| !~ آخـر مواضيع المنتدى ~! |
| |
| إضغط علي
|
| |||||||
| | LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
| | #5 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() | الفصل الثاني لكل صندوق من هذه الصناديق حكـاية ً ، وفي كل حكـاية ٍ أحداث ٌ كتبتهـا الأيـام والسنون ، وصندوق بريدي إحداها ، لكن أحداثـه ، اختصرهـا الزمان في بضع رسـائل ٍ ، كان المرسـل إليـه فيهـا هو شخص واحد .." فارس عبد الحميد " العلاقة – بيني وبيـن " نزار " – كانت أكثر من مجرد علاقـة أخ ٍ بأخ .. وتجاوزتـه إلى صداقـة ٍ متفـردة ً بكيانهـا عن باقي أخوتي ، والعـامل المشترك فيهـا هو الشعور بالظلمـ في هذه العـائلـة ، البسيطـة أفكارهـا ، والعميقـة مشاعرهـا .. ولا زلت أذكر اجتماعاتنـا السريـة على سطح المنزل ، ومحاولاتنـا الطفوليـة لسرقـة اللوز من شجرة الجيران ، التي رمت بثمارهـا على سطح منزلنـا ، كنت أنـا العقل المفكـر ، وكان هو يتسلق الأشجــار .. هذه هي رسـالته الأولى لي منـذ أكثـر من عام ، ولا زال خط " نزار " يحتفظ بفوضويتـه المعتـادة ، وميلانـه الذي رسمـ تلك الابتسـامة على شفتي ، لحظـة قراءتي لإسمـ المرســل .. لا أنكـر بأنني عاودت قراءة الإسمـ لأكثــر من مرة ، لكي أتأكـد من أن هذه الرســالة تخصني ، وتخص " نزار " .. قادتني قدمـاي إلى تلك السلالمـ مرة ً اخرى ، خارج مكتب البريـد ، وبيدي تلك الرسـالة ، أقلبهـا ذات اليميـن وذات الشمـال ، هذه المرة وجدت رضيعهـا على حطـة عربيــة ، تلك التي يضعهـا الرجـل على رأسه ليتفاخر فيهـا بعروبتـه ، وبنخوتـه ، وبكرمــه .. ملقـاة ً وأيـاه على الأرض ! حاولت أن أقتـل تلك المشـاعر الإنسـانيـة في داخلي من هذا المشهـد ، وأكتفي بتفسير المشهـد على أنـه مجرد متسولة ٍ ورضيعهــا ، وأطلقت العنـان لقدمي تسير إلى حيث قـُـدِرَ لهـا أن تسيــر ، واكتفيـت بفض تلك الرســالة وقراءة ما كتبـه نزار " . "أخي الحبيب " فارس " بعد التحيــة ، والاطمئنـان عن صحتـك ، أكتب لك رسالتي هذه راجيـاً أن تصلك في الموعـد المنـاسب ، ومرفقـاً معهـا في اسفــل الرســالة ، رقمـ المعاملـة لدى السفارة السعوديـة في العاصمـة " عمان " ، ورقم الحوالـة البنكيـة ، لكي تشتري تذكرة الطيران وما يلزمـك في هذه الرحلــة ، أرجو منـك يا أخي الذهـاب إلى السفارة ووضع ختمـ الدخول إلى الأراضي السعوديـة ، ولا تنسى جواز سفرك .. مبروك يا أخي ، عسى الله أن يجمـع شملنـا على خيــر .. مرفق مع الرســالة صورة لـ " فاطمـة " .. أخوك المخلص / نزار عبد الحميد .. " .. الطقس شديد الحرارة ، وقطرة العرق تنحدر من جبيني إلى إطار نظارتي ، ثم تنحدر على العدسـة . وغبش ٌ شــامل يعكـر ما أراه ، وما أتوقعـه ، وما أتذكره ، وشريط العمـر يمـر أمامي ، أسمــع صوت خطواتي على الأسفلت لأول مرة ، أمشي بإتجـاه الأمــام لأول مرة ، مشيـة ً عـادية ، ربمـا تبدو عاديـة ، ورائي العـالم وأمــامي عالمي . أفكـار ٌ تأخذني إلى ما وراء كلمـات " نزار " ، وتتوالى الصور أمــامي لبيتنــا الذي تركتـه قبــل عشر سنوات ٍ ..، أرى خلفــه ابتســامة أمي ، ولحيــة أبي . تعابير وجهي تتغيــر في كل دقيقـة ٍ الف مرة ، ورمـاد سيجارتي يتطاير في الهواء ، كأيــام عمري الفـائتـة .. لا أدري لم َبدأت أشعــر الآن بسنوات العمـر .. ؟! ولم َ تتسارع خطواتي إلى بيتي أو بيت العـائلة كمـا تحب أن تسميـه " أم علاء " ..؟! والشعور بالخوف يتساوى مع السعـادة والحنين للسفــر خارج الوطن . أي تنــاقض ٍ ذاك الذي يعتريني الآن ، وأي رغبـة ٍ تجتاحني للضحك والبكــاء في آن واحد . المسـافة بيـن مكتب البريد وبيتي اصبحت أبعـد فأبعـد ، والأشجـار تطالعني بنظرات ٍ غيـر مفهومـة .. وكـل ما في يدي وعقلي لا يسـاوي غير بضـع دراهمـ ٍ وأيـام ٍ طويلــة ، ورســالة " نزار " وصورة " فــاطمـة " .. فضول بدأ يزحف إلى داخلي إلى رؤيـة ما كتب خلف تلك الصورة ، التي لم أطالعهـا بعـد ، ولم أشعـر إلا ّ بهـا في الوقت ذاته ، فقرأت " صورة فاطمـة وعمرهـا ثمان سنوات " .. “فاطمـة " عينـان بنيتـان وشعر ٌ يميـل إلى الأشقر وابتسـامة بريئـة ، والمسـافة بيني وبينهـا لا تتجاوز أصابع يدي وتلك الحدود الموضوعـة بين لسـان ٍ عربي وآخر ، وأختـام ٍ وجوازات سفــر. السـاعة تشير إلى الثانيـة عشر ظهراً والحرارة في الخارج تتنـاسب طرديـاً مع أشواقي التعبـة إلى الوصول إلى بيتي ومعانقـة جواز سفري ، وأوراقي الصفراء كاصفرار أوراق الشجر هذه .. ها هي " أم علاء " تقومـ بنشـر غسيلهـا على سطح بيتي بقامتهـا النحيلـة ، وعمرهـا الستيني .. يعجبني كفاح " أم علاء " ، بعـد وفـاة زوجهـا ورحيـل ولدهـا إلى الخارج ، كغيـره من الشبـاب في حالة هروب ٍ إجباري من الوطن وانعدام فرص العمـل في وطني ، الجميـع يهرب من الوطن ، والوطن مسلوب الإرادة ، مغلوب ٌ على أمره ، ويدفـع بأولاده إلى الخارج رغمـاً عنـه حتى لا يفقدوا حقهمـ في الأمـل ، والحلمـ ، والحيــاة .. " أم علاء " هي الوطن .. - دعيني أســاعدك يا “أم علاء “. - الله يرضى عليـك يا ولدي يا "فارس" ويرجعـك سالماً إلى أهلك .. قل آميـن يا ولد. - آميــن. يبدو بأن الله قـد استجاب لدعوات "أم علاء" هذه المرة ، فمنذ سنوات ٍ وهذه الدعوة لا تفارق لسانهـا كلمـا قرأت ملامح الحزن في وجهي وأنـا أتحدث إليهـا... من قــال بأن "أم علاء" لا تعرف القراءة... ؟! أعود إلى غرفتي ، إلى سريري ، ألقي بجسدي التعب من السير طيلـة النهـار ، وأحملق في سماء غرفتي وعالمي ، صور ٌ كثيرة ترتسمـ على سقف الغرفـة لأنــاس ٍ مروا في حياتي ، بعضهمـ لا زال عالقـاً في ذاكرتي ، والآخـر قد توارى تحت التراب ، والنعـاس يزحف إلى مقلتي ببطء ٍ شديد ٍ ، وخلايـا عقلي تتزعمـ انقلاب على عقلي وفكري ، وتطالب بأجـازة من التفكيــر في ما مضى ومـا هو آت .. فأستسلم لنومـ ٍ عميـق ، الآن عرفت معنى أن ينـام المرء ملء جفونـه عن شواردها . اليوم الثاني .. هذه المرة كانت المسـافة أطول من أن تستحملهـا قدمـاي ، فاستوقفت سيارة " تاكسي " – ربمـا هذه هي المرة الأولى التي أسمح لسائق أن يسلبني دراهمي – وتوجهت إلى حيث أوصاني " نزار " في رسـالته ، التي بعث بهـا إلي ّ وزرع بداخلي بذرة الأمـل لرؤية أمي ورؤيـة " فاطمة " .. -السفارة السعوديـة لو سمحت. - تفضـل. الخوف من القـادم يحتـل مساحة ً كبيرة في عقلي وقلبي ، وتعبر عنه رعشـة يدي وسيجارتي بحركة ٍ لا إراديـة ، والسـائق يسابق الزمـن حتى يوصلني ، ويقذف بي من هذا الباب ، وينتزع دراهمي ، حتى يتمكـن من اصطيـاد راكب ٍ آخر .. ساريـة العلمـ تشير إلى تلك السفارة ، السفارة السعوديـة ، وتعيـد إلى ذاكرتي سنوات ٍ مضت ، وأيـام ٍ قضيت بعضهـا أمـام هذا البـاب الأسود وأسواره ، وحراسـه ومراجعيـه وموظفيـه .. البعض اتخذ من جوانب هذا السور مصدر رزق ٍ لـه ، وعلا صوتـه بكلمـات ٍ كثيرة .. " ببسي ، ساندوتش ، مناديل ، اقلام ، دمغات .. " وغيرهـا من الكلمـات الكثيرة ، التي تشعرك بالجوع أحيـاناً ، وبدنو موعـد الرحيـل عن الوطن والمنفى أحياناً أخرى ...! طابور ٌ من النـاس ، رجالاً ونسـاء ً ، اصطفوا امـام تلك البوابـة ، كل ٌ يحمـل بداخلـه حلمـه وبعضـاً من أمنيــاته ، لينتهي بهمـ الأمــر إلى ذلك الموظف القـابع على كرسيـه خلف تلك الشبابيــك .. ويصيـح بالموجودين : - قفوا بالطابور يا جمـاعة ، الله يرضى عليكمـ ، الكـل سوف تُنهى معاملته ، لا تتدافعوا وإلا ّ .. ! المشهـد ذاته يعيـد نفسـه بعـد هذه السنوات ، يوم أن أبلغني والدي بأن ظروف الحرب تحول دون رجوعي ، وبأنني قد فقدت حق الإقــامة بيـنهمـ .. يومهـا لم اكن أعي جيدا ً معنى كلمـاته ، بـل ربمـا فرحت بداخلي بالحريــة الزائفـة التي سأحصــل عليهـا ، ولمـ أفهمـ - يومهـا – لم َ بكت أمي ...! - تفضـل هذا رقمـ المعاملـة وجواز السفر. بعد دقيقة أو دقيقتين .. لست أدري .. - ارجع بعد ساعتيـن لتستلمـ جواز سفرك... - شكرا ً. خرجت من الطابور بخاصية القصور الذاتي لتدافـع الجماهيــر من خلفي وأمـامي وعلى جانبي ّ ، لا أدري لما شعرت بالسعادة في هذه اللحظة ، على الرغمـ من فقداني بطاقتي الشخصية وسط هذا الزحام .. هذا المنظـر يتكرر في أنحاء كثيرة من وطني .. في المخـابز ، ومطاعم الفول ، ومواقف الحافلات ، وغيرهـا .. والقاسمـ المشترك في نوعيـة البشــر هنـا وهناك هو فقر الحـال ، والركض خلف رغيف خبز ٍ يرتفـع سعره بعد كل خطاب ٍ لقـائد البلاد ...! أحاول أن أخرج بجسدي وما تبقى من وعي عقلي وبقايا دراهمي خارج هذا الباب الأسود ، والزمـن يتوقف أمامي .. هذا الشـارع لا زال كما هو لم تتغيــر أرصفته ولم تتغيـر تلك الدعوات - التي ابتهـل بهـا اصحابها إلى الله – لتتمـ الموافقـة على طلب زيــارة ٍ أو عقـد عمـل ٍ ينقذ أحلامهـم من الوأد ِ تحت ركـام الواقـع المرير الذي فرضتـه ظروف الوطن .. وعلى ذلك المقهى المقـابل للسفارة ، جلست احمـل بيدي سيجارتي وفنجان قهوتي ، وأطالع تذكرة السفر . يسـافر عقلي إلى الماضي البعيـد ، لمنزل أمي ، هنــاك كانت طفولتي ، وهنـاك مارست الكتـابة على أوراقي لأول مرة .. غداً – وفي تمـام السـاعة التـاسعة صباحا ً – أكون على تلك الطـائرة ، التي كنت أراقبهـا من على سطح بيتنـا أو بيتي ..وطائرتي هذه المرة ليست ورقيـة ، وحدودي أبعـد من ختمـ جواز سفري ، وأبعـد من حبي لـ " لميـس " ..، حدودي لن تتوقف عنـد جملة " ممنوع من السفر " ، حدودي هي عنـاق أبي وقهوة امي ووجــه " فــاطمـة " .. أفيـق من شرودي مع اقتراب موعـد تسلمــ جواز سفري ، وأطوي الأرض تحت قدمـاي ، إلى الباب الأسود ، وبعـد دقـائق ٍ معدودة ،، أسمـع ذلك الرجـل ، الواقف خلف ذلك الشبـاك ، ينـادي باسمي .. - فارس عبد الحميـد " تفضل جواز سفرك .. لا تدع الرحلـة تفوتـك يا رجل .." وابتسمـ .. لا أعلمـ كيف ارتسمت على شفتي تلك الابتسـامة ، التي لم ترتسم منذ أن أبلغني والدي بأن الحرب قد سلبت مني حق العودة إليهم . |
|
التعديل الأخير تم بواسطة عدي بلال ; 02-13-2019 الساعة 08:50 AM |
| قائمة الشكر / الاعجاب |
| |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| صور اسم فاطمة 2017 , رمزيات اسم فاطمة 2018 , اجمل خلفيات اسم فاطمة 2016 | امير القلوب | صور اسماء , صور حروف , تصاميم اسماء اولاد , تصاميم اسماء بنات | 5 | 10-14-2018 02:59 PM |
| أفغانستان ترقد فوق كنز من المعادن | سفير القلعة | ثقف نفسك | 4 | 09-07-2014 07:32 PM |
| برنامج فاطمة للمحاسبة | شمس الصباح | برامج 2017 , برامج نت 2017 , برامج كمبيوتر | 2 | 01-13-2014 07:55 PM |