منتديات بنات فلسطين

منتديات بنات فلسطين (http://www.bntpal.com/vb/)
-   حـانة الآدباء والفـلاسفة والمفكريـن (http://www.bntpal.com/vb/f10/)
-   -   منارات الأدب العربي في زمن أحدب! (http://www.bntpal.com/vb/t29380/)

وردة ليلكية 11-17-2014 11:39 PM

“أريد رجلا يحبني وهو يعلم أن الكثيرات أجمل مني وأذكى مني. رجلا يحبني لأن روحي امتزجت وروحه، ولأن أفكاري طابقت أفكاره. ولا أريد .. لا أريد رجلا يحبني لأنه بعد وضعي بالميزان اكتشف أنني أحسن من غيري!”
― كوليت الخوري

وردة ليلكية 11-17-2014 11:41 PM

“لا أُحب الصّراخ بحنجرتي، فصرخت بأصابعي وأصبحتُ كاتبة”
― كوليت الخوري

وردة ليلكية 11-17-2014 11:43 PM

مقتطفات من مجموعة قصص إمرأة للكاتبة كوليت خوري

قصتي معك أحلى قصيدة أكتبها , لكنها قصيدة لا تكتب فاللقطات الانسانية تفيض بها العين فقط
———-
في مكان ما من البلد انسان حبيب تمنعه كبرياؤه من ان يغرز اصابعه في ارقام يحبها
———-
كيف اقول له انه ربح المعركة وهو وحده في الساحة ؟ ما قيمة نصره إذا ؟
———-
في مكان ما من البلد انسان حبيب لا يدري انه حبيب
———-
لم يعترف لها بحبه .. فقد علموه ان العواطف تقتل الرجولة وبالتالي تسيء الى القضية .. وصدٌق!
———-
ان هناك صقيعا نفسيا ذابحاً يجعل الانسان يتخلى عن كل شيء ويبيع الدنيا بهمسة ود
———-
سئمت الهشرة , سئمت الحرية و انني ابيع الدنيا لانسان يسألني اين اذهب و متى اعود .. ابيع الدنيا لمرفأ تتهالك على شاطئه في اطمئنان , امواج حياتي
———-
أيام الانتظار .. هذه الايام التي يكدس فيها المرء الساعات القلقة الطويلة و يصلها ببعضها و هو يجهل الى اين تؤدي هذه الجسور التي يبنيها من اعصابه , هذه الايام المتطاولة التي لا يزينها سوى بريق امل متارجح بعيد .. ويفني ثوانيها الخوف من السراب
———-
انا من نوع النساء الذي يبقى ببساطة او يمضي ببساطة فإذا ما بقي يكون ارتباطه جدياً واما اذا ما مضى فهو لن يعود
———-
ما اصعب ان يرجع المرء وحده من رحلة خاطفة في وهم السعادة
—-——
لو كنت عشر نساء لوزعت طموحي و رغباتي و هواياتي وعملي عليهن ومع ذلك لما وجدت واحدة منهن وقتا لتتنفس
———-
المرأة تستطيع بتربيتها وذوقها وابتسامتها ان تجعل من بيتها الصغير المتواضع جنة وارفة بالدفء وان تخلق في وطنها مجتمعا راقياً

وردة ليلكية 11-18-2014 06:09 PM

ناديا خوست
ولدت في دمشق. ودرست فيها.

ساهمت في تأسيس مجلة مدرسية وناد ثقافي مدرسي.
تخرجت من كلية الآداب في الجامعة.
ساهمت في الندوة الأدبية فيها. ثم في تأسيس رابطة الكتاب الشباب.
اختصت في الآداب في جامعة موسكو. درست اللغة الفرنسية سنة في جامعة ستراسبورغ.
كتبت المقالة الأسبوعية في الصحافة منذ سنة 1978. كتبت السيناريو عن قصصها.
عضوة في اللجنة التي وضعت نظام البناء لدمشق القديمة. عضوة مؤسسة في هيئة دمشق القديمة.
عضوة في مجلس محافظة دمشق دورة واحدة.
ساهمت في حماية بعض الأبنية التاريخية وفي تعديل المخطط التنظيمي لدمشق.
اشتركت في مؤتمرات عالمية عن قضايا المرأة والسلام.

مؤلفاتها:
1-أحب الشام -قصص- دمشق 1967
2-في القلب شيء آخر - قصص- دمشق 1979
3-كتّاب ومواقف - دراسة أدبية - دمشق 1983
4-في سجن عكا - قصص - دمشق 1984
5-الهجرة من الجنة - دراسة عن العلاقة بالمدينة العربية - دمشق 1989
6-لا مكان للغريب - قصص - دمشق 1990
7-دمشق ذاكرة الإنسان والحجر - دراسة عن العلاقة بالمدينة العربية - دمشق 1993
8-حب في بلاد الشام - رواية - دمشق 1996
9-مملكة الصمت - قصص - دمشق 1997
10-أعاصير في بلاد الشام - رواية - 1998

وردة ليلكية 11-18-2014 06:18 PM

شيء من نتاج الاديبة ناديا خوست
الراعي
تعود أهل المدينة المسحورة أن يملأوا الساحات إذا ناداهم راعي مدينتهم. حتى أدعى الغرباء، من الغيرة، أن أهل تلك المدينة خائفون من راعيها! لم يفهم الغرباء كيف يهرع رجال بإرادتهم على نداء، مسرعين ولو كاد أحدهم يدوس الآخر! وقالوا: اولئك مضبوعون، فالعاقل لا يركض ليرى طرف وجه المحبوب! واستمر ذلك زمناً طويلاً.
حتى نزل المنادون مرة إلى الأسواق، كالعادة، يتقدمهم الطبل والمزمار. ونادوا كالعادة: ياأهل المدينة المسحورة! ونشروا لفافة من جلد الغزال وقرأوا المكتوب فيها. فرددت الأسواق الصامتة نداءهم، ولكن لم يخرج إليهم أحد. ولم يلحقهم ولد. رددت الحارات والجدران نداءهم، ولكن لم تفتح نافذة ولم تتحرك ستارة. حتى سمعوا أصوات خطواتهم كأنها الطبول.
فرجعوا إلى راعي المدينة وأعلنوا له: الأسواق مفتوحة، والبيوت والأشجار والمياه موجودة. الرعية فقط متخلفة!
أيصدقهم؟ كيف يمكن أن يختفي سكان مدينة كاملة في ليلة؟ قال: يعرف زمننا تهجير شعوب وقوميات، واستقدام سكان، وتبديل هويات، لكن لذلك إشارات من قصف أو حرائق أو زلازل أو، على الأقل، مؤتمرات! لم أسمع ولم أر مثل تلك العلامات! أكد له حراسه ما قال: نعم لم نسمع حتى تنفس الطفل. فهل يهاجر أو يهرب سكان مدينة دون أن نسمع على الأقل صوت أقدام؟
وأعلن حراس الأبراج والبوابات أنهم لم يلمحوا في الليلة الماضية مسافراً أو هارباً أو مهاجراً. مر فقط قطيع من الذئاب كأنه قطعة واحدة. رأوه واضحاً، لكن ضبابة غطته بعد ذلك فلم يعرفوا اتجاهه، واجتاحتهم عندئذ رغبة مفاجئة بالنوم فناموا. فلا تسلوهم عن مساره. بوابات السور، على كل حال، مغلقة لن يعبرها الطير الطائر فهل يعبرها قطيع من الذئاب!
قال راعي المدينة: آه! لا يشعر حتى حراس السور بالمسؤولية مثلي! أنا الذي تابعت قطيع الذئاب من برجي الذي يعلو جميع الأبراج، ورأيته يحوم حول المدينة! كنت إذن أكتب النداء إلى رعيتي عندما كانت الرعية والحراس نائمين! ونزل باحثاً عن رعيته.
رأى مدينة غريبة . كانت الأبواب كلها تنفتح إذا دفعها. وكانت الأسواق كلها مفتوحة، كأن الناس سيقصدونها بعد برهة . فتذكر أنه كان يتمنى في بعض الأيام، وقت يضيق بثرثرة أهل مدينته، وطلباتهم، ورغباتهم، لو كانت المدينة دون سكانها. ها هي الآن كذلك! فلماذا يشعر بالوحشة؟ لاحظ أنه يمشي وحيداً. اختفى حراسه كما اختفت الرعية! أهربوا خوفاً من الذئاب، أم تسللوا هرباً منه؟ تركوه! ولا مجال الآن لأن يهدد أحداً. لا يستطيع الآن أن يشهر الخوف سلاحاً. لا يستطيع أن يكون ملكاً أو أميراً أو غنياً لأنه في مدينة دون ناس، أكان أولئك الناس راضين أم خائفين، أكانوا سعداء أم أشقياء.
اندفع باحثاً عن شعبه. دفع أول باب صادفه، فرأى بيتأ فقيراً، نظيفاً ساكناً. في المطبخ رأى مقعداً عليه طراحة مغطاة بقماش نظيف، لكن الرفوف فيه فارغة، فخرج مسرعاً. في الباحة رأى شجرة ليمون مثمرة .فقال لنفسه: لدى أصحاب البيت إذن ما يؤكل! ولاحظ على البلاط أثر الماء. كل شيء يشير إلى الأحياء، فأين هم؟ في البيت التالي، رأى وهو يقف على عتبة غرفة، أصحاب البيت جالسين. لكنهم لم يتحركوا وهو يتقدم إليهم. ولم يلتفتوا إليه. اقترب ولمسهم، فلم يرتعشوا. شعر ببرودة الحجر تحت أصابعه. فتراجع ذاهلاً، وخرج من البيت. في الطريق الساكن انتبه إلى قطة. اقترب منها ورفع قدمه كمن يهم بأن يرفسها. لم تتحرك. ضرب بقدمه الأرض أمامها فبقيت ساكنة. فاندفع إلى بيت آخر، وفتح الغرف واحدة إثرأخرى. فوجد في إحداها أسرة مجتمعة كأنها تنتظر أمراً. لم يتحرك أحد منها وهو يقترب منها. في البيت الثالث والرابع والخامس تكرر المشهد نفسه: أشخاص جالسون أو واقفون كأنهم يصغون إلى بلاغ مهم أو ينتظرون إعلاناً عن حدث. لكنهم جامدون، ساكنون، بشر من حجر.
اجتاحه الغضب. صاح: مؤامرة ! يا للماكرين! لم يجرؤوا على الخلاص منه فخلصوه من أنفسهم . لم يتركهم فتركوه. ثم خطر له أن أعداءه أرسلوا إلى مدينته، في السر، ساحراً أو شريراً انتقم منه فحول رعيته إلى تماثيل من حجر. تلفت. لا أنس ولا جن! آه، ليعترف لنفسه بأن أمنيته كانت أن يتحول سكان مدينته إلى تماثيل تسمع ولا تتكلم، تشتغل ولا تطلب، تحضر ولا تناقش أو تفكر. لكن كيف تحقق ذلك؟! ولماذا تحقق ذلك الآن وهو في حاجة إلى رعية يحشدها لترد قطيع الذئاب!
سمع هدير الذئاب! اقتربت اذن! تسلقت الأسوار واندفعت إلى المدينة! لم يغنه حراسه ولم تسعفه أبراجه! صرخ: ياناس، انهضوا! ياناس هجمت الذئاب على مدينتكم! رددت الجبال صراخه. ولكن لم يهرع إليه أحد من سكان مدينته.وتذكر عندئذ أنه أعلن مرات قبل هذا اليوم أن الذئاب تهاجم المدينة. أعلن ذلك يوم انعقد الصراع بينه وبين أولاد عمه على الميراث. ويوم كاد منافسه يحتل قصره. ويوم..ويوم.. فكان الناس يتجمعون تحت برجه، وكل منهم يحمل ماتيسر له، عصاً أو سكيناً أو حجراً. فكان يكسب بهم معاركه ضد منافسيه، والناس يظنون أنه يكسبها ضد الذئاب. كانت المرة الأخيرة التي طلب فيها معونة الناس على الذئاب، يوم شيد مائدة من الأحجار الكريمة، حشد فوقها أنواعاً من الثمار النادرة والأطعمة التي نقلت من بلاد بعيدة، خلال مجاعة اجتاحت مدينته، فتنقل الرسل يروون الأخبار عن ذلك قائلين: أموالكم تهدر وأولادكم يموتون من الجوع! صرخ يومذاك: هجمت الذئاب، فنسي الناس ما قيل لهم، وركضوا لينقذوا المدينة من الذئاب!
وقف في وسط الطريق وصرخ: أقسم أن الذئاب تجتاح المدينة الآن! يا ناس، أقسم لكم..! لم تتحرك على ندائه ستارة، ولم يرتجف باب، لم يظهر ولد أو قطة على سطح. لم يخرج إليه أحد! صرخ: النجدة! النجدة، ياناس! فرددت الحارات والأسواق نداءه. في السكون سمع صوت الذئاب. ومع ذلك ظلت حتى الأشجار ساكنة . كان كل شيء في المدينة جامداً حتى الهواء.
وعندئذ انتبه إلى أنه الحي الوحيد الآن، وأن الذئاب التي أخاف بها رعيته، يمكن أن تمزقه، فاجتاحه الخوف، الخوف نفسه الذي كان سلاحه ودرعه في مدينته! فتلفت باحثاً عن الجهة التي يمكن ألا تهاجمه منها الذئاب. لكن الأصوات وصلت إليه من الجهات كلها، كأنها تقصده. ثم رآها. وفي برهة خاطفة كالبرق فهم أن رعيته اجتمعت إلى ساحر وطلبت نصيحته كي يخلصها منه ومن الذئاب معاً.
كان الحل الذي وجده لها، إذن، أن يحولها إلى صخر بانتظار الزمن المأمول؟ وأن تتركه وحده للذئاب تنهشه؟ ألذلك رأى الناس في وضع من يبحث أمراً أو ينتظر حدثاً عظيماً؟
شعر بغضب هائل، وصرخ: أيتها الذئاب، تعالي! سأدلك إلى جميع المخابىء! وسأبحث لك عن الإكسير الذي خبأه الساحر ليوم الخلاص المنتظر! أيتها الذئاب اتبعيني، أنا الآن راعيك، ودليلك في المدينة المسحورة! سأنبش حتى حجارة الأرض باحثاً عن الأسرار، ولن أسمع بأن يكون الموت الظاهر اليوم موتاً مؤقتاً. بل سأجعله موتاً أبدياً. سأكسر الصخور، وأفرق المجتمعين ولو كانوا تماثيل. سأبدد هذه المدينة في الريح. هيا أيتها الذئاب، أنت وأنا عليها! سأربي هذه الرعية في مرعى ذي أسوار، أفلح ببعضها أرضي وأحصد زرعي، وتتناولين أنت منها لحمها وشحمها!
علىهذا النداء حضر حراسه الذي كانوا قد اختفوا كأن الريح بعثرتهم. حضروا كأنهم منتصرون. لم يسألهم الراعي أين كانوا، ولم يسألوه كيف صاحب الذئاب، ولم السؤال وكل منهم يشعر بالأمان. انتهى زمن الخشية من الذئاب، وهاهو ينتقل مع حراسه من جانب المهزومين إلى جانب المنتصرين!
لم يستطع أهل المدينة المسحورة أن يدهشوا لأن راعي المدينة دعا الذئاب ووعدهم بالبحث عن إكسير خلاصهم، هو الذي عاش عمره كله يهددهم باجتياح الذئاب، فيطعمونه ويسقونه ويخدمونه في انتظار المعركة المنتظرة التي ستخلص المدينة من الذئاب وتنشر فيها الأمان! لم يستطيعوا أن يدهشوا لأن حراسه الذين عاشوا في أبراجهم المرتفعة كي يكونوا قادرين على رصد قطيع الذئاب في الليل والنهار فيحذروا المدينة منه، ناموا في ليلة المصير، ثم اختفوا ولم يسمعوا إلا نداء الراعي الأخير! لم يدهش أهل المدينة .. لأنهم كانوا من حجر وصخر. وقد غربت الشمس في ذلك اليوم من الشرق، ولاحظت وهي تغرق في العتمة أن على الصخور ندى كالدموع، وقبل أن تتساءل: أيبكي الحجر؟ اجتاحتها العتمة، وسمعت صوت قطيع الذئاب ممزوجاً بهتافات المنتصرين .

وردة ليلكية 11-18-2014 06:22 PM

أوسع السجون
قال: لو تزوجنا، أكان كل منا هكذا؟ أنا وحيد وأنت وحيدة؟ وحيد، وكل اولئك الناس حوله؟ أعرف أن نساء متنوعات لحقنه. وهل يرد امرأة تقصده؟! الشهامة! وأنا هل كنت وحيدة، والأيام أقصر مما أريد؟ آه، تعلم التنجيم إذن فعرف أن الانسان قد يكون وحيدا وسط المجموعة!
نظرت إليه كما كانت تنظر إليه تماما. بملء عينيها! لم تر شعره الأبيض. بل رأته كما كان يوم عرفته. ابتسمت. مازال يتحدث في حماسة، مازال يظهر الوله ويطلق الهوى! كان هكذا يومذاك. لذلك لم يستطع أن يمشي على سكة القطار في عين الخضراء، ومشت هي عليها تحت ظلال الجوز! كانت النزهة مرتبة كي يكونا معا طوال النهار. وكان الربيع في أوله. وربيع دمشق يومذاك واضح الحدود. من جهة شمس دافئة وزهر وبراعم، ومن جهة برودة منعشة منذ تميل الشمس. والنسيم يحمل من الصباح إلى المساء عبق الزهر ولايملّ. على يسارهما صخور تعشش في كهوفها روح الإنسان القديم. صخور تشد الروح إلى السماء الزرقاء الصافية العميقة. وصخور ينساب عليها النبع. وصخور ملثمة بالأشجار على ضفتي النهر. وكانت الأغصان تمس صفحة الماء المندفع بمثل لهفته. أكانت تحرضه على البوح؟
توقفت على سكة القطار، متوازنة، ونظرت إليه برهة. كان رشيقا، يزيد الحب من جماله. كان فاتنا بصدقه، بشعره الأسود، بنحافته. وكانت كلماته تنساب، تتدافع، تتألم، ترجو وتحلم. فتوهم أن في يدها فقط مفتاح البوابة إلى سعادته. قالت: رضوان؟ توقف دهشا؟ ماذا قلت؟ من رضوان؟ رجل تحبينه؟ ضحكت: لاأعرفه! رفع رأسه إلى رقعة السماء المطلة بين الصخور والأشجار: ياربي! أكان يشكوها الى رقعة السماء العميقة الزرقة؟ أم إلى إله قديم مختبئ في الكهوف؟ سارت على سكة القطار، وتكاثفت فوقها الأشجار. تبعها على الحصى المفروش على السكة، ثم واكبها. التفتت إليه مرة أخرى وتساءلت: هل سيبقى منه شيء حتى المساء إذا ظل يحترق باللهفة والشوق؟ ارتعش الليل في ذلك اليوم من الرطوبة لكنها لم تشعر ببرد الليل.
مشيا. من طرف بينهما وبين النهر مجمعات من أشجار الحور، ومن الطرف الآخر تظهر بوابات بيوت طينية مغمورة بالشجر ويثغو أحيانا خروف وتطل أحيانا فتاة. كانت تسبقه وهي تمشي على السكة. ثم التفتت إليه فواجهته وهو على بعد خطوات. وقفا ينظر كل منهما إلى الآخر. رأت في عينيه بريق دموع. وبدا في ذلك الخندق الأخضر إنسانا نزل من الجبل ووقف أمامها وسيما طلق اللغة، نظيف الملابس، ناصع الأسنان. فكادت تقول له: مشيت مثل ذاك الذي سكن في كهوف هذا الجبل، لكن يومذاك لم تكن هناك حدود. وربما لم تكن كلمة "التسلل" موجودة في اللغة!
هل سألها هناك أيضا، وهي تمشي على السكة وهو يواكبها على الحصى: تتزوجيني؟ وهل قالت له يومذاك: ليتنا نتبع طريق السكة إلى بيروت، كأنها تدعوه الى مدينة خارج الخرائط؟ يصعب عليها أن تربط الأمكنة إلا بالسعادة الواسعة التي كانت تنشرها صحبته. "كنت تلبسين يومذاك تنورة واسعة زرقاء، وقميصا أبيض! وكان شعرك يرف مع حركتك!" قالت: "كان ذلك هو طراز الفتيات في تلك الأيام!"
كانت الحياة سهلة يومذاك، لباس الناس بسيط، وفي البلد مقاه تكتنفها الأشجار والأزهار. كانت البيوت تناسب طول الإنسان. كانت الأنهار تعيش والأشجار تعانق المدينة. كانت الأحلام هي الكبيرة لاالبنايات. وكانت أحلامها هي تمتد، لاتحبسها حدود. كانت ايمانا بأن الغد كبستان من زهر المشمش. من يستعجل الزواج يومذاك! تحمي نفسها مم، ممن؟ ولم يكن في مشروعها، وقت يحين الزواج، أن تهاجر من البلاد. قالت: "هل تترك هذه الصخور مكانها؟" لم تكن ذاقت الوحدة، وضعف الإنسان وقت يلين فيقبل ماظن أنه لن يقبله، ويدفع بعد ذلك الثمن.
ماذا جمعهما فيما بعد، وكل منهما بعيد عن الآخر؟ أن الرجل الذي تركاه جالسا على كرسي من القش قرب النهر ليمشيا على السكة، مات مقتولا في سجن؟ أنهما التقيا في التفكير به، وكل منهما في طرف من الأرض؟
كان يخرج من غرفته كلما سمع خطواتها وهي تعبر الممر إلى أرض الدار التي تظللها شجرة مشمش هندي. لا، ليس "كلما"! كان يتلكأ عندما يغضب منها! وكان أحيانا يفتح نافذته ليعكس الزجاج صورتها فيراها من غرفته! عرفت ذلك يوم رأت بنت الجيران تراقبه بزجاج النافذة!
كانت تصادف أحيانا بعض الفتيات في أرض الدار، وتفهم أنهن بنات الجيران أتين ليستعرن، في الظاهر، شيئا من صاحبة البيت. وفي الحقيقة كي يجلسن قليلا ويتحدثن معه. لكن ذلك لايعنيها! لماذا يعنيها؟ مابينهما أعمق من أن يخترقه حب آخر. هل كانا يختلفان هنا؟ هل كان يريد أن يكون مابينهما حبا عاديا فيه غيرة وانتظار وغضب، وينتهي بزواج؟
للزمن قرار آخر! وصلتها منه رسالة، مرة. وجد شبيهتها! نسخة أخرى في الشكل واللون والحركة! أحبته تلك الغريبة، وقبل حبها زمنا. كتب في رسالته: "تركتها هائمة تمشي على الأرض!" فغضبت: لايحتاج الرجال نذلا آخر! تركها هائمة؟ غضبت عليه! لم تشعر بالغيرة، بل بالحزن على الفتاة!

وردة ليلكية 11-18-2014 06:23 PM

وم التقيا صدفة في مطار من المطارات، كان يودع رجلا، وكانت هي تعبر المطار إلى بلد آخر. نهض ملهوفا عندما رآها. وبرقت الدموع في عينيه. أهناك قال لها إنه ترك شبيهتها وهناك قالت له إنها لامته لأنه جرح فتاة تحبه؟ كانا يكتبان قصة بالعمر، بالأمكنة، كأنهما يصفّانها قطعة، قطعة. لم يتبيناها كاملة إلا هنا في مملكة الصمت. جلسا على حجر، وتناول يدها. قلّبها بين كفيه وقبلها. ركع أمامها. لم تكن أية قطعة منها أقل قداسة من الأخرى. فلماذا تشد قبضتيها وتبعد قدميها! كان هناك إنسانا تجاوز مايستوقف الرجال أو يقيدهم. كان لايخجل بأن يبوح بحبه كله، ويكشف ليالي شوقه وحزنه. كانت هي أغنيته التي ينشدها أمام الغرباء. فهل أراد أن يحيي قيس ليلى؟ منذ تلك الأزمنة خجل الناس بالحب وأخفوه، وأهانوه كي يظهروا أنهم أكبر منه! فهل تحمل حبك على كتفك من بلد إلى بلد، كي يعيش قيس العرب في العصر؟ في مملكة الصمت عرفت أنصاف الحقائق الأخرى، أنصاف الصور الأخرى، ووضعت الجزء إلى جانب الجزء. لم تفرقهما إذن جروح الحرية، والحدود، والرياح التي عصفت بالبلاد! فرقتهما أيضا الخلافات بين أهل البيت! فهل كان ينشد حلما مبهجا، ويرسم صورة ملونة على أفق قاتم؟ ويبعث أمامها قيس وليلى في الزمن المعاصر؟ ويعلن أن أراغون وإلسا موجودان هنا أيضا؟ كان يعرض البطاقات البريدية إذا وصلته منها وقت يعرف أحدهما عنوان الآخر. ويعرض الرسائل التي تكتبها إليه وتبرأ بها من ثلج الغربة وسمائها المنخفضة. في ذلك المقطع من الحياة كانت تعرف عنوانه. لكنها وقت نزلت من القطار في المدينة التي يوجد فيها تفادته. كانت وحيدة، ومريضة. نزلت في الفندق الذي كان يسهر فيه. اختارت طاولة في قاعة صغيرة لاترى من قاعة الطعام الكبيرة. لبست ثوبا في مثل لون قلب الموجة، وشعرت بأنه يجلس هناك صامتا معها. تناولت القليل من الطعام، شربت القليل من عصير البرتقال، ثم صعدت إلى غرفتها. وفي الصباح مشت أنيقة إلى السفارة المقصودة فجددت جواز سفرها. صمدت للأسئلة، فبدت مغتربة غنية، ليست من المشبوهين في زمن القلاقل، الذين لاتمدد لهم الجوازات. وعادت إلى الفندق. عبرت الردهة التي يعبرها، وجلست في القاعة الصغيرة وقلبها يرتعش. هل كانت تخاف من السعادة إذا رأته؟ هل كانت تتفادى ليالي الأرق التي ستتبعها؟ يوم صادفته في مدينة أخرى انزلق لسانها فعرف أنه كان قربها في الفندق نفسه. آه، ماذا فعلت! من ذلك الفندق، وهي جالسة في القاعة الصغيرة اتصل بها في تلك الليلة، إلى البلد الآخر ليطلب أن تزوره! ثم عاد فجلس خائبا في قاعة المطعم الكبيرة! "كنت في الفندق نفسه وأنا أصغي إلى دقات هاتفك؟!" تركها برهة وابتعد إلى المغاسل ليخفي انفعاله. ثم عاد إليها وأثر الألم في وجهه، والبريق في عينيه. عاتبها. تريدين أن تحمليني كما تحمل صورة في الجيب وكما يحمل تمثال صغير في الحقيبة! ترحلين بي في اتجاهاتك، لكنك لاتتوقفين لتكوني مع الأصل الحي! ماذا تقول له؟ كانت الحياة تندفع في اتجاه آخر. "يعلم الله متى تعودين إلى بلدك!" ترد على نفسها: "ذات يوم سأعود إلى بلدي! لكنه لن يعود!" سألها لماذا؟ لماذا؟ فلم ترد عليه! كانت على كل حال مريضة، لم تزر حتى النهر الذي تحبه، لم تصعد الطريق ذا الفوانيس، لم تقصد المقهى الصغير ذي المقاعد الخشب! لم تسع إلى شيئ تحبه يومذاك! تذكرت أنه قال لها مرة وهو يتبع خطوطها مبهورا: ألم تتأملي نفسك في المرآة؟ لكنها، لم تترك صورتها في المرآة! وكان هو وقتذاك جالسا في مطعم الفندق، كالمنفيين، يدخن ويتحدث ويخرج من جيبه صورتها ويعرضها لأصدقائه القدماء. آه، لايعرف أن حبه دون أرض يعشش فيها! لم ترسم مجموعة من الرجال الغرباء الحدود قبل مولدهما كي تقسم البلاد، بل كي تمنعها من العبور إلى مدينته وتمنعه من العبور إلى مدينتها!

وردة ليلكية 11-18-2014 06:24 PM

أخرج الصورة من جيبه يوم التقيا. ورأت نفسها شابة مضيئة العينين، ترفع رأسها، كما طلب المصور، لينهمر الضوء على وجهها، وليتألق شعرها. كانت أفراح الحياة هناك، في حركة الرأس وفي العينين. كانت في تلك الصورة كشحرور لاعمر له، لانهاية له. سألت نفسها وهي تنظر إلى الصورة: أنا؟ قال: أخذتها منك، وأوصلتك بالتكسي إلى البيت الذي ستلتقين فيه بأصدقائك لتسافروا منه في الفجر! كنت تلبسين ثوبا أخضر.. وكانت رائحة الصابون تفوح منك، وبشرتك مازالت دافئة من الماء. آه كيف تتذكر التفاصيل؟ عذابه أنه يحفظ التفاصيل! تحيط به الصور، يسمع الكلمات والأصوات، يحس بالمشاعر التي مضت! قال: أي شقاء! تساءلت: شقاء أن تبقى الأيام شابة، والأصوات نضرة؟! كان يقصد أمرا آخر! لكنه لم يحك لها عنه يومذاك. لم يقل لها إن الانتقام في العصور كلها يختار بقعة القلب النضرة! "اختلفت معه، وفي الاجتماع التالي كنت مقابله، وفي الثالث كنا نتحدث بلغتين. بعد ذلك أعلن لي: لن تتزوجها أبدا، طالما كنت حيا! لن تصل أبدا إلى مدينة تكون هي فيها!" كانت جميع مفاتيح تلك المدن في يديه! روى لها ذلك في مملكة الصمت! كانت إذن تنفذ أمرا لاتعرفه يوم مرت بإحدى مدنه وتفادت أن تراه! لم يمت إذن أهل قيس وليلى أبدا! وصلوا أحياء إلى أبعد الأجيال عنهم، إلى أبعد الرجال عنهم! الحرمان من الحب عقاب في المنافسات السياسية على مدى الدهر!
ألذلك أنشد في تلك الأيام: "ياويل درب لايضيعني"، فغضبت عليه؟ ألذلك كان يبدو كأنه يريد أن ينتحر؟ نظرت إليه. كان يرفع رأسه كي يبتلع الدموع. وفهمت أنه شهد مقتل المثل قبل الاحتفال بمقتلها. عبر، هو ومنافسه، السجن. فأين بدأت العداوة بينهما؟ كان قبلها يؤمن بالأساطير التي تنسج عنه، وكان ينشرها. لكنه خلال الاجتماعات به تبين بعد الأسطورة عن الحقيقة! خطؤه، أو مجده، أنه أعلن ذلك مبكرا، فافتتح معركة يصعب أن يجد لنفسه فيها مؤيدين. وكان الحب جرحه المفتوح. ضعفه المعلن. بعد ألف سنة أوقف على منصة قيس نفسها ونفذ فيه الحكم!
في مملكة الصمت عرفت الصفحات الضائعة! كانت تتلقى نظرات مريبة. فتتساءل لماذا؟ قال لها أصدقاء، كأنما من الغيرة عليها: يجب أن تتزوجي! صمتت من التهذيب. فهل يتفق مشروع تحرر الإنسان، مع إلغاء الحب من الزواج؟ حضرت في تلك الأيام عرضا واسعا: مر أمامها رجال طوال وقصار، سمر وشقر، سمان ونحاف. ذهلت: "كم كان أبي إذن راقيا! لم يلزمني بمثل ذلك العرض!" كادت تعترف له وقت التقيا لقاء سريعا: وقت سمعت صوتك في التلفون تقول لي مرة أخرى: تتزوجيني؟ كبحت لساني في البرهة الأخيرة! لكنها صمتت. يجب أن يبقى مابينهما أعلى من الطوارئ. وماذا تقول له، ألا يعرف أن الخلاف مع مجموعة في الغربة مفزع، يحوك حول الخارج عليها الوحدة والشبهة؟ تصبح المدينة الكبيرة المليئة بالمتاحف والمسارح والكتب صغيرة كالسجن! نظر إليها زمنا. هل خمن مافكرت فيه؟ هو، كاد ينقل بالطائرة ويسلم لسجن بلده! "أصحابك حموني!" تبتسم. كيف يقال الفرد غير مهم؟ الفرد يحمي، والفرد يجعلك تتجاوز همك، والفرد قد يحاصرك! كانت محظوظة بالنوعين! حولها من يجرح ومن يداوي الجرح! ترى هل شكت له بينها وبين نفسها خيبتها وهي في غرفتها باكية كالأطفال في الليل؟ هل قويت بالوهم وهي تقول لنفسها: سيشق الأرض ويصل إلي إذا ناديته، سيرسل جنيا يطير بي إليه؟ هل كان الأمان، هو غير الآمن! تنظر إليه، فتقابل حبه فترخي عينيها. كم التقت به إذن في أرض مختلفة اللون عن الساحة التي نصب تمثالها فيها!

وردة ليلكية 11-18-2014 06:26 PM

تتذكر كم كانت ثمينة وهي بين يديه. كأنها تحفة قد تنكسر! كأنها إبداع استثنائي يحتاج المتعبدين! يقول لها: ألاتنظرين إلى نفسك في المرآة؟ تنظر إليه وتكاد تضحك من الصورة التي يراها. ثم تنسى ذلك وتندفع مبتعدة. فيتساءل: هل ستنتهي مما يشغلها ذات يوم؟ ومع ذلك يتابعها مبهورا وهي تخترع مشاريع ترسمها، يظنها خيالا حتى تنفذها. ثم يقول: والمشروع الموجود أمامك تجعلينه حلما بعيدا! تهربين كالسنجاب! فتهمس لنفسها: آه، حبه الثابت دون مدينة ثابتة تؤويه!
يومذاك لم يقبل أن يلف له البائع الهدية التي اختارها لها. مشى في الطريق يحمل سنجابا مزهوا بذيله! وضعه على طاولتها. فتذكرت أنها لم تر في دمشق إلا سنجابا واحدا كان معروضا في واجهة مخزن على كتف الصالحية، يعرض اسطوانات ولوحات وتحفا صغيرة. والسنجاب ينظر من وراء الزجاج إلى المارين متأهبا للهرب. تعبره عندما تتناول من بائع زهر إلى جانبه حزمة مرغريت بربع ليرة. قال وهو يشير إلى السنجاب: أنت! سألته: بلونه؟ رد: بخفته في الهرب! قالت: رأيت مثل هذا السنجاب، بلونه نفسه. لكنه كان قطة! القطة المدللة، بنت البيت العربي! وفتشت ذاكرتها: هل صادفت السنجاب؟ لم أصادفه! فعلى أية شجرة رآه؟ آه، ظننتك قادما من الصحراء!
يوم رأت السنجاب في غابة على طرف بحيرة دارت حول الشجرة وتابعته. وقصدت تلك الغابة لتقتفي أثر السناجب. في المساء الذي صادفت فيه السنجاب خابرها. دهشت! كيف عرف مقرها؟! لكنها لم تبح له بأنها التقت بسنجابه في ذلك اليوم في الغابة. بعد ربع قرن وصلت منه رسالة يذكر فيها السنجاب؟ قال: "وماتزال الصنوبرة تحن للسنجاب"! فرفعت عينيها، كما رفعهما مرة في إحدى المطارات!
لا، لم تصادف قبل ذلك السنجاب إلا في الكتب! صادفت البلابل والشحارير! يوم مشيا في الغوطة كانت تلك أيام الزهر. والغوطة غابات متصلة تحتفل بزهر المشمش. كان حاجز البستان من الدكّ في مكان، ومن البيلسان في مكان. وكان شجر الجوز ينتصب عاريا معتدا بقامته. مشيا في درب، مواكبين الساقية. وعبرا معها البساتين. تركته مرات ووقفت على الحجر الذي يوزع الماء حصصا بين البساتين. وقتذاك غرد شحرور، فكادت توقف تنفسها كيلا يسمعه ويهرب. غرد الشحرور نشيدا ثم صمت برهة ثم غرد. هل قدر فترة صمت الشحرور ولذلك صفر مغردا مثله؟ كبحت ضحكتها. استمع إليه الشحرور، وعاد إلى نشيده. لم يبال به! لكنهما معا ألّفا أغنية مستمرة للأشجار، للبساتين، لزهر المشمش. نظر إليها: لك! التفتت نحوه: أنت أم الشحرور؟ لا، لم تفه يومذاك بكلمة! استمرت في المشي وابتعد تغريد الشحرور. كانت سوق الحور رشيقة، ترسم في البعد مايشبه ضباب الصباح. وخلفها في عمق البستان كان أصحابها حول دخان يتجمع يتعرج ويصعد حرا في هدوء. وعبق الحطب يفوح حتى الدرب الذي تمشي فيه. آه! تسلقت مرة مثل تلك الشجرة، وجلست على فرعها لتلتقط لها زميلاتها صورة. كانت يومذاك في رحلة مدرسية. لاشك أن في كثير من مجموعات الصور تلميذات استندن إلى شجرة لتلتقط لهن هناك صورة! وحول تلك النار، أيضا، التقطت صور، يخترقها الدخان! ذلك الشعير الأخضر كان يصل إلى خصرها في صورة أخرى قديمة! كانت صغيرة يخيل إليها وهي تعبره أنها تخترق غابة. أمام مجموعات الزهر الأصفر على طرف البستان المهملة التقطت صور كانت فيها تركب حمارا صغيرا زينت جبهته بالخرز الأزرق، وكان رأسها مزينا بشقائق النعمان.
هي من هناك! كالجوز والحور. وهو؟ لماذا يتسرب إلى تلك الدروب، ويبحث عن تلك الأمكنة؟ أهو قادم من الصحراء؟ سائح؟ أم صاحب هوى؟ أم يقتفي أثرها هناك، كما تقتفي أثر السناجب في الغابات؟! لمس خطواتها. فهل يعرف أنه ترك إلى جانبها خطواته! لم تكن كتلك الورقة التي التقطها وخبأها في جيبه! كانت شفافة، وقد رأتها بعد ربع قرن هناك. مشت على حافة الساقية، بحثت عن الحجارة التي توزع حصص الماء على البساتين. وصادفت الجوز المعتد بجسمه الفارع، والحور الفضي، والدخان الذي يتعرج في هدوء. سمعت شحرورا يغرد، وملأت هي فترات صمته بالصفير. كانت الساقية فارغة من الماء، كان الجوز مريضا، اقتلعت أكثر البساتين، كان يصعب أن تجد دربا تمشي وحدها فيه. لكن لابأس! تناولت حبات العمر من الأرض، فحصتها في كفها، ثم نثرتها في الأرض المفلوحة. كم كانت تلك السنوات جميلة! كم كانت تلك البلاد جميلة! وكم كنا شبابا يومذاك!

وردة ليلكية 11-18-2014 06:28 PM

لماذا إذن حكم علينا بأن نعبر الثلج والمطر والريح، منفيين لارحالة إلى الحضارات الغريبة؟ لماذا.. في ذلك العمر؟! نظرت إلى رسالته على طاولتها. وكان الثلج يملأ النافذة. وهي تتساءل كيف عرف عنوانها. سألتها رفيقتها التي قرأت أول سطر في الرسالة: سنجابي؟ من يسميك سنجابا؟! ردت: هس! الرسالة ليست لي! اكتشفت فائدة التسمية التي تموّه الاسم! موّهته؟ نظرت إليها رفيقتها: صرت تفتحين رسائل أصدقائك السناجب؟ أم تستعيرينها مصادر للبحث الجامعي؟! نظرت إلى رفيقتها. "آه لاتعرفين كيف يكون الإنسان مهملا وحيدا وهو محبوب، فقيرا معدما وهو غني!" تأملتها رفيقتها دهشة: صرت ماهرة في الهمهمة؟! أجابت: ماهرة في خنق الشوق!
لمس في جيبه الورقة. كان فمها مرسوما عليها. كانا يطلان على البحر. عشية فراق جديد يركب فيه كل منهما طائرة في اتجاه. بجواز سفر ملفق أو دون جواز سفر. هاهي بيروت التي كانت في نهاية السكة، بيروت التي بدت في عين الخضراء مدينة خارج الخرائط! تتكئ على بحر أزرق وهما يطلان معها على الروشة والبحر! في برهة كان يمكن أن يساقا وتقفل عليهما جدران السجن. وتمر شهور لايعرفان فيها اليوم من الآخر والليل من النهار. ويعلن أن شخصين خطرين سقطا في الفخ، وتعلق أوسمة على الصياد. كان البحر مدهشا بزرقته في ذلك اليوم. كان نيليا في مكان، فيروزيا في مكان، وكانت هي تشهق كلما هرعت إلى الشاطئ موجة فستقية مكللة بالزبد الأبيض. بعد الطعام مسحت شفتيها بورقة ووضعتها في الصحن. تناول تلك الورقة وهي مشغولة بلون قلب الموجة! وبحث فيما بعد طويلا بين الأقمشة عن ذلك اللون.
بعد عشرين سنة أم أكثر، قال لها إنه التقط تلك الورقة وخبأها في جيبه؟ أم تراه التقط ورقة مثلها، في لقاء آخر؟ تغديا في بيت أصحابهما في الجبل. وكانت فيروز تغني. لم يحمل معه إلا أغنياتها! كان رحالة يسافر في الليل، كلما هبت عاصفة على بلد يقيم فيه تمزقت خيمته! يستدعونه ويطلبون أن يجيب على "بعض" الأسئلة. وكأنهم يكتشفونه يومذاك فقط! فيفهم أنه يجب أن يرحل. تصل إليه رسائل تحذره. ويتساءل وهو يعبر الحدود خلسة في الليل، ماشيا خلف الدليل: هل كانت هذه البلاد كلها حقا بلدا واحدا؟! وهل يعيش البدو فقط في الخيام؟! في تلك المرة، في ذلك البلد، سألوه عنها. فارتعش. ينشد حبها أمام أصحابه، لكن هذا المكان ليس لذلك النشيد! قلّب الرجل الجالس خلف الطاولة كتابا بين يديه: هذا خطها، وهذا الكتاب مهدى إليك منها! كيف فكوا توقيعها، كيف عرفوا خطها؟ ارتعش من الخوف عليها.
يوم التقيا بعد أشهر كاد يلمسها متفقدا. نجت! اخترقا الكابوس إذن! لكن الدماء تسيل على أرض الشوارع. أضيف حنين جديد إلى بلد آخر غير فلسطين! حنينها! وهو المهاجر مرة ثالثة، في أية اتجاهات يوزع حنينه؟ سننتظر حتى يصحو العرب كي يعود كل منا إلى مدينته! حتى ذلك اليوم، سأسأل عن الأيدي التي تتلف في السجون. سأسأل عن الليالي التي يبددها الأرق، عن الدم المسفوح والدمع! نظرت إليه. نجونا نحن من امتحان الكرامة! لكن أصحابنا هناك! فلاتحدثني عن الحب! هل تذكرهم؟ كنا معا في أول الربيع، وفي أول الربيع نتساءل في الصباح، هل نلبس الجاكيت أم نتركه. في الباص لم أنظر إلى الطريق. كنت من المشغولين بالأحاديث والألعاب. فلم أر المطر المنهمر إلا وقت وصلنا إلى الجبل. حمل كل منا زوادته وبحث مع مجموعته عن ثنية في الجبل تؤويه من المطر. فجأة رأيتك تتسلل إلينا. هل اتفقت مع ذلك الذي اشتريت معه خمرا من الدير، خبأتماه بجريدة؟ زوّرت قصيدة قيس، ودفعتني إلى مكان ليلى! لكن قيسا لم يكن يعرف شعر ليلى الطويل، ولم يعتب لأنها قصته! بعد المطر وجدنا أول زنبق في الربيع. غنينا، ودبكنا. ضحكنا. تدفق الفرح. أعرف أنك كنت تنظر إلي وأنا أنظر إلى الجبل! بحثت معنا عن الزنبق، وقلت: لايحتاج إلى بحث! أصحابنا في تلك الرحلة بقوا هناك! فلاتحدثني عن الحب!


الساعة الآن 09:51 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.