![]() |
منارات الأدب العربي في زمن أحدب! هون رح اوثق لسيرة اهم الاديبات والادباء العرب المعاصرين اقوالهن ومآثرهن والموضوع رح يكون مستمر بإذن الله.. بتمنى من الكل يشارك ..وارجو للجميع الاستمتاع بالمتابعة والمناقشة والتعليق ع المطروح.. تحياتي للجميع وردة ليلكية.. |
قمر كيلاني من أديبات الزمن الجميل كانت تجربة الأديبة السورية الراحلة قمر كيلاني التي توفيت في العام الماضي فلها تاريخ طويل وتجربة متميزة مع الأدب والكتابة فهي التي ولدت في دمشق عام 1928.و-تخرجت من جامعة دمشق -كلية الآداب- في الخمسينات. وحصلت على شهادات في التربية (دبلوم)، وفي التعليم للمرحلة الثانوية ودور المعلمين (المعهد العالي). وقدمت أطروحة دكتوراه لم تناقــــش لم تقتصر حياتها على الكتابة فكانت في ميدان العمل من عام 1954 ـ 1975 درست اللغة العربية وآدابها وأصول التدريـــس في المعاهد العليا لإعداد المدرسين ودور المعلمين.ومن 1975 ـ 1980 عضو المكتب التنفيذي لاتحـاد الكتّاب العرب ـ مسؤولة النشاط الثقافي. 1980 ـ 1985 عضو اللجنة الوطنية لليونسكو ـ مسؤولة شؤون منظمة التربية والثقافة والعلوم (الاليكسو). 1985 ـ 2000 عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتّاب العرب ـ مسؤولة العلاقات الخارجية ـ مسؤولة عن نشاط الجمعيات الأدبية وفروع الاتحاد ـ رئيسة تحرير مجلة (الآداب الأجنبية) الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب. وكانت عضو في الكثير من اللجان والمنظمات المحلية والعربية والاقليمية وهي : رئيسة لجنة الإعلام في الاتحاد العام النسـائي من1967 ـ 1971 -عضو لجنة التضامن الآفرو آســــــيوي-عضو لجنة الدفاع عن الوطن وحماية الثورة-عضو اللجنة العليا لدعم العمل الفــــدائي-عضو اللجنة المركزية لمحو الأميــــــة- منذ عام 1967 عضو مؤسس لاتحاد الصحفيين الســوريين-عضو مؤسس لاتحاد الكتّاب العــــــرب وما يميز قمر كيلاني أنها أعمالها تنال حظها من الترجمة فترجمت بعض أعمالها الأدبية الى الروسية ـ الفرنسية ـ الإنكليزية ـ الفارسية ـ الهولندية. وكتبت مئات المقالات في الصحف والمجلات والدوريات المحلية والعربية منذ عام 1955. ـوكان لها مقال أسبوعي في إحدى الصحف الرسمية في سوريا منذ عام 1963. وفي مجال الأبحاث فكتبت عشرات الأبحاث في التراث وفي النقد، وفي موضوعات المرأة والمجتمع، وفي مناسبات تكريم أدباء معاصرين أو في رثائهم بتقويم لأعمالهم. ـ تم إعداد عدد من رسائل الدكتوراه والماجستير والدبلوم حول مؤلفاتها، واعتمد بعض من هذه المؤلفات للتدريس في جامعة (ايكس لو بروفانس) في فرنسا، وفي جامعات أخرى عربية وأجنبية وشاركت في العديد من الندوات والمؤتمرات العربية والدولية. ـ أدرج اسمها في عدد كبير من الموسوعات العالمية والعربية، وموسوعة أعلام القرن العشرين. وتنوعت مؤلفاتها بين الدراسات والأبحاث والروايات والقصص نشرتها عدد من دور النشر العربية والسورية ومؤلفاتها: 1- التصوف الإسلامي- دراسة- أيام مغربية- رواية- عالم بلا حدود- قصص- بستان الكرز- رواية -الصيادون ولعبة الموت- قصص -الهودج- رواية- حب وحرب- رواية-امرأة من خزف- قصص- اعترافات امرأة صغيرة- قصص- طائر النار- رواية- الأشباح- رواية- الدوامة- رواية-المحطة- قصص - حلم على جدران السجون(مجموعة قصصية)-أوراق مسافر-أسامة بن منقذ(دراسة)-امروء القيس(دراسة) |
نموذج من نتاج الاديبة قمر كيلاني حلم وباقة ورد ودموع الليل وردة مدهونة سوداء... تتبعثر معها براعم الأضواء اللامعة. الشارع يغمره الفرح. تفوح منه عطور الربيع... والصبايا... وأناقة المخازن الجميلة. وحيدة أسير. برودة تلثم شعوري... تهمس وراء أذني... تناغي جلدي. أرتعش. يغمرني إحساس بنشوة غامضة. ليست السعادة هي التي تبهر وجود الإنسان. السعادة هي التي تتسرب إليه بلطف فيشربها بهدوء وبصمت وهو مفعم بانبثاقات صغيرة كأنها عيون الماء بين الحصى.. وأنا... أنا التي أعيش سعاداتي الصغيرة هذه يخلقها مؤثر تثيره عندي نتف الحوادث... أخيلة الذكريات... مزق الصور الباهتة الشاحبة التي ترتسم في عيني. لعلني لا أعيش إلا هذه اللحظات بعد أن فقدت خطوط الحياة البارزة العريضة.. بعد أن اغتال واقع قاس مر ذرى أحاسيسي العنيفة.. لعلني أمر بالتجربة الصغيرة.. لعل وجودي يتسرب كدمعة من عين زهرة... كقطرة ماء من منقار عصفور. أمام محل للزهور أقف شاردة. قلبي يخفق دون ملجأ. الزهور تسطع وراء الزجاج... وفي خاطري وقلبي. شلالات صناعية تنثر حبات اللؤلؤ المندى فوق أحداق الزهور... أسراب من الأحلام تحط فوق كتفي... تحوم أمام عيني. تنثر البسمة تقطف الدمعة.. ألوان الطيف تتكسر... تتلوى. ثم تموت بين بنفسجية زرقاء وصفراء وحمراء. يترعني المشهد بإحساس مجهول. أحدق في الزجاج. الطفل أزرق العينين يلتجئ إلى جنبي الأيمن.. تتسلل يده الصغيرة الدافئة نحو يدي، أضغط فوقها بحنان. إنه طفلي. طفلي الذي تاهت زرقة السماء في عينيه. ظل رجل عملاق يرتسم فوق الزجاج. تلتمع عيناه الفاتحتان فوق أزهار التوليب فتصبغ سهولاً لأحد لبهاتها. أرتجف كورقة خريف. يد إلى جانبي... تتلمس طريقها إلي. ترتمي فوق كتفي بلهفة ضارعة. يقربني منه. تلامس وجنته شعري. يدس راحته الكبيرة تحت إبطي. يبسم في وجهي. تلتصق الصورة على الزجاج كظلال خرافية فوق معبد وثني محتها يد الزمن. نحن الثلاثة هنا... في إطار الوجود النادر السعيد. هنا... واللحظة الخالدة ترسم وجودنا الضائع... فردوسنا المفقود... حياتنا المبعثرة خلال عشر من السنين. البائعة الشابة في المحل الأنيق تبسم لنا كما تبسم لأي أسرة في أمسية من أماسي العيد. ـ أي نوع من الزهور تفضل سيدتي؟ تضطرب أناملها وهي تجوس فوق الباقات الرائعة.. والألوان الفتانة ثم تقول بصوت صاف: ـ هل أستطيع أن أؤدي خدمة؟ ما مناسبة الزهور؟ وأصمت... وتنهال الصور أمام عيني. تعرى الرياض من أزهارها... ترتمي تحت قدمي وتجهش خطاي في مواكب الماضي بينما الشوق صقيع تلفه أوهام ثلجية. يا حكاية المأساة... شربت من دمعي.. أكلت من أحداقي.. وذابت شموعها باردة البياض مع أناملي. منثور؟.. أغصان المنثور تتلاشى. تغوص مع الدموع التي التصقت بقبر أمي. يوم ماتت أمي لم يحاول أحد أن يضع لها الزهور وأنا.. بطفولتي المفجوعة اقتلعت المنثور الهزيل من ضمن دارنا وركضت حتى المقبرة لأضعه عند رأس الراحلة الحبيبة ثم أخذت أبكي فراقها اللاذع الأليم. ومن يومها ما أحببت المنثور قط. النرجس؟.. وأعواد النرجس الحزين تتقصف. تتلاشى عذراء الأحزان وأنا إذ ذاك مريضة في شبابي الأول تفترسني وحشة مجهولة ويأكلني حنين غامض وغربة كانت تنتحب في أعماقي وترميني في واد سحيق. ويأتي (مروان). زوبعة من الحنان والإشراق. يحدق بي بعينيه الفاتحتين فتضيء شموسي. يهبني باقة زهور النرجس. ثم يمسك بيدي كما أمسك المسيح بيد (العازار). فأقوم ويغتسل العالم أمامي بأضواء جديدة وأمل جديد. أواه يا مروان... أيها الحب الأول المعبود... كنت أحلم أن أكون لك. لم زرعت أحلامك في أحداقي؟ لم فجرت انطلاقة فكرك في رأسي الصغير؟ لم خلقت في قلبي النور ثم تركتني لأعيش على حلم؟ تمنينا أن يكون لنا طفل أزرق العينين مثلك... وطفلة شقراء شاحبة مثلي. واختصمنا من أجل تسميتها ثم اصطلحنا. ثم همست لي بأشياء كثيرة أخرى. وبعد ذلك... رحلت وتزوجت فتاة أخرى. تطير باقة النرجس. يمزقها شلال. تنفجر. تدور في دوامة ثم تغيب. الباقة الحمراء؟.. تتوهج الباقة الحمراء.. تسقط فوق ذراعي ذات صيف. تحملها إلى يد (خطيب) عاشق. تسكرني رائحتها الفاغمة.. تبهرني ألوانها القرمزية. أقع في دوار من اللهفة. تقودني إلى بستان أسطوري عجيب. أقطف الأحلام. وفي ليلة ما... تحولت الورود إلى لون أبيض كالطهر.. كالغيوم. كقبلات الملائكة ثم تهاوت فوقي كالثلج بينما لمعت الدموع في عيون أبي وأخواتي البنات. ـ هذه باقة العرس يا حبيبتي. هكذا هتفت أختي الصغيرة وهي تغرس في شعري زنبقة. احتضنت الزهور البيضاء. بهرني إحساس فتي. وكنت أضحك. وأبكي... ويمتزج في أعماقي اللونان: الأحمر... الأبيض... ثم الأبيض والأحمر. وأضيع. وباقات الزهور المتنوعة الجميلة؟ قصتها عجيبة غمرتني يوما تلك الباقات. من كل شكل ولون. نثرت فوقي بسخاء كما لو كنت في تابوت ملوكي. لم فعلوا كل هذا؟ هل يريدون عزائي عن جسد الطفل الممدد إلى جانبي بصمت؟ كنت أقبل فمه البارد. وعينيه الصافيتين الميتتين.. ووجنتيه الناعمتين وأود أن أمزق كل زهور العالم وأطعمها للريح والسيول وقيعان البحار. كنت أود ن أنتفها بغضب شرس وحقد حقيقي وأنا أحس أن إنسانة مريضة تختفي وراء جلدي وتئن بشكل مفجع. أواه يا طفلي... يا أفراح حبي الأفله. بذرتك هناك دون أمل بالنماء. الزهور تجدد رواءها كل ربيع وما من ربيع يحوم حول فمك يا بسمة السماء الزرقاء كنت آمل أن تكبر... وتكبر... وتتزوج يوماً حبيبة بيضاء البشرة... وتأتيني بصغار تنام في أحداقهم النجوم. والآن... أمام هذا المهرجان الربيعي أتعذب. لتحترق الزهور... كل الزهور أنا أمقتها. أنظر من وراء الزجاج إلى أشكالها فتبدو لي لوحة تجريدية مشوهة. ألوانها أشباح ميتة... كل شيء في هذا العالم الكبير. الوجوه أمامي مشوشة... كل شيء غريب... غريب. موسيقى تعزف لحناً جنائزياً. كم أود أن أهرب. يرتمي وجودي الأسيان فوق الزجاج قطعة من غيمة منسية.. بقايا دخان حائر... ظلال أصابع القدر فوق صفحة زئبقية باردة. الرجل إلى جانبي ينظر إلى وجهي الطافح بالدموع. تذهله المفاجأة أنه هو (مروان) ومأساة زواجه العقيم تحفر خطوطا سوداء تعيسة في أعماق عينيه. ينحني فوق الصغير الملتصق بي. لعله يظنه طفلي. يقبل يده بحنان. ثم يمضي. يصرخ الطفل: ـ ماما... ماما. يرفع رأسه الصغير نحوي ويقول: ما أنت ماما. امرأة شابة تتفجر منها الحياة تقترب. ترميني بنظرة امتنان خاطفة. تسحب طفلها كوعل شارد. ثم تمضي... مطر يقرع الزجاج بعنف. تضيع الصورة المرتمسه فوقه.. صورتنا.. نحن الثلاثة. صورة الوهم السعيد. يختلط ظل القطرات بشلال الماء الصناعي، أمد أصابعي الراجفة لأعانق خطوط الوهم.. بل لا محوها... تلسعني برودة ناعمة مثل أفعى. ألصق وجهي الملتهب بالزجاج. أبكي. تختلط أنفاسي مع الدموع والمطر ويضع كل شيء في فوضى. البائعة الشابة تهمس بلطف: ـ لم تقل لي سيدتي بعد أي الزهور تفضل؟ لا أنطق بحرف... بل أمضي.. أنا أيضاً... ألملم حلمي... بينما ينطفئ الشعاع ويغرق العالم في الظلام. بيروت: رأس السنة ـ 1963 |
يسلموو ع الموضوع |
ألفت الادلبي عطر ياسمين دمشقي ولا يمكن لأي سوري أن ينسى صاحبة رواية دمشق يا بسمة الحزن "ألفت الأدلبي "التي رحلت عنا بعد عمر يناهز 96 عاماً قضتها بين الأوراق والكتابة والابداع وهي التي ولدت في دمشق عام 1912. تلقت تعليمها في دمشق، ثم تفرغت للعمل الأدبي.وكانت عضو جمعية القصة والرواية.في اتحاد الكتاب العرب وكانت دمشق محط اهتمامها وهذا امر ملحوظ في مؤلفاتها التي تحكي عن دمشق بكل تفاصيلها حتى يمكن للقارئ أن يرى دمشق أنشودة ياسمين من خلال كتابات ألفت الإدلبي ومن ابرز مؤلفاتها 1- قصص شامية - قصص - دمشق 1954.المنوليا في دمشق وأحاديث أخرى- مقالات - دمشق 1964.وداعاً يا دمشق - - قصص - دمشق 1963.ويضحك الشيطان - قصص - دمشق 1970.نظرة إلى أدبنا الشعبي - دراسة - دمشق 1974.عصي الدمع - قصص - دمشق 1976 -دمشق يا بسمة الحزن - رواية - دمشق 1980 وداع الأحبة - رثاءات - دمشق 1991.حكاية جدي - رواية للفتيان- دمشق 1991 وتوفيت في 22 مارس 2004 |
نموذج من نتاج الاديبة ألفت الادلبي: المتبوعة كانت الشمس لم تشرق بعد عندما صحا أبو الحسنين من نومه على نشيج زوجه المكبوت، فانقبضت نفسه وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قام عن سريره وجلس على حافة سريرها وراح يهدهدها بحنان. قال وهي تبتلع دموعها: ـ حلمت أنني أرضعه، فلما صحوت وجدت ثديي يدران لبناً وما وجدته... وراحت تنشج بصوت عال. تصنع أبو الحسنين الجلد، وراح يغالب الدمع وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم قام ووقف أمام النافذة ونظر إلى السماء الموشاة بشفق أحمر أصفر، وأشار إليها بيديه، وقال بنزق: ـ سبحانك... لم ترزقنا الأولاد ثم تستردهم صغاراً... ويصمت قليلاً وهو يكظم غيظه، ويروج يستغفر ويخزي الشيطان، ويتلو آيات من القرآن، فقد كان الرجل تقياً لا ينبغي له أن يعترض على حكم الله. وتهدأ سورته قليلاً فيقول لزوجته برفق وحنان: ـ اعقلي يا امرأة، واصبري على حكم ربك. هذه مشيئته ولا راد لمشيئته... لقد مضى أربعون يوماً على موته ولم ينقطع دمعك، وماذا يجديك البكاء والحزن إلا الهزال والمرض... تعالي نقرأ شيئاً من القرآن عسى الله ينزل على قلبينا السكينة والصبر. سحبها من يدها فانصاعت إليه دون أن تعترض. قالت أخت أبي الحسنين التي جاءت تزور أخاها في صباح ذلك اليوم الكئيب نفسه: كم أود أن أشرب فنجان قهوة من يد امرأة أخي، فما أحب مثل قوتها. قامت أم الحسنين ممتعضة لتغلي القهوة، فقد أدركت فوراً أن بنت حميها تريد أن تختلي بزوجها لتسر إليه شيئاً أثناء غيابها. غلت القهوة على عجل، ثم صبتها في ثلاثة فناجين وضعتها في صينية، ثم سارت على مهل وحذر كي لا يسمع صوت خطواتها، ووقفت خلف الباب تسترق السمع قبل أن تدخل. سمعت صوت أخت زوجها تقول: ـ أؤكد لك يا أخي أن زوجتك امرأة متبوعة، لا يجوز أن تظل في عصمتك، مالك تنظر إليَّ هكذا؟.. ألا تفهم ما أقول لك؟... بدت الدهشة في صوت أبي الحسنين وهو يسأل أخته: ـ وما معنى امرأة متبوعة.. كفانا الله الشر... ـ لا تتغابى... رجل مثلك لا يعرف ما معنى امرأة متبوعة؟؟... ـ أنا والله لا أعرف... ـ أنا إذن أعرفك... امرأة متبوعة يعني أن لها تابعة من الجن تقضي على أولادها قبل أن يكبروا. ـ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ووقنا الله شر التابعة والمتبوعة. ـ عدت تتغابى... ألم يخطف لك الموت ثلاثة أولاد دون سبب، كل ولد مثل فرحة القلب، وأنت صابر على بلواك لا تفعل شيئاً؟ طلقها يا أخي سأخطب لك امرأة أحلى منها. حرام أن تظل في عصمتك هذه المرأة المتبوعة تخلف لك الأولاد ليموتوا، ويتركوا في قلبك حرقة لا تنطفئ؟؟؟ قال أبو الحسنين وفي صوته شيء من الهلع ممزوج بسخرية: ـ ولماذا امرأتي لها تابعة من الجن من دون غيرها من النساء؟؟.. ـ لأن بعض الجن تغار من الإنس. ـ تقصدين أن زوجتي جميلة إلى حد تغار منها الجنيات؟... ـ ربما لأنها محظوظة أكثر مما ينبغي لامرأة مثلها. ـ يا لطيف من كيدكن يا نساء... استغفري ربك يا شيخة، كل شيء بأمر الله. وإن يكن حقاً ما تقولين فسأتحمل هذا المقدر من زوجتي، ولن أهجرها، ولن أتخلى عنها أبداً، فما شأنك أنت بنا؟... اضطربت أم الحسنين فرحاً حين أيقنت أن زوجها يحبها، ولن يتخلى عنها، ولم يستمع لوسوسة أخته، فوقعت من يدها صينية القهوة وأحدثت ضجة. خرج أبو الحسنين وأخته من المخدع ليريا ما حدث فإذا الفناجين المكسورة، والقهوة المسفوحة على الأرض، فراح أبو الحسنين يربت كتف زوجته ويقول لها وكأنه يندد بأخته: ـ لا تبالي انكسر الشر إن شاء الله. ولما همت أخته بالذهاب لم يطلب منها البقاء، فخرجت من عنده بائسة، وما كادت تغلق الباب خلفها حتى انفجرت أم الحسنين باكية وهي تقول لزوجها: ـ أختك هذه اخترعت قصة التابعة لأنها تغار مني وتريدك أن تطلقني. يا ويلها من ربها... إني أعرف بنات الاحماء لا يحببن الكنة ذات البخت الأبيض. ضحك أبو الحسنين وقال: ـ الحمد لله... اعترفت أخيراً أن بختك مني أبيض، وهذا ليس بقليل. قالت وهي تنظر إليه بحنان من خلال دموعها: ـ ربنا لا يحرمني منك. فراح الرجل يطريها ويداريها حتى مسحت دموعها وابتسمت له فاطمأن قلبه وغادر بيته إلى مقر عمله. ما كاد يفرغ أبو الحسنين إلى نفسه حتى راحت تنتابه هواجس ووساوس فإذا هو ساهم يفكر بقصة التابعة فيخزي الشيطان ويحاول أن يطردها من ذهنه فلا يقوى على ذلك، يتناساها قليلاً ولكنها تعود بعدئذ أشد إلحاحاً من ذي قبل. ولما عاد إلى بيته كانت غلالة من كآبة تغلف وجهه الطلق المشرق، فلاحظت زوجه ذلك، وأدركت ما يدور في ذهنه فلم تجرؤ أن تسأله عما يهمه. ولما أوى أبو الحسنين إلى فراشه جافاه النوم، وعاودته الهواجس والوساوس ولما غفا بعد جهد رأى في نومه جنية ذات وجه قبيح وشعر منفوش وأنياب بارزة تطل عليه من النافذة وتقهقه ضاحكة بصوت مؤذ ثم تختفي. كان الحلم واضحاً كأنه يراه في تمام يقظته، فهب مذعوراً، وراح يتعوذ بالله من الشيطان. ولما نظر صوت زوجته وجدها هادئة في سريرها دون حراك فلم يدر أنائمة هي أم متناومة؟. لم يشأ أن يوقظها، ظل صامتاً في سريره يسبح ويتلو أوراداً حتى اغتالته سنة من النوم. ولما استيقظ لم يكن نهاره خيراً من ليله. وتمضي الأيام وتزداد مخاوف أبي الحسنين وهواجسه، والجنية تظهر له في الأحلام ويتخيلها في الظلام، وكان أكثر ما يغيظه منها قهقهتها الشامتة ذات الصوت المؤذي. كان هذا كله يضفي على الرجل كآبة سوداء تسربت منه إلى زوجته، فعاش الزوجان في جو رهيب من الخوف، لا يجرؤ أحدهما أن يسأل الآخر، ويؤثر أن يتحاشاه. ذات صباح نظر أبو الحسنين إلى زوجته نظرة فاحصة وقال لها: ـ أذكر أنك قلت يوم كانت أختي عندنا أنك ربما كنت حاملاً فهل تأكدت من أمرك. قالت المرأة بصوت خفيض: ـ نعم تأكدت، وأنا الآن في شهري الثالث. ـولم تكتمين عني ذلك؟ تنهدت المرأة بعمق وانصرفت من أمام زوجها دون أن تجيب. فكر أبو الحسنين طويلاً ثم غادر بيته ولم يعد إلا في منتصف الليل على غير عادته. ومنذ ذلك الحين راح يطول غيابه عن بيته في الليل والنهار، وتشعر الزوجة أنه يدبر أمراً يخفيه عنها فراحت تتسقط أخباره حتى بلغها عنه ما يريبها، فصممت على مفاتحته بالأمر بعد أن أعدت نفسها لأسوأ المفاجآت. قالت له ذات صباح: ـ لماذا تخفي عني أمر هذا الرجل الغريب الذي تصادقه منذ زمن بعيد دون أن تأخذ رأيي. ـ آخذ رأيك؟؟... وما شأنك أنت وأصدقائي؟ أصادق من أشاء ومتى أشاء. ـ بلغني أنه ساحر. ـ هو ذلك، ومن أجل ذلك صادقته. ـ وما تجديك صداقته؟ ـ أتتغابين؟ صادقته ليعلمني السحر فأطرد تابعتك الجنية التي تهددنا ليل نهار. شهقت المرأة وضربت بيدها على صدرها وقالت: ـ إذن أنت مؤمن أنني امرأة متبوعة كما قالت لك أختك؟ ـ هذا واقع لا مفر منه، وأنا مؤمن به منذ زمن بعيد، إن شئت الحق من قبل أن تذكره لي أختي. ـ لماذا إذن كنت تتعامى عنه؟ لماذا كنت تقنع نفسك بعدم وجوده حتى اغتالت لنا الجنية ثلاثة أولاد؟؟.. قال بصوت خفيض وهو يتحاشى النظر إليها: ـ كان هذا قدراً من الله. أجابته منددة قد علا صوتها على صوته: ـ كيف تقول قدر من الله وتظل مكتوف اليدين؟؟ صرخ بها: ـ أتحاسبينني على الماضي؟ ـ الماضي هو الذي أدى بنا إلى هذا الحاضر المخيف. ـ أنا أعرف كيف أتلافى الأمر فلا تخشي شيئاً. ضحكت مستهزئة وقالت: ـ أنت الذي تخشى... أما أنا فما دمت امرأة ولوداً فلا أخشى شيئاً، لابد من أن ألد الولد الذي سينتصر على التابعة الجنية دون معونة أحد. ـ يا له من منطق... ـ منطق، أو لا منطق، أريد الآن أن أعرف ماذا يدور بينك وبين صديقك الساحر هذا. ـ أنصحك بأن لا تتدخلي فيما لا يعنيك. فحملقت به مدهوشة ثم قالت: ـ ماذا تقول؟؟ أتدخل فيما لا يعنيني.. ألست أنا المتبوعة. ألست أم الأولاد المقتولين؟ من حقي إذن أن أعرف ما يدور بينك وبين هذا الساحر بشأني وبشأن أولادي. ـ أنا وحدي صاحب السلطة في هذا البيت، أفعل ما أريد، ومتى أريد.. أفهمت؟؟.. ـ ما الذي غيَّرك يا رجل؟ كنت زوجاً تقياً حنوناً، ولو كنت أعرف أن مصيري معك سينتهي إلى ما انتهى إليه الآن لما تزوجتك. ـ أما الآن وقد تزوجتيني فلا مفر لك مني. ـ هذا غبن لا أرضى به. ـ هيه... سترضين مرغمة، شئت أم أبيت. ـ كيف... أتريد أن... قاطعها قائلاً: ـ يا لثرثرة النساء! أقول لك اصمتي يا امرأة. أوجعت رأسي. ـ وإن لم أصمت، فماذا أنت فاعل؟ ـ إن لم تصمتي سأعرف كيف أخرسك... سأسلط عليك السحر الذي تعلمته من صديقي الساحر. ـ أمجنون أنت؟ أتعلمت السحر لتسلطه عليَّ وتخرسني، أم لتطرد التابعة الجنية التي تغتال أولادك؟؟ ـ سأسلطه على كل من يخالفني. أنا صاحب السلطة في هذا البيت، أفعل ما يروق لي، وكفى. بدا الهلع في عيني المرأة، لأنها وجدت الجد والتصميم في لهجة الرجل، فسكتت على مضض وهي تحدق إليه ذاهلة، فاغرة فمها كأنها صدمت، أما هو فلم يأبه لها، بل غادر البيت كعادته في أي وقت يشاء دون أن تعرف قصده. صبرت المرأة على بلواها، فلم يعد أمامها إلا الصبر. وتظل تراقب زوجها دون أن تعرف عن دخائله شيئاً إلا بالظن والتخمين. ويعود ذات يوم والإعياء باد عليه، فيقعد في الحديقة، ويسند ظهره إلى جذع شجرة ويتناول من الأرض عوداً ينبش به تراب الأرض مفكراً مهموماً. وتجيء المرأة بعد تردد، وتجلس إلى جانبه، وتصمت برهة ثم تسأله برفق: ـ ألا تشركني يا رجل في همومك؟ ألسنا زوجين لنا مصير واحد شئنا أم أبينا؟ فقال لها: ـ أعترف لك أنني لا أعرف كيف أدبر أمري مع هذا الساحر الذي وثقت به، لقد بدأ يحاور ويداور. ـ كيف؟؟ ألم يعدك أنه سيعطيك من السحر ما يكفي بقتل التابعة التي تهددنا؟ ـ بلى لقد وعد... ولكنه لم يفعل، ولا أخاله سيفعل... شهقت المرأة وقالت: ـ ما حجته في ذلك ما دمت تدفع له ما يطلب مهما تمادى في الطلب؟ ـ يدعي ألا قدرة له عليها، كلما أمدني بسحر أمدها أصدقاؤها السحرة بأدهى منه وأمر. ـ لا تصدق ما يقوله... ربما تربطه بها أواصر مودة قديمة... لم لا تتعلم أنت صنع السحر وتطردها أنت بنفسك؟ ـ إن ما علمني من فنون السحر لا يكفي لطردها، وإنما يكفي فقط لصدها عن غزونا في عقر دارنا، وخطف أطفالنا. فهزته من كتفه بعنف وقالت: ـ كيف لم تدرك ذلك قبل أن تتورط معه؟ ـ هذا الذي حصل... ـ أكاد أجن منك يا رجل، مرة تتعامى وتهرب من الواقع، مرة تقول قدر من الله، مرة تقول هذا الذي حصل، ماذا تنتظر الآن؟ قل لي... لقد غزتنا الجنية ثلاث مرات وقتلت لنا ثلاثة أولاد... أنظل هكذا طوال عمرنا في هلع وخوف؟ ندفع لساحرك تكاليف السحر حتى نكاد نجوع ونعرى، وتظل الجنية تحوم حولنا فلا نستطيع طردها، أو رد أذاها؟ قل لي بربك ما الفرق بين أن تقتل الجنية أولادنا، وبين أن يموتوا جوعاً وهلعاً. كلتاهما ميتة... فنكس رأسه دون أن ينبس بكلمة وعاد ينبش الأرض بعوده اليابس وقد علت وجهه مسحة حزن عميق. وتصمت المرأة عندما تشعر أن شيئاً يغلي في حلقها يمنعها عن الكلام ويكاد يمنعها عن التنفس... ثم تند منها صرخة ألم، فيرفع الرجل رأسه وينظر إليها فإذا أسارير وجهها منكمشة كمن يعاني ألماً شديداً فسألها ما بها، فتشير إلى بطنها المنفوخة وتقول: ـ هذا الجنين... إنه لا يشبه غيره من الأجنة التي حبلت بها، كلما تحرك أشعر كأنه سيفزر بطني ويخرج قبل أوانه. فتبرق عينا الرجل لحظة وهو يمد بصره إلى بعيد، ويتناول من الأرض عوداً لينبش به التراب، فإذا هو عود أخضر... |
مشكورة وردة على الادراج الجميل تحياتي |
رااائع اختيارك الادبي يضاهي صمت الحروف روعة المساءات الجميله راق لي وجداااا انتقاء يافع الجمال وكلمات رنانة تسلب الافئدة ممتن لذوقك يا طيبة |
لجميع المرور الكرام كل التقدير والاحترام مودتي لكم جميعا شكرا جزيلا. |
كوليت خوري اسم جميل من زمن جميل وحتى نعطي الحق لاسم جميل من زمن جميل ... فكوليت خوري هي شاعرة واديبة وروائية جدها رئيس الوزراء السوري السابق فارس خوري في عهد الاستقلال .و تكتب بالفرنسية و الإنكليزية إلى جانب لغتها الأم العربية .وكانت تعمل محاضرة في جامعة دمشق كلية الآداب. وعملت في الصحافة السورية والعربية منذ ايام الدراسة وتعد واحدة من أكبر الأديبات السوريات والعربيات .حصلت الأديبة الكبيرة كوليت خوري على شهادتين في الحقوق وآداب اللغة الفرنسية من جامعة دمشق وبيروت، وهي تكتب الشعر والرواية باللغتين الفرنسية والعربية، وهي حاليا مستشارة في رئاسة الجمهورية العربية السورية لشؤون الأدب كوليت خوري لها بصمة ابادعية مختلفة تمتاز بتعتق الزمن فكل عتيق وقديم هو نفيس وقدم رواياتها تدل على نفاستها ، ومعايشة كوليت خوري لنزار قباني لم تكن مجرد ايام بل كانت ياسميناً دمشقياً مخلوطا بشذى الأدب والشعر وهي التي قال فيها نزار قباني عندما سئل عنها فقال "لأنها مدينة أرى في كوليت دمشق " ولكوليت خوري الكثير من المقولات التي تعبر عن مدى شاعريتها وفهمها للحياة بطريقة فلسفية حيث تقول "الشك داء مخيف يدمر النخوة في النفوس، ويقتل المحبة في القلوب، ويطفئ بريق الايمان في العينين". "إن العاطفة وحدها هي التي تجعل صدر رجل رزين يستوعب امرأة". "أريد رجلا يستطيع أن يكون أبا فيرعاني كطفلة، وفي الوقت نفسه يستطيع أن يكون طفلا فيشعرني بمسؤوليتي كأم" ... "أريد رجلا تتبلور بوجوده أنوثتي كاملة وكوليت خوري عضو جمعية القصة والرواية في اتحاد الكتاب العرب تلقت تعليمها الأولي في(مدرسة راهبات البيزانسسون) وأتمت دراستها الثانوية في المعهد الفرنسي العربي في دمشق. بعدئذٍ درست الحقوق في الجامعة اليسوعية في بيروت ثم تابعت تحصيلها العالي في جامعة القديس يوسف ببيروت، ثم في جامعة دمشق، ونالت الجازة في اللغة الفرنسية وآدابها. مؤلفاتها: -عشرون عاماً- شعر بالفرنسية-أيام معه- رواية.رعشة- شعر بالفرنسية- ليلة واحدة- رواية-أنا والمدى- قصص.-كيان- قصص -دمشق بيتي الكبير- قصة-المرحلة المرة- قصص.-الكلمة الأنثى- قصص.-قصتان- ومر صيف- رواية.-أغلى جوهرة في العالم- مسرحية-دعوة إلى القنيطرة- قصة-أيام مع الأيام- رواية -أوراق فارس الخوري- اعداد |
“أريد رجلا يحبني وهو يعلم أن الكثيرات أجمل مني وأذكى مني. رجلا يحبني لأن روحي امتزجت وروحه، ولأن أفكاري طابقت أفكاره. ولا أريد .. لا أريد رجلا يحبني لأنه بعد وضعي بالميزان اكتشف أنني أحسن من غيري!” ― كوليت الخوري |
“لا أُحب الصّراخ بحنجرتي، فصرخت بأصابعي وأصبحتُ كاتبة” ― كوليت الخوري |
مقتطفات من مجموعة قصص إمرأة للكاتبة كوليت خوري قصتي معك أحلى قصيدة أكتبها , لكنها قصيدة لا تكتب فاللقطات الانسانية تفيض بها العين فقط ———- في مكان ما من البلد انسان حبيب تمنعه كبرياؤه من ان يغرز اصابعه في ارقام يحبها ———- كيف اقول له انه ربح المعركة وهو وحده في الساحة ؟ ما قيمة نصره إذا ؟ ———- في مكان ما من البلد انسان حبيب لا يدري انه حبيب ———- لم يعترف لها بحبه .. فقد علموه ان العواطف تقتل الرجولة وبالتالي تسيء الى القضية .. وصدٌق! ———- ان هناك صقيعا نفسيا ذابحاً يجعل الانسان يتخلى عن كل شيء ويبيع الدنيا بهمسة ود ———- سئمت الهشرة , سئمت الحرية و انني ابيع الدنيا لانسان يسألني اين اذهب و متى اعود .. ابيع الدنيا لمرفأ تتهالك على شاطئه في اطمئنان , امواج حياتي ———- أيام الانتظار .. هذه الايام التي يكدس فيها المرء الساعات القلقة الطويلة و يصلها ببعضها و هو يجهل الى اين تؤدي هذه الجسور التي يبنيها من اعصابه , هذه الايام المتطاولة التي لا يزينها سوى بريق امل متارجح بعيد .. ويفني ثوانيها الخوف من السراب ———- انا من نوع النساء الذي يبقى ببساطة او يمضي ببساطة فإذا ما بقي يكون ارتباطه جدياً واما اذا ما مضى فهو لن يعود ———- ما اصعب ان يرجع المرء وحده من رحلة خاطفة في وهم السعادة —-—— لو كنت عشر نساء لوزعت طموحي و رغباتي و هواياتي وعملي عليهن ومع ذلك لما وجدت واحدة منهن وقتا لتتنفس ———- المرأة تستطيع بتربيتها وذوقها وابتسامتها ان تجعل من بيتها الصغير المتواضع جنة وارفة بالدفء وان تخلق في وطنها مجتمعا راقياً |
ناديا خوست ولدت في دمشق. ودرست فيها. ساهمت في تأسيس مجلة مدرسية وناد ثقافي مدرسي. تخرجت من كلية الآداب في الجامعة. ساهمت في الندوة الأدبية فيها. ثم في تأسيس رابطة الكتاب الشباب. اختصت في الآداب في جامعة موسكو. درست اللغة الفرنسية سنة في جامعة ستراسبورغ. كتبت المقالة الأسبوعية في الصحافة منذ سنة 1978. كتبت السيناريو عن قصصها. عضوة في اللجنة التي وضعت نظام البناء لدمشق القديمة. عضوة مؤسسة في هيئة دمشق القديمة. عضوة في مجلس محافظة دمشق دورة واحدة. ساهمت في حماية بعض الأبنية التاريخية وفي تعديل المخطط التنظيمي لدمشق. اشتركت في مؤتمرات عالمية عن قضايا المرأة والسلام. مؤلفاتها: 1-أحب الشام -قصص- دمشق 1967 2-في القلب شيء آخر - قصص- دمشق 1979 3-كتّاب ومواقف - دراسة أدبية - دمشق 1983 4-في سجن عكا - قصص - دمشق 1984 5-الهجرة من الجنة - دراسة عن العلاقة بالمدينة العربية - دمشق 1989 6-لا مكان للغريب - قصص - دمشق 1990 7-دمشق ذاكرة الإنسان والحجر - دراسة عن العلاقة بالمدينة العربية - دمشق 1993 8-حب في بلاد الشام - رواية - دمشق 1996 9-مملكة الصمت - قصص - دمشق 1997 10-أعاصير في بلاد الشام - رواية - 1998 |
شيء من نتاج الاديبة ناديا خوست تعود أهل المدينة المسحورة أن يملأوا الساحات إذا ناداهم راعي مدينتهم. حتى أدعى الغرباء، من الغيرة، أن أهل تلك المدينة خائفون من راعيها! لم يفهم الغرباء كيف يهرع رجال بإرادتهم على نداء، مسرعين ولو كاد أحدهم يدوس الآخر! وقالوا: اولئك مضبوعون، فالعاقل لا يركض ليرى طرف وجه المحبوب! واستمر ذلك زمناً طويلاً.الراعي حتى نزل المنادون مرة إلى الأسواق، كالعادة، يتقدمهم الطبل والمزمار. ونادوا كالعادة: ياأهل المدينة المسحورة! ونشروا لفافة من جلد الغزال وقرأوا المكتوب فيها. فرددت الأسواق الصامتة نداءهم، ولكن لم يخرج إليهم أحد. ولم يلحقهم ولد. رددت الحارات والجدران نداءهم، ولكن لم تفتح نافذة ولم تتحرك ستارة. حتى سمعوا أصوات خطواتهم كأنها الطبول. فرجعوا إلى راعي المدينة وأعلنوا له: الأسواق مفتوحة، والبيوت والأشجار والمياه موجودة. الرعية فقط متخلفة! أيصدقهم؟ كيف يمكن أن يختفي سكان مدينة كاملة في ليلة؟ قال: يعرف زمننا تهجير شعوب وقوميات، واستقدام سكان، وتبديل هويات، لكن لذلك إشارات من قصف أو حرائق أو زلازل أو، على الأقل، مؤتمرات! لم أسمع ولم أر مثل تلك العلامات! أكد له حراسه ما قال: نعم لم نسمع حتى تنفس الطفل. فهل يهاجر أو يهرب سكان مدينة دون أن نسمع على الأقل صوت أقدام؟ وأعلن حراس الأبراج والبوابات أنهم لم يلمحوا في الليلة الماضية مسافراً أو هارباً أو مهاجراً. مر فقط قطيع من الذئاب كأنه قطعة واحدة. رأوه واضحاً، لكن ضبابة غطته بعد ذلك فلم يعرفوا اتجاهه، واجتاحتهم عندئذ رغبة مفاجئة بالنوم فناموا. فلا تسلوهم عن مساره. بوابات السور، على كل حال، مغلقة لن يعبرها الطير الطائر فهل يعبرها قطيع من الذئاب! قال راعي المدينة: آه! لا يشعر حتى حراس السور بالمسؤولية مثلي! أنا الذي تابعت قطيع الذئاب من برجي الذي يعلو جميع الأبراج، ورأيته يحوم حول المدينة! كنت إذن أكتب النداء إلى رعيتي عندما كانت الرعية والحراس نائمين! ونزل باحثاً عن رعيته. رأى مدينة غريبة . كانت الأبواب كلها تنفتح إذا دفعها. وكانت الأسواق كلها مفتوحة، كأن الناس سيقصدونها بعد برهة . فتذكر أنه كان يتمنى في بعض الأيام، وقت يضيق بثرثرة أهل مدينته، وطلباتهم، ورغباتهم، لو كانت المدينة دون سكانها. ها هي الآن كذلك! فلماذا يشعر بالوحشة؟ لاحظ أنه يمشي وحيداً. اختفى حراسه كما اختفت الرعية! أهربوا خوفاً من الذئاب، أم تسللوا هرباً منه؟ تركوه! ولا مجال الآن لأن يهدد أحداً. لا يستطيع الآن أن يشهر الخوف سلاحاً. لا يستطيع أن يكون ملكاً أو أميراً أو غنياً لأنه في مدينة دون ناس، أكان أولئك الناس راضين أم خائفين، أكانوا سعداء أم أشقياء. اندفع باحثاً عن شعبه. دفع أول باب صادفه، فرأى بيتأ فقيراً، نظيفاً ساكناً. في المطبخ رأى مقعداً عليه طراحة مغطاة بقماش نظيف، لكن الرفوف فيه فارغة، فخرج مسرعاً. في الباحة رأى شجرة ليمون مثمرة .فقال لنفسه: لدى أصحاب البيت إذن ما يؤكل! ولاحظ على البلاط أثر الماء. كل شيء يشير إلى الأحياء، فأين هم؟ في البيت التالي، رأى وهو يقف على عتبة غرفة، أصحاب البيت جالسين. لكنهم لم يتحركوا وهو يتقدم إليهم. ولم يلتفتوا إليه. اقترب ولمسهم، فلم يرتعشوا. شعر ببرودة الحجر تحت أصابعه. فتراجع ذاهلاً، وخرج من البيت. في الطريق الساكن انتبه إلى قطة. اقترب منها ورفع قدمه كمن يهم بأن يرفسها. لم تتحرك. ضرب بقدمه الأرض أمامها فبقيت ساكنة. فاندفع إلى بيت آخر، وفتح الغرف واحدة إثرأخرى. فوجد في إحداها أسرة مجتمعة كأنها تنتظر أمراً. لم يتحرك أحد منها وهو يقترب منها. في البيت الثالث والرابع والخامس تكرر المشهد نفسه: أشخاص جالسون أو واقفون كأنهم يصغون إلى بلاغ مهم أو ينتظرون إعلاناً عن حدث. لكنهم جامدون، ساكنون، بشر من حجر. اجتاحه الغضب. صاح: مؤامرة ! يا للماكرين! لم يجرؤوا على الخلاص منه فخلصوه من أنفسهم . لم يتركهم فتركوه. ثم خطر له أن أعداءه أرسلوا إلى مدينته، في السر، ساحراً أو شريراً انتقم منه فحول رعيته إلى تماثيل من حجر. تلفت. لا أنس ولا جن! آه، ليعترف لنفسه بأن أمنيته كانت أن يتحول سكان مدينته إلى تماثيل تسمع ولا تتكلم، تشتغل ولا تطلب، تحضر ولا تناقش أو تفكر. لكن كيف تحقق ذلك؟! ولماذا تحقق ذلك الآن وهو في حاجة إلى رعية يحشدها لترد قطيع الذئاب! سمع هدير الذئاب! اقتربت اذن! تسلقت الأسوار واندفعت إلى المدينة! لم يغنه حراسه ولم تسعفه أبراجه! صرخ: ياناس، انهضوا! ياناس هجمت الذئاب على مدينتكم! رددت الجبال صراخه. ولكن لم يهرع إليه أحد من سكان مدينته.وتذكر عندئذ أنه أعلن مرات قبل هذا اليوم أن الذئاب تهاجم المدينة. أعلن ذلك يوم انعقد الصراع بينه وبين أولاد عمه على الميراث. ويوم كاد منافسه يحتل قصره. ويوم..ويوم.. فكان الناس يتجمعون تحت برجه، وكل منهم يحمل ماتيسر له، عصاً أو سكيناً أو حجراً. فكان يكسب بهم معاركه ضد منافسيه، والناس يظنون أنه يكسبها ضد الذئاب. كانت المرة الأخيرة التي طلب فيها معونة الناس على الذئاب، يوم شيد مائدة من الأحجار الكريمة، حشد فوقها أنواعاً من الثمار النادرة والأطعمة التي نقلت من بلاد بعيدة، خلال مجاعة اجتاحت مدينته، فتنقل الرسل يروون الأخبار عن ذلك قائلين: أموالكم تهدر وأولادكم يموتون من الجوع! صرخ يومذاك: هجمت الذئاب، فنسي الناس ما قيل لهم، وركضوا لينقذوا المدينة من الذئاب! وقف في وسط الطريق وصرخ: أقسم أن الذئاب تجتاح المدينة الآن! يا ناس، أقسم لكم..! لم تتحرك على ندائه ستارة، ولم يرتجف باب، لم يظهر ولد أو قطة على سطح. لم يخرج إليه أحد! صرخ: النجدة! النجدة، ياناس! فرددت الحارات والأسواق نداءه. في السكون سمع صوت الذئاب. ومع ذلك ظلت حتى الأشجار ساكنة . كان كل شيء في المدينة جامداً حتى الهواء. وعندئذ انتبه إلى أنه الحي الوحيد الآن، وأن الذئاب التي أخاف بها رعيته، يمكن أن تمزقه، فاجتاحه الخوف، الخوف نفسه الذي كان سلاحه ودرعه في مدينته! فتلفت باحثاً عن الجهة التي يمكن ألا تهاجمه منها الذئاب. لكن الأصوات وصلت إليه من الجهات كلها، كأنها تقصده. ثم رآها. وفي برهة خاطفة كالبرق فهم أن رعيته اجتمعت إلى ساحر وطلبت نصيحته كي يخلصها منه ومن الذئاب معاً. كان الحل الذي وجده لها، إذن، أن يحولها إلى صخر بانتظار الزمن المأمول؟ وأن تتركه وحده للذئاب تنهشه؟ ألذلك رأى الناس في وضع من يبحث أمراً أو ينتظر حدثاً عظيماً؟ شعر بغضب هائل، وصرخ: أيتها الذئاب، تعالي! سأدلك إلى جميع المخابىء! وسأبحث لك عن الإكسير الذي خبأه الساحر ليوم الخلاص المنتظر! أيتها الذئاب اتبعيني، أنا الآن راعيك، ودليلك في المدينة المسحورة! سأنبش حتى حجارة الأرض باحثاً عن الأسرار، ولن أسمع بأن يكون الموت الظاهر اليوم موتاً مؤقتاً. بل سأجعله موتاً أبدياً. سأكسر الصخور، وأفرق المجتمعين ولو كانوا تماثيل. سأبدد هذه المدينة في الريح. هيا أيتها الذئاب، أنت وأنا عليها! سأربي هذه الرعية في مرعى ذي أسوار، أفلح ببعضها أرضي وأحصد زرعي، وتتناولين أنت منها لحمها وشحمها! علىهذا النداء حضر حراسه الذي كانوا قد اختفوا كأن الريح بعثرتهم. حضروا كأنهم منتصرون. لم يسألهم الراعي أين كانوا، ولم يسألوه كيف صاحب الذئاب، ولم السؤال وكل منهم يشعر بالأمان. انتهى زمن الخشية من الذئاب، وهاهو ينتقل مع حراسه من جانب المهزومين إلى جانب المنتصرين! لم يستطع أهل المدينة المسحورة أن يدهشوا لأن راعي المدينة دعا الذئاب ووعدهم بالبحث عن إكسير خلاصهم، هو الذي عاش عمره كله يهددهم باجتياح الذئاب، فيطعمونه ويسقونه ويخدمونه في انتظار المعركة المنتظرة التي ستخلص المدينة من الذئاب وتنشر فيها الأمان! لم يستطيعوا أن يدهشوا لأن حراسه الذين عاشوا في أبراجهم المرتفعة كي يكونوا قادرين على رصد قطيع الذئاب في الليل والنهار فيحذروا المدينة منه، ناموا في ليلة المصير، ثم اختفوا ولم يسمعوا إلا نداء الراعي الأخير! لم يدهش أهل المدينة .. لأنهم كانوا من حجر وصخر. وقد غربت الشمس في ذلك اليوم من الشرق، ولاحظت وهي تغرق في العتمة أن على الصخور ندى كالدموع، وقبل أن تتساءل: أيبكي الحجر؟ اجتاحتها العتمة، وسمعت صوت قطيع الذئاب ممزوجاً بهتافات المنتصرين . |
أوسع السجون قال: لو تزوجنا، أكان كل منا هكذا؟ أنا وحيد وأنت وحيدة؟ وحيد، وكل اولئك الناس حوله؟ أعرف أن نساء متنوعات لحقنه. وهل يرد امرأة تقصده؟! الشهامة! وأنا هل كنت وحيدة، والأيام أقصر مما أريد؟ آه، تعلم التنجيم إذن فعرف أن الانسان قد يكون وحيدا وسط المجموعة!نظرت إليه كما كانت تنظر إليه تماما. بملء عينيها! لم تر شعره الأبيض. بل رأته كما كان يوم عرفته. ابتسمت. مازال يتحدث في حماسة، مازال يظهر الوله ويطلق الهوى! كان هكذا يومذاك. لذلك لم يستطع أن يمشي على سكة القطار في عين الخضراء، ومشت هي عليها تحت ظلال الجوز! كانت النزهة مرتبة كي يكونا معا طوال النهار. وكان الربيع في أوله. وربيع دمشق يومذاك واضح الحدود. من جهة شمس دافئة وزهر وبراعم، ومن جهة برودة منعشة منذ تميل الشمس. والنسيم يحمل من الصباح إلى المساء عبق الزهر ولايملّ. على يسارهما صخور تعشش في كهوفها روح الإنسان القديم. صخور تشد الروح إلى السماء الزرقاء الصافية العميقة. وصخور ينساب عليها النبع. وصخور ملثمة بالأشجار على ضفتي النهر. وكانت الأغصان تمس صفحة الماء المندفع بمثل لهفته. أكانت تحرضه على البوح؟ توقفت على سكة القطار، متوازنة، ونظرت إليه برهة. كان رشيقا، يزيد الحب من جماله. كان فاتنا بصدقه، بشعره الأسود، بنحافته. وكانت كلماته تنساب، تتدافع، تتألم، ترجو وتحلم. فتوهم أن في يدها فقط مفتاح البوابة إلى سعادته. قالت: رضوان؟ توقف دهشا؟ ماذا قلت؟ من رضوان؟ رجل تحبينه؟ ضحكت: لاأعرفه! رفع رأسه إلى رقعة السماء المطلة بين الصخور والأشجار: ياربي! أكان يشكوها الى رقعة السماء العميقة الزرقة؟ أم إلى إله قديم مختبئ في الكهوف؟ سارت على سكة القطار، وتكاثفت فوقها الأشجار. تبعها على الحصى المفروش على السكة، ثم واكبها. التفتت إليه مرة أخرى وتساءلت: هل سيبقى منه شيء حتى المساء إذا ظل يحترق باللهفة والشوق؟ ارتعش الليل في ذلك اليوم من الرطوبة لكنها لم تشعر ببرد الليل. مشيا. من طرف بينهما وبين النهر مجمعات من أشجار الحور، ومن الطرف الآخر تظهر بوابات بيوت طينية مغمورة بالشجر ويثغو أحيانا خروف وتطل أحيانا فتاة. كانت تسبقه وهي تمشي على السكة. ثم التفتت إليه فواجهته وهو على بعد خطوات. وقفا ينظر كل منهما إلى الآخر. رأت في عينيه بريق دموع. وبدا في ذلك الخندق الأخضر إنسانا نزل من الجبل ووقف أمامها وسيما طلق اللغة، نظيف الملابس، ناصع الأسنان. فكادت تقول له: مشيت مثل ذاك الذي سكن في كهوف هذا الجبل، لكن يومذاك لم تكن هناك حدود. وربما لم تكن كلمة "التسلل" موجودة في اللغة! هل سألها هناك أيضا، وهي تمشي على السكة وهو يواكبها على الحصى: تتزوجيني؟ وهل قالت له يومذاك: ليتنا نتبع طريق السكة إلى بيروت، كأنها تدعوه الى مدينة خارج الخرائط؟ يصعب عليها أن تربط الأمكنة إلا بالسعادة الواسعة التي كانت تنشرها صحبته. "كنت تلبسين يومذاك تنورة واسعة زرقاء، وقميصا أبيض! وكان شعرك يرف مع حركتك!" قالت: "كان ذلك هو طراز الفتيات في تلك الأيام!" كانت الحياة سهلة يومذاك، لباس الناس بسيط، وفي البلد مقاه تكتنفها الأشجار والأزهار. كانت البيوت تناسب طول الإنسان. كانت الأنهار تعيش والأشجار تعانق المدينة. كانت الأحلام هي الكبيرة لاالبنايات. وكانت أحلامها هي تمتد، لاتحبسها حدود. كانت ايمانا بأن الغد كبستان من زهر المشمش. من يستعجل الزواج يومذاك! تحمي نفسها مم، ممن؟ ولم يكن في مشروعها، وقت يحين الزواج، أن تهاجر من البلاد. قالت: "هل تترك هذه الصخور مكانها؟" لم تكن ذاقت الوحدة، وضعف الإنسان وقت يلين فيقبل ماظن أنه لن يقبله، ويدفع بعد ذلك الثمن. ماذا جمعهما فيما بعد، وكل منهما بعيد عن الآخر؟ أن الرجل الذي تركاه جالسا على كرسي من القش قرب النهر ليمشيا على السكة، مات مقتولا في سجن؟ أنهما التقيا في التفكير به، وكل منهما في طرف من الأرض؟ كان يخرج من غرفته كلما سمع خطواتها وهي تعبر الممر إلى أرض الدار التي تظللها شجرة مشمش هندي. لا، ليس "كلما"! كان يتلكأ عندما يغضب منها! وكان أحيانا يفتح نافذته ليعكس الزجاج صورتها فيراها من غرفته! عرفت ذلك يوم رأت بنت الجيران تراقبه بزجاج النافذة! كانت تصادف أحيانا بعض الفتيات في أرض الدار، وتفهم أنهن بنات الجيران أتين ليستعرن، في الظاهر، شيئا من صاحبة البيت. وفي الحقيقة كي يجلسن قليلا ويتحدثن معه. لكن ذلك لايعنيها! لماذا يعنيها؟ مابينهما أعمق من أن يخترقه حب آخر. هل كانا يختلفان هنا؟ هل كان يريد أن يكون مابينهما حبا عاديا فيه غيرة وانتظار وغضب، وينتهي بزواج؟ للزمن قرار آخر! وصلتها منه رسالة، مرة. وجد شبيهتها! نسخة أخرى في الشكل واللون والحركة! أحبته تلك الغريبة، وقبل حبها زمنا. كتب في رسالته: "تركتها هائمة تمشي على الأرض!" فغضبت: لايحتاج الرجال نذلا آخر! تركها هائمة؟ غضبت عليه! لم تشعر بالغيرة، بل بالحزن على الفتاة! |
وم التقيا صدفة في مطار من المطارات، كان يودع رجلا، وكانت هي تعبر المطار إلى بلد آخر. نهض ملهوفا عندما رآها. وبرقت الدموع في عينيه. أهناك قال لها إنه ترك شبيهتها وهناك قالت له إنها لامته لأنه جرح فتاة تحبه؟ كانا يكتبان قصة بالعمر، بالأمكنة، كأنهما يصفّانها قطعة، قطعة. لم يتبيناها كاملة إلا هنا في مملكة الصمت. جلسا على حجر، وتناول يدها. قلّبها بين كفيه وقبلها. ركع أمامها. لم تكن أية قطعة منها أقل قداسة من الأخرى. فلماذا تشد قبضتيها وتبعد قدميها! كان هناك إنسانا تجاوز مايستوقف الرجال أو يقيدهم. كان لايخجل بأن يبوح بحبه كله، ويكشف ليالي شوقه وحزنه. كانت هي أغنيته التي ينشدها أمام الغرباء. فهل أراد أن يحيي قيس ليلى؟ منذ تلك الأزمنة خجل الناس بالحب وأخفوه، وأهانوه كي يظهروا أنهم أكبر منه! فهل تحمل حبك على كتفك من بلد إلى بلد، كي يعيش قيس العرب في العصر؟ في مملكة الصمت عرفت أنصاف الحقائق الأخرى، أنصاف الصور الأخرى، ووضعت الجزء إلى جانب الجزء. لم تفرقهما إذن جروح الحرية، والحدود، والرياح التي عصفت بالبلاد! فرقتهما أيضا الخلافات بين أهل البيت! فهل كان ينشد حلما مبهجا، ويرسم صورة ملونة على أفق قاتم؟ ويبعث أمامها قيس وليلى في الزمن المعاصر؟ ويعلن أن أراغون وإلسا موجودان هنا أيضا؟ كان يعرض البطاقات البريدية إذا وصلته منها وقت يعرف أحدهما عنوان الآخر. ويعرض الرسائل التي تكتبها إليه وتبرأ بها من ثلج الغربة وسمائها المنخفضة. في ذلك المقطع من الحياة كانت تعرف عنوانه. لكنها وقت نزلت من القطار في المدينة التي يوجد فيها تفادته. كانت وحيدة، ومريضة. نزلت في الفندق الذي كان يسهر فيه. اختارت طاولة في قاعة صغيرة لاترى من قاعة الطعام الكبيرة. لبست ثوبا في مثل لون قلب الموجة، وشعرت بأنه يجلس هناك صامتا معها. تناولت القليل من الطعام، شربت القليل من عصير البرتقال، ثم صعدت إلى غرفتها. وفي الصباح مشت أنيقة إلى السفارة المقصودة فجددت جواز سفرها. صمدت للأسئلة، فبدت مغتربة غنية، ليست من المشبوهين في زمن القلاقل، الذين لاتمدد لهم الجوازات. وعادت إلى الفندق. عبرت الردهة التي يعبرها، وجلست في القاعة الصغيرة وقلبها يرتعش. هل كانت تخاف من السعادة إذا رأته؟ هل كانت تتفادى ليالي الأرق التي ستتبعها؟ يوم صادفته في مدينة أخرى انزلق لسانها فعرف أنه كان قربها في الفندق نفسه. آه، ماذا فعلت! من ذلك الفندق، وهي جالسة في القاعة الصغيرة اتصل بها في تلك الليلة، إلى البلد الآخر ليطلب أن تزوره! ثم عاد فجلس خائبا في قاعة المطعم الكبيرة! "كنت في الفندق نفسه وأنا أصغي إلى دقات هاتفك؟!" تركها برهة وابتعد إلى المغاسل ليخفي انفعاله. ثم عاد إليها وأثر الألم في وجهه، والبريق في عينيه. عاتبها. تريدين أن تحمليني كما تحمل صورة في الجيب وكما يحمل تمثال صغير في الحقيبة! ترحلين بي في اتجاهاتك، لكنك لاتتوقفين لتكوني مع الأصل الحي! ماذا تقول له؟ كانت الحياة تندفع في اتجاه آخر. "يعلم الله متى تعودين إلى بلدك!" ترد على نفسها: "ذات يوم سأعود إلى بلدي! لكنه لن يعود!" سألها لماذا؟ لماذا؟ فلم ترد عليه! كانت على كل حال مريضة، لم تزر حتى النهر الذي تحبه، لم تصعد الطريق ذا الفوانيس، لم تقصد المقهى الصغير ذي المقاعد الخشب! لم تسع إلى شيئ تحبه يومذاك! تذكرت أنه قال لها مرة وهو يتبع خطوطها مبهورا: ألم تتأملي نفسك في المرآة؟ لكنها، لم تترك صورتها في المرآة! وكان هو وقتذاك جالسا في مطعم الفندق، كالمنفيين، يدخن ويتحدث ويخرج من جيبه صورتها ويعرضها لأصدقائه القدماء. آه، لايعرف أن حبه دون أرض يعشش فيها! لم ترسم مجموعة من الرجال الغرباء الحدود قبل مولدهما كي تقسم البلاد، بل كي تمنعها من العبور إلى مدينته وتمنعه من العبور إلى مدينتها! |
أخرج الصورة من جيبه يوم التقيا. ورأت نفسها شابة مضيئة العينين، ترفع رأسها، كما طلب المصور، لينهمر الضوء على وجهها، وليتألق شعرها. كانت أفراح الحياة هناك، في حركة الرأس وفي العينين. كانت في تلك الصورة كشحرور لاعمر له، لانهاية له. سألت نفسها وهي تنظر إلى الصورة: أنا؟ قال: أخذتها منك، وأوصلتك بالتكسي إلى البيت الذي ستلتقين فيه بأصدقائك لتسافروا منه في الفجر! كنت تلبسين ثوبا أخضر.. وكانت رائحة الصابون تفوح منك، وبشرتك مازالت دافئة من الماء. آه كيف تتذكر التفاصيل؟ عذابه أنه يحفظ التفاصيل! تحيط به الصور، يسمع الكلمات والأصوات، يحس بالمشاعر التي مضت! قال: أي شقاء! تساءلت: شقاء أن تبقى الأيام شابة، والأصوات نضرة؟! كان يقصد أمرا آخر! لكنه لم يحك لها عنه يومذاك. لم يقل لها إن الانتقام في العصور كلها يختار بقعة القلب النضرة! "اختلفت معه، وفي الاجتماع التالي كنت مقابله، وفي الثالث كنا نتحدث بلغتين. بعد ذلك أعلن لي: لن تتزوجها أبدا، طالما كنت حيا! لن تصل أبدا إلى مدينة تكون هي فيها!" كانت جميع مفاتيح تلك المدن في يديه! روى لها ذلك في مملكة الصمت! كانت إذن تنفذ أمرا لاتعرفه يوم مرت بإحدى مدنه وتفادت أن تراه! لم يمت إذن أهل قيس وليلى أبدا! وصلوا أحياء إلى أبعد الأجيال عنهم، إلى أبعد الرجال عنهم! الحرمان من الحب عقاب في المنافسات السياسية على مدى الدهر! ألذلك أنشد في تلك الأيام: "ياويل درب لايضيعني"، فغضبت عليه؟ ألذلك كان يبدو كأنه يريد أن ينتحر؟ نظرت إليه. كان يرفع رأسه كي يبتلع الدموع. وفهمت أنه شهد مقتل المثل قبل الاحتفال بمقتلها. عبر، هو ومنافسه، السجن. فأين بدأت العداوة بينهما؟ كان قبلها يؤمن بالأساطير التي تنسج عنه، وكان ينشرها. لكنه خلال الاجتماعات به تبين بعد الأسطورة عن الحقيقة! خطؤه، أو مجده، أنه أعلن ذلك مبكرا، فافتتح معركة يصعب أن يجد لنفسه فيها مؤيدين. وكان الحب جرحه المفتوح. ضعفه المعلن. بعد ألف سنة أوقف على منصة قيس نفسها ونفذ فيه الحكم! في مملكة الصمت عرفت الصفحات الضائعة! كانت تتلقى نظرات مريبة. فتتساءل لماذا؟ قال لها أصدقاء، كأنما من الغيرة عليها: يجب أن تتزوجي! صمتت من التهذيب. فهل يتفق مشروع تحرر الإنسان، مع إلغاء الحب من الزواج؟ حضرت في تلك الأيام عرضا واسعا: مر أمامها رجال طوال وقصار، سمر وشقر، سمان ونحاف. ذهلت: "كم كان أبي إذن راقيا! لم يلزمني بمثل ذلك العرض!" كادت تعترف له وقت التقيا لقاء سريعا: وقت سمعت صوتك في التلفون تقول لي مرة أخرى: تتزوجيني؟ كبحت لساني في البرهة الأخيرة! لكنها صمتت. يجب أن يبقى مابينهما أعلى من الطوارئ. وماذا تقول له، ألا يعرف أن الخلاف مع مجموعة في الغربة مفزع، يحوك حول الخارج عليها الوحدة والشبهة؟ تصبح المدينة الكبيرة المليئة بالمتاحف والمسارح والكتب صغيرة كالسجن! نظر إليها زمنا. هل خمن مافكرت فيه؟ هو، كاد ينقل بالطائرة ويسلم لسجن بلده! "أصحابك حموني!" تبتسم. كيف يقال الفرد غير مهم؟ الفرد يحمي، والفرد يجعلك تتجاوز همك، والفرد قد يحاصرك! كانت محظوظة بالنوعين! حولها من يجرح ومن يداوي الجرح! ترى هل شكت له بينها وبين نفسها خيبتها وهي في غرفتها باكية كالأطفال في الليل؟ هل قويت بالوهم وهي تقول لنفسها: سيشق الأرض ويصل إلي إذا ناديته، سيرسل جنيا يطير بي إليه؟ هل كان الأمان، هو غير الآمن! تنظر إليه، فتقابل حبه فترخي عينيها. كم التقت به إذن في أرض مختلفة اللون عن الساحة التي نصب تمثالها فيها! |
تتذكر كم كانت ثمينة وهي بين يديه. كأنها تحفة قد تنكسر! كأنها إبداع استثنائي يحتاج المتعبدين! يقول لها: ألاتنظرين إلى نفسك في المرآة؟ تنظر إليه وتكاد تضحك من الصورة التي يراها. ثم تنسى ذلك وتندفع مبتعدة. فيتساءل: هل ستنتهي مما يشغلها ذات يوم؟ ومع ذلك يتابعها مبهورا وهي تخترع مشاريع ترسمها، يظنها خيالا حتى تنفذها. ثم يقول: والمشروع الموجود أمامك تجعلينه حلما بعيدا! تهربين كالسنجاب! فتهمس لنفسها: آه، حبه الثابت دون مدينة ثابتة تؤويه! يومذاك لم يقبل أن يلف له البائع الهدية التي اختارها لها. مشى في الطريق يحمل سنجابا مزهوا بذيله! وضعه على طاولتها. فتذكرت أنها لم تر في دمشق إلا سنجابا واحدا كان معروضا في واجهة مخزن على كتف الصالحية، يعرض اسطوانات ولوحات وتحفا صغيرة. والسنجاب ينظر من وراء الزجاج إلى المارين متأهبا للهرب. تعبره عندما تتناول من بائع زهر إلى جانبه حزمة مرغريت بربع ليرة. قال وهو يشير إلى السنجاب: أنت! سألته: بلونه؟ رد: بخفته في الهرب! قالت: رأيت مثل هذا السنجاب، بلونه نفسه. لكنه كان قطة! القطة المدللة، بنت البيت العربي! وفتشت ذاكرتها: هل صادفت السنجاب؟ لم أصادفه! فعلى أية شجرة رآه؟ آه، ظننتك قادما من الصحراء! يوم رأت السنجاب في غابة على طرف بحيرة دارت حول الشجرة وتابعته. وقصدت تلك الغابة لتقتفي أثر السناجب. في المساء الذي صادفت فيه السنجاب خابرها. دهشت! كيف عرف مقرها؟! لكنها لم تبح له بأنها التقت بسنجابه في ذلك اليوم في الغابة. بعد ربع قرن وصلت منه رسالة يذكر فيها السنجاب؟ قال: "وماتزال الصنوبرة تحن للسنجاب"! فرفعت عينيها، كما رفعهما مرة في إحدى المطارات! لا، لم تصادف قبل ذلك السنجاب إلا في الكتب! صادفت البلابل والشحارير! يوم مشيا في الغوطة كانت تلك أيام الزهر. والغوطة غابات متصلة تحتفل بزهر المشمش. كان حاجز البستان من الدكّ في مكان، ومن البيلسان في مكان. وكان شجر الجوز ينتصب عاريا معتدا بقامته. مشيا في درب، مواكبين الساقية. وعبرا معها البساتين. تركته مرات ووقفت على الحجر الذي يوزع الماء حصصا بين البساتين. وقتذاك غرد شحرور، فكادت توقف تنفسها كيلا يسمعه ويهرب. غرد الشحرور نشيدا ثم صمت برهة ثم غرد. هل قدر فترة صمت الشحرور ولذلك صفر مغردا مثله؟ كبحت ضحكتها. استمع إليه الشحرور، وعاد إلى نشيده. لم يبال به! لكنهما معا ألّفا أغنية مستمرة للأشجار، للبساتين، لزهر المشمش. نظر إليها: لك! التفتت نحوه: أنت أم الشحرور؟ لا، لم تفه يومذاك بكلمة! استمرت في المشي وابتعد تغريد الشحرور. كانت سوق الحور رشيقة، ترسم في البعد مايشبه ضباب الصباح. وخلفها في عمق البستان كان أصحابها حول دخان يتجمع يتعرج ويصعد حرا في هدوء. وعبق الحطب يفوح حتى الدرب الذي تمشي فيه. آه! تسلقت مرة مثل تلك الشجرة، وجلست على فرعها لتلتقط لها زميلاتها صورة. كانت يومذاك في رحلة مدرسية. لاشك أن في كثير من مجموعات الصور تلميذات استندن إلى شجرة لتلتقط لهن هناك صورة! وحول تلك النار، أيضا، التقطت صور، يخترقها الدخان! ذلك الشعير الأخضر كان يصل إلى خصرها في صورة أخرى قديمة! كانت صغيرة يخيل إليها وهي تعبره أنها تخترق غابة. أمام مجموعات الزهر الأصفر على طرف البستان المهملة التقطت صور كانت فيها تركب حمارا صغيرا زينت جبهته بالخرز الأزرق، وكان رأسها مزينا بشقائق النعمان. هي من هناك! كالجوز والحور. وهو؟ لماذا يتسرب إلى تلك الدروب، ويبحث عن تلك الأمكنة؟ أهو قادم من الصحراء؟ سائح؟ أم صاحب هوى؟ أم يقتفي أثرها هناك، كما تقتفي أثر السناجب في الغابات؟! لمس خطواتها. فهل يعرف أنه ترك إلى جانبها خطواته! لم تكن كتلك الورقة التي التقطها وخبأها في جيبه! كانت شفافة، وقد رأتها بعد ربع قرن هناك. مشت على حافة الساقية، بحثت عن الحجارة التي توزع حصص الماء على البساتين. وصادفت الجوز المعتد بجسمه الفارع، والحور الفضي، والدخان الذي يتعرج في هدوء. سمعت شحرورا يغرد، وملأت هي فترات صمته بالصفير. كانت الساقية فارغة من الماء، كان الجوز مريضا، اقتلعت أكثر البساتين، كان يصعب أن تجد دربا تمشي وحدها فيه. لكن لابأس! تناولت حبات العمر من الأرض، فحصتها في كفها، ثم نثرتها في الأرض المفلوحة. كم كانت تلك السنوات جميلة! كم كانت تلك البلاد جميلة! وكم كنا شبابا يومذاك! |
لماذا إذن حكم علينا بأن نعبر الثلج والمطر والريح، منفيين لارحالة إلى الحضارات الغريبة؟ لماذا.. في ذلك العمر؟! نظرت إلى رسالته على طاولتها. وكان الثلج يملأ النافذة. وهي تتساءل كيف عرف عنوانها. سألتها رفيقتها التي قرأت أول سطر في الرسالة: سنجابي؟ من يسميك سنجابا؟! ردت: هس! الرسالة ليست لي! اكتشفت فائدة التسمية التي تموّه الاسم! موّهته؟ نظرت إليها رفيقتها: صرت تفتحين رسائل أصدقائك السناجب؟ أم تستعيرينها مصادر للبحث الجامعي؟! نظرت إلى رفيقتها. "آه لاتعرفين كيف يكون الإنسان مهملا وحيدا وهو محبوب، فقيرا معدما وهو غني!" تأملتها رفيقتها دهشة: صرت ماهرة في الهمهمة؟! أجابت: ماهرة في خنق الشوق! لمس في جيبه الورقة. كان فمها مرسوما عليها. كانا يطلان على البحر. عشية فراق جديد يركب فيه كل منهما طائرة في اتجاه. بجواز سفر ملفق أو دون جواز سفر. هاهي بيروت التي كانت في نهاية السكة، بيروت التي بدت في عين الخضراء مدينة خارج الخرائط! تتكئ على بحر أزرق وهما يطلان معها على الروشة والبحر! في برهة كان يمكن أن يساقا وتقفل عليهما جدران السجن. وتمر شهور لايعرفان فيها اليوم من الآخر والليل من النهار. ويعلن أن شخصين خطرين سقطا في الفخ، وتعلق أوسمة على الصياد. كان البحر مدهشا بزرقته في ذلك اليوم. كان نيليا في مكان، فيروزيا في مكان، وكانت هي تشهق كلما هرعت إلى الشاطئ موجة فستقية مكللة بالزبد الأبيض. بعد الطعام مسحت شفتيها بورقة ووضعتها في الصحن. تناول تلك الورقة وهي مشغولة بلون قلب الموجة! وبحث فيما بعد طويلا بين الأقمشة عن ذلك اللون. بعد عشرين سنة أم أكثر، قال لها إنه التقط تلك الورقة وخبأها في جيبه؟ أم تراه التقط ورقة مثلها، في لقاء آخر؟ تغديا في بيت أصحابهما في الجبل. وكانت فيروز تغني. لم يحمل معه إلا أغنياتها! كان رحالة يسافر في الليل، كلما هبت عاصفة على بلد يقيم فيه تمزقت خيمته! يستدعونه ويطلبون أن يجيب على "بعض" الأسئلة. وكأنهم يكتشفونه يومذاك فقط! فيفهم أنه يجب أن يرحل. تصل إليه رسائل تحذره. ويتساءل وهو يعبر الحدود خلسة في الليل، ماشيا خلف الدليل: هل كانت هذه البلاد كلها حقا بلدا واحدا؟! وهل يعيش البدو فقط في الخيام؟! في تلك المرة، في ذلك البلد، سألوه عنها. فارتعش. ينشد حبها أمام أصحابه، لكن هذا المكان ليس لذلك النشيد! قلّب الرجل الجالس خلف الطاولة كتابا بين يديه: هذا خطها، وهذا الكتاب مهدى إليك منها! كيف فكوا توقيعها، كيف عرفوا خطها؟ ارتعش من الخوف عليها. يوم التقيا بعد أشهر كاد يلمسها متفقدا. نجت! اخترقا الكابوس إذن! لكن الدماء تسيل على أرض الشوارع. أضيف حنين جديد إلى بلد آخر غير فلسطين! حنينها! وهو المهاجر مرة ثالثة، في أية اتجاهات يوزع حنينه؟ سننتظر حتى يصحو العرب كي يعود كل منا إلى مدينته! حتى ذلك اليوم، سأسأل عن الأيدي التي تتلف في السجون. سأسأل عن الليالي التي يبددها الأرق، عن الدم المسفوح والدمع! نظرت إليه. نجونا نحن من امتحان الكرامة! لكن أصحابنا هناك! فلاتحدثني عن الحب! هل تذكرهم؟ كنا معا في أول الربيع، وفي أول الربيع نتساءل في الصباح، هل نلبس الجاكيت أم نتركه. في الباص لم أنظر إلى الطريق. كنت من المشغولين بالأحاديث والألعاب. فلم أر المطر المنهمر إلا وقت وصلنا إلى الجبل. حمل كل منا زوادته وبحث مع مجموعته عن ثنية في الجبل تؤويه من المطر. فجأة رأيتك تتسلل إلينا. هل اتفقت مع ذلك الذي اشتريت معه خمرا من الدير، خبأتماه بجريدة؟ زوّرت قصيدة قيس، ودفعتني إلى مكان ليلى! لكن قيسا لم يكن يعرف شعر ليلى الطويل، ولم يعتب لأنها قصته! بعد المطر وجدنا أول زنبق في الربيع. غنينا، ودبكنا. ضحكنا. تدفق الفرح. أعرف أنك كنت تنظر إلي وأنا أنظر إلى الجبل! بحثت معنا عن الزنبق، وقلت: لايحتاج إلى بحث! أصحابنا في تلك الرحلة بقوا هناك! فلاتحدثني عن الحب! |
كنت خبيرا بالغربة والتهجير. أنا كنت أجربهما أول مرة في أول العمر. في تلك الغرفة على الجبل، بين أصحاب جدد، رأيت شابة تنظر إليك في وله. وكنت أحبها. أمسكت بيدها ومشيت معها خارج البيت، بين الصخور. جمعنا الزعتر البري. وتأملتها وهي تغسله في عناية وتضعه على الطاولة التي ستتناول عليها طعامك. تعرف أنك تحبه! رويت لي في إحدى المدن، فيما بعد، أنها تسللت إلى غرفتك في الليل. كانت صبية نضرة وجميلة، أحبتك. لم أبح لك بأنها كتبت لي: "غدا أتزوج! أحببته، وأحببتك! أتركه لك!" كانت رسالتها مبقعة بالدمع. لكنها دموع شباب لاتهدده أحزان لايستطيع دفعها. شباب يستطيع أن يمشي في الطرقات التي مشى فيها أمس، ولايتلفت حذرا. وإذا اغترب يستطيع أن يرسل الرسائل إلى أهله وأصحابه مزهوا بالمدن التي يزورها. تتركك لي؟ ماأنضرها؟ طويت سرها. لم أبح به! بعد الزعتر البري وصل مساء واهن ساحر. تركنا ذلك البيت على الجبل والصبية وفيروز فيه. كان الشارع مغريا. لايعرف الرغبة في المشي إلا من يحرم منه! بدأت العتمة تطوي ألوان المساء وترتبها في صندوق الليل. بعد خطوات تبينت أن المشي معك مستحيل! وجهك نحوي طول الطريق! في بلاد أخرى تبعد الشبهة عن الفارين أن يمشوا متعانقين. لكن الحب في هذا البلد يجذب الشك! استدرت وقلت لك يعود كل منا الى مأواه! قال: تهربين؟ وبدا الحزن فيه. ففتشت يده الأولى ثم يده الثانية. وقالت: لايوجد مصباح! هدأ ولان! تذكره بليلة هربها منه! انزلقت من المجموعة وعادت الى البيت. في تلك الأيام كانت تنام ملء عينيها. لماذا ارتعشت؟ غمر ضوء ساطع وجهها! ثم تبينته واقفا خلف النافذة يوجه ضوء الكشاف عليها! حدقت فيه فيما بعد متسائلة: كيف يستطيع أن يجمع العقل إلى الجنون؟! كان غضبها كالعاصفة يهب كلما جن. لكنها وهي تواكب البحيرة ماشية، وحيدة، غريبة، اعترفت لنفسها بأنه كان مبهرا بجنونه. ورغم البرد خلعت قفازيها من الدفء. لم تتساءل مع من هو الآن؟ من التي تهواه اليوم؟ كانت في مساحة لايمكن أن يوجد فيها سواهما. وعندما كان العالم يبدو لها مقفرا وباردا وتبدو صغيرة ضائعة فيه، كانت تردد: هو في مكان ما! ولابد أن يظهر في البرهة الضرورية! كانت إسرائيل موجودة في جميع تلك الأزمنة بينهما. كانت تبني مدنا، وتعلّم صغارها أن العرب همجيون وخطرون ومتخلفون، أرضهم لها وقتلهم حلال. وكان العرب يظنون أنهم أباطرة البلاد، وأن المصير لايجسر على تكرار سنة 1948. كان يشغل الزعماء السياسيين الشعب المشاغب، الأحزاب المنافسة، قدرة مخافر الحدود على مراقبة المسافرين، شطب الأسماء من قوائم طالبي العمل أو الموظفين، تنظيف الجيش والتعليم من العناصر الخطرة. وإياك أن تهمس هذا خطأ أو هذا صواب! في إحدى تلك السنوات حدث احتلال إسرائيلي جديد، فسمح العرب للمنفيين بالعودة إلى المدن التي لم تحتل بعد. عاد. هاهو دون الأسرة التي اختارها ودون الأسرة التي ورثها! نفذ إذن ماكتبه لها في رسالة منذ عشر سنوات: "لن أموت قبل أن أرى الأعزاء علي!" لم يقبل جنسية غريبة! هكذا نحن، تسلبنا بلادنا الجنسية الموروثة، ونرفض الجنسية المهداة! فنعيش دون أوراق ثبوتية في عالم يرتبنا بلون المنشأ، ولون الاتجاه! صحا الزعماء العرب بعد الهزائم؟ مرحبا! فقدوا من مزقوه، جميع المنفيين، والمبعدين، والمسجونين! فليحاربوا بالمدللين المنافقين! تطلب إسرائيل أن يسجدوا لها كما طلبوا منا أن نسجد لهم! كسبت الوقت الذي انشغلوا فيه عنها بنا! وكسبت ضعفنا وموتنا! مع ذلك لم يصحوا! ولن! يوم عبرت البوابة إلى مملكة الصمت كانت الطرقات ماتزال مقطوعة بين مدينته ومدينتها. فجرّته إلى مطل على الشوارع التي كان يمكن أن يمشيا فيها، وقالت: لاتحزن! لن نستطيع أن نمشي هناك ولو سمح لنا بذلك! فالمدن التي عرفناها لم تعد موجودة! فقدنا مدينة المشاة! لن يهف الياسمين وزهر النارنج! لن تشعر بأنك ملك الأرصفة! لن ترى أسراب العصافير الدورية! لايوجد غراب يسرق الجبن، ولاأحد اليوم يعرف "الشوحة"! وفوق نافذتك لن تعشش الستيتية! لكننا في مملكة الصمت. هنا، نستطيع أن نمشي كما نشاء! تعال! |
مشى معها تحت السرو، وعبرا أشخاصا بملابس بيضاء ناصعة. ثم توقف. لاتوجد أمكنة في مملكة الصمت تجمعهما! لانهر يجلسان على ضفته، ولاسكة قطار تمشي أمامه عليها وهو يتبعها! ولاصخور يخيل إليها أنه نزل من كهوفها! آه، كانت الحياة التي تفرقهما هي التي تجمعهما! خسراها ولن يكسبا هذه! من يستطيع أن يكسب الموت! أغمض عينيه. لو تعود تلك الأيام .. لو تعود المدن المفقودة! لو! هل فقدناها؟ لا! بل فقدها من بعدنا! مساكين! في ذلك المساء عاد حاملا زجاجة عطر. صبها على يديها. فالتفتت عنه كيلا يرى بريق عينيها. أخرج صورتها القديمة من جيبه، وبكى! على أي شهيد أو قتيل تبكي؟ على المدن، على السنوات أم على نضارة الشباب المسفوك في الغربة! نظرت إليه: تركت هناك السلسلة الذهبية التي علقت لي فيها حجرا صافيا شفافا كالدمعة! خرجت من البيت مسرعة! لم أتناولها! لو بقيت برهة أخرى لما نجوت! أحاطت بيتي عشرات السيارات العسكرية! تبتسم؟ لماذا؟ خطرة على أمن الدولة! تسخر؟ لكن ذلك حدث حقا! يتكرر ذلك مرة في هذا البلد العربي ومرة في ذاك! من الحدود تجر فتيات إلى هذا الجانب أو إلى ذاك. إذا أردن الخروج منعن منه، وإذا أردن الدخول منعن! في هذه البرهة لست كذلك، لكني كنت، وقد أكون! أمر، لكن شخصا يحدق في أوراقي مرتابا: تمر؟! كيف تمر؟! لذلك تأملت في تأن جنة حواء، وخيل إلي أن مخافر الحدود بدأت من هناك! أنت، قل لي، كيف نجوت بقلبك ولهفتك من تلك الأعاصير؟ في العالم الذي شيع فيه الحب وكفّن، ودفن، كيف استطعت أن تحمي الحب؟ أكان ذلك حب امرأة، أم حب زمن مزين بريش الطاووس والأجراس والخرز الأزرق! تكاد تسأله عن ذلك لكنها تصمت! لذلك جلست على الأرض. هزت الودع في كفها ورمته وبدأت تقرأه وتفحصه. منذ متى ياسنجابي تقرئين الودع؟ هل تقرئين الكف أيضا؟ راقبها مسحورا. وقال لنفسه: كانت تمارس السحر إذن، لذلك جرتني وراءها ثلث قرن! قالت له: وقت كان الزمن الخاطف يبدو طويلا في الغربة، كانت رفيقاتي يشربن القهوة لينقبن في خطوط الفنجان باحثات عن القدر. فكنت أفتح الباب وأخرج فتبدو الدنيا واسعة حتى في الثلج والسماء عالية حتى في الشتاء. لكن تعال الآن لنتبع الصدف إلى البحر! ابتسم: فلنتبعه! وسارا على طرقات من ماء وهواء في مملكة الصمت. ورأته طفلا يرفع يديه كأنهما تستطيعان حماية رأسه من القصف. قيل: الأمان في الملجأ فقط. فأين الملجأ! والبلاد غفت في وهمها، والملوك يقتفون أثر المشاغبين! مرت الطائرات فوق رأسه، وهرب منها. اندفع مع الناس. ظن مثلهم أن العراء هو المكان الآمن. لكن الأمان كان هربا فقط في اتجاه تقودهم إليه الطائرات! "عندي كان غير ذلك! ظنت أمي أن أطباق النحاس تحمي من القنابل والرصاص، فوضعتها بيني وبين الجدار. قدرت أن الطائرات والمدافع من جهة ذلك الجدار! لكن القنبلة سقطت من أعلى فوق بيت الجيران!" في أول نشيد كتبه أطلق الغضب المغلول خلال البحث عن ملجأ من الطائرات، والطفل يهرب من أرضه ومدينته ومن كل ماأحبه. كتب ذلك النشيد لنفسه وهو يجرب اللغة التي تعلمها في المدرسة. لم يكن في المدرسة غير تلك القصيدة، فدفعوه ليقرأها عندما زار زعيم البلد المدرسة في عيد من الأعياد الوطنية. فاستمتع بيده الناعمة السمينة، المرصعة بخاتم، يد امتدت الى ذقنه ورفعت وجهه: شاطر! موهوب! سيكون شاعرا عظيما، فاعتنوا به! كانت يومذاك بين صفوف تلاميذ المدرسة الذين وضعوا في استقبال ملك بلدها! أوقفت في الصف الأول لأنها بيضاء، على رأسها شريطة بيضاء، وفي قدميها جوربان أبيضان قصيران. مر الملك بين صفوف التلاميذ. يومذاك أيضا كان يقدم أصحاب الملابس المرتبة المكوية والوجوه الجميلة، أو الأولاد المحظوظون بأهل مهمين. توقف ملك البلد قربها ونظر إليها نظرة طويلة فالتفتت إليه المعلمة: سنعنى بها، ياملك الزمان! |
هكذا رصدت لكل منهما عناية خاصة. بدأت بأوراق مزخرفة اسمها مرحى، وبسجل الشرف المذهب المعلق على الحائط، وانتهت بسجلات في المرافئ والحدود! في أيام المرحى وسجل الشرف المذهّب كان زمن تلك المدن دون نهاية. شمس وماء! لاجوع ولابذخ. في الشوارع سيارات قليلة، أكثرها باصات. في الشوارع مشاة، والمقاهي رخيصة، ظليلة، والبساتين على بعد خطوات: في نهاية الطريق، على كتف المدرسة، خلف البيت، في سفح الجبل، حول بيت الأصحاب. والسواقي تقطع الطرقات، وحيث يتجمع الماء بط ووز، وفي السماء شحارير وأسراب من الدوري والغربان. هل قطعت كل ذلك دبابة وقفت على زاوية الطريق ذات فجر؟ "كنت ذاهبة إلى المدرسة. ففاجأتني دبابة. في التقاطع رأيت دبابة أخرى. المدرسة مغلقة. والمديرة مضطربة تقول للتلاميذ: عودوا إلى بيوتكم في هدوء! كنت صغيرة. فتفرجت على ذلك في فضول. لي لم يكن ذلك يعني السجون وسجلات الحدود." قال لها: "كانت الهجرات بحثا عن العشب، أو الدفء. أصبحت بحثا عن الحرية." كم هجرة أو تهجيرا رأى في عمره؟ التهجير من اسكندرون. من فلسطين. من القدس. من الجنوب. من الجولان، من المدن المحتلة. من الأنظمة الظالمة. هربا من السجون. من التعذيب. إلى الخليج ومن الخليج! وإلى بلاد الأرض بحثا عن الملجأ والعمل! يومذاك لم تنزل الدبابات إلى الشارع. نزل البصّاصون. الشارع خطر، والبيت خطر. لامأوى ولاأمان! مداهمات واعتقالات. موت "تحت التعذيب". نزع الجنسية. والصحف تعد الانتصارات والإنجازات والتقدم والرخاء. شوارع، أبنية، جسور، أنفاق، بوابات عالية، نفاق، تصفيق، شعارات، زينات، احتفالات، طبول، صفوف من الأطفال والتلاميذ والشباب والكهول على حافة الطرقات، في المداخل، على السلالم، في القاعات، لهز الأعلام والورود والهتافات. "العدو على طول الحدود؟ فليكن! يجب أن أسوي مسألة الداخل أولا!" ممن؟ من المشاغبين! بعد سنوات طويلة، انطلقت العصابات في الطرقات. رددت هي أيضا: "يجب أن نصفي مسألة الداخل أولا!" كيف اتفق النقيضان؟ كيف؟ أوقفوه: أنت مع من؟ لم يتذكروا أن اسمه كان في سجل الشرف.. لماذا تصر على تعريف ذلك الزمان؟ دعه! فليكن زمن الصغائر! فليكن زمن جني ثمار الشوك! يجنيها من لم يزرعها؟ نحن؟ دع الزمن! سأدعه! وأنا أشكره! لأني أخذت ظلامه الواضح، ولم تلحقني فوضاه إلا في الهزيع الأخير! اسكت! لاهزيع أخير بعد! تمسك بيده وتمشي في مدن الأمس، في شوارع الأمس، تعبر أنهار الأمس، ويجلسان على الضفة تحت الأشجار. شوشك يومذاك صوت الماء! كان هو الملك الثرثار. تركناه حيث يقفز على الجذوع ويلعب بالضفاف، ويتحدث بصوت عال، وقصدنا النبع. ماء صاف شفاف، فوق صخور مرقشة بالسواد، يرتعش دون صوت. وفوقنا صخرة كبيرة جميلة، ونحن فوق ذرى الشجر. وذرى الصخور تمسك بالأفق. عدنا إلى الطفولة التي كنا نرغب فيها التسلق لنرى ماحولنا من مرتفع. من فوق رأينا أصحابنا جالسين حول طاولة من الخشب على كراس من القش. وكان هو بينهم. يوم انطلق البصاصون إلى الشوارع، وهجعوا في الزوايا، فاجأوه وخطفوه. أعرف أنك بكيت عليه! أعرف أنك لم تنامي في تلك الليالي، لأني لم أنم. "في أيامنا يغبطون المحظوظ بالموت في فراشه!" "وهل مات هو على صهوة الخيل؟ قتل مقيدا معذبا في السجن!" قالت له يوم صادفها في إحدى المدن: صادفت صورة من صوري بين جمع. كانت مصائرهم كلهم محزنة! ماتوا شبابا. بعضهم قتل في السجن، بعضهم اغتيل، بعضهم استشهد، وبعضهم طقّ من الغم! لعلني الوحيدة التي تعيش حتى اليوم! أكانت تلك الصورة هي التي التقطت لنا في رحلة، في معرض الكتب، في اللقاء العربي، في الاستقبال؟ كنت فيها خلفك! تسللت في نهاية الاحتفال. هربت مني. عرفت أنك تعودين مشيا. فسبقتك. مازال ظهري يحمل أثر تلك الليلة! تكورت على نفسي خلف باب البناء وانتظرتك. سمعت جارك يقول، كأنه شعر بي: من هناك؟ فردت عليه جارتك: قد تكون قطة! كورت نفسي كي تسعني زاوية تسع قطة! منذ تلك الليلة أشعر بألم في ظهري، وأحنو عليه لأنه يذكرني بك! "ياللمجنون!" علق في إطار خلف مكتبه ورقة كتبتها مرة له! كانت صارمة في توازنها. لذلك كان يرعبها جنونه! يكاد يسألها في أي عمر تعلمت أن تكبحي التعبير عن الحب وتخنقي الشوق؟ ألا تدركين حقا ماذا خسرت؟ تقول لنفسها: لاتعد الخسائر! ولكن هل منها عرض العواطف! يقول لها وهما يمشيان في مملكة الصمت: آه، ياسنجابي! لو تعرفين أن الإنسان يستمتع بحبه وهو يتحدث عنه وينشره على حبال الهواء والضوء وعلى باقات البنفسج! لذلك أنشد قيس هواه! تجيبه: هنا نختلف! يردد: نختلف؟! يضحك. نختلف وقد جرفتنا ريح عاصفة واحدة؟! ترد: ريح عاصفة لم توحد المدن ولم تجمع الناس! ومازلنا نحلم بأيام العثمانيين، أيام لم تكن بيننا حدود! مشيا تحت السرو حتى المنعطف فوقف وسألها: تتزوجيني؟ ياللمجنون! لايعرف بعد أن ماحرما منه في الحياة لايستعاد! لايستعاد شيء أبدا في مملكة الصمت! رفعت عينيها لتبتلعا الدموع، وعندئذ فهم أنه في سجن واسع، لامخرج منه.. وقرب شجرة السرو سقطت بعض الدموع . |
رائع ما نثرته هنا كل الشكر لك ودي لك |
شكرا جزيلا تولين هي مقتطفات لاديباتنا عم اجمعها تباعا لحتى يكون هالموضوع عبارة عن رصد بسيط لجزء من الادب العربي المعاصر الثري والغني .. تحياتي لالك خيت كوني بالقرب .. |
غادة السمان كتبت الكثير وكُتب عنها الكثير ومن نفس الزمن المتألق تطل علينا أوراق كاتبة وأديبة سورية متألقة كتب الكثير وكُتب عنها الكثير أنها غادة السمان المقيمة في لبنان والتي ولدت في دمشق عام 1942.وتلقت علومها في دمشق، وتخرجت في جامعتها - قسم اللغة الإنكليزية حاملة الإجازة، وفي الجامعة الأمريكية ببيروت حاملة الماجستير.وعملت محاضرة في كلية الآداب بجامعة دمشق، وصحفية، ومعدة برامج في الإذاعة.وهي عضو جمعية القصة والرواية في اتحاد الكتاب العرب . لقد هجرت الاعلام منذ زمن وقيل أن اعلامية كانت تريد أن تجري حواراً معها فتفاجأت الكاتبة السورية أن الاعلامية لم تقرأ للسمان إي كتاب أو مؤلف فمنذ ذلك الوقت قاطعت الكاتبة السمان الاعلام . لكن مؤلفاتها وكلها صادرة عن منشورات غادة السمان كونها لديها دار نشر في بيروت .وتأخذ مؤلفاتها في العادة نسبة عالية من مبيعات الكتب في معارض الكتب العربية وهذا يدل على عمق تجربتها الأدبية وتفردها عن غيرها من الكاتبات كونها تعيد طباعة اعمالها التي تنفذ من الاسواق حتى يصل عدد مرات الطبع إلى 9 أو عشرة مرات ومن مؤلفاتها 1- عيناك قدري- 1962- عدد الطبعات 9.- لا بحر في بيروت- 1963- عدد الطبعات 8. ليل الغرباء- 1966- عدد الطبعات 8. 4- رحيل المرافئ القديمة- 1973- عدد الطبعات 6.- حب- 1973 - عدد الطبعات9.- بيروت 75-1975- عدد الطبعات 5.- أعلنت عليك الحب- 1976- عدد الطبعات 9.- كوابيس بيروت - 1976- عدد الطبعات 6.- زمن الحب الآخر- 1978- عدد الطبعات10- الجسد حقيبة سفر- 1979- عدد الطبعات 3.السباحة في بحيرة الشيطان - 1979- عدد الطبعات 5.ختم الذاكرة بالشمع الأحمر- 1979- عدد الطبعات 4. اعتقال لحظة هاربة- 1979- عدد الطبعات 5. مواطنة متلبسة بالقراءة - 1979- عدد الطبعات 3.الرغيف ينبض كالقلب- 1979- عدد الطبعات 3.ع غ تتفرس- 1980- عدد الطبعات3.صفارة إنذار داخل رأسي- 1980- عدد الطبعات 2.كتابات غير ملتزمة- 1980- عدد الطبعات 2.الحب من الوريد إلى الوريد - 1981- عدد الطبعات 4القبيلة تستجوب القتيلة- 1981- عدد الطبعات 2.ليلة المليار- 1986- عدد الطبعات 2.البحر يحاكم سمكة - 1986- عدد الطبعات 1الأعماق المحتلة- 1987- عدد الطبعات 1.اشهد عكس الريح- 1987- عدد الطبعات1تسكع داخل جرح- 1988- عدد الطبعات 1.رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان- 1992.عاشقة في محبرة - شعر- 1995. وتناولت ابحاث ودراسات تجربة غادة السمان فكتب عنها : 1- غادة السمان بلا أجنحة- د. غالي شكري -غادة السمان الحب والحرب- د. الهام غالي- 3- قضايا عربية في أدب غادة السمان- حنان عواد. الفن الروائي عند غادة السمان- عبد العزيز شبيل- تحرر المرأة عبر أعمال غادة وسيمون دي بوفوار- نجلاء الاختيار (بالفرنسية) الترجمة عن دار الطليعة 1990.- التمرد والالتزام عند غادة السمان (بالإيطالية) بأولادي كابوا- الترجمة عن دار الطليعة 1991. غادة السمان في أعمالها غير الكاملة- دراسة - عبد اللطيف الأرناؤوط- دمشق 1993 |
مقتطفات من عينــاك قدري لا شيء في حياتي سوى عملي..انا سعيدة.. لا شيء ينقصني..أملك حريتي وقدري كأي رجل في هذه المكاتب..أنا حرة سعيدة انها تود لو تدفن خيبتها في صدر امها وتحدثها وهي ترتعد عن عماد.. كم تتمنى ان تعيش معه..يتشاجران ويتعاتبان ويلاحقها بين جدرانه الصفر وهي تعاتبه كعصفور فاجأه الربيع ويجلسان امام الموقد في ليالي الشتاء.. يعد لها القهوة بيده وترشفها من فنجانه وينصتان لأنامل المطر التي تدق نافذتهما..ولا يفتحان النافذة حتى الصباح التالي! نظراته تعريها من ألقابها وشهاداتها وردائها..تزحف برعونة لذيذة فوق ذراعيها ما اروع وما أسوأ ان تكون امرأة! تدفن رأسها بين يديها..تعرف انها تخدع نفسها..لم تكن تتسلى.انها قضية حقيقية كانت اكبر من ان تواجهها..هربت منها.. هربت من شفتيه النهمتين وهما تجوسان وجهها في ليالي الصيف كان حنانهما يمزق اقنعة برودها.. فتنهد على صدره..تخفي رأسها بين رقبته وكتفه..تدفن دمعة لا تريد له ان يراها..وهو يفهمها ويتجاهلها ويحبها..وهو يقول انه يريد ان ينقذها من نفسها.. وترفع رأسها وهي تضحك..تعرف ان ضحكتها لم تخدعه..نظارتها لم تخدعه..لا تستطيع ان تخدعه ولكنها لم تعد..انتصرت ولم تعد... ترى الاشياء بعينيه بعض الاحيان ولكنها تتمرد ولا تعود: لقد انتصرتي في ان تهزمي نفسك..قضيتك منذ البداية كانت فاشلة..نصرك فيها اعظم فشل..انت فاشلة كبيرة ايتها المرأة الرجل تحس بحاجة مجنونة الى ان تركض وراء ذلك الرجل المجهول وتسير بجانبه .يحميها.يدفئها بصوته القوي الخشن..مخلوق رائع هو ذلك الرجل تظل متصلبة في الظلمة..خوفها من شيء ما يشد نظراتها الى صورة أسعد.لماذا خانها.منحته اشراقة اعماقها.. لماذا علمونا الا نسجد الا لمثل اعلى تنحت تمائيله في غيبوبات مراهقة؟لتبق الصورة لئلا اسجد بعد اليوم لغير الحقيقة. سأعري بقسوتي الرجال جميعا من زيفهم.. سأرفض كل شيء..ليس في الحياة تحد يستحق رد فعل صادق الحب سلاح في يد الذين تحبهم يعطيهم القدرة على ان يجرحوها ويخذلوها.وهي لم تعد تريد ان تخذل.لا احد يستحق ان تسمح له بجرحها لذيذ ان ترى في العيون حقدا لا شفقة! لماذا أهرب من التفكير به وكأنه شيء يخيفني ؟ انه لم يعن شيئا بالنسبة إلي .. انها مغامرة كاية مغامرة لاي شاب ..جيمع الشباب يستعيدون ذكرى مغامراتهم |
يا عيناك يا آفاق الرعب .. إلى أين أهرب ؟ ----------------- عندما نكون سعداء فعلا لا يخطر لنا ان نتساءل ان كنا كذلك ام لا حيث السعادة تصبح جزءا منا , الفرد لايتساءل اذا كانت يده في مكانها ام لا , نحن نتحسس الاشياء عندما نشك في وجودها ---------------- عيناك قدري لا استطيع ان اهرب منهما وانا ارسمهما في كل مكان وارى الاشياء من خلالها ----------------- لقد فشل في أن يخلق خروفاً .. فكان عزاؤه في قتل جميع الخراف --------------- ايها الانسان الغريب الذي يقودني الى شاطىء لم اره ودرب لم اطأها .. تراك ستمنحني الخلود حقاً بعدما فشلت في انتزاعه بنفسي ؟ ----------------- لن تنتصري على الموت ما دمت تخافينه ---------------- شيء ما في سحر الشاطىء يسخر منا .. يهتف بنا ان نصنع الحياة قبل ان نفكر في الخلود .. يقول اننا لن نخاف الموت اذا عشنا لحظة حقيقية واحدة .. الذين لم يعيشوا فعلا هم وحدهم الذين لم يعيشوا فعلا .. هم وحدهم الذين يخافون الموت وهم الذين يفشلون في ان يصنعوا الخلود --------------- اود ان اصرخ .. ان اشكو .. ان اقول شيئا .. لا احد يحس بوجودي .. وكلماتي الملتهبة تنطفىء في حلقي الدامي .. حتى صراخي مبحوح اخرس .. مخيف كحشرة وحش ذبيح .. كأنين انسان مشوه محترق ... اشعر انني سأنفجر وأتطاير في الجو هباء ورماداً اذا لم افعل شيئاً .. إذا لم اعبر عن عذابي .. اذا ظل البركان مخنوقا في صدري واللسان حبيس الضياع ------------- لقد سئمت ضباب الاوهام الذي أُغرق فيه نفسي .. وسئمت التظاهر بالتصديق , امنح نفسي لقاء كلمات حب اعرف انها كاذبة .. ولكني بحاجة اليها .. بحاجة ان احس ان انسانا حولي يعطف علي ,يشاركني في ضياعي فأنا امرأة متعبة ضائعة تبحث بعينين خابيتين عن يد حنون مضت ذات ليلة ------------ الحب الحقيقي صحوة من صحوات الوعي لا سكرة -------------- أريد ان اعرف هل في مدينتنا انسان واحد حقيقي لم يتحول الى آلة تمارس الحب والصداقة بالطريقة نفسها التي نصب بها الحديد المصهور في القوالب البلهاء ------------- انا اتقن صناعة الكلام والغزل .. اما انت فسأمنحك صمتي , هل تقبلين ؟ -------------- النجوم تفور من منابت شعرك فوق الجبين الاسمر وتنهمر فوق صدرك وهديرها ابداً يناديني .. يهتف باسمي ذائبا ملهوفا .. وانا اسرع في مشيتي اشد كتبي الى معطفي وتظل انت تتمطى في اعماقي وتظل انت تهتف باسمي وانا انزلق فوق ظلمة الشارع وألتفت ورائي وكأنني اريد ان اتحقق من انك فعلا هناك ------------- كل شيء يظل في دورته الازلية البلهاء كل شيء يتحرك بآلية وخازة كعقارب الساعة كا الشمس الذليلة حتى الشمس نفسها ما جرؤت قط على الظهور قبل اوانها , الانسان الة جبانة كملايين النمل التي تدب صباحا وتعود مساء بتفاهة مؤبدة -------------- كنت اصرخ بوحشية كلما كفنني صمت غرفتي لعلي آنس بالصدى .. ولكن الجدران بخيلة حتى بالصدى ! ------------ يخيل لي انك تريد ان تلتقط بشفتيك كلماتي المتعثرة فوق عنقي و ذقني قبل ان تتناثر في فضاء الحياة ---------- يدي المتخبطة في فراغ الذعر لن تسأل اليد التي تعلق بها : كم عمرها .. لمن كانت من قبل .. حسبي انها يد انسان .. فأنا وحيدة .. وحيدة ------------- اعتذر اليك عن ضعفي الذي ساقني اليه فرط حبي .. ثقي ان ولعي بك كان يمنعني عن الرحيل ما احلى الكلمات التي لانقولها عندما نحس ان الحرف عاجز عن استيعاب انفعالاتنا |
[بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز وفي إنتظار جديدك الأروع والمميز لك مني أجمل التحيات وكل التوفيق لك يا رب |
شكرا جزيلا لحضورك تحياتي خيت.. |
الساعة الآن 10:22 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.