!~ آخـر مواضيع المنتدى ~!
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   منتديات بنات فلسطين > ★☀二【« الاقـسـام الـعـامـه »】二☀★ > حصريـات بـنات فلٍسطين

هنا ترقد فاطمة

هنــاترقــد فاطمــة ( مدخل ) الشعور بالضياع وفقدان المستقبل ، والتأقلم على الفشل والإنحسار .. أمورٌ تشبهني ، والتحرر من الماضي يتطلب شجاعة لا تثنيها براثن الخوف. وزاويتي

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-13-2019   #5


الصورة الرمزية عدي بلال
عدي بلال غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4484
 تاريخ التسجيل :  Nov 2018
 العمر : 53
 أخر زيارة : 01-19-2020 (02:38 PM)
 المشاركات : 5,093 [ + ]
 التقييم :  4589
لوني المفضل : Cadetblue
اضف الشكر / الاعجاب
شكر (اعطاء): 589
شكر (تلقي): 312
اعجاب (اعطاء): 853
اعجاب (تلقي): 959
لايعجبني (اعطاء): 1
لايعجبني (تلقي): 5
افتراضي



الفصل الثاني

لكل صندوق من هذه الصناديق حكـاية ً ، وفي كل حكـاية ٍ أحداث ٌ كتبتهـا الأيـام والسنون ، وصندوق بريدي إحداها ، لكن أحداثـه ، اختصرهـا الزمان في بضع رسـائل ٍ ، كان المرسـل إليـه فيهـا هو شخص واحد .." فارس عبد الحميد "

العلاقة – بيني وبيـن " نزار " – كانت أكثر من مجرد علاقـة أخ ٍ بأخ .. وتجاوزتـه إلى صداقـة ٍ متفـردة ً بكيانهـا عن باقي أخوتي ، والعـامل المشترك فيهـا هو الشعور بالظلمـ في هذه العـائلـة ، البسيطـة أفكارهـا ، والعميقـة مشاعرهـا ..

ولا زلت أذكر اجتماعاتنـا السريـة على سطح المنزل ، ومحاولاتنـا الطفوليـة لسرقـة اللوز من شجرة الجيران ، التي رمت بثمارهـا على سطح منزلنـا ، كنت أنـا العقل المفكـر ، وكان هو يتسلق الأشجــار ..

هذه هي رسـالته الأولى لي منـذ أكثـر من عام ، ولا زال خط " نزار " يحتفظ بفوضويتـه المعتـادة ، وميلانـه الذي رسمـ تلك الابتسـامة على شفتي ، لحظـة قراءتي لإسمـ المرســل ..

لا أنكـر بأنني عاودت قراءة الإسمـ لأكثــر من مرة ، لكي أتأكـد من أن هذه الرســالة تخصني ، وتخص " نزار " ..

قادتني قدمـاي إلى تلك السلالمـ مرة ً اخرى ، خارج مكتب البريـد ، وبيدي تلك الرسـالة ، أقلبهـا ذات اليميـن وذات الشمـال ، هذه المرة وجدت رضيعهـا على حطـة عربيــة ، تلك التي يضعهـا الرجـل على رأسه ليتفاخر فيهـا بعروبتـه ، وبنخوتـه ، وبكرمــه .. ملقـاة ً وأيـاه على الأرض !

حاولت أن أقتـل تلك المشـاعر الإنسـانيـة في داخلي من هذا المشهـد ، وأكتفي بتفسير المشهـد على أنـه مجرد متسولة ٍ ورضيعهــا ، وأطلقت العنـان لقدمي تسير إلى حيث قـُـدِرَ لهـا أن تسيــر ، واكتفيـت بفض تلك الرســالة وقراءة ما كتبـه نزار " .

"أخي الحبيب " فارس " بعد التحيــة ، والاطمئنـان عن صحتـك ، أكتب لك رسالتي هذه راجيـاً أن تصلك في الموعـد المنـاسب ، ومرفقـاً معهـا في اسفــل الرســالة ، رقمـ المعاملـة لدى السفارة السعوديـة في العاصمـة " عمان " ، ورقم الحوالـة البنكيـة ، لكي تشتري تذكرة الطيران وما يلزمـك في هذه الرحلــة ، أرجو منـك يا أخي الذهـاب إلى السفارة ووضع ختمـ الدخول إلى الأراضي السعوديـة ، ولا تنسى جواز سفرك .. مبروك يا أخي ، عسى الله أن يجمـع شملنـا على خيــر .. مرفق مع الرســالة صورة لـ " فاطمـة " ..

أخوك المخلص / نزار عبد الحميد .. " ..

الطقس شديد الحرارة ، وقطرة العرق تنحدر من جبيني إلى إطار نظارتي ، ثم تنحدر على العدسـة . وغبش ٌ شــامل يعكـر ما أراه ، وما أتوقعـه ، وما أتذكره ، وشريط العمـر يمـر أمامي ، أسمــع صوت خطواتي على الأسفلت لأول مرة ، أمشي بإتجـاه الأمــام لأول مرة ، مشيـة ً عـادية ، ربمـا تبدو عاديـة ، ورائي العـالم وأمــامي عالمي .

أفكـار ٌ تأخذني إلى ما وراء كلمـات " نزار " ، وتتوالى الصور أمــامي لبيتنــا الذي تركتـه قبــل عشر سنوات ٍ ..، أرى خلفــه ابتســامة أمي ، ولحيــة أبي .
تعابير وجهي تتغيــر في كل دقيقـة ٍ الف مرة ، ورمـاد سيجارتي يتطاير في الهواء ، كأيــام عمري الفـائتـة .. لا أدري لم َبدأت أشعــر الآن بسنوات العمـر .. ؟! ولم َ تتسارع خطواتي إلى بيتي أو بيت العـائلة كمـا تحب أن تسميـه " أم علاء " ..؟!

والشعور بالخوف يتساوى مع السعـادة والحنين للسفــر خارج الوطن .
أي تنــاقض ٍ ذاك الذي يعتريني الآن ، وأي رغبـة ٍ تجتاحني للضحك والبكــاء في آن واحد .
المسـافة بيـن مكتب البريد وبيتي اصبحت أبعـد فأبعـد ، والأشجـار تطالعني بنظرات ٍ غيـر مفهومـة .. وكـل ما في يدي وعقلي لا يسـاوي غير بضـع دراهمـ ٍ وأيـام ٍ طويلــة ، ورســالة " نزار " وصورة " فــاطمـة " ..

فضول بدأ يزحف إلى داخلي إلى رؤيـة ما كتب خلف تلك الصورة ، التي لم أطالعهـا بعـد ، ولم أشعـر إلا ّ بهـا في الوقت ذاته ، فقرأت
" صورة فاطمـة وعمرهـا ثمان سنوات " ..

“فاطمـة " عينـان بنيتـان وشعر ٌ يميـل إلى الأشقر وابتسـامة بريئـة ، والمسـافة بيني وبينهـا لا تتجاوز أصابع يدي وتلك الحدود الموضوعـة بين لسـان ٍ عربي وآخر ، وأختـام ٍ وجوازات سفــر.

السـاعة تشير إلى الثانيـة عشر ظهراً والحرارة في الخارج تتنـاسب طرديـاً مع أشواقي التعبـة إلى الوصول إلى بيتي ومعانقـة جواز سفري ، وأوراقي الصفراء كاصفرار أوراق الشجر هذه ..
ها هي " أم علاء " تقومـ بنشـر غسيلهـا على سطح بيتي بقامتهـا النحيلـة ، وعمرهـا الستيني .. يعجبني كفاح " أم علاء " ، بعـد وفـاة زوجهـا ورحيـل ولدهـا إلى الخارج ، كغيـره من الشبـاب في حالة هروب ٍ إجباري من الوطن وانعدام فرص العمـل في وطني ، الجميـع يهرب من الوطن ، والوطن مسلوب الإرادة ، مغلوب ٌ على أمره ، ويدفـع بأولاده إلى الخارج رغمـاً عنـه حتى لا يفقدوا حقهمـ في الأمـل ، والحلمـ ، والحيــاة ..
" أم علاء " هي الوطن ..

- دعيني أســاعدك يا “أم علاء “.

- الله يرضى عليـك يا ولدي يا "فارس" ويرجعـك سالماً إلى أهلك .. قل آميـن يا ولد.
- آميــن.

يبدو بأن الله قـد استجاب لدعوات "أم علاء" هذه المرة ، فمنذ سنوات ٍ وهذه الدعوة لا تفارق لسانهـا كلمـا قرأت ملامح الحزن في وجهي وأنـا أتحدث إليهـا... من قــال بأن "أم علاء" لا تعرف القراءة... ؟!

أعود إلى غرفتي ، إلى سريري ، ألقي بجسدي التعب من السير طيلـة النهـار ، وأحملق في سماء غرفتي وعالمي ، صور ٌ كثيرة ترتسمـ على سقف الغرفـة لأنــاس ٍ مروا في حياتي ، بعضهمـ لا زال عالقـاً في ذاكرتي ، والآخـر قد توارى تحت التراب ، والنعـاس يزحف إلى مقلتي ببطء ٍ شديد ٍ ، وخلايـا عقلي تتزعمـ انقلاب على عقلي وفكري ، وتطالب بأجـازة من التفكيــر في ما مضى ومـا هو آت .. فأستسلم لنومـ ٍ عميـق ، الآن عرفت معنى أن ينـام المرء ملء جفونـه عن شواردها .


اليوم الثاني ..

هذه المرة كانت المسـافة أطول من أن تستحملهـا قدمـاي ، فاستوقفت سيارة " تاكسي " – ربمـا هذه هي المرة الأولى التي أسمح لسائق أن يسلبني دراهمي – وتوجهت إلى حيث أوصاني " نزار " في رسـالته ، التي بعث بهـا إلي ّ وزرع بداخلي بذرة الأمـل لرؤية أمي ورؤيـة " فاطمة " ..
-السفارة السعوديـة لو سمحت.

- تفضـل.


الخوف من القـادم يحتـل مساحة ً كبيرة في عقلي وقلبي ، وتعبر عنه رعشـة يدي وسيجارتي بحركة ٍ لا إراديـة ، والسـائق يسابق الزمـن حتى يوصلني ، ويقذف بي من هذا الباب ، وينتزع دراهمي ، حتى يتمكـن من اصطيـاد راكب ٍ آخر ..

ساريـة العلمـ تشير إلى تلك السفارة ، السفارة السعوديـة ، وتعيـد إلى ذاكرتي سنوات ٍ مضت ، وأيـام ٍ قضيت بعضهـا أمـام هذا البـاب الأسود وأسواره ، وحراسـه ومراجعيـه وموظفيـه ..

البعض اتخذ من جوانب هذا السور مصدر رزق ٍ لـه ، وعلا صوتـه بكلمـات ٍ كثيرة .. " ببسي ، ساندوتش ، مناديل ، اقلام ، دمغات .. " وغيرهـا من الكلمـات الكثيرة ، التي تشعرك بالجوع أحيـاناً ، وبدنو موعـد الرحيـل عن الوطن والمنفى أحياناً أخرى ...!

طابور ٌ من النـاس ، رجالاً ونسـاء ً ، اصطفوا امـام تلك البوابـة ، كل ٌ يحمـل بداخلـه حلمـه وبعضـاً من أمنيــاته ، لينتهي بهمـ الأمــر إلى ذلك الموظف القـابع على كرسيـه خلف تلك الشبابيــك .. ويصيـح بالموجودين :

- قفوا بالطابور يا جمـاعة ، الله يرضى عليكمـ ، الكـل سوف تُنهى معاملته ، لا تتدافعوا وإلا ّ .. !

المشهـد ذاته يعيـد نفسـه بعـد هذه السنوات ، يوم أن أبلغني والدي بأن ظروف الحرب تحول دون رجوعي ، وبأنني قد فقدت حق الإقــامة بيـنهمـ .. يومهـا لم اكن أعي جيدا ً معنى كلمـاته ، بـل ربمـا فرحت بداخلي بالحريــة الزائفـة التي سأحصــل عليهـا ، ولمـ أفهمـ - يومهـا – لم َ بكت أمي ...!

- تفضـل هذا رقمـ المعاملـة وجواز السفر.

بعد دقيقة أو دقيقتين .. لست أدري ..

- ارجع بعد ساعتيـن لتستلمـ جواز سفرك...

- شكرا ً.

خرجت من الطابور بخاصية القصور الذاتي لتدافـع الجماهيــر من خلفي وأمـامي وعلى جانبي ّ ، لا أدري لما شعرت بالسعادة في هذه اللحظة ، على الرغمـ من فقداني بطاقتي الشخصية وسط هذا الزحام ..

هذا المنظـر يتكرر في أنحاء كثيرة من وطني .. في المخـابز ، ومطاعم الفول ، ومواقف الحافلات ، وغيرهـا .. والقاسمـ المشترك في نوعيـة البشــر هنـا وهناك هو فقر الحـال ، والركض خلف رغيف خبز ٍ يرتفـع سعره بعد كل خطاب ٍ لقـائد البلاد ...!
أحاول أن أخرج بجسدي وما تبقى من وعي عقلي وبقايا دراهمي خارج هذا الباب الأسود ، والزمـن يتوقف أمامي ..

هذا الشـارع لا زال كما هو لم تتغيــر أرصفته ولم تتغيـر تلك الدعوات - التي ابتهـل بهـا اصحابها إلى الله – لتتمـ الموافقـة على طلب زيــارة ٍ أو عقـد عمـل ٍ ينقذ أحلامهـم من الوأد ِ تحت ركـام الواقـع المرير الذي فرضتـه ظروف الوطن ..

وعلى ذلك المقهى المقـابل للسفارة ، جلست احمـل بيدي سيجارتي وفنجان قهوتي ، وأطالع تذكرة السفر .

يسـافر عقلي إلى الماضي البعيـد ، لمنزل أمي ، هنــاك كانت طفولتي ، وهنـاك مارست الكتـابة على أوراقي لأول مرة ..
غداً – وفي تمـام السـاعة التـاسعة صباحا ً – أكون على تلك الطـائرة ، التي كنت أراقبهـا من على سطح بيتنـا أو بيتي ..وطائرتي هذه المرة ليست ورقيـة ، وحدودي أبعـد من ختمـ جواز سفري ، وأبعـد من حبي لـ " لميـس " ..، حدودي لن تتوقف عنـد جملة " ممنوع من السفر " ، حدودي هي عنـاق أبي وقهوة امي ووجــه " فــاطمـة " ..

أفيـق من شرودي مع اقتراب موعـد تسلمــ جواز سفري ، وأطوي الأرض تحت قدمـاي ، إلى الباب الأسود ، وبعـد دقـائق ٍ معدودة ،، أسمـع ذلك الرجـل ، الواقف خلف ذلك الشبـاك ، ينـادي باسمي ..
- فارس عبد الحميـد " تفضل جواز سفرك .. لا تدع الرحلـة تفوتـك يا رجل .." وابتسمـ ..

لا أعلمـ كيف ارتسمت على شفتي تلك الابتسـامة ، التي لم ترتسم منذ أن أبلغني والدي بأن الحرب قد سلبت مني حق العودة إليهم .


 
التعديل الأخير تم بواسطة عدي بلال ; 02-13-2019 الساعة 08:50 AM

رد مع اقتباس
قائمة الشكر / الاعجاب
شكر شكر/ت هذه المشاركة
اعجاب اعجب/ت بهذه المشاركة
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
صور اسم فاطمة 2017 , رمزيات اسم فاطمة 2018 , اجمل خلفيات اسم فاطمة 2016 امير القلوب صور اسماء , صور حروف , تصاميم اسماء اولاد , تصاميم اسماء بنات 5 10-14-2018 02:59 PM
أفغانستان ترقد فوق كنز من المعادن سفير القلعة ثقف نفسك 4 09-07-2014 07:32 PM
برنامج فاطمة للمحاسبة شمس الصباح برامج 2017 , برامج نت 2017 , برامج كمبيوتر 2 01-13-2014 07:55 PM


الساعة الآن 03:37 AM


فن بيتك متجر فن بيتك الصعب للاتصالات سبيكترا

Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.