معضلات يا أخت هارون

معضلات يا أخت هارون
تعبير يا أخت هارون فى سورة مريم والذى خاطب به أهل مريم مريم تعبير اختلف فيه المفسرون القدامى والمحدثون حتى أن بعض من الناس طرح الأسئلة التالية :
هل يوجد اثنان عمران فى كتاب الله ؟
كيف يمكن أن تكون مريم أخت هارون أخو موسى؟
لماذا ينعت موسى هارون بأخيه بينما هارون ينعته بابن أم وليس بابن أمى أو أخى؟
بالطبع التفاسير القديمة قدمت فيها أقوال متعددة مثل:
"{يا أخت هارون} ، عنوا هارون أخا موسى ؛ لأنها كانت من نسله ، أي : كانت من أعقاب من كان معه في طبقة الأخوة ، وكان بينها وبينه ألفُ سنة أو يا أخت هارون في الصلاح والنسك ، وكان رجلاً صالحًا في زمانهم اسمه هارون ، فشبهوها به ذُكِرَ لما مات تبع جنازته أربعون ألفًا ، كلهم يسمي هارون من بني إسرائيل وقيل : إن هارون الذي شبهوها به كان أفسق بني إسرائيل ، فشتموها بتشبيهها به " من كتاب البحر المديد فى تفسير القرآن المجيد لأبى العباس أحمد بن محمد الحسني الأنجري الفاسي الصوفي
و"قوله تعالى : {يَا أُخْتَ هَارُونَ} اختلف الناس في معنى هذه الأخوة ومن هارون ؟ فقيل : هو هارون أخو موسى ؛ والمراد من كنا نظنها مثل هارون في العبادة تأتي بمثل هذا وقيل : على هذا كانت مريم من ولد هارون أخي موسى فنسبت إليه بالأخوة لأنها من ولده ؛ كما يقال للتميمي : يا أخا تميم وللعربي يا أخا العرب وقيل كان لها أخ من أبيها اسمه هارون ؛ لأن هذا الاسم كان كثيرا في بني إسرائيل تبركا باسم هارون أخي موسى ، وكان أمثل رجل في بني إسرائيل ؛ قاله الكلبي وقيل : هارون هذا رجل صالح في ذلك الزمان تبع جنازته يوم مات أربعون ألفا كلهم اسمه هارون وقال قتادة : كان في ذلك الزمان في بني إسرائيل عابد منقطع إلى الله عز وجل يسمى هارون فنسبوها إلى أخوته من حيث كانت على طريقته قبل ؛ إذ كانت موقوفة على خدمة البيع ؛ أي يا هذه المرأة الصالحة ما كنت أهلا لذلك وقال كعب الأحبار بحضرة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : إن مريم ليست بأخت هارون أخي موسى ؛ فقالت له عائشة : كذبت فقال لها : يا أم المؤمنين إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فهو أصدق وأخبر ، وإلا فإني أجد بينهما من المدة ستمائة سنة قال : فسكتت وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة قال : لما قدمت نجران سألوني فقال إنكم تقرؤون {يَا أُخْتَ هَارُونَ} وموسى قبل عيسى بكذا وكذا ، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك ، فقال : "إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم" وقد جاء في بعض طرقه في غير الصحيح أن النصارى قالوا له : إن صاحبك يزعم أن مريم هي أخت هارون وبينهما في المدة ستمائة سنة ؟ ! قال المغيرة : فلم أدر ما أقول ؛ وذكر الحديث والمعنى أنه اسم وافق اسما ويستفاد من هذا جواز التسمية بأسماء الأنبياء ؛ والله أعلم " من كتاب الجامع لأحكام القرآن لأبى عبد الله محمد شمس الدين القرطبي (المتوفى : 671 هـ)
ومن يراجع التفاسير سيجد أن أقوال القوم انحصرت فى التالى :
الأول عنوا هارون أخا موسى ؛ لأنها كانت من نسله
الثانى يا أخت هارون في الصلاح والنسك ، وكان رجلاً صالحًا في زمانهم اسمه هارون
الثالث محمد بن كعب القرظي على زعمه أن مريم بنت عمران أم عيسى هي أخت هارون وموسى
الرابع إن هارون الذي شبهوها به كان أفسق بني إسرائيل ، فشتموها بتشبيهها به
الخامس كان في ذلك الزمان في بني إسرائيل عابد منقطع إلى الله عز وجل يسمى هارون فنسبوها إلى أخوته من حيث كانت على طريقته قبل
السادس وهو المستحدث أنها أخت هارون (ص)وموسى(ص) بالفعل
بداية يجب القول :
أن عمران (ص)المذكور فى القرآن عمران واحد هو أبو مريم كما قال تعالى :
"وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ"
أنه لا يوجد فى القرآن دليل على أن اسم والد موسى(ص) وهارون(ص) اسمه عمران فلا يوجد فى أى من آيات القرآن ذكر لأبيهما
ولا يوجد أى شىء يمنع من أن يكون لمريم أخ اسمه هارون (ص) من عمران أبيهما (ص) لقوله :
أل عمران
فكلمة الآل تطلق على من لديه ذرية ذكور رسل كإبراهيم (ص) فولديه إسماعيل(ص)وإسحاق(ص)رسل وآل يعقوب فيعقوب(ص)ولده يوسف(ص)كان رسول كما قال "وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ "
وعليه فهناك بالفعل أخ لمريم(ص) سبقها إلى الوجود بزمن ليس بقصير بدليل أن أمها قالت أن الذكر ليس كالأنثى فى قوله تعالى :
" إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ "
زد على هذا أن المتكلمين معها كانوا أهلها والأهل وهم الأقارب لن يخاطبوها بشىء لا تعرفه فيبدو أنهم يوبخونها من أين أتت بولد زنى كما ظنوا مع أن أخيها رسول ووالدها رسول وأمها زوجة رسول وأم رسول ومن ثم أهلها لن يخاطبوها بشىء لا تعرفه خاصة أنها كانت لا تخرج من المحراب ولا تعرف هارون العابد المزعوم ولا هارون الفاسق المزعوم
وأما حكاية كونها من نسل هارون(ص) أخو موسى(ص) فلا دليل عليه من وحى الله ثم لماذا تخاطب بشىء بعيد عن الذاكرة وكل ما ذكره الأهل أب وأم وأخ وكلهم كانت تعيش في عصرهم
واما كونها أخت لموسى (ص) وهارون (ص) النبيين فأمر محال لأن بين موسى (ص) وهارون(ص) وبين ابنها عيسى(ص) رسل كثيرين كما قال تعالى :
"وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ"
كما أننا نجد ابنها عيسى(ص) يقول أن يؤمن بما بين يديه من التوراة وهذا معناه أن بعض منها حذف أو حرف ومن ثم هو يؤمن بالجزء الباقى منها وهذا التحريف يستغرق عدة قرون على الأقل فلا يمكن عمله فى سنوات معدودة ولا عقود لأن الكتاب الأصلى يكون موجودا وهناك العشرات أو المئات يحفظونه وفى هذا قال سبحانه:
"وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ"
ومن المحال ان يتواجد فى عصر واحد سبعة رسل موسى وهارون وعمران وهارون ابنه وزكريا ويحيى وعيسى فى قوم عددهم صغير
وأما كون موسى (ص) وهارون(ص) من أب واحد وأم واحد فقد شهد به الله فيما قاله مثل :
" وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ "
ومثل:
"وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا "
ومثل :
"ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ"
ومثل :
" وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا"
ومثل :
"قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ"
كما نجد اعتراف موسى(ص) بأخوة هارون(ص) في أقوال مثل:
"وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي"
ومثل:
"وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ "
ومثل:
"قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ"
واما ما قاله هارون (ص) عن كون موسى(ص) ابن أمه عندما أمسكه من لحيته ورأسه فقد قاله خوفا من أن يقوم بضربه وإضراره فيفرح أعدائهما فأراد أن يسترأف بحاله فخاطبه بما يحب وهى ما زالت باقية على قيد الحياة بينما مات والدهما من قبل ولادة موسى(ص) حيث أنه لم ير أباه لأنه كان يتيما
وفى هذا قال تعالى :
"وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ "
وقال :
"قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي "