قد مر عليهما عشر سنوات من الفراق، لم يرى أحدهما الآخر،
ولم يسمع عنه شيء.وفي لحظة قدرّية ماطرة باريسية فاخرة
قد قررت روعة ابنة الثلاث والثلاثون عام أن تحتسي فنجان قهوة في احدى المقاهي التي صادفتها في مشيها،

بينما هي تنفض شعرها الأسود الطويل من الامطار وتفتح باب المقهى وتدخل ، إذ بها تراه أمامها لم تصدق مارأت بدا لها كأنه حلم
لا بل وهم ، لا بل حقيقة ... لم تعي ما ترى
نظرت اليه مدهوشةً عن بعد بضع مترات واقتربت كي تتأكد واقتربت اكثر
وحملقت به جيداً مشدوهةً حتى أصبح لا يفصل بينهما بعد عشر سنوات من الفراق
سوى طاولة المقهى!
لم تكن دهشته أقل من دهشتها فقد انتفض من مكانه وقام ليصافحها ويحتضنها بشوق السنين التي مضت في بعدها...ومن ثم عزمها لتحتسي معه فنجان قهوة !
بدأ حديثه وقال لها : قد مر عشر سنوات ولم يتغير مظهرك جميلة كما عهدتك ، أنيقة كما خبرتك، جذابة كما تركتك!
ردت عليه ممازحة إياه :أما انتَ فقد هرمت و(راحت عليك)
فضحكا معاً بفرح وألم في آن واحد
وآخذا يعيدان ذكرى ما فرّق بينهما
فقالت له: كيف احوال عائلتك وزوجتك وأولادك اتمنى أن يكونوا جميعهم بخير؟!
قال لها: زوجتي قد توفّت قبل عامين أما أولادي فكلٌّ له حياته وأسرته وأنا هنا في نزهة كي أرفه عن نفسي قليلاً أستمتع بجمال باريس عوضاً عن دور الجد الذي اصبحت أشغله مع أحفادي هناك وضحك (ضحكة طفولية) ثم استطردت قائلاً..وانتِ أخبريني عن أحوالك؟
ردت قائلة: لم أستطع أن أتقبل رجلاً سواك في حياتي...فقد عشت وحيدةً على ذكراك درست وعملت بشهادة المحاماة وأصبحت محامية ماهرة وأتيتُ إلى هنا نزهة مع أمي وأخي وزوجته ..!
تنهدت ثم قالت :
تُرى أي صدفة هذه التي قررت أن تجمعنا في هذا الزمان والمكان بالتحديد...وكيف أنت بعد وفاة زوجتك؟!
رد قائلاً: أنا لا أؤمن بالصدف حبيبتي، إنه قدرنا...أما زوجتي رحمها الله في آخر لحظات وداعها لي وهي تصارع المرض على فراش الموت قد اعترفت بأنها هي السبب بكل ما حدث لكِ وانها هي التي بعثت اولائك الناس كي يخترعوا لكِ قصة يشوهوا بها سمعتك أمام عائلتك وامامي وكان هدفها ان تبعدنا وان تأذيكِ ...وبعد وفاتها أخذت ابحث عنكِ وأسأل في كل مكان كنا نذهب إليه عنكِ ولكن دون جدوى حتى علمت بأنكِ رحلتي ...
أما هذه المرة وبعد أن التقينا لن أتخلى عنكِ أبداً مهما كانت الأسباب...
لم تدري ما باستطاعتها ان تقول له في هكذا موقف لم تعي ما حدث لها في غضون دقائق قليلة
فقبل نصف ساعة فقط كانت تذوب حنيناً له أما الآن ها هو أمامها ويعدها بأن يكون لها ! أيعقل أنها تحلم؟!
قالت له: ماذا قلت ...لا استطيع تصديق هذا بربّك ...أقرصني كي اصدق!
ضحك وقال لها : هذه أنتِ جميلة بجنونك ولن تتغيري أبداً!
أخذها من يدها بعد ان دفع حساب الطاولة وخرج بها تحت المطر
وأخذا يركضان كالمجانين في شوارع باريس المضيئة عشقاً
حتى أصبح الثلج يتساقط عليهما وكساهما ببياض الحياة وتواعدا أن لن يفرّق بينهما سوى الموت!

انتظر ارآئكم
بعيداً عن المجاملة
