!~ آخـر مواضيع المنتدى ~!
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   منتديات بنات فلسطين > ★☀二【« الاقـسـام الأدبــيــه »】二☀★ > قصص أدبية , روايات , حكايات , تاريخ الأدب والأدباء

حادث على جسر خليج البومة ترجمة : حماد صبح

حادث على جسر خليج البومة ترجمة : حماد صبح وقف رجل على جسر في طريق القطار شمالي ألاباما ينظر إلى الماء السريع الجريان بعمق عشرين قدما أسفل الطريق .كانت

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 10-03-2013
بنات فلسطين غير متواجد حالياً
Palestine     Male
لوني المفضل Black
 رقم العضوية : 2
 تاريخ التسجيل : Mar 2013
 فترة الأقامة : 4454 يوم
 أخر زيارة : 06-21-2019 (10:38 PM)
 الإقامة : فلسطين
 المشاركات : 34,418 [ + ]
 التقييم : 9419
 معدل التقييم : بنات فلسطين has a reputation beyond reputeبنات فلسطين has a reputation beyond reputeبنات فلسطين has a reputation beyond reputeبنات فلسطين has a reputation beyond reputeبنات فلسطين has a reputation beyond reputeبنات فلسطين has a reputation beyond reputeبنات فلسطين has a reputation beyond reputeبنات فلسطين has a reputation beyond reputeبنات فلسطين has a reputation beyond reputeبنات فلسطين has a reputation beyond reputeبنات فلسطين has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]
اضف الشكر / الاعجاب
شكر (اعطاء): 0
شكر (تلقي): 0
اعجاب (اعطاء): 0
اعجاب (تلقي): 2
لايعجبني (اعطاء): 0
لايعجبني (تلقي): 1
حادث على جسر خليج البومة ترجمة : حماد صبح



حادث على جسر خليج البومة ترجمة : حماد صبح
وقف رجل على جسر في طريق القطار شمالي ألاباما ينظر إلى الماء السريع الجريان بعمق عشرين قدما أسفل الطريق .كانت يدا الرجل معقودة الرسغين خلف ظهره بحبل . وهناك حبل آخر يطوق عنقه تطويقا محكما . وكان هذا الحبل معقودا في خشبة على هيئة صليب فوق رأس الرجل وقد سقط جزؤه المتدلي حتى ركبتيه . وأتاحت بعض ألواح الخشب غير المثبتة والموضوعة فوق دعائم الجسر لتعزيز حديد السكة ؛ موطىء قدم للرجل وللمشرفين على إعدامه ، وهما جنديان من الجيش الفدرالي يقودهما رقيب لعله كان في حياته المدنية نائب عمدة إحدى البلدات .وكان هناك ضابط في زي رتبته يحمل سلاحا ، ويقف على مسافة قصيرة فوق نفس الرصيف المؤقت . ووقف حارس عند كل طرف من الجسر يحمل بندقيته في وضعية تسمى " المساندة " ، وفيها تكون البندقية عمودية أمام الكتف اليسرى ، ومستقرة على الساعد ، ومستقيمة فوق الصدر .إنه وضع رسمي شاذ يرغم جسم الجندي على أن يكون في حالة انتصاب صارم . ولم يظهر أن من واجب الجنديين معرفة ما كان يحدث وسط الجسر . وكل ما قاما به أنهما سدا طرفي ألواح الخشب القائمة فوق الجسر . ولم يكن أحد وراءهما . كانت طريق القطار تنساب مئات الياردات في الغابة وتنعطف منحجبة عن الأنظار . ولا ريب في أنه كان يقوم موقع عسكري أمامي على جانب تلك الطريق . كانت ضفة الخليج الأخرى أرضا منكشفة . عبارة عن منحدر صاعد يعتليه سياج مؤلف من جذوع شجر قائمة فيه كوى تطلق منها نيران البنادق ، بينها كوة تنبثق منها ماسورة مدفع نحاسي يحرس الجسر ووقف النظارة في منتصف السفح بين الجسر والقلعة ، وهم عصبة من جند المشاة اصطفوا في " عرض استراحة " واضعين أعقاب بنادقهم على الأرض ، ومسندين مواسيرها في ميل خفيف إلى الوراء على أكتافهم اليسرى جاعلين أيديهم في هيئة صليب .كذلك وقف ملازم أيمن صف النظارة وطرف سيفه على الأرض ويسراه تستريح فوق يمناه . لم يتحرك أيما رجل سوى عصبة الأربعة التي تتوسط الجسر أما عصبة جند المشاة فكانوا يقفون في وجه الجسر ساكنين محدقين بنظرات قد تحجرت . ولعل الحارسين اللذين كانا يواجهان ضفاف الخليج ما كانا سوى تمثالين لتزيين الجسر .ووقف الضابط الكبير طاوي الذراعين صامتا يرقب مساعديه دون أن يصدر أي إشارة . الموت عالي المنزلة يجب استقباله حين يجيء بآيات تجلة رسمية حتى من أكثر الناس ألفة له واعتيادا . والصمت والسكون صنفان من أصناف تلك التجلة بمقتضى الآداب العسكرية .وكان واضحا أن الرجل المعروض للإعدام في قرابة الخامسة والثلاثين . وهو _ إن حكمنا عليه من مسلكه _ مدني مزارع . وكان مليح الوجه مستقيم الأنف ثابت الفم ، له جبين عريض انساب منه شعره الطويل المسرح إلى الوراء منسدلا خلف أذنيه حتى ياقة سترته السوداء الأنيقة . وكان حليق الشارب مدبب الذقن صاحب عينين كبيرتين لونهما الرمادي مائل للسمرة . إنه يهب الناظر إليه انطباعة ودودا يصعب تخيلها من امرىء غارق حتى أذنيه في زرع القنب . وواضح أنه ليس قاتلا فظا إلا أن القانون العسكري الليبرالي مهيأ لإعدام أنماط لا حصر لها من الناس بمن فيهم السادة . وتنحى الجنديان بعد ما تمت الاستعدادات ، وأخذ كل واحد منهما اللوح الذي كان يقف عليه . واستدار الرقيب للضابط الكبير وحياه ووقف وراءه ، فابتعد هذا بدوره خطوة . وقادت تلك الحركات إلى وقوف المحكوم والرقيب على طرفي نفس اللوح الذي كان يمتد فوق ثلاث من مثبتات الجسر . وكان الطرف الذي يقف عليه المحكوم يكاد يصل إلى اللوح الرابع الذي كان ثقل الضابط الكبير يثبته في موضعه ، وصار الآن مثبتا بثقل الرقيب الذي يجب أن يتنحى بإشارة من الضابط ، فيميل اللوح ويهوي المحكوم من بين لوحين . تدبير بسيط وفعال لإنفاذ الحكم فيه . ولم يكن محجوب الوجة أو معصوب العينين . ونظر لحظة إلى موطىء قدميه غير المثبت ، وطافت نظراته بماء الخليج المدوم الذي يتدفق جياشا تحته . واجتذبت انتباهه خشبة تتراقص في التيار ، فتابعها بناظريه . لشدما بدت حركة التيار ونية في نظره ! فيا له من خليج عكر الماء ! وأغمض عينيه ليركز فكره في زوجته وأولاده ، ثم انصرف انتباهه إلى الماء الذي صبغته شمس الصباح لونا مذهبا ، وإلى الغمام غير القصي فوق ضفتي الخليج ، وإلى القلعة والجند ، وإلى الخشبة المتراقصة في التيار . ودوى أثناء تفكيره في أحبته صوت لم يجهله ولم يعلمه : طرق حاد جلي معدني يشبه ضربة مطرقة حداد على سندان . نعم . كان لذلك الصوت خصيصة رنة تلك المطرقة . وتساءل عن حقيقة ذلك الصوت ، وهل هو بعيد بعدا مفرطا أم دانٍ دنوا مفرطا ؟ وبدا له بعيدا ودانيا معا . وكان تردد الصوت منتظما إلا أنه كان بطيئا بطء رنين جرس النعي . وراح يترقب كل طرقة نافد الصبر خائفا لا يدري لخوفه علة . وزادت مدات الصمت بين كل طرقة وطرقة طولا حتى غدا طولها باعثا لجنونه . وتعاظمت الطرقات قوة وحدة بتعاظم التباعد بين طرقة وتاليتها ، وآلمت سمعه إيلام طعنة سكين ، وتخوف أن يصرخ إلا أنه ما سمع سوى تكات ساعته .وفتح عينيه ، فرأى الماء ثانية تحته ، وفكر : " لو أستطيع إطلاق يدي لأفلت من النشطة ، وقفزت في الماء .ويمكنني تجنب الرصاص بالغوص في الماء حتى أبلغ الضفة سابحا بقوة ، وبعدئذ أتجه نحو الغابات ، وأعود إلى بيتي . أحمد الله _ تعالى _ أن بيتي ما زال بعيدا عن خطوطهم . مازالت زوجتي وصغاري بعيدين عن أقصى تقدم للغازي " . وبينا كانت هاتيك الخاطرات _ التي أضحت هنا كلمات _ تتوامض في ذهن المحكوم أكثر مما تنبثق منه ؛ أومأ الضابط الكبير للرقيب فتنحى جنبا . كان بايتون فاركوهار مزارعا ميسور العيش من أسرة عريقة سامية الاحترام من أسر ألاباما . ولكونه مالك عبيد وسياسيا أيضا _ على مثال مالكي العبيد الآخرين _ فالطبيعي أن يكون انفصاليا قحا ومسرف الإخلاص لقضية الجنوب . وحالت ملابسات ملحة _ لا موجب لذكرها _ دون خدمته في الجيش الباسل الذي خاض كوارث الحملات التي انتهت بسقوط منطقة كورنث . واستحثه الإحساس بالحنق من امتناعه عن الخدمة الذي لا مجد فيه ، وحنينه لإبداء قدراته ، وما في حياة الجندي من رحابة ؛ للبحث عن فرصة للتميز . وشعر بأن تلك الفرصة لابد أن تأتيه – مثلما تأتي كل الناس _ في الحرب . وفي تلك الأثناء قام بما في قدرته ، ولم يرَ في أي عمل يقوم به من معابة مادام خدمة للجنوب . ورأى أنه ما من مغامرة ستكون خطيرة عليه مادامت تتصل بمدني هو جندي في أعماقه ، وآمن إيمانا صادقا بجزء على الأقل من المثل القائل : " كل شيء مشروع في الهوى والوغى " . وفي مساء ، بينا كان يجلس مع زوجته على مقعد ريفي عند مدخل أرضه ؛ قدم إلى البوابة جندي رمادي الثياب على ظهر جواد ، وسأل شربة ماء ، فأحست السيدة فاركوهار بسعادة جليلة لخدمته بيديها البيضاوين . وخلال إحضارها الماء دنا زوجها من الفارس الذي جلله الغبار واستفسر منه في حماسة عن أنباء الجبهة ، فقال الرجل : يرمم اليانكيون طرق القطارات ويتأهبون لزحف جديد . بلغوا خليج البومة ، فرتبوه وبنوا سياجا على ضفته اليسرى . أصدرت القيادة تعميما وضع في كل مكان بالشنق الفوري لكل مدني يضبط وهو يتدخل في طريق القطار وجسره وأنفاقه والقطارات ذاتها . رأيت التعميم بنفسي .
فسأله فاركوهار : ما بعد المسافة إلى جسر خليج البومة ؟
_ تقريبا ثلاثون ميلا .
_ هل توجد قوة على هذا الجانب من الخليج ؟
_ لا يوجد سوى موقع لمفرزة احتياط على بعد نصف ميل منه على طريق القطار ، وحارس وحيد في هذا الطرف من الجسر .
فقال فاركوهار باسما : هب رجلا مدنيا راغبا في أن يشنق راوغ موقع المفرزة ، وربما غرر بالحارس ، فما عساه ينجز ؟
وفكر الجندي ، ثم أجاب : كنت هنالك من شهر ، ولاحظت أن سيول الشتاء الماضي راكمت كمية كبيرة من الخشب الذي تجلبه أمام الدعامة الخشبية عند هذا الطرف من الجسر . الخشب الأن يابس ويمكن أن يحترق احتراق قماش الكتان .
كانت السيدة قد جلبت الماء فشربه الجندي ، وشكرها بفرط تهذيب ، وانحنى لزوجها ومضى مبتعدا .وبعد ساعة ، عقب المساء ، جاز ثانية مزرعة فاركوهار قاصدا الشمال في الاتجاه الذي وفد منه ؛ فقد كان جندي استطلاع فدراليا.
فقد بايتون فاركوهار وعيه بعد ما هوي من خلال الجسر ، وبدا إنسانا سبق موتُه . وبد له أنه صحا بعد دهور من حالته تلك لألم ناجم عن ضغط حاد على حلقه تلاه إحساس بالاختناق . وبدا كأن أوجاعا حادة شديدة تندفع من عنقه وتسري في كل أنسجة بدنه وجوارحه . وخيل له أن تلك الأوجاع تنساب في خطوط متشعبة ومحددة جيدا ، وتضربه منتظمة سريعة بكيفية لا يمكن تصورها كأنها جداول نار جياشة ترفع حرارته إلى درجة لا سبيل لتحملها .أما ذهنه فما كان فيه سوى إحساس بالامتلاء والازدحام ، ولم يكن يصحب ذلك الإحساس أي تفكير . لقد مُحي الجزء الذهني منه ، وليس لديه الآن سوى قوة الإحساس ، وكان ذلك الإحساس عذابا أليما ، بيد أنه كان يدرك الحركة . وبعدما غمرته سحابة وضيئة _ هو الآن قلبها الملتهب دون إحساس منه بكيانه المادي _ انقذف في أقواس اهتزاز لا يمكن تخيله مثل بندول ساعة كبير . وفجأة ، فجأة مرعبة ، صعد الضوء الذي غمره رشاشا عالي الصخب ، وهدر في سمعه صوت مرعب ، ثم برد كل شيء وأظلم : لقد استرد قوة تفكيره ، فوعى أن الحبل انقطع ، وأنه هوى في الخليج . لم يعد الآن يشعر بمزيد من الاختناق ، وكانت النشطة التي تطوق عنقه خنقته وحبست الماء في رئتيه . فكر: أموت شنقا في عمق الخليج ؟ ظهرت له الفكرة مضحكة سخيفة . وفتح عينيه في الظلمة فرأى فوقه لمعة ضوء ، لكن ما أبعدها ! ما أضنى الوصول إليها ! كان يوالي غرقه ؛ ذلك أن الضوء أخذ يتباهت ويتباهت حتى آل إلى محض لمع واهن ، ثم إنه طفق يكبر ويأتلق ، فأدرك أنه طفا إلى السطح . أدرك ذلك كارها له نافرا منه ؛ لأنه صار الآن في راحة مستتمة . فكر : " شنق وغرق ؟ ذلك ليس بالسيء جدا . أنا لا أريد أن أرمى رصاصا . لا . لن أرمى رصاصا . ما هذا بعدل " .
ولم يكن يشعر بأنه يبذل أيما جهد ، على أن ألما ممضا في رسغه أنبأه أنه كان يحاول تحرير يديه ، فانتبه إلى الصراع الذي كان يخوضه دون أي اهتمام بما قد يسفر عنه من نتيجة فعلَ الكسول حين يراقب براعة مشعود محتال . يا لروعة الجهد ! ويا لعظمة القوة واستعلائها الخارق للطبيعة ! آه ! كم كانت محاولة بديعة ! أحسنت ! انفصل الحبل عنه ، فانفصلت ذراعاه بدورهما وارتفعتا للأعلى ، ورأى يديه دون وضوح على جنبيه في الضوء الآخذ في النماء . راقبهما باهتمام جديد حين امتدتا ؛ الأولى فالثانية إلى النشطة في عنقه ، فقطعتاها وقذفتاها جانبا قذفا عنيفا ، فأشبهت تموجاتها تموجات ثعبان الماء . وخال نفسه صاح قائلا ليديه : أعيداها ! أعيداها !
ذلك أن ألما ضاريا لم يستشعره من قبل أعقب حل النشطة ، وأوجع عنقه إيجاعا رهيبا ، وأحس بذهنه يحترق ، وقفز قلبه الذي كان يخفق موهونا قفزة واسعة محاولا الاندفاع إلى فمه . وتعذب كل جسده وتلوى من وجع لا يطاق إلا أن يديه العاصيتن لم تباليا أمره ، وضربتا الماء ضربات سريعة ، فدفعتاه إلى السطح ، فشعر برأسه ينبثق فوق الماء ، وأعمى ضوء الشمس عينيه ، واتسع صدره باضطراب وتشنج ، وسحبت رئتاه قدرا عظيما من الهواء بألم فائق مهول إلا أنه لفظه في الحال صارخا صرخة عالية . صار الآن يسيطر على حواسه سيطرة كاملة ، وكانت في الحق حادة يقظى بصورة خارقة : شيء ما في الإزعاج الفظيع الذي أصاب جهازه العضوي أثار تلك الحواس وصفاها ، فصاغت سجلا للأشياء ما سلف أن وعاه . وشعر برقارق الماء فوق محياه ، وسمع أصواتها المنفصلة تضرب ذلك المحيا . ونظر إلى الغابة على شط الخليج ، فرأى الأشجار المنفردة ، والأوراق وخطوط كل ورقة ، بل رأى الحشرات فوق تلك الأوراق : الجراد والحباحب والعناكب الرمادية تمد خيوطها من فنن إلى فنن في الشجر . ولمح ألوان الموشور في كل قطرات الندى على مليون ورقة عشب ! وسمع مزيجا موسيقيا من طنين الجراجس ( صغار البعوض . المترجم ) التي تراقصت فوق دوامات الخليج ، وخفقات أجنحة ذباب التنين ، وضربات أرجل عناكب الماء التي تشبه المجاديف . وانزلقت سمكة تحت ناظريه ، فسمع اندفاعة جسدها إذ مخرت الماء . لقد طفا على السطح وصار يرى مجرى الخليج . وفي لحظة بدا العالم المرئي كأنه يدور من حوله جاعلا منه محور دورانه ، ورأى الجسر والقلعة والجنود فوق الجسر . رأى الضابط الكبير والرقيب والجنديين عند طرفي الجسر ومنفذي حكم إعدامه . كانت صورتهم مرتسمة تحت السماء الزرقاء . وصاحوا وأومأوا إليه . وكان الضابط الكبير سحب مسدسه دون أن يطلقه . وكان الآخرون بلا سلاح ، وحركاتهم غريبة تبعث الرعب أما هيئاتهم فكانت ضخمة جدا .وفجأة سمع طلقة نارية ، وضرب الماء شيء ضربة بارعة على مدى بوصات قليلة من رأسه مثيرا رشاش الماء في وجهه . وسمع طلقة ثانية ، ولمح أحد الحراس حاملا بندقيته على كتفه وغمامة دخان رقيق أزرق تنبعث من فوهة ماسورتها ، ورأى الرجل الذي في الماء الرجل الذي فوق الجسر يحدق في عينيه خلال منظار البندقية ، ولمح أن عينيه رماديتان ، وتذكر أنه قرأ أن العيون الرمادية حادة النظر ، وأن كل الرماة أهل عيون رمادية وإن أخطأ هذا الرامي هدفه . وتملكت فاركوهار دوامة مضادة أدارته نصف دائرة ، وصار الآن ينظر ثانية إلى الغابة على شط الخليج إزاء القلعة . وضج وراءه صوت عالٍ صافٍ في غناء رتيب ، واجتاز الماء واضحا وضوحا اخترق وغلب كل الأصوات الأخرى في سمعه حتى خفقان رقرقات الماء . ومع أنه ليس جنديا إلا أنه تردد على معسكرات الجيش ترددا يكفيه ليدرك المعنى المروع لتلك الأغنية المتحذلقة الطماحة . وكان الملازم الموجود على الشط يسهم في واجب الصباح . ويا للبرود والقسوة ، ويا لوضوح الصوت وهدوئه وما فيه من نذير ، ويا لهدوء الرجال الحاسم ، ويا لدقة حساب السكنات الذي صدرت به تلك الكلمات القاسية : سرية ! انتباه ! كتفا سلاح ! استعد ! سدد ! أطلق !
فغاص فاركوهار . غاص أعمق مدى استطاعه .وهدر الماء في أذنيه هدير شلالات نياجارا ، وسمع مع ذلك الدوي الكئيب لوابل الرصاص . وحين صعد ثانية إلى السطح واجه الشظايا المعدنية اللامعة منتشرة حوله انتشارا غريبا وهي تنزل في الماء بطيئة متذبذبة . وأصابه بعضها في يديه ووجهه ، واستقرت واحدة منها بين ياقته وعنقه حارة حرارة أزعجته ، فانتزعها من مكانها. وحين طفا بحثا عن الهواء أدرك أنه قضى وقتا طويلا تحت الماء ، وأنه كان في عمق من الخليج يوفر له أمانا أكثر . كان الجنود أتموا تقريبا شحن بنادقهم ثانية بالرصاص . وفجأة لمعت في الشمس المدكات المعدنية للبنادق وهي تسحب من مواسيرها ، وتدور في الهواء ، ثم تعود إلى تجاويفها . وأطلق الحارسان النار وحدهما ، ولكن دون فائدة . ورأى الرجل المستهدف كل ذلك . كان الآن يسبح بقوة مع التيار ، وكان ذهنه في قوة وطاقة ذراعيه وساقيه . إنه يفكر في سرعة لمعة البرق . فكر : " لن يكرر الضابط غلطة الضابط المتشدد . سهل أن أتفادى وابل الرصاص مثلما أتفادى رصاصة واحدة. جائز أنه أصدر الأمر للجنود بإطلاق النار وفق مشيئتهم . اللهم أعني ؛ فليس في قدرتي تفادي كل الرصاص !
وثار رشاش ماء مرعب على بعد ياردتين منه ، تلاه صوت عالٍ مندفع يتناقص علوه خلال اندفاعه ، وبدا أن الصوت يعود ثانية إلى القلعة ، وسكن عقب انفجاره انفجارا حرك أعماق الخليج . وغمرت فاركوهار رقاقة ماء عالية ، فأعمته وخنقته . وساهم المدفع في اللعبة .وما أن خلص رأسه من ثورة الماء الذي ضربه المدفع حتى سمع قذيفة تصفر فوق رأسه ، وفي لحظة هشمت أغصان الغابة وراءه . فكر : "لن يكرروا هذا ثانية . المرة التالية سيستعملون الشظايا .علي مواصلة مراقبة المدفع . سينبئني الدخان . الطلقة تصل متأخرة . تتوانى وراء القذيفة .هذا مدفع جيد " .واختلط وانطمس أمامه الماء والضفتان والغابات والجسر الذي ابتعد الآن ، والقلعة والجنود . غدت الأشياء لا ترى إلا بألوانها . لم يرَ سوى خطوط ألوان دائرية في الأفق . لقد هوى في دوامة جعلته يدور معها في سرعة سببت له الدوخان والغثيان ، وانقذف في لحظات فوق الحصا في طرف الضفة اليسرى من الخليج ، الضفة القبلية ، خلف بقعة مطلة حجتبه عن أعدائه . وثاب إلى نفسه حين هيمن فجأة على حركته وحك إحدي يديه على الحصا ، فبكى مسرورا . ودس أصابعه في الرمل ، ونثره فوق رأسه حفنات باركها مسموع الصوت . بدت له الحفنات ماسات ويواقيت وزمردات . لا يمكنه التفكير في شيء بديع لا تضاهيه تلك الحفنات . ولاحت له الأشجار فوق الضفة نباتات بستان عملاقة ، ولحظ نظاما صارما في نسقها ، واستاف عبير أزهارها ، والتمع ضوء وردي غريب بين تفاريج سيقانها . وعزفت الريح بين أغصانها موسيقا قيثاراتها . ولم يعد راغبا في إكمال هربه . رضي البقاء في تلك البقعة الساحرة حتى يقبضوا عليه ثانية . وصحاه من حلمه صفير شظية فوق رأسه بين الأغصان ، وودعه جندي المدفع الخائب بقذيفة عشوائية ، فهب من موضعه واندفع صاعدا الضفة المنحدرة ، وغاص في الغابة ، وتابع سيره طول ذلك اليوم مستهديا بالشمس . وبدت له الغابة دون انتهاء ، ولم يكتشف فيها أي منفذ ولا حتى سبيل حطاب . ولم يفطن إلى أنه يعيش في منطقة برية تشبه هذه المنطقة . كان ثمة شيء غريب في ما يكتشفه الآن . وشعر في الغروب باللغوب والسغوب وتقرح القدمين . واستحثه التفكير في زوجته وأولاده على موالاة سيره . وأخيرا وجد دربا قادته إلى ما عده وجهة صحيحة . كانت الدرب في رحابة واستقامة شوارع المدينة وإن بدت له غير مطروقة .ولم تكن محفوفة بحقول ، ولا وجود لمساكن حولها . وما من شيء أدل على وجود الناس في المكان مثل نباح الكلب . وشكلت الأشجار جدارا مستقيما على جانبي الدرب منتهية في الأفق ببقعة تشبه رسمة في درس هندسة . وحين نظر إلى الأعلى خلال فرجة في الغابة رأى حديقة نجوم ضخمة لامعة ليست معهودة المشهد محتشدة في كوكبة غريبة ، واستيقن أنها رتبت في نظام له مغزى غامض وخبيث . وكانت الغابة على جانبي الدرب تحفل بألوان من الصخب المنفردة عن بعضها بعضا . وسمع من بينها مرة واثنتين وثلاثا همسات واضحة بلغة يجهلها . كان عنقه يؤلمه ، وحين مسه بيده اكتشف تورمه تورما مخيفا ، وكان على بينة أن في عنقه دائرة مسودة صنعها الحبل . وشعر باحتقان في عينيه ، ولم يعد قادرا على إغماضهما . وتورم لسانه ظمأ ، فخفف حُماه بإخراجه من بين أسنانه في برد الأثير . ما أرق بساط العشب فوق الدرب غير المطروقة ! ما عاد يحس بالدرب تحت قدميه ! ولا ريب في أنه نام خلال سيره رغم أوجاعه . إنه يرى الآن مشهدا آخر ، ولعله ببساطة صحا من هذيان ! هاهو الآن واقف أمام بوابة بيته ! كل شيء على مثل ما تركه ، وكل شيء مشرق وخلاب في شمس الصباح .
لابد أنه سرى طول الليل . وبعد أن فتح البوابة وسار في الممشى الأبيض الرحب لمح رفيف ملابس أنثوية . إنها زوجته تبدو متجددة ومنعشة وبهية إذ تنزل من الشرفة للقائه . إنها تقف أسفل الدرجات في انتظاره بابتسامة فرح فوق الوصف . موقف فيه من الجمال والعزة ما لا شبيه له . آه ما أحيلى زوجته ! ويندفع للأمام باسطا ذراعيه ، وحين أوشك على احتضانها شعر بضربة مذهلة على مؤخر عنقه ! وتوهج حوله نور أبيض يذهب بالبصر له صوت يشبه قصفة مدفع ، وبعده ساد الظلام والصمت ! أعدم بايتون فاركوهار ، وتأرجح جسده الحطيم العنق خفيفا يمنة ويسرة تحت أخشاب جسر خليج البومة .
*للكاتب الأميركي أمبروز بييرس


ph]e ugn [sv ogd[ hgf,lm jv[lm : plh] wfp





رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لا أستطيع ترجمة كلام المجانين - هلوسات αηƒαѕ αℓωαяd التنمية البشرية والذاتية 3 09-22-2013 08:26 AM
إصابة 7 مواطنين في حادث سير بغـزه شيماء الأפֿـُبآر والـأפـدَآث 5 07-26-2013 11:19 PM
سخط وعنصرية المجمتع البريطاني .بسبب مرض جلدي دفع سيدة لإرتداء الحجاب امير القلوب الأפֿـُبآر والـأפـدَآث 4 07-19-2013 04:14 PM
ارهب حادث بالعالم بنات فلسطين يـوتيوب بنات فلسطين 1 05-14-2013 06:38 PM
التجربة ترجمة حماد صبح .. فلسفة وفكر امير القلوب حـانة الآدباء والفـلاسفة والمفكريـن 4 03-20-2013 04:17 AM


الساعة الآن 11:20 AM


فن بيتك متجر فن بيتك الصعب للاتصالات سبيكترا

Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.