال: «إنما يرحم الله من عباده الرحماء»" (رواه البخاري).

صمت المحابر 05-26-2014 07:38 PM

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود فلما دخل عليه وجده في غشية فقال: «أقد قضى؟»- أي هل مات- قالوا: لا يا رسول الله، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى القوم بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكوا فقال: «ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يُعذَّب بهذا» وأشار إلى لسانه «أو يُرحَم» (رواه مسلم).

صمت المحابر 05-26-2014 07:38 PM

وعن إبراهيم النخعي قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود: «اقرأ عليَّ» قال: أقرأ عليك وعليك أُنزِل! قال: «إني أحب أن أسمعه من غيري» قال: فقرأ عليه من أول سورة النساء إلى قوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا} [النساء:41]، فبكى" (رواه مسلم).

صمت المحابر 05-26-2014 07:39 PM

وفي رواية الطبراني أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى على هذه الآية: "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا"، قال: فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في الحديث: «من أحب أن يقرأ القرآن غضًا كما أُنزِل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد» (رواه الطبراني: [8382]).

صمت المحابر 05-26-2014 07:39 PM

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: «استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تُذكِّر الموت»" (رواه مسلم).

صمت المحابر 05-26-2014 07:40 PM

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم:36]، وقال عيسى عليه السلام: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النساء:118] فرفع يديه وقال: «اللهم أُمَّتي أُمَّتي» وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد -وربك أعلم- فسله ما يبكيك، فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك" (رواه مسلم).

صمت المحابر 05-26-2014 07:40 PM

فهذا هو نبي الرحمة ونبي العالمين، الذي رق قلبه ودمعت عينه واستقامت أخلاقه فلم يبلغها بشر، فهو جدير صلى الله عليه وسلم أن يكون سيد ولد آدم، وهو جدير صلى الله عليه وسلم بأن يكون له المقام المحمود والحوض المورود، والشفاعة العظمى يوم القيامة.

والذي ينبغي لكل مسلم أن يقتدي به في ذلك حتى يكون من المقربين إليه في جنات النعيم، ومن رفقاء سيد المرسلين صلوات ربي وسلامه عليه سلامًا كثيرًا دائمًا إلى يوم الدين.

صمت المحابر 05-26-2014 07:42 PM

رسول الله وحقوق المرأة

أحاط الإسلام المرأة بسياج من الرعاية والعناية، وارتفع بها وقدَّرها، وخصَّها بالتكريم وحُسْن المعاملة ابنةً وزوجةً وأختًا وأمًّا، فقرَّر الإسلام أوَّلاً أنَّ المرأة والرجل خُلِقَا من أصل واحد؛ ولهذا فالنساء والرجال في الإنسانيَّة سَوَاء، قال تعالى: {يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً..} [النساء:1]، وهناك آيات أخرى كثيرة تُبَيِّن قضاء الإسلام على مبدأ التَّفْرِقَة بين الرجل والمرأة في القيمة الإنسانيَّة المشترَكة.

صمت المحابر 05-26-2014 07:42 PM

دفاع رسول الله عن المرأة:
وانطلاقًا من هذه المبادئ، وإنكارًا لعادات الجاهليَّة والأمم السابقة فيما يخصُّ وضع المرأة، قام رسول الله يدافع عن المرأة ويُنزلها المكانة التي لم تبلغها في حضارة ماضية، ولم تُدْرِكْها في أُمَّة تالية؛ حيث سنَّ للمرأة -كأمٍّ وأخت وزوجة وابنة- من الحقوق منذ أربعةَ عَشَرَ قرنًا ما تزال المرأة الغربيَّة تُصارِع الآن للحصول عليه، ولكن هيهات!

ففي جملة بلاغيَّة رائعة أصَّل رسول الله لقاعدة مهمَّة؛ وهي أن النساء يُماثِلن الرجال في القَدْر والمكانة، ولا ينتقص منهن أبدًا كونُهنَّ نساء، فقال: «إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» [1]، أي: نظراؤهم وأمثالهم، وقد ثبت عن رسول الله أنه كان دائم الوصيَّة بالنساء، وكان يقول لأصحابه: «...اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» [2]، وتكرَّرت منه هذه النصيحة في حجَّة الوداع وهو يخاطب الآلاف من أُمَّته.

صمت المحابر 05-26-2014 07:43 PM

حق المرأة في الحياة:
لمَّا كانت عادة العرب في الجاهلية وَأْد البنات؛ إذا برسول الله يُجَرِّم ويُحَرِّم قتل البنات وإهانة المرأة، وذلك انطلاقًا من تشنيع القرآن الكريم على أهل الجاهليَّة بسبب وَأْدِهم البنات ومهانة المرأة عندهم؛ حيث قال الله: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8،9]. بل وجعله رسول الله من أعظم الذنوب؛ فعن ابن مسعود أنه قال: "سألتُ رسول الله: أيُّ الذَّنب أعظم؟ قال: «أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ» قلتُ: ثم أيُّ؟ قال: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ» قال: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ»" [3].

صمت المحابر 05-26-2014 07:43 PM

الإحسان إلى المرأة وتعليمها:
ولم يَقِفْ رسول الله في الحفاظ على حقِّها في الحياة عند هذا الحدِّ، وإنما رغَّب في الإحسان إلي المرأة صغيرة؛ فقال: «مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ؛ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ» [4]، ثم أمر الرسول بتعليم المرأة فقال: «أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا.. فَلَهُ أَجْرَانِ» [5]، وكان رسول الله يجعل للنساء يومًا ليعظَهُنَّ، ويذكِّرَهُنَّ، ويأمرَهُنَّ بطاعة الله تعالى.

صمت المحابر 05-26-2014 07:45 PM

حق اختيار الزوج:
وما أن تشبَّ البنت وتصير فتاة بالغة؛ حتى يعطِيَها الرسول الحقَّ في اختيار زوجها والموافقة على الخاطب أو رفضه، ولا يجوِّز إجبارها على الاقتران برجل لا تريده، وقد قال في ذلك رسول الله: «الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صمَاتُهَا» [6]، وقال رسول الله: «لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أَنْ تَسْكُتَ» [7].

صمت المحابر 05-26-2014 07:45 PM

حق المرأة كزوجة:
ولمَّا تصير المرأة زوجة يحثُّ رسول الله على حُسْن معاملتها وعشرتها؛ مبيِّنًا أن حُسْن عِشْرَة النساء دليل على نُبْل نفس الرجل وكريم طباعه، فيقول -مثلاً- مرغِّبًا: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَقَى امْرَأَتَهُ مِنَ الْمَاءِ أُجِرَ» [8]، ويقول مرهبًا: «اللَّهُمَّ، إِنِّي أُحَرِّجُ [9] حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ» [10].

صمت المحابر 05-26-2014 07:45 PM

حق المرأة في مفارقة زوجها:
وإذا ما كرهت المرأة كزوجة من زوجها شيء، ولم تُطِق الحياة معه، فقد سنَّ لها رسول الله حقَّ مفارَقة الزوج، وذلك عن طريق الخُلْعِ؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي فقالت: يا رسول الله! ما أَنْقِم على ثابت في دِينٍ ولا خُلُق، إلاَّ أنِّي أخاف الكفر. فقال رسول الله: «فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» فقالت: نعم. فردَّتْ عليه حديقته، وأمره ففارقها" [11].

صمت المحابر 05-26-2014 07:45 PM

حق المرأة في الذمة المالية والإجارة:
في حين أن رسول الله أثبت للمرأة ذِمَّة ماليَّة مستقلَّة تمامًا كالرجل؛ فلها أن تبيع وتشتري، وتستأجر وتؤجِّر، وتوكل وتهب، ولا حِجْر عليها في ذلك ما دامت عاقلة رشيدة، وذلك انطلاقًا من قوله تعالى: {فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6]، ولما أَجَارَتْ أُمُّ هانئ بنت أبي طالب رجلين من المشركين، وأبى أخوها عليٌّ إلاَّ أنْ يقتلهما، كان قضاء الرسول في هذه الحادثة قوله: «أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ» [12]. فأعطاها الحقَّ في أن تُعْطِيَ الأمان والجوار في الحرب أو السلم لغير المسلمين.

هبة الله 05-26-2014 07:47 PM

عليه افضل الصلاة والسلام

جزاكي الله عنا خير الجزاء

صمت المحابر 05-26-2014 07:50 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هبة الله (المشاركة 558162)
عليه افضل الصلاة والسلام

جزاكي الله عنا خير الجزاء

وحفظك الله اختي
اسعدني مرورك جدا
ربي يسعدك ويجزيك الجنة.

صمت المحابر 05-27-2014 01:09 PM

رسول الله وحقوق الطفل

حقوق الطفل في الإسلام

الأطفال في الإسلام هم زهرة الحياة الدنيا وزينتها، وهم بهجة النفوس وقرَّة الأعين، وقد نالت هذه المرحلة من عناية رسول الله النصيب الأوفى، فأوجب رسول الله حقوقًا عظيمة للطفل، أعظم ما فيها أنها اهتمَّت به قبل ولادته، وقبل أن يصير جنينًا؛ فأمر رسول الله الرجلَ المُقْدِم على الزواج باختيار الزوجة الصالحة ذات الدين، فقال: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» [1].

صمت المحابر 05-27-2014 01:10 PM

كما أمر الزوجة باختيار زوجها على نفس المعيار والأساس، فقال: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» [2]. وقد اعتُبر اختيار الزوجة الصالحة (الأمّ) من حقوق الطفل على أبيه. ولا ريب في أن هذا الاختيار وذاك الأساس من شأنه أن يعود بالنفع التامِّ والمصلحة المباشرة على الطفل، الذي يكون ثمرة هذين الزوجين الصالحين؛ لينشأ بعد ذلك في أسرة ودودة متحابَّة، تعيش في ظلِّ تعاليم الإسلام.

ثم إنه إذا حملت الأمُّ بالطفل، فقد أجاز لها رسول الله الفطر في نهار رمضان رحمة بها وبه. وإذا ما وُلد الطفل فقد سنَّ رسول الله الأذان في أُذُنه اليمنى والإقامة في أُذُنه اليسرى؛ لتكون الشهادة بالكبرياء والوحدانيَّة لله أوَّل ما يقرع سمع الطفل في الحياة.

صمت المحابر 05-27-2014 01:10 PM

اختيار الاسم الحسن للطفل

وقد أوجب رسول الله التسمية الحسنة والاسم الحسن للطفل عند ولادته، بما تحمل صفة حسنة، أو معنًى محمودًا يبعث الراحة في النفس والطمأنينة في القلب؛ وذلك من شأنه أن يُوقظ في وجدان الطفل بعد ذلك المعاني السامية والمشاعر النبيلة، ويُشعره بالعزَّة والفخار باسمه واحترام ذاته، وكذلك يُبْعِدُه عن سخرية الناس واستهزائهم، وفي ذلك قال رسول الله: «تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ: عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا: حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا: حَرْبٌ وَمُرَّةُ» [3].

صمت المحابر 05-27-2014 01:10 PM

سنة العقيقة عن المولود

وسنَّ رسول الله للطفل المولود أيضًا العقيقة [4]، وهي نوع من الفرح والسرور بالمولود الجديد، فقال رسول الله: «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَفْعَلْ عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ» [5]. وكأنَّ المجتمع الإسلامي كله يشارك الوالدين فرحتهما بالمولود الجديد.

صمت المحابر 05-27-2014 01:10 PM

حق الرضاعة

وقد تنزَّلت آيات القرآن بحقوق الطفل في الرضاعة، فقال الله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233]. ولا يخفى أن الرضاعة عمليَّة لها أثرها البعيد في التكوين الجسدي، والعاطفي، والاجتماعي في حياة الإنسان.

صمت المحابر 05-27-2014 01:11 PM

العدل في المعاملة بين الأبناء

وقد حثَّ رسول الله تحرِّي العدل في المعاملة بين الأبناء، فقال: «اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ...» [6]. وكذلك كان ينصح الآباء بقوله: «... وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ...» [7]؛ وذلك لأنه قد تصاحب هذه الدعوة ساعة إجابة، فتكون سببًا في شقاء الولد طيلة حياته.

صمت المحابر 05-27-2014 01:11 PM

حق الميراث والوصية

كما تمتَّع الطفل في الإسلام منذ ولاته بأهليَّة كاملة، يكون له بموجبها الحقُّ في الميراث والوصيَّة والوقف والهبة، وغير ذلك، وهذه الأهليَّة تثبت له فور اكتمال كيانه الإنساني بانفصاله عن أُمِّه حيًّا؛ لقول رسول الله: «إِذَا اسْتَهَلَّ [8] الْمَوْلُودُ وُرِّثَ» [9].

صمت المحابر 05-27-2014 01:11 PM

حق الرعاية الوجدانية

كذلك سنَّ رسول الله رعاية الطفل من الناحية الوجدانيَّة؛ وذلك بالإحسان إليه ورحمته وملاعبته وإدخال السرور عليه، كما ذكرنا سابقًا في تعاملاته مع أطفال المسلمين، وكذلك سنَّ رعايته علميًّا وتعبُّديًّا، واحترامه وتشجيعه على الصراحة، وحُسن اختيار صُحبته، والدعاء له، إضافةً إلى رعايته من الناحية السلوكيَّة والاجتماعيَّة.

وبهذه المبادئ والقيم يكون الطفل أكثر تكيُّفًا مع وسطه الاجتماعي، فهذا عمر بن الخطاب يصحب ابنه عبد الله إلى مجلس رسول الله؛ ليتعلَّم في واقع عملي الأدب واحترام الآخرين؛ فعن عبد الله بن عمر أنَّ رسول الله قال: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَهِيَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ». فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة. قال عبد الله: فاستحييت. فقالوا: يا رسول الله، أخبرنا بها. فقال رسول الله: «هِيَ النَّخْلَةُ». قال عبد الله: فحدَّثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قُلْتَهَا أحبُّ إليَّ من أن يكون لي كذا وكذا [10].

هكذا يجب أن يتعلَّم أطفالنا القيم الإسلاميَّة الحاكمة للمجتمع تعلُّمًا تدريجيًّا، فيتهيَّأ لهم رويدًا رويدًا الدخول فيه. ولا نجد أجمل من قول غلامٍ [11] تربَّى على يدي رسول الله لنختم به؛ حيث قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله: «يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ». فما زالت تلك طِعْمَتِي بَعْدُ [12]. فها هو ذا رسول الله يُعَلِّم أطفالَ اليوم ورجال المستقبل القيمَ والأخلاق بحبٍّ ورأفة ورحمة.

صمت المحابر 05-27-2014 01:15 PM

رحمة النبي بكبار السن والوالدين:

كان محمد رحيمًا بالضعفاء بشوشًا سهل المعاملة رقيق القلب [1].

من المقدر أن يرتفع عدد المسنين من حوالي ٦٠٠ مليون إلى حوالي مليارين من المسنين بحلول عام 2050م، ومن المتوقع للمرة الأولى في التاريخ، أن يصبح عدد الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم سن الستين أكثر من عدد الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن الخامسة عشرة[2].

مع أن كبير السن قد ازداد خبرة ودراية وحكمة، ومع أنه قد يكون قد ازداد مالاً وجاهًا، إلا أنه لا شك يعاني صورة واضحة من صور الضعف، وذلك في صحته وجسمه، وقد يكون في شكل آخر من أشكال الضعف الكثيرة، والله ذكر ذلك تصريحًا في كتابه فقال: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم: 54].

ولهذا الضعف أولى رسول الله أهمية خاصة لكبار السن، وظهر ذلك في أقواله وأفعاله على حَدٍّ سواء..

يقول رسول الله: «إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَاف ي عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ» [3].

وهو هنا في هذه الكلمات الرقيقة يُعظِّم عند المسلمين قيمة الشيخ الكبير، حتى إنه لَيُقدِّمه على حامل القرآن، وعلى الحاكم العادل مع عظم قدرهما، وسمو مكانتهما..

صمت المحابر 05-27-2014 01:15 PM

وجاء شيخ ذات يوم يريد النبي، فأبطأ القوم أن يُوسِّعوا له، فَرَقَّ له رسول الله ورَحِمَه، وقال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» [4].

إنه يقول: إن الذي لا يرحم الصغير ولا يوقَّر الكبير ليس منا نحن المسلمين، أي أنه لا يتصف بصفاتنا، ولا يعمل بأعمالنا، ولا يتخلَّق بأخلاقنا..

وما أحسب أن قانونًا في العالم -غير الإسلام- قد جعل احترام الكبير وتوقيره أصلاً من أصوله..

وكانت هذه سِمَته في حياته..

وما أروع ما قاله للصِّدِّيق يوم فتح مكة حين أتى بأبيه أبي قحافة، وكان شيخًا كبيرًا مسنًّا ليُسلِمَ بين يدي رسول الله في البيت الحرام، فقال: «هَلاَّ تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ» [5].

إنه القائد المنتصر الذي يدخل مكة فاتحًا، وأبو قحافة شيخ كبير تأخَّرَ إسلامه أكثر من عشرين عامًا، ومع ذلك يوقِّره رسول الله، ويرى أنه كان الأَوْلى أن يتحرك هو -وهو الرسول الزعيم المنتصر- إلى بيت الشيخ!


الساعة الآن 06:03 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.