![]() |
64-أنواع الطواف ( 1 ) طواف القدوم ( 2 ) وطواف الافاضة ( 3 ) وطواف الوداع ، وسيأتي الكلام عليها في مواضعها ( 4 ) وطواف التطوع . وينبغي للحاج أن يغتنم فرصة وجوده بمكة ويكثر من طواف التطوع ، والصلاة في المسجد الحرام . فإن الصلاة فيه خير من مائة الف ، فيما سواه من المساجد . وليس في طواف التطوع رمل ولا اضطباع . والسنة أن يحيي المسجد الحرام بالطواف حوله كلما دخله ، بخلاف المساجد الاخرى ، فإن تحيتها الصلاة فيها . 65-وللطواف شروط وسنن وآداب نذكرها فيما يلي : 66- شروط الطواف 1( 1 ) يرى الحنفية أن الطهارة من الحدث ليست شرطا وإنما هي واجب يجبر بالدم . فلو كان محدثا حدثا أصغر وطاف صح طوافه ولزمه شاة . وإن طاف جنبا أو حائضا ، صح ولزمه بدنة ، ويعيده ما دام بمكة . وأما الطهارة من النجاسة في الثوب أو البدن ، فهي سنة عندهم فقط 1- - الطهارة من الحدث الاصغر والاكبر والنجاسة ( 1 ) لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الطواف صلاة . . . إلا أن الله تعالى أحل فيه الكلام فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير " . رواه الترمذي والدار قطني ، وصححه الحاكم وابن خزيمة وابن السكن . وعن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تبكي ، فقال : " أنفست ؟ (أي أحضت .) " - يعني الحيضة - قالت ، نعم . قال : " إن هذا شئ كتبه الله على بنات آدم ، فاقضي ما يقضي الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي " . رواه مسلم . وعنها قالت : إن أول شئ بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم - حين قدم مكة - أنه توضأ ثم طاف بالبيت . رواه الشيخان . ومن كان به نجاسة ، لا يمكن إزالتها ، كمن به سلس بول وكالمستحاضة التي لا يرقا دمها ، فإنه يطوف ولا شئ عليه باتفاق . روى مالك : ان عبد الله بن عمر جاءته امرأة تستفتيه ، فقالت : إني أقبلت أريد أن أطوف بالبيت ، حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء ، فرجعت ، حتى ذهب ذلك عني ، ثم أقبلت ، حتي إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء ، فرجعت ، حتى ذهب ذلك عني ، ثم أقبلت ، حتى إذا كنت عند باب المسجد ، هرقت الدماء . فقال عبد الله بن عمر : إنما ذلك ركضة من الشيطان ، فاغتسلي ، ثم استثفري بثوب ، ثم طوفي . 2 - ستر العورة : (( 1 ) عند الاحناف واجب ، فمن طاف عريانا صح طوافه وعليه الاعادة إلا خرج من مكة ، فإنه يلزم دم ) لحديث أبي هريرة قال : بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع ، في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر : " لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان " . رواه الشيخان . 3 - أن يكون سبعة أشواط كاملة . فلو ترك خطوة واحدة ، في أي شوط ، لا يحسب طوافه . فإن شك بنى على الاقل ، حتى يتقن السبع . وإن شك بعد الفراغ من الطواف فلا يلزمه شئ . 4 - أن يبدأ الطواف من الحجر الاسود ، وينتهي إليه . 5 - أن يكون البيت عن يسار الطائف . فلو طاف ، وكان البيت عن يمينه ، لا يصح الطواف . لقول جابر رضي الله عنه : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أتى الحجر الاسود فاستلمه ، تم مشى عن يمينه فرمل (: الا سراع مع هز الكتفين) ثلاثا ومشى أربعا (3 ) عند الاحناف أن ركن الطواف أربعة أشواط ، والثلاثة الباقية واجب يجبر بالدم) . رواه مسلم 6 - أن يكون الطواف خارج البيت . فلو طاف في الحجر لا يصح طوافه ، فإن الحجر (الحجر : هو حجر إسماعيل ، ويقع شمال الكعبة ، يحوطه سور على شكل نصف دائرة وليس الحجر كله من البيت ، بل الجزء الذي هو من البيت قدره ستة أذرع : نحو ثلاثة أمتار) ، والشاذ روان (البناء الملاصق لاساس الكعبة الذي توضع به حلق الكسوة ) من البيت . والله أمر بالطواف بالبيت ، لا في البيت ، فقال : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) . ويستحب القرب من البيت ، إن تيسر . 7 - موالاة السعي : عند مالك وأحمد . ولا يضر التفريق اليسير ، لغير عذر ، ولا التفريق الكثير ، لعذر . وذهبت الحنفية ، والشافعية : إلى أن الموالاة سنة . فلو فرق بين أجزاء الطواف تفريقا كثيرا ، بغير عذر ، لا يبطل . ويبني على ما مضى من طوافه . روى سعيد بن منصور ، عن حميد بن زيد قال : رأيت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، طاف بالبيت ثلاثة أطواف أو أربعة ، ثم جلس يستريح ، وغلام له يروح عليه ، فقام فبنى على ما مضى من طوافه . وعند الشافعية والحنفية : لو أحدث في الطواف ، توضأ وبنى ولا يجب الاستئناف ، وإن طال الفصل . وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه كان يطوف بالبيت ، فأقيمت الصلاة فصلى مع القوم ، ثم قام ، فبنى على ما مضى من طوافه . وعن عطاء : أنه كان يقول - في الرجل يطوف بعض طوافه ، ثم تحضر الجنازة - قال : يخرج يصلي عليها ، ثم يرجع فيقضي ما بقي من طوافه . 67- سنن الطواف للطواف سنن نذكرها فيما يلي : 1 - استقبال الحجر الاسود ، عند بدء الطواف مع التكبير والتهليل ، ورفع اليدين : كرفعهما في الصلاة ، واستلامه بهما بوضعهما عليه ، وتقبيله بدون صوت ، ووضع الخد عليه ، إن أمكن ذلك ، وإلا مسه بيده وقبلها أو مسه بشئ معه وقبله ، أو أشار إليه بعصا ونحوها . وقد جاء في ذلك أحاديث ، واليك بعضها : قال ابن عمر رضي الله عنهما : استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر واستلمه ، ثم وضع شفيته يبكي طويلا ، فإذا عمر يبكي طويلا . فقال : " يا عمر ، هنا تسكب العبرات (" : أي الدموع) " . رواه الحاكم ، وقال : صحيح الاسناد . وعن ابن عباس : ان عمر أكب على الركن (: المراد به هنا الحجر الاسود) فقال : إني لاعمل أنك حجر ، ولو لم أر حبيبي صلى الله عليه وسلم قبلك واستلمك ما استلمتك ولا قبلتك : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) . رواه أحمد ، وغيره ، بألفاظ مختلفة متقاربة . وقال نافع : رأيت ابن عمر رضي الله عنهما استلم الحجر بيده ثم قبل يده وقال : ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله . رواه البخاري ومسلم . وقال سويد بن غفلة : رأيت عمر رضي الله عنه قبل الحجر ، والتزمه وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا (أي مهتما ومعنيا) " رواه مسلم . وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي البيت ، فيستلم الحجر ويقول : " بسم الله والله أكبر " . رواه أحمد . وروى مسلم عن أبي الطفيل قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم بمحجن معه ويقبل المحجن . وروى البخاري ، ومسلم ، وأبو داود عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر فقبله . فقال : إني أعلم أنك حجر لا تضر ، ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك . قال الخطابي : فيه من العلم ، أن متابعة السنن واجبة وإن لم يوقف لها على علل معلومة ، وأسباب معقولة . وأن أعيانها حجة على من بلغته وإن لم يفقه معانيها . إلا أنه معلوم في الجملة أن تقبيله الحجر ، إنما هو إكرام له ، وإعظام لحقه ، وتبرك به . وقد فضل الله بعض الاحجار على بعض ، كما فضل بعض البقاع والبلدان ، وكما فضل بعض الليالي والايام والشهور . وباب هذا كله التسليم . وهذا وقد روى أمر سائغ في العقول جار فيها ، غير ممتنع ولا مستنكر . في بعض الاحاديث : " الحجر يمين الله في الارض " . والمعنى أن من صافحه في الارض كان له عند الله عهد . فكان كالعهد الذي تعقده الملوك بالمصافحة ، لمن يريد موالاته ، والاختصاص به . وكما يصفق على أيدي الملوك للبيعة . وكذلك تقبيل اليد من الخدم للسادة والكبراء . فهذا كالتمثيل بذلك والتشبيه به . وقال المهلب : حديث عمر يرد على من قال : إن الحجر يمين الله في الارض ، يصافح بها عباده . ومعاذ الله ، أن تكون لله جارحة ، وإنما شرع تقبيله اختبارا ، ليعلم - بالمشاهدة - طاعة من يطيع . وذلك شبيه بقصة إبليس حيث أمر بالسجود لادم . هذا ، ولا يعلم - على وجه اليقين - أنه بقي حجر من أحجار الكعبة . من وضع إبراهيم إلا الحجر الاسود . المزاحمة على الحجر ولا بأس في المزاحمة على الحجر على أن لا يؤذي أحدا . فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يزاحم حتى يدمى أنفه . وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه : " يا أبا حفص إنك رجل قوي ، فلا تزاحم على الركن ، فإنك تؤذي الضعيف ، ولكن إن وجدت خلوة فاستلم ، وإلا فكبر وامض " . رواه الشافعي في سننه . ( 1 ) الاضطباع : فعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فاضطبعوا أرديتهم تحت آباطهم ، وقذفوها على عواتقهم اليسرى . رواه أحمد وأبو داود . ( 1 ) " الاضطباع " هو جعل وسط الرداء تحت الابط الايمن ، وطرفيه على الكتف الايسر . وهذا مذهب الجمهور . وقالوا في حكمته : إنه يعين على الرمل في الطواف . وقال مالك : لا يستحب ، لانه لم يعرف ولم ير أحدا يفعله ولا يستحب في صلاة الطواف اتفاقا . 2 - الرمل (الاسراع في المشي مع هز الكتفين وتقارب الخطا . وقد شرع إظهارا للقوة والنشاط) فعن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر الاسود إلى الحجر الاسود ثلاثا ، ومشى أربعا . رواه أحمد ، ومسلم ولو تركه في الثلاث الاول لم يقضه في الاربعة الاخيرة . والاضطباع والرمل خاص بالرجال في طواف العمرة ، وفي كل طواف يعقبه سعي في الحج . وعند الشافعية : إذا اضطبع ورمل في طواف القدوم ثم سعى بعده ، لم يعد الاضطباع والرمل في طواف الافاضة . وإن لم يسع بعده ، وأخر السعي إلى ما بعد طواف الزيارة اضطبع ورمل في طواف الزيارة . أما النساء ، فلا اضطباع عليهن - لوجوب ستزهن - ولا رمل ، لقول ابن عمر رضي الله عنهما : ليس على النساء سعي () أي رمل) بالبيت ، ولا بين الصفا والمروة . رواه البيهقي . حكمة الرمل : والحكمة فيه ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقد وهنتهم (: أي أضعفتهم) حمى يثرب (" أي المدينة المنورة) فقال المشركون : إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمى ، ولقوا منها شرا ، فأطلع الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوه ، فأمرهم أن يرملوا الاشواط الثلاثة ، وأن يمشوا بين الركنين ، فلما رأوهم رملوا ، قالوا : هؤلاء الذين ذكرتم أن الحمى قد وهنتهم ؟ هؤلاء أجلد منا (أي أقوى وأشد) . قال ابن عباس رضي الله عنهما : ولم يأمرهم أن يرملوا الاشواط كلها إلا إبقاء (: هذا تعليل الرمل في جميع الاشواط حتى لا يجهدوا أو يصابوا بضرر) عليهم . رواه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، واللفظ له . ولقد بدا لعمر رضي الله عنه أن يدع الرمل بعد ما انتهت الحكمة منه ، ومكن الله للمسلمين في الارض ، إلا أنه رأى إبقاءه على ما كان عليه في العهد النبوي . لتبقى هذه الصورة ماثلة للاجيال بعده . قال محب الدين الطبري : وقد يحدث شئ من أمر الدين لسبب ثم يزول السبب ولا يزول حكمه . فعن زيد بن أسلم . عن أبيه قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : فيم الرملان اليوم ، والكشف عن المناكب ؟ وقد أطأ (: أي ثبت) الله الاسلام ، ونفى الكفر وأهله ، ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . 3 - استلام الركن اليماني (: المسح باليد ) الركن اليماني : لقول ابن عمر رضي الله عنهما : لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يمس من الاركان إلا اليمانيين . وقال : ما تركت استلام هذين الركنين - اليماني ، والحجر الاسود - منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما ، في شدة ، ولا في رخاء . رواهما البخاري ، ومسلم . وإنما يستلم الطائف هذين الركنين ، لما فيهما من فضيلة ، ليست لغيرهما . ففي الركن الاسود ميزتان ، إحداهما : أنه عل قواعد إبراهيم عليه السلام . وثانيتهما : أن فيه الحجر الاسود الذي جعل مبدءا للطواف ومنتهى له . وأما الركن اليماني المقابل له ، فقد وضع أيضا على قواعد إبراهيم عليه السلام . روى أبو داود عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه أخبر بقول عائشة رضي الله عنها : " إن الحجر بعضه من البيت " . فقال ابن عمر : والله إني لاظن عائشة إن كانت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إني لاظن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك استلامهما ، إلا أنهما ليسا على قواعد البيت ، ولا طاف الناس وراء الحجر إلا لذلك . والامة متفقة على استحباب استلام الركنين اليمانيين ، وعلى أنه لا يستلم الطائف الركنين الاخرين . وروى ابن حبان في صحيحه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الحجر والركن اليماني يحط الخطايا حطا " . |
68- صلاة ركعتين بعد الطواف () وهي واجبة عند أبي حنيفة) يسن للطائف صلاة ركعتين بعد كل طواف (أي سواء كان الطواف فرضا أو نقلا) ، عند مقام إبراهيم ، أو في مكان من المسجد . فعن جابر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة ، طاف بالبيت سبعا ، وأتى المقام فقرأ : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) . فصلى خلف المقام ثم أتى الحجر فاستلمه . رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح . والسنة فيهما قراءة سورة " الكافرون " بعد " الفاتحة " في الركعة الاولى ، وسورة " الاخلاص " في الركعة الثانية . فقد ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما رواه مسلم ، وغيره . وتؤديان في جميع الاوقات ، حتى أوقات النهي . فعن جبير بن مطعم : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت ، وصلى أية ساعة شاء ، من ليل ، أو نهار " . رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وصححه . وهذا مذهب الشافعي ، وأحمد . وكما أن الصلاة بعد الطواف تسن في المسجد ، فإنها تجوز خارجه . فقد روى البخاري عن أم سلمة رضي الله عنها : أنها طافت راكبة ، فلم تصل حتى خرجت . وروى مالك عن عمر رضي الله عنه ، أنه صلاهما بذي طوى . وقال البخاري : وصلى عمر رضي الله عنه خارج الحرم . ولو صلى المكتوبة بعد الطواف أجزأته عن الركعتين ، وهو الصحيح عند الشافعية والمشهور من مذهب أحمد . وقال مالك والاحناف : لا يقوم غير الركعتين مقامهما . المرور أمام المصلي في الحرم المكي يجوز أن يصلي المصلي في المسجد الحرام ، والناس يمرون أمامه ، رجالا ونساء ، بدون كراهة ، وهذا من خصائص المسجد الحرام . فعن كثير بن كثير بن المطلب بن وداعة ، عن بعض أهله ، عن جده : أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي بني سهم ، والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة . قال سفيان بن عيينة : " ليس بينه وبين الكعبة سترة " . رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه . طواف الرجال مع النساء روى البخاري عن ابن جريج قال : أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال ، قال : كيف تمنعهن ، وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال ؟ قال : قلت : أبعد الحجاب أقبله ؟ قال : أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب . قلت : كيف يخالطن الرجال ؟ قال : لم يكن يخالطن الرجال ، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة (" حجرة " أي ناحية منفردة ) من الرجال لا تخالطهم . فقالت امرأة : انطلقي نستلم يا أم المؤمنين . قالت : انطلقي . . . عنك ، وأبت . فكن يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال ، ولكنهن كن إذا دخلن البيت ، قمن ، حتى يدخلن وأخرج الرجال . وللمرأة أن تستلم الحجر عند الخلوة ، والبعد عن الرجال . فعن عائشة رضي الله عنها : أنها قالت لامرأة : لا تزاحمي على الحجر ، إن رأيت خلوة فاستلمي ، وإن رأيت زحاما فكبري وهللي إذا حاذيت به ، ولا تؤذي أحدا . 69- ركوب الطائف يجوز للطائف الركوب ، وإن كان قادرا على المشي ، إذا وجد سبب يدعو إلى الركوب . فعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن (: عود معقود الرأس يكون مع الراكب يحرك به راحلته ) . رواه البخاري ، ومسلم . وعن جابر رضي الله عنه قال : طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت ، وبالصفا والمروة ، ليراه الناس ، وليشرف ، وليسألوه ، فإن الناس غشوه (ازدحموا عليه ) . 70- كراهة طواف المجذوم مع الطائفين روى مالك عن ابن أبي مليكة : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى امرأة مجذومة ، تطوف بالبيت ، فقال لها : يا أمة الله ، لا تؤذى الناس ، لوجلست في بيتك ! ؟ ففعلت . ومر بها رجل بعد ذلك فقال لها : إن الذي نهاك قد مات ، فاخرجي . فقالت : ما كنت لاطيعه حيا وأعصيه ميتا . 71- استحباب الشرب من ماء زمزم : وإذا فرغ الطائف من طوافه ، وصلى ركعتيه عند المقام ، استحب له أن يشرب من ماء زمزم . ثبت في الصحيحين : أن رسول صلى الله عليه وسلم ، شرب من ماء زمزم ، وأنه قال : " إنها مباركة . إنها طعام طعم وشفاء سقم (أي أنه يشبع من شربه) " . وأن جبريل عليه السلام غسل قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائها ليلة الاسراء . وروى الطبراني في الكبير ، وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير ماء على وجه الارض ماء زمزم ، فيه طعام الطعم ، وشفاء السقم " . الحديث . قال المنذري : ورواته ثقات . آداب الشرب منه : يسن أن ينوي الشارب عند شربه الشفاء ونحوه ، مما هو خير في الدين والدنيا . فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ماء زمزم لما شرب له " . وعن سويد بن سعيد قال : رأيت عبد الله بن المبارك بمكة أتى ماء زمزم واستسقى منه شربة ، ثم استقبل الكعبة ، فقال : اللهم إن ابن أبي الموالي حدثنا عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ماء زمزم لما شرب له ، وهذا أشربه لعطش يوم القيامة ، ثم شرب " . رواه أحمد بسند صحيح ، والبيهقي . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ماء زمزم لما شرب له ، إن شرته تستشفي شفاك الله ، وإن شربته لشبعك ، الله أشبعك الله ، وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله ، وهي هزمة (: أي حفرة) جبرائيل وسقيا () أي أخرجه الله لسقي إسماعيل في اول الامر) الله إسماعيل " . رواه الدار قطني ، والحكم ، وزاد : " وإن شربته مستعيذا ، أعاذك الله " . ويستحب أن يكون الشرب على ثلاثة أنفاس ، وأن يستقبل به القبلة ، ويتضلع منه (أي امتلا شبعا وريا حتى بلغ الماء أضلاعه ) ، ويحمد الله ، ويدعو بما دعا به ابن عباس . فعن أبي مليكة قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : من أين جئت ؟ . . قال : شربت من ماء زمزم . قال ابن عباس : أشربت منها كما ينبغي ؟ قال : وكيف ذاك يا ابن عباس ؟ قال : إذا شربت منها فاستقبل القبلة ، واذكر الله ، وتنفس ثلاثا ، وتضلع منها ، فإذا فرغت فاحمد الله . فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم " . رواه ابن ماجه ، والدار قطني والحاكم . وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا شربت من ماء زمزم قال : اللهم إني أسألك علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وشفاء من كل داء . 72-أصل بئر زمزم : روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن " هاجر " لما أشرفت على على المروة حين أصابها وولدها العطش سمعت صوتا ، فقالت : صه - تريد نفسها - ثم تسمعت ، فسمعت أيضا ، فقالت : قد اسمعت ، إن كان عندك غواث ، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه ، أو قال : بجناحه ، حتى ظهر الماء ، فجعلت تحوضه ، وتقول بيدها هكذا - تغترف من الماء في سقائها - وهو يفور بعد ما تغترف . قال ابن عباس رضي الله عنهما ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله أم إسماعيل ، لو تركت زمزم - أو قال : لو لم تغترف من الماء - لكانت زمزم عينا معينا " . قال : فشربت ، وأرضعت ولدها ، فقال لها الملك : لا تخافوا الضيعة ، فإن هاهنا بيت الله ، يبتني هذا الغلام وأبوه ، وإن الله لا يضيع أهله ، وكان البيت مثل الرابية ، تأتيه السيول ، فتأخذ عن يمينه وشماله . 73- استحباب الدعاء عند الملتزم : وبعد الشرب من ماء زمزم ، يستحب الدعاء عند الملتزم . فقد روى البيهقي عن ابن عباس ، أنه كان يلزم ما بين الركن والباب ، وكان يقول : ما بين الركن والباب يدعى الملتزم ، لا يلزم ما بينهما أحد يسأل الله شيئا إلا أعطاه الله إياه . وروي عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلزق وجهه وصدره بالملتزم . وقيل : إن الحطيم هوالملتزم . ويرى البخاري أن الحطيم الحجر نفسه . واحتج عليه بحديث الاسراء فقال : بينا أنا نائم في الحطيم ، وربما قال في الحجر . قال : وهو حطيم : بمعنى محطوم ، كفتيل ، بمعنى مقتول . استحباب دخول الكعبة وحجر إسماعيل : روى البخاري ، ومسلم ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة ( 1 ) ، هو وأسامة بن زيد ، وعثمان ابن طلحة ، فأغلقوا عليهم ، فلما فتحوا ، أخبرني بلال : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة ، بين العمودين اليمانيين . وقد استدل العلماء بهذا على أن دخول الكعبة ، والصلاة فيها سنة . وقالوا : وهو وإن كان سنة ، إلا أنه ليس من مناسك الحج ، لقول ابن عباس رضي الله عنهما : أيها الناس إن دخولكم البيت ليس من حجكم في شئ . رواه الحاكم بسند صحيح ومن لم يتمكن من دخول الكعبة ، يستحب له الدخول في حجر إسماعيل والصلاة فيه فإن جزءا منه من الكعبة . روى أحمد بسند جيد ، عن سعيد بن جبير ، عن عائشة قالت : يا رسول الله ، كل أهلك قد دخل البيت غيري ! فقال : " أرسلي إلى شيبة (ابن عثمان بن طلحة كان بيده مفتاح الكعبة ) فيفتح لك الباب " ، فأرسلت إليه . فقال شيبة : ما استطعنا فتحه في جاهلية ، ولا إسلام ، بليل . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " صلي في الحجر فإن قومك استقصروا (أي تركوا منه جزءا وهو الحجر) عن بناء البيت ، حين بنوه " . 74- السعي بين الصفا والمروة أصل مشروعيته : روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء إبراهيم عليه السلام ب " هاجر " وبابنها " إسماعيل " عليه السلام ، وهي ترضعه ، حتى وضعهما عند البيت ، عند دوحة فوق زمزم ، فوضعهما تحتها وليس بمكة يومئذ من أحد ، وليس بها ماء ، ووضع عندهما جرابا فيه تمر ، وسقاء فيه ماء ، ثم قفى إبراهيم منطلقا ، فتبعته أم إسماعيل ، فقالت : يا إبراهيم ، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنيس ولا شئ ؟ فقالت له ذلك مرارا ، فجعل لا يلتفت إليها ، فقالت : الله أمرك بهذا ؟ . . قال : نعم . قالت : إذن لا يضيعنا . وفي رواية : فقالت له : إلى من تتركنا ؟ قال : إلى الله . فقالت : قد رضيت . ثم رجعت . فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ، رفع يديه وقال : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ، ربنا ليقيموا لصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ، وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) . وقعدت أم إسماعيل تحت الدوحة ، ووضعت ابنها إلى جنبها وعلقت شنها تشرب منه ، وترضع ابنها ، حتى فني ما في شنها ، فانقطع درها ، واشتد جوع ابنها حتى نظرت إليه يتشحط ، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه ، فقامت على الصفا - وهو أقرب جبل يليها - ثم استقبلت الوادي تنظر ، هل ترى أحدا ؟ . . فلم تر أحدا ، فهبطت من الصفا . حتى إذا بلغت الوادي ، رفعت طرف درعها ، ثم سعت سعي إنسان مجهود ، حتى جاوزت الوادي ، ثم أتت المروة ، فقامت عليها ونظرت ، هل ترى أحدا ؟ فلم تر أحدا ، ففعلت ذلك سبع مرات . قال ابن عباس رضي الله عنهما : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فلذلك سعى الناس بينهما " . |
75- حكمه : اختلف العلماء في حكم السعي بين الصفا والمروة ، إلى آراء ثلاثة : ( أ ) فذهب ابن عمر ، وجابر ، وعائشة من الصحابة رضي الله عنهم ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد - في إحدى الروايتين عنه - إلى أن السعي ركن من أركان الحج . بحيث لو ترك الحاج السعي بين الصفا والمروة ، بطل حجه ولا يجبر بدم ، ولا غيره . واستدلوا لمذهبهم بهذه الادلة : 1 - روى البخاري عن الزهري قال عروة : سألت عائشة رضي الله عنها فقلت لها : أرأيت قول الله تعالى : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة . قالت : بئسما قلت يا ابن أخي : إن هذه لو كانت كما أولتها عليه ، كانت لا جناح عليه أن لا يطوف بهما . ولكنها أنزلت في الانصار : كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل ، فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة . فلما أسلموا ، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك . قالوا : يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بى الصفا والمروة ، فأنزل الله تعالى : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) الآية . قالت عائشة رضي الله عنها : وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما ، فليس لاحد أن يترك الطواف بينهما . 2 - وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون - يعني بين الصفا والمروة - فكانت سنة ، ولعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة . 3 - وعن حبيبة بنت أبي تجراه - إحد نساء بني عبدالدار - قالت : دخلت مع نسوة من قريش دارآل أبي حسين ننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يسعى بين الصفا والمروة وإن مئزره ليدور في وسطه من شدة سعيه ، حتى إني لاقول : إني لارى ركبتيه ، وسمعته يقول : " اسعوا ، فإن الله كتب عليكم السعي " ( حسنة الالبانى ) 4 - ولانه نسك في الحج والعمرة ، فكان ركنا فيهما ، كالطواف بالبيت . ( ب ) وذهب ابن عباس ، وأنس ، وابن الزبير ، وابن سيرين ، ورواية عن أحمد : أنه سنة ، لا يجب بتركه شئ . 1 - استدلوا بقوله تعالى : ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) . ونفى الحرج عن فاعله : دليل على عدم وجوبه ، فإن هذا رتبة المباح . وإنما تثبت سنيته بقوله : " من شعائر الله " . وروى في مصحف أبي ، وابن مسعود : " فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " . وهذا ، وإن لم يكن قرآنا ، فلا ينحط عن رتبة الخبر ، فيكون تفسيرا . 2 - ولانه نسك ذو عدد ، لا يتعلق بالبيت ، فلم يكن ركنا ، كالرمي . ( ج ) وذهب أبو حنيفة ، والثوري ، والحسن : إلى أنه واجب ، وليس بركن ، لا يبطل الحج أو العمرة بتركه ، وأنه إذا تركه وجب عليه دم . ورجح صاحب المغني هذا الرأي فقال : 1 - وهو أولى ، لان دليل من أوجبه ، دل على مطلق الوجوب ، لاعلى كونه لا يتم الواجب إلا به . 2 - وقول عائشة رضي الله عنها في ذلك معارض بقول من خالفها من الصحابة . 3 - وحديث بنت أبي تجراه ، قال ابن المنذر يرويه عبد الله بن المؤمل ، وقد تكلموا في حديثه . وهو يدل على أنه مكتوب ، وهو الواجب . 4 - وأما الآية فإنها نزلت لما تحرج ناس من السعي في الاسلام ، لما كانوا يطوفون بينهما في الجاهلية ، لاجل صنمين ، كانا على الصفا والمروة . 76-شروطه : يشترط لصحة السعي أمور : 1 - أن يكون بعد طواف . 2 - وأن يكون سبعة أشواط . 3 - وأن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة (( 1 ) عند مالك موالاة السعي - بلاد تفريق كثير - شرط ) . 4 - وأن يكون السعي في المسعى ، وهو الطريق الممتد بين الصفا والمروة (مذهب الاحناف : أنهما واجبان لا شرطان ، فإذا سعى قبل الطواف ، أو بدأ بالمروة وختم بالصفا ، صح سعيه ، ووجب عليه دم . ) . لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، مع قوله : " خذوا عني مناسككم " . فلو سعى قبل الطواف ، أو بدأ بالمروة وختم بالصفا ، أو سعى في غير المسعى ، بطل سعيه . الصعود على الصفا : ولا يشترط لصحة السعي أن يرقى على الصفا والمروة . ولكن يجب عليه أن يستوعب ما بينهما ، فليصق قدمه بهما في الذهاب والاياب ، فإن ترك شيئا لم يستوعبه ، لم يجزئه حتى يأتي 77-الموالاة في السعي : ولا تشترط الموالاة في السعي ( 1 ) . فلو عرض له عارض يمنعه من مواصلة الاشواط ، أو أقيمت الصلاة ، فله أن يقطع السعي لذلك ، فإذا فرغ مما عرض له ، بني عليه وأكمله . فعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه كان يطوف بين الصفا والمروة ، فأعجله البول ، فتنحى ودعا بماء فتوضأ ، ثم قام ، فأتم على ما مضى . رواه سعيد بن منصور . كما لا تشترط الموالاة بين الطواف والسعي . قال في المغني : قال أحمد : لا بأس أن يؤخر السعي حتى يستريح ، أو إلى العشي . وكان عطاء والحسن لا يريان بأسا - لمن طاف بالبيت أول النهار - أن يؤخر الصفا والمروة إلى العشي . وفعله القاسم وسعيد بن جبير ، لان الموالاة إذا لم تجب في نفس السعي ، ففيما بينه وبين الطواف أولى . وروى سعيد بن منصور : أن سودة زوج عروة بن الزبير سعت بين الصفا والمروة ، فقضت طوافها في ثلاثة أيام ، وكانت ضخمة . 78- الطهارة للسعي : ذهب أكثر أهل العلم : إلى أنه لا تشترط الطهارة للسعي بين الصفا والمروة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة - حين حاضت - : " فاقضي ما يقضي الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي " . رواه مسلم . وقالت عائشة وأم سلمة : إذا طافت المرأة بالبيت وصلت ركعتين ، ثم حاضت ، فلتطف بالصفا والمروة . رواه سعيد بن منصور . وإن كان المستحب أن يكون المرء على طهارة في جميع مناسكه فإن الطهارة أمر مرغوب شرعا . 79- المشي والركوب فيه : يجوز السعي راكبا وماشيا ، والمشي أفضل . وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما يفيد أنه صلى الله عليه وسلم مشى ، فلما كثر عليه الناس وغشوه ركب ليروه ويسألوه . قال أبو الطفيل لابن عباس رضي الله عنهما : أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبا ، أسنة هو ؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة . قال : صدقوا وكذبوا . قال : قلت : وما قولك : صدقوا وكذبوا ؟ . . . قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس يقولون هذا محمد ، هذا محمد ، حتى خرج العواتق (1 ) " العواتق " : جمع عائق وهي البكر البالغة ، سميت بذلك لانها عتقت من الابتذال والتصرف الذي تفعله الطفلة ) من البيوت قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه ، فلما كثر عليه الناس ركب . والمشي والسعي (السعي يكون في بطن الوادي بين الميلين . والمشي فيما سواه . ) أفضل . رواه مسلم ، وغيره . والركوب ، وإن كان جائزا ، إلا أنه مكروه . قال الترمذي : وقدكره قوم من أهل العلم أن يطوف الرجل بالبيت وبين الصفا والمروة راكبا إلا من عذر ، وهو قول الشافعي . وعند المالكية : أن من سعى راكبا من غير عذر أعاد ، إن لم يفت الوقت ، وإن فات فعليه دم ، لان المشي عند القدرة عليه واجب . وكذا يقول أبو حنيفة . وعللوا ركوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بكثرة الناس وازدحامهم عليه ، وغشيانهم له . وهذا عذر يقتضي الركوب . 80- استحباب السعي بين الميلين : يندب المشي بين الصفا والمروة ، فيما عدا ما بين الميلين ، فإنه يندب الرمل بينهما ، وقد تقدم حديث بنت أبي تجراه وفيه : ان النبي صلى الله عليه وسلم سعى ، حتى إن مئزره ليدور من شدة السعي . وفي حديث ابن عباس المتقدم : والمشي والسعي أفضل . أي السعي في بطن الوادي بين الميلين ، والمشي فيما سواه . فإن مشى دون أن يسعى جاز . فعن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : رأيت ابن عمر رضي الله عنهما يمشي بين الصفا والمروة . ثم قال : إن مشيت ، فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي . وإن سعيت ، فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى ، فأنا شيخ كبير . رواه أبو داود الترمذي . وهذا الندب في حق الرجل . أما المرأة فإنه لا يندب لها السعي ، بل تمشي مشيا عاديا . روى الشافعي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت - وقد رأت نساء يسعين - : أما لكن فينا أسوة ؟ . . . ليس عليكن سعي () أي إنهن يمشين ولا يسعين ، إذ لا خلاف في وجوب السعي عليهن ) |
81-استحباب الرقي على الصفا والمروة والدعاء عليهما مع استقبال البيت يستحب الرقي على الصفا والمروة ، والدعاء عليهما بما شاء من أمر الدين والدنيا ، مع استقبال البيت . فالمعروف من فعل النبي صلى الله عليه وسلم : أنه خرج من باب الصفا . فلما دنا من الصفا قرأ : " ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) . أبدأ بما بدأ الله به " فبدأ بالصفا فرقي عليه ، حتى رأى البيت . فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره ثلاثا ، وحمده و قال : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير ، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الاحزاب وحده " ثم دعا بين ذلك ، وقال مثل هذا ، ثلاث مرات . ثم نزل ما شيا إلى المروة ، حتى أتاها ، فرقي عليها ، حتى نظر إلى البيت ، ففعل على المروة ، كما فعل على الصفا . وعن نافع قال : سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما - وهو على الصفا يدعو - يقول : اللهم إنك قلت : ( ادعوني أستحب لكم ) وإنك لاتخلف الميعاد ، وإني أسألك - كما هديتني للاسلام - أن لا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم . الدعاء بين الصفا والمروة : يستحب الدعاء بين الصفا والمروة ، وذكر الله تعالى ، وقراءة القرآن . وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في سعيه " رب اغفر وارحم واهدني السبيل الاقوم " . وروي عنه : رب اغفر وارحم ، إنك أنت الاعز الاكرم " . وبالطواف والسعي تنتهي أعمال العمرة . ويحل المحرم من إحرامه بالحلق أو التقصير إن كان متمتعا ، ويبقى على إحرامه إن كان قارنا . ولا يحل إلا يوم النحر ، ويكفيه هذا السعي عن السعي بعد طواف الفرض ، إن كان قارنا . ويسعى مرة أخرى ، بعد طواف الافاضة إن كان متمتعا . ويبقى بمكة حتى يوم التروية . 82- التوجه الى منى من السنة التوجه إلى منى يوم التروية (هو اليوم الثامن من ذي الحجة . وسمي بذلك ، لانه مشتق من الرواية ، لان الامام يروي للناس مناسكهم . وقيل من الارتواء لانهم يرتوون الماء في ذلك اليوم ، ويجمعونه بمنى .) . فإن كان الحاج قارنا ، أو مفردا ، توجه إليها بإحرامه . وإن كان متمتعا ، أحرم بالحج ، وفعل كما فعل عند الميقات . والسنة : أن يحرم من الموضع الذي هو نازل فيه . فإن كان في مكة : أحرم منها ، وإن كان خارجها : أحرم حيث هو . ففي الحديث : " من كان منزله دون مكة فمهله من أهله ، حتى أهل مكة يهلون من مكة " . ويستحب الاكثار من الدعاء والتلبية عند التوجه إلى منى وصلاة الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، والمبيت بها . وأن لا يخرج الحاج منها حتى تطلع شمس يوم التاسع ، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم . فإن ترك ذلك أو شيئا منه فقد ترك السنة ، ولاشئ عليه ، فإن عائشة لم تخرج من مكة يوم التروية ، حتى دخل الليل ، وذهب ثلثه . روى ذلك ابن المنذر . جواز الخروج قبل يوم التروية : روى سعيد بن منصور عن الحسن : أنه كان يخرج إلى منى من مكة قبل التروية بيوم أو يومين . وكرهه مالك ، وكره الاقامة بمكة يوم التروية حتى يمسي ، إلا إن أدركه وقت الجمعة بمكة ، فعليه أن يصليها قبل أن يخرج . 83- التوجه الى عرفات يسن التوجه إلى عرفات بعد طلوع شمس يوم التاسع ، عن طريق ضب ، مع التكبير والتهليل والتلبية . قال محمد بن أبي بكر الثقفي : سألت أنس بن مالك - ونحن غاديان من منى إلى عرفات - عن التلبية ، كيف كنتم تصنعون مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : " كان يلبي الملبي فلا ينكر عليه ، وينكر المكبر ، فلا ينكر عليه ويهلل المهلل ، فلا ينكر عليه . رواه البخاري وغيره . ويستحب النزول بنمرة والاغتسال عندها للوقوف بعرفة ، ويستحب أن لا يدخل عرفة إلا وقت الوقوف بعد الزوال . 84- الوقوف بعرفة فضل يوم عرفة : عن جابررضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مامن أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة " . فقال رجل : هن أفضل ، أم من عدتهن جهادا في سبيل الله ؟ قال : " هن أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله . وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا ، فيباهي بأهل الارض أهل السماء فيقول : انظروا إلى عبادي ، جاءوني شعثا غبرا ضاحين . جاءوا من كل فج عميق ، يرجون رحمتي ولم يروا عذابي ، فلم ير يوم أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة " . عن أنس ابن مالك رضي الله عنه ، قال : وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات ، وقد كادت الشمس أن تثوب . فقال : " يا بلال : أنصت لي الناس " ، فقام بلال فقال : أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنصت الناس . فقال : " معشر الناس : أتاني جبريل عليه السلام آنفا ، فأقرأني من ربي السلام ، وقال : إن الله عزوجل غفر لاهل عرفات ، وأهل المشعر الحرام ، وضمن عنهم المتبعات " . فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا رسول الله هذا لنا خاصة ؟ قال : " هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة " . فقال عمر رضي الله عنه : كثر خير الله وطاب . روى مسلم وغيره ، عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو عزوجل ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ " وعن أبي الدرداء رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ، ولا أدحر (" الدحر : الدفع بعنف على سبيل الاذلال والاهانة ) ولا أغيظ منه في يوم عرفة " . وما ذك إلالما رأى من تنزل الرحمة ، وتجاوز الله عن الذنوب العظام ، إلا ما أري من يوم بدر . قيل : وما رأى يوم بدر يا رسول الله ؟ قال : " أما إنه رأى جبريل يزع (أي يقود ) الملائكة " . رواه مالك مرسلا ، . حكم الوقوف : أجمع العلماء : على أن الوقوف بعرفة هو ركن الحج الاعظم ، لما رواه أحمد ، وأصحاب السنن ، عبد الرحمن بن يعمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مناديا ينادي : " الحج عرفة (: أي الحج الصحيح حج من أدرك الوقوف يوم عرفة) ، من جاء ليلة جمع (ليلة جمع " : ليلة المبيت بمزدلفة ، وهي ليلة النحر . وظاهره أنه يكفي الوقوف في أي جزء من عرفة ولو لحظة ) قبل طلوع الفجر فقد أدرك " . 85-وقت الوقوف : يرى جمهور العلماءأن وقت الوقوف يبتدئ من زوال اليوم التاسع (مذهب الحنابلة : أن الوقوف يبتدئ من فجر يوم التاسع إلى فجر يوم النحر ) إلى طلوع فجر يوم العاشر ، وأنه يكفي الوقوف في أي جزء من هذا الوقت ليلا أو نهارا . إلا أنه إن وقف بالنهار وجب عليه مد الوقوف إلى ما بعد الغروب . أما إذا وقف بالليل فلا يجب عليه شئ . ومذهب الشافعي : أن مد الوقوف إلى الليل سنة . 86- المقصود بالوقوف : المقصود بالوقوف : الحضور والوجود ، في أي جزء من عرفة ولو كان نائما ، أو يقظان ، أو راكبا ، أو قاعدا ، أو مضطجعا أو ماشيا . وسواء أكان طاهرا أم غير طاهر كالحائض والنفساء والجنب . واختلفوا في وقوف المغمى عليه ولم يفق حتى خرج من عرفات . فقال أبو حنيفة ومالك : يصح . وقال الشافعي وأحمد ، والحسن ، وأبو ثور ، وإسحاق ، وابن المنذر : لا يصح ، لانه ركن من أركان الحج . فلم يصح من المغمى عليه ، كغيره من الاركان . قال الترمذي عقب تخريجه لحديث ابن يعمر المتقدم ، قال سفيان الثوري : والعمل على حديث عبد الرحمن بن يعمر عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم : أن من لم يقف بعرفات قبل الفجر ، فقد فاته الحج ، ولايجزئ عنه إن جاء بعد طلوع الفجر ، ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل ، وهو قول الشافعي وأحمد وغيرهما . استحباب الوقوف عند الصخرات : يجزئ الوقوف في أي مكان من عرفة ، لان عرفة كلها موقف إلا بطن عرفة (بطن عرفة " واد يقع في الجهة الغربية من عرفة ) ، فإن الوقوف به لايجزئ بالاجماع . ويستحب أن يكون الوقوف عند الصخرات ، أو قريبا منها حسب الامكان . فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في هذا المكان وقال : " وقفت هاهنا ، وعرفة كلها موقف " رواه أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، من حديث جابر . والصعود إلى جبل الرحمة واعتقاد أن الوقوف به أفضل خطأ ، وليس بسنة . استحباب الغسل : يندب الاغتسال للوقوف بعرفة . وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يغتسل لوقوفه عشية عرفة . رواه مالك . واغتسل عمر رضي الله عنه بعرفات وهو مهل . 87- آداب الوقوف والدعاء : ينبغي المحافظة على الطهارة الكاملة ، واستقبال القبلة والاكثار من الاستغفار والذكر والدعاء لنفسه ، ولغيره ، بما شاء من أمر الدين والدنيا مع الخشية ، وحضور القلب ، ورفع اليدين . ( 1 ) " قال أسامة بن زيد : كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات ، فرفع يديه يدعو . رواه النسائي . وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده قال : كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، بيده الخير وهو على كل شئ قدير " . رواه أحمد والترمذي ، ولفظه : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير الدعاء ، دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي . لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شئ قدير " . عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه ال وسلم : " إن أكثر دعاء من كان قبلي من الانبياء ، ودعائي يوم عرفة ، أن أقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شئ قدير ، اللهم اجعل في بصري نورا ، وفي سمعي نورا ، وفي قلبي نورا . اللهم اشرح لي صدري ، ويسر لي أمري ، اللهم أعوذ بك من وسواس الصدر ، وشتات الامر ، وشر فتنة القبر . وشر ما يلج في الليل وشر ما يلج في النهار ، وشر ما تهب به الرياح ، وشر بوائق (أي مهلكاته) الدهر " . وروى الترمذي عنه قال : أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في الموقف : " اللهم لك الحمد كالذي نقول ، وخيرا مما نقول ، اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي ، وإليك مآبي ، ولك رب تراثي ، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، ووسوسة الصدر ، وشتات الامر ، اللهم إني أعوذ بك من شر ما تهب به الريح " . الوقوف سنة ابراهيم عليه السلام : وعن مربع الانصاري قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كونوا على مشاعركم (" جمع مشعر ، مواضع النسك : سميت بذلك لانها معالم العبادات ) فإنكم على إرث من إرث إبراهيم (أي أن موقفهم موقف إبراهيم ورثوه منه ، ولم يخطئوا في الوقوف فيه عن سنته / ) " رواه الترمذي وقال : حديث ابن مربع ، حديث حسن . 89-صيام عرفة ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر يوم عرفة وأنه قال : " إن يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق عيدنا - أهل السلام - وهي أيام أكل وشرب " . ثبت عنه أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفات . وقد استدل أكثر أهل العلم بهذا الاحاديث : على استحباب الافطار يوم عرفة للحاج ، ليتقوى على الدعاء والذكر . وما جاء من الترغيب في صوم يوم عرفة ، فهو محمول على من لم يكن حاجا بعرفة . الجمع بين الظهر والعصر : في الحديث الصحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، جمع بين الظهر والعصر بعرفة . أذن ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر . وعن الاسود ، وعلقمة ، أنهما قالا : 90- من تمام الحج أن يصلي الظهر والعصر مع الامام بعرفة . وقال ابن المنذر : " أجمع أهل العلم : على أن الامام يجمع بين الظهر العصر بعرفة ، وكذلك من صلى مع الامام " فإن لم يجمع مع الامام يجمع ومنفردا . وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه كان يقيم بمكة ، فإذا خرج إلى منى ، قصر الصلاة . وعن عمرو بن دينار قال : قال لي جابر بن زيد : أقصر الصلاة بعرفة . روى ذلك سعيد بن منصور . 91- الافاضة من عرفة يسن الافاضة (الدفع ، يقال : أفاض من المكان ، إذا أسرع منه إلى المكان الاخر ، وأصله ، الدفع ، سمي به لانهم إذا انصرفوا ازدحموا . ودفع بعضهم بعضا .) من عرفة بعد غروب الشمس ، بالسكينة ، وقد أفاض صلى الله عليه وسلم بالسكينة ، وضم إليه زمام ناقته ، حتى إن رأسها ليصيب طرف رحله ، وهو يقول : " أيها الناس عليكم بالسكينة ، فإن البر ليس بالابضاع " - أي الاسراع - رواه البخاري ومسلم . وكان - صلوات الله وسلامه عليه - يسير العنق فإذا وجد فجوة نص . رواه الشيخان . أي أنه كان يسير سيرا رفيقا من أجل الرفق بالناس فإذا وجد فجوة : أي مكانا متسعا ، ليس به زحام - سار سيرا ، فيه سرعة . ويستحب التلبية والذكر . فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي ، حتى رمى جمرة العقبة . وعن أشعث بن سليم ، عن أبيه قال : أقبلت مع ابن عمر رضي الله عنهما من عرفات إلى مزدلفة ، فلم يكن يفتر من التكبير والتهليل حتى أتينا المزدلفة . رواه أبو داود . |
92-الجمع بين المغرب والعشاء في المزدلفة : فإذا أتى المزدلفة ، صلى المغرب والعشاء ركعتين بأذان وإقامتين ، ومن غير تطوع بينهما . ففي حديث مسلم : أنه صلى الله عليه وسلم أتى المزدلفة ، فجمع بين المغرب والعشاء ، بأذان واحد ، وإقامتين ، ولم يسبح ( 1 ) بينهما شيئا . وهذا الجمع سنة بإجماع العلماء . واختلفوا فيما لو صلى كل صلاة في وقتها . فجوزه أكثر العلماء ، وحملوا فعله صلى الله عليه وسلم على الاولوية . وقال الثوري وأصحاب الرأي : إن صلى المغرب دون مزدلفة ، فعليه الاعادة . وجوزوا في الظهر والعصر أن يصلي كل واحدة في وقتها مع الكراهية . المبيت بالمزدلفة والوقوف بها : في حديث جابر رضي الله عنه : أنه صلى الله عليه وسلم لما أتى المزدلفة ، صلى المغرب والعشاء ، ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر ، ثم ركب القصواء ، حتى أتى المشعر الحرام ، ولم يزل واقفا ، حتى أسفر جدا ، ثم دفع قبل طلوع الشمس . ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أحيا هذه الليلة . وهذه هي السنة الثابتة في المبيت بالمزدلفة ، والوقوف بها . وقد أوجب أحمد المبيت بالمزدلفة على غير الرعاة والسقاة . أما هم فلا يجب عليهم المبيت بها . أما سائر أئمة المذاهب ، فقد أوجبوا الوقوف بها دون البيات . والمقصود بالوقوف الوجود على أية صورة . سواء أكان واقفا أم قاعدا ، أم سائرا أم نائما . وقالت الاحناف : الواجب هو الحضور المزدلفة قبل فجر يوم النحر . فلو ترك الحضور لزمه دم . إلا إذا كان له عذر ، فإن لا يجب عليه الحضور ولا شئ عليه حينئذ . وقالت المالكية : الواجب هو النزول بالمزدلفة ليلا ، قبل الفجر ، بمقدار ما يحط رحله وهو سائر من عرفة إلى منى ، ما لم يكن له عذر . فإن كان له عذر ، فلا يجب عليه النزول . وقالت الشافعية : الواجب هو الوجود بالمزدلفة ، في النصف الثاني من ليلة يوم النحر ، بعد الوقوف بعرفة . ولا يشترط المكث بها ، ولا العلم بأنها المزدلفة ، بل يكفي المرور بها . سواء أعلم أن هذا المكان هو المزدلفة ، أم لم يعلم . والسنة أن يصلي الفجر في أول الوقت ثم يقف بالمشعر الحرام إلى أن يطلع الفجر ، ويسفر جدا قبل طلوع الشمس . ويكثر من الذكر والدعاء . قال تعالى : " فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ، واذكروه كما هداكم ، وإن كنتم من قبله لمن الضالين . ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ، واستغفروا الله إن الله غفور رحيم " فإذا كان قبل طلوع الشمس أفاض من مزدلفة إلى منى فإذا أتى محسرا أسرع قدر رمية بحجر . 93- مكان الوقوف : المزدلفة كلها مكان للوقوف إلا وادي محسر (وادي محسر " وهو بين المزدلفة ومنى ) . فعن جبير بن مطعم : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل مزدلفة موقف ، وارفعوا عن محسر " رواه أحمد ، ورجاله موثقون . والوقوف عند قزح أفضل . 1 ) " قزح " : موضع من المزدلفة ، وهو موقف قريش في الجاهلية إذ كانت لا تقف بعرفة . وقال الجوهري : اسم جبل بالمزدلفة ، ويقال إنه المشعر الحرام عند كثير من الفقهاء ففي حديث علي رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أصبح بجمع أتى قزح فوقف عليه ، وقال : " هذا قزح وهو الموقف ، وجمع كلها موقف " . رواه أبو داود ، والترمذي وقال : حسن صحيح . 94-أعمال يوم النحر أعمال يوم النحر تؤدى مرتبة هكذا : يبدأ بالرمي ، ثم الذبح ، ثم الحلق ، ثم الطواف بالبيت . وهذا الترتيب سنة . فلو قدم منها نسكا على نسك فلا شئ عليه ، عند أكثر أهل العلم . وهذا مذهب الشافعي ، لحديث عبد الله بن عمرو أنه قال : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع للناس بمنى ، والناس يسألونه ، فجاءه رجل ، فقال : يا رسول الله . إني لم أشعر (: أي لم انتبه ولم أدر .) فحلقت قبل أن أنحر . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اذبح ولا حرج " . ثم جاء آخر ، فقال يا رسول الله إني لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ارم ولا حرج " . قال فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ قدم ولا أخر إلا قال : " افعل ولا حرج " . وذهب أبو حنيفة : إلى أنه إن لم يراع الترتيب ، فقدم نسكا على نسك فعليه دم . وتأول قوله " ولا حرج " على رفع الاثم دون الفدية .95- التحلل الاول والثاني وبرمي الجمرة يوم النحر وحلق الشعر أو تقصيره ، يحل للمحرم كل ما كان محرما عليه بالاحرام . فله أن يمس الطيب ويلبس الثياب وغير ذلك ما عدا النساء . وهذا هو التحلل الاول . فإذا طاف طواف الافاضة - وهو طواف الركن - حل له كل شئ ، حتى النساء . وهذا هو التحلل الثاني ، والاخير . 96- رمي الجمار (( 1 ) " الجمار " : هي الحجارة الصغيرة . والجمار التي ترمى ثلاث ، كلها بمنى ، وهي : 1 - " جمرة العقبة " على يسار الداخل إلى منى . 2 - الوسطى بعدها وبينهما : 77 و 116 مترا . 3 - والصغرى وهي التي تلي مسجد الحيف وبين الصغر والوسطى 4 و 156 مترا أصل مشروعيته : ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما أتى إبراهيم عليه السلام المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الارض . ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الارض . ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الارض . " قال ابن عباس رضي الله عنهما : الشيطان ترجمون ، وملة أبيكم تتبعون . . حكمته : قال أبو حامد الغزالي رحمه الله في الاحياء : وأما رمي الجمار فليقصد الرامي به الانقياد للامر ، وإظهارا للرق والعبودية ، وانتهاضا لمجرد الامتثال ، من غير حظ للنفس والعقل في ذلك . ثم ليقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام ، حيث عرض له إبليس - لعنه الله تعالى - في ذلك الموضع ليدخل على حجه شبهة ، أو يفتنه بمعصية . فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طردا له ، وقطعا لامله . فإن خطر لك : أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه ، وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان . فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان ، وأنه هو الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي . ويخيل إليك أنه لا فائدة فيه ، وأنه يضاهي اللعب فلم تشتغل به ؟ فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير والرمي ، فبذلك ترغم أنف الشيطان . واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى في العقبة ، وفي الحقيقة ترمى به وجه الشيطان وتقصم به ظهره . إذا لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيما له بمجرد الامر من غير حظ للنفس فيه . حكمه : ذهب جمهور العلماء : إلى أن رمي الجمار واجب ، وليس بركن ، وأن تركه يجبر بدم . لما رواه أحمد ومسلم ، والنسائي ، عن جابر رضي الله عنه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ، ويقول : " لتأخذوا عني مناسككم ، فإني لاأدرى لعلي لا أحج بعد حجتي هذه " . وعن عبد الرحمن التيمي قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرمي الجمار بمثل حصى الحذف (الرمي . والمراد هنا الرمي بالحصى الصغار مثل حب الباقلاء ، وهو الفول . قال الاثرم : يكون أكبر من الحمص ، ودون البندق .) في حجة الوداع . رواه الطبراني في الكبير بسند ، ورجاله رجال الصحيح . 97- قدر كم تكون الحصاة ، وما جنسها ؟ في الحديث المتقدم : أن الحصى الذي يرمى به مثل حصى الحذف . ولهذا ذهب أهل العلم إلى استحباب ذلك . فإن تجاوزه ورمى بحجر كبير فقد قال الجمهور : يجزئه ويكره . وقال أحمد : لا يجزئه حتى يأتي بالحصى ، على ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك . فعن سليمان بن عمرو بن الاحوص الازدي ، عن أمه قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم - وهو في بطن الوادي - وهو يقول : " يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضا ، إذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الحذف " رواه أبو داود . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هات ، القط لي " فلقطت له حصيات هي حصى الحذف ، فلما وضعتهن في يده قال : " بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك الذين من قبلكم الغلو في الدين " . رواه أحمد ، والنسائي ، وسنده حسن . وحمل الجمهور هذه الاحاديث على الاولوية والندب . واتفقوا : على أنه لا يجوز الرمي إلا بالحجر ، وأنه لا يجوز بالحديد ، أو الرصاص ، ونحوهما . وخالف في ذلك الاحناف ، فجوزوا الرمي بكل ما كان من جنس الارض حجرا ، أو طينا ، أو آجرا ، أو ترابا ، أو خزفا . لان الاحاديث الواردة في الرمي مطلقة . وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته محمول على الافضلية ، لا على التخصيص . ورجح الاول بأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الحصى ، وأمر بالرمي بمثل حصى الحذف ، فلا يتناول غير الحصى ، ويتناول جميع أنواعه . |
98-من أين يؤخذ الحصى : كان ابن عمر رضي الله عنهما يأخذ الحصى من المزدلفة ، وفعله سعيد ابن جبير وقال : كانوا يتزودون الحصى منها واستحبه الشافعي . وقال أحمد : خذ الحصى من حيث شئت . وهو قول عطاء وابن المنذر . لحديث ابن عباس المتقدم وفيه : " القط لي " ولم يعين مكان الالتقاط . ويجوز الرمي بحصى أخذ من المرمى مع الكراهة ، عند الحنفية ، والشافعي وأحمد . وذهب ابن حزم إلى الجواز بدون كراهة . . فقال : ورمي الجمار بحصى قد رمي به قبل ذلك جائز ، وكذلك رميها راكبا . أما رميها بحصى قد رمي به ، فلانه لم ينه عن ذلك قرآن ولا سنة . ثم قال : فإن قيل : قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن حصى الجمار ، ما تقبل منه رفع ، وما لم يتقبل منه ترك ولو لا ذلك لكان (" جمع هضبة : الجبل المنبسط على وجه الارض ) هضابا تسد الطريق ؟ قلنا : نعم ، فكان ماذا ؟ وإن لم يتقبل رمي هذه الحصاة من عمرو فسيتقبل من زيد وقد يتصدق المرء بصدقة فلا يتقبلها الله منه ، ثم يملك تلك العين آخر فيتصدق بها فتقبل منه . وأما رميها راكبا فلحديث قدامة بن عبد الله قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة يوم النحر على ناقة له صهباء ، لا ضرب ، ولا طرد ، ولا إليك ، إليك (: أي ابتعد وتنح ) . عدد الحصى : عدد الحصى الذي يرمى به ، سبعون حصاة ، أو تسع وأربعون . سبع يرمى بها يوم النحر عند جمرة العقبة . وإحدى وعشرون في اليوم الحادي عشر ، موزعة على الجمرات الثلاث ، ترمى كل جمرة منها بسبع . وإحدى وعشرون يرمي بها كذلك في اليوم الثاني عشر . " " " " " " " الثالث عشر . فيكون عدد الحصى سبعين حصاة . فإن اقتصر على الرمي في الايام الثلاثة ، ولم يرم في اليوم الثالث عشر جاز . ويكون الحصى الذي يرميه الحاج تسعا وأربعين . ومذهب أحمد : إن رمى الحاج بخمس حصيات أجزأه . وقال عطاء : إن رمى بخمس أجزأه . وقال مجاهد إن رمى بست ، فلا شئ عليه . وعن سعيد بن مالك قال : رجعنا في الحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعضنا يقول رميت ست حصيات ، وبعضنا يقول رميت سبع حصيات ، فلم يعب بعضنا على بعض . 99- أيام الرمي : أيام الرمي ثلاثة أو أربعة : يوم النحر ، ويومان ، أو ثلاثة من أيام التشريق . قال الله تعالى : " واذكروا الله في أيام معدودات ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى (أي لا إثم على من تعجل ، فنفر في اليوم الثاني عشر ، ولا على من أخر النفر ، إلى اليوم الثالث عشر ) " . 100- الرمي يوم النحر : الوقت المختار للرمي ، يوم النحر ، وقت الضحى بعد طلوع الشمس ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رماها ضحى ذلك اليوم . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم ضعفة أهله ، وقال " لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس " . رواه الترمذي ، وصححه . فإن أخره إلى آخر النهار ، جاز . قال ابن عبد البر : أجمع أهل العلم أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها ، وإن لم يكن ذلك مستحبا لها . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النحر بمنى فقال رجل : رميت بعد ما أمسيت ، فقال : " لا حرج " . رواه البخاري . هل يجوز تأخير الرمي إلى الليل : إذا كان فيه عذر بمنع الرمي نهارا ، جاز تأخير الرمي إلى الليل . لما رواه مالك عن نافع : أن ابنة لصفية امرأة ابن عمر نفست بالمزدلفة ، فتخلفت هي صفية ، حتى أتتا منى بعد أن غربت الشمس من يوم النحر ، فأمرهما ابن عمر أن تريما الجمرة حين قدمتا ، ولم ير عليهما شيئا . أما إذا لم يكن فيه عذر فإنه يكره التأخير ، ويرمي بالليل ، ولا دم عليه عند الاحناف والشافعية ، ورواية عن مالك ، لحديث ابن عباس المتقدم . وعند أحمد : إن أخر الرمي حتى انتهى يوما النحر فلا يرمي ليلا ، وإنما يرميها في الغد بعد زوال الشمس . الترخيص للضعفة وذوي الاعذار بالرمي بعد منتصف ليلة النحر لا يجوز لاحد أن يرمي قبل نصف الليل الاخير بالاجماع ويرخص للنساء ، والصبيان ، والضعفة ، وذوي الاعذار ، ورعاة الابل : أن يرموا جمرة العقبة ، من نصف ليلة النحر فعن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أم سلمة ليلة النحر ، فرمت قبل الفجر ثم أفاضت . رواه أبو داود ، والبيهقي ، وقال : إسناده صحيح لا غبار عليه . وعن عروة قال : دار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة يوم النحر ، فأمرها أن تعجل الافاضة من جمع ، حتى تأتي مكة ، فتصلي بها الصبح ، وكان يوما ، فأحب أن ترافقه . رواه الشافعي ، والبيهقي . عن عطاء قال : أخبرني مخبر عن أسماء : أنها رمت الجمرة ، قلت : إنا رمينا الجمرة بليل ، قالت : إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رواه أبو داود . قال الطبري : استدل الشافعي بحديث أم سلمة ، وحديث أسماء ، على ما ذهب إليه من جواز الافاضة بعد نصف الليل . وذكر ابن حزم أن الاذن في الرمي بالليل مخصوص بالنساء دون الرجال ، ضعفاؤهم وأقوياؤهم في عدم الاذن سواء والذي دل عليه الحديث : أن من كان ذا عذر جاز أن يتقدم ليلا ويرمي ليلا . وقال ابن المنذر : السنة ألا يرمي إلى بعد طلوع الشمس ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم . ولا يجوز الرمي قبل طلوع الفجر : لان فاعله مخالف للسنة . ومن رماها حينئذ فلا إعادة عليه ، إلا لا أعلم أحدا قال : لا يجزئه . 101-رمي الجمرة من فوقها : رمي الاسود قال : رأيت عمر رضي الله عنه رمى جمرة العقبة من فوقها . وسئل عطاء عن الرمي من فوقها فقال : لا بأس . رواهما سعيد ابن منصور . الرمي في الايام الثلاثة : الوقت المختار للرمي في الايام الثلاثة يبتدئ من الزوال إلى الغروب . فعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمار عند زوال الشمس ، أو بعد زوال الشمس . رواه أحمد ، وابن ماجه ، والترمذي ، وحسنه . وروى البيهقي عن نافع : أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول : لا نرم في الايام الثلاثة ، حتى تزول الشمس . فإن أخر الرمي إلى الليل ، كره له ذلك ، ورمى في الليل إلى طلوع شمس الغد . وهذا متفق عليه بين أئمة المذاهب ، سوى أبي حنيفة ، فإنه أجاز الرمي في اليوم الثالث قبل الزوال . لحديث ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إذا انتفخ النهار من يوم النفر الاخر ، حل الرمي ، والصدر 102-( 1 الوقوف والدعاء بعد الرمي في أيام التشريق : يستحب الوقوف بعد الرمي مستقبلا القبلة ، داعيا الله ، وحامدا له مستغفرا لنفسه ولاخوانه المؤمنين . لما رواه أحمد ، والبخاري ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه : أن رسول صلى الله عليه وسلم ، كان إذا رمى الجمرة الاولى ، التي تلي المسجد ، رماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة ، ثم ينصرف ، ذات اليسار إلى بطن الوادي فيقف ويستقبل القبلة ، رافعا يديه يدعو ، وكان يطيل الوقوف ، ثم يرمي الثانية بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ثم ينصرف ذات اليسار إلى بطن الوادي ، فيقف ، ويستقبل القبلة ، رافعا يديه ثم يمضي حتى يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات ، يكبر عند كل حصاة ثم ينصرف ولا يقف . وفي الحديث أنه لا يقف بعد رمي جمرة العقبة ، وإنما يقف بعد رمي الجمرتين الاخريين . وقد وضع العلماء لذلك أصلا فقالوا : إن كل رمي ليس بعده رمي في ذلك اليوم لا يقف عنده ، وكل رمي بعده رمي في اليوم نفسه يقف عنده . وروى ابن ماجه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى جمرة العقبة ، مضى ولم يقف . 103- الترتيب في الرمي : الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه بدأ رمي الجمرة الاولى التي تلي منى ، ثم الجمرة الوسطى التي تليها ، ثم رمى جمرة العقبة . وثبت عنه أنه قال : " خذوا عني مناسككم " . فاستدل بهذا الائمة الثلاثة على اشتراط الترتيب بين الجمرات وأنها ترمى هكذا ، مرتبة ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمختار عند الاحناف : أن الترتيب سنة . 104- استحباب التكبير والدعاء مع كل حصاة ووضعها بين أصابعه عن عبد الله بن مسعود ، وابن عمر رضي الله عنهما : أنهما كانا يقولان - عند رمي جمرة العقبة - اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا . وعن إبراهيم أنه قال : كانوا يحبون للرجل - إذا رمى جمرة العقبة - أن يقول : اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا . فقيل له : تقول ذلك عند كل جمرة ؟ قال : نعم . وعن عطاء قال : إذا رميت فكبر ، وأتبع الرمي التكبيرة . روى ذلك سعيد بن منصور . وفي حديث جابر رضي الله عنه عند مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر مع كل حصاة . قال في الفتح : وأجمعوا : على أن من لم يكبر لا شئ عليه . وعن سلمان بن الاحوص عن أمه ، قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند جمرة العقبة راكبا ، ورأيت بين أصابعه حجرا فرمى ، ورمى الناس معه . رواه أبو داود . النيابة في الرمي : من كان عنده عذر يمنعه من مباشرة الرمي ، كالمرض ونحوه ، استناب من يرمي عنه . قال جابر رضي الله عنه : حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان ، فلبينا عن الصبيان ، ورمينا عنهم . رواه ابن ماجه . |
105- المبيت بمنى البيات بمنى واجب في الليالي الثلاث ، أو ليلتي الحادي عشر ، والثاني عشر ، عند الائمة الثلاثة . ويرى الاحناف أن البيات سنة . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا رميت الجمار فبت حيث شئت . رواه ابن أبي شيبة . وعن مجاهد : لا بأس بأن يكون أول الليل بمكة ، وآخره بمنى . أو أول الليل بمنى ، وآخره بمكة . وقال ابن حزم : ومن لم يبت ليالي منى بمنى فقد أساء ، ولا شئ عليه واتفقوا على أنه يسقط عن ذوي الاعذار كالسقاة ورعاة الابل فلا يلزمهم بتركه شئ . وقد استأذن العباس النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته ، فأذن له . رواه البخاري وغيره . وعن عاصم بن عدي أنه صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يتركوا المبيت بمنى . رواه أصحاب السنن ، وصححه الترمذي 106- متى يرجع من منى ؟ يرجع من " منى " إلى مكة قبل غروب الشمس ، من اليوم الثاني عشر بعد الرمي ، عند الائمة الثلاثة . وعند الاحناف : يرجع إلى مكة ما لم يطلع الفجر من اليوم الثالث عشر من ذي الحجة . لكن يكره النفر بعد الغروب ، لمخالفة السنة ولا شئ عليه . الهدي الهدي هو ما يهدى من النعم إلى الحرم تقربا إلى الله عزوجل ، قال الله تعالى " والبدن (الابل ) جعلناها لكم من شعائر (" أعمال الحج ، وكل ما جعل علما لطاعة الله) الله ، لكم فيها خير ، فاذكروا اسم الله عليها صواف ، فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع (" أي السائل) والمعتر (" المعتر " الذي يتعرض لاكل اللحم) كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون . لن ينال الله لحومها ولادماؤها ، ولكن يناله التقوى منكم " . وقال عمر رضي الله عنه : أهدوا ، فإن الله يحب الهدي . وأهدى رسول الله عليه وسلم مائة من الابل ، وكان هديه تطوعا . 107- الافضل فيه : أجمع العلماء على أن الهدي لا يكون إلا من النعم (هي الابل ، والبقر ، والغنم ، والذكر ، أو الانثى ، سواء في جواز الاهداء ) ، واتفقوا : على أن الافضل الابل ، ثم البقر ، ثم الغنم . على هذا الترتيب . لان الابل أنفع للفقراء ، لعظمها ، والبقر أنفع من الشاة كذلك . واختلفوا في الافضل للشخص الواحد : هل يهدي سبع بدنة ، أو سبع بقرة أو يهدي شاة ؟ والظاهر أن الاعتبار بما هو أنفع للفقراء . أقل ما يجزئ في الهدي : للمرء أن يهدي للحرم ما يشاء من النعم . وقد أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الابل وكان هديه هدي تطوع . وأقل ما يجزئ عن الواحد شاة ، أو سبع بدنة ، أو سبع بقرة ، فإن البقرة أو البدنة تجزئ عن سبعة . قال جابر رضي الله عنه : حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحرنا البعير عن سبعة ، والبقرة عن سبعة . رواه أحمد ، ومسلم . ولا يشترط في الشركاء أن يكونوا جميعا ممن يريدون القربة إلى الله تعالى . بل لو أراد بعضهم التقرب ، وأراد البعض اللحم جاز . خلافا للاحناف الذين يشترطون التقرب إلى الله ، من جميع الشركاء . 108- متى تجب البدنة ؟ ولا تجب البدنة إلا إذا طاف للزيارة جنبا ، أو حائضا ، أو نفساء ، أو جامع بعد الوقوف بعرفة وقبل الحلق ، أو نذر بدنة أو جزورا ، ومن لم يحد بدنة فعليه أن يشتري سبع شياه . فعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال : إن علي بدنة ، وأنا موسر بها ، ولا أجدها فأشتريها ، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن . رواه أحمد ، وابن ماجه بسند صحيح . 109- أقسامه : ينقسم الهدي إلى مستحب ، وواجب . فالهدي المستحب : للحاج المفرد ، والمعتمر المفرد . والهدي الواجب : أقسامه كالآتي : 1 و 2 - واجب على القارن . والمتمتع . 3 - واجب على من ترك واجبا من واجبات الحج ، كرمي الجمار والاحرام من الميقات والجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة ، والمبيت بالمزدلفة ، أو منى ، أو ترك طواف الوداع . 4 - واجب على من ارتكب محظورا من محظورات الاحرام ، غير الوطء ، كالتطيب والحلق . 5 - واجب بالجنابة على الحرم ، كالتعرض لصيده ، أو قطع شجره ، وكل ذلك مبين في موضعه كما تقدم . 110- شروط الهدي : يشترط في الهدي الشروط الآتية : 1 - أن يكون ثنيا ، إذا كان من غير الضأن ، أما الضأن فإنه يجزئ منه الجذع فما فوقه . وهوما له ستة أشهر ، وكان سمينا . والثني من الابل : ماله خمس سنين ، ومن البقر : ما له سنتان ، ومن المعز ما له سنة تامة ، فهذه يجزئ منها الثني فما فوقه . 2 - أن يكون سليما ، فلا تجزئ فيه العوراء ولا العرجاء ولا الجرباء ، ولاالعجفاء ( 1 ) . وعن الحسن : أنهم قالوا : إذا اشترى الرجل البدنة ، أو الاضحية ، وهي وافية ، فأصابها عور ، أو عرج ، أو عجف قبل يوم النحر فليذبحها وقد أجزأته . رواه سعيد بن منصور . 111-استحباب اختيار الهدي : روى مالك عن هشام بن عروة ، عن أبيه . أنه كان يقول لبنيه : يا بني لايهد أحدكم لله تعالى من البدن شيئا . يستحيي أن يهديه لكريمه ( 1 ) ، فإن الله أكرم الكرماء ، وأحق من اختير له . وروى سعيد بن منصور ان ابن عمر رضي الله عنهما سار فيما بين مكة على ناقة بختية ( 2 ) ، فقال لها : بخ بخ (كلمة تقال عند المدح والرضا بالشئ ، وتكرر للمبالغة ، وبخبخت الرجل : إذا قلت له ذلك . ) ، فأعجبته فنزل عنها ، وأشعرها ، وأهداها . 112- إشعار الهدي وتقليده : الاشعار : هو أن يشق أحد جنبي سنام البدنة أو البقرة ، إن كان لها سنام حتى يسيل دمها ويجعل ذلك علامة لكونها هديا فلا يتعرض لها . والتقليد : هو أن يجعل في عنق الهدي قطعة جلد ونحوها ليعرف بها أنه هدي . وقد أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم غنما ، وقلدها ، وقد بعث بها مع أبي بكر رضي الله عنه عندما حج سنة تسع . وثبت عنه : أنه صلى الله عليه وسلم ، قلد الهدي ، وأشعره وأحرم بالعمرة وقت الحديبية . وقد استحب الاشعار عامة العلماء ، ما عدا أبا حنيفة . 113- الحكمة في الاشعار والتقليد : والحكمة فيهما تعظيم شعائر الله ، وإظهارها ، وإعلام الناس بأنها قرابين تساق إلى بيته ، تذبح له ويتقرب بها إليه . ركوب الهدى : يجوز ركوب البدن ، والانتفاع بها . ( 2 ) البختية : الانثى من الجمال . لقول الله تعالى : ( لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق ) . قال الضحاك ، وعطاء : المنافع فيها الركوب عليها إذا احتاج ، وفي أوبارها وألبانها 114-. والاجل المسمى : أن تقلد فتصير هديا . ومحلها إلى البيت العتيق ، قالا : يوم النحر ينحر بمنى . وعن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة ، فقال : " اركبها " . قال : إنها بدنة . فقال : " اركبها ويلك " : في الثانية ، أو الثالثة . رواه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي . وهذا مذهب أحمد ، وإسحاق ، ومشهور مذهب مالك . وقال الشافعي : يركبها إذا اضطر إليها . وقت الذبح : اختلف العلماء في وقت ذبح الهدي . فعند الشافعي : أن وقت ذبحه يوم النحر ، وأيام التشريق لقوله صلى الله عليه وسلم : " وكل أيام التشريق ذبح " رواه أحمد . فإن فات وقته ، ذبح الهدي الواجب قضاء . وعند مالك وأحمد ، وقت ذبح الهدي - سواء أكان ذبح الهدي واجبا ، أم تطوعا - أيام النحر . وهذا رأي الاحناف بالنسبة لهدي التمتع والقران . وأمادم النذر ، والكفارات ، والتطوع فيذبح في أي وقت . وحكي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، والنخعي : وقتها من يوم النحر ، إلى آخر ذي الحجة . 115- مكان الذبح : الهدي - سواء أكان واجبا ، أم تطوعا - لا يذبح إلا في الحرم وللمهدي أن يذبح في أي موضع منه . فعن جابر رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل منى منحر ، وكل المزدلفة موقف ، وكل فجاج مكة طرق ، ومنحر " . رواه أبو داود ، وابن ماجه . والاولى بالنسبة للحاج ، أن يذبح بمنى ، وبالنسبة للمعتمر أن يذبح عند المروة ، لانها موضع تحلل كل منهما . فعن مالك أنه بلغه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - بمنى – " هذا المنحر ، وكل منى منحر " وفي العمرة : هذا المنحر - يعني المروة - وكل فجاج مكة وطرقها منحر . استحباب نحر الابل ، وذبح غيرها : يستحب أن تنحر الابل ، وهي قائمة ، معقولة اليد اليسرى وذلك للاحاديث الآتية : 1 - لما رواه مسلم ، عن زياد بن جبير : أن ابن عمر رضي الله عنهما أتى على رجل ، وهو ينحر بدنته باركة ، فقال : ابعثها قياما مقيدة ، سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم . 2 - وعن جابر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى ، قائمة على ما بقي منها . رواه أبو داود . 3 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، في قوله تعالى : ( فاذكروا اسم الله عليها صواف ) أي قياما على ثلاث . رواه الحاكم . أما البقر والغنم ، فيستحب ذبحها مضطجعة . فإن ذبح ما ينحر ، ونحر ما يذبح ، قيل : يكره ، وقيل : لا يكره . ويستحب أن يذبحها بنفسه ، إن كان يحسن الذبح ، وإلا فيندب له أن يشهده . لا يعطى الجزار الاجرة من الهدي : لا يجوز أن يعطى الجزار الاجرة من الهدي ، ولا بأس بالتصدق عليه منه . لقول علي رضي الله عنه : أمرني رسولا لله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه ، و أقسم جلودها وجلالها ، وأمرني ألا أعطي الجزار منها شيئا ، وقال : " نحن نعطيه من عندنا " رواه الجماعة . وفي الحديث ما يدل على أنه يجوز أنه ينيب عنه من يقوم بذبح هديه ، وتقسيم لحمه ، وجلده وجلاله (( 1 ) اتفق الائمة : على عدم جواز بيع جلد الهدي ولاشئ من اجزائه . ) . وأنه لا يجوز أن يعطى الجزار منه شيئا ، على معنى الاجرة ، ولكن يعطى أجرة عمله ، بدليل قوله : " نعطيه من عندنا " . وروي عن الحسن أنه قال لا بأس أن يعطى الجازر الجلد . |
116-الاكل من لحوم الهدي : أمر الله بالاكل من لحوم الهدي فقال : " فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير " . وهذا الامر يتناول - بظاهره - هدي الواجب ، وهدي التطوع . وقد اختلف فقهاء الامصار في ذلك . فذهب أبو حنيفة وأحمد : إلى جواز الاكل من هدي المتعة ، وهدي القران ، وهدي التطوع ، ولا يأكل مما سواها . وقال مالك : يأكل من الهدي الذي ساقه لفساد حجه ، ولفوات الحج . ومن هدي المتمتع ، ومن الهدي كله ، إلا فدية الاذى ، وجزاء الصيد . وما نذره للمساكين ، وهدي التطوع ، إذا عطب قبل محله . وعند الشافعي : لايجوز الاكل من الهدي الواجب مثل الدم الواجب ، في جزاء الصيد ، وإفساد الحج وهدي التمتع والقران ، وكذلك ما كان نذرا أوجبه على نفسه . أماماكان تطوعا ، فله أن يأكل منه ويهدي ، ويتصدق . 117- مقدار ما يأكله من الهدي : للمهدي أن يأكل من هديه الذي يباح له الاكل منه أي مقدار يشاء أن يأكله ، بلا تحديد ، وله كذلك أن يهدي أو يتصدق بما يراه . وقيل : يأكل النصف ، ويتصدق بالنصف . وقيل : يقسمه أثلاثا ، فيأكل الثلث ، ويهدي الثلث ، ويتصدق بالثلث . 118- الحلق أو التقصير ثبت الحلق والتقصير بالكتاب ، والسنة والاجماع . قال الله تعالى : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون ) . وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رحم الله المحلقين " . قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : " رحم الله المحلقين " قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : " رحم الله المحلقين " . قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : " والمقصرين ( 1 ) " . ( 1 ) قيل : في سبب تكرار الدعاء للمحلقين هو الحث عليه ، والتأكيد لندبته ، لانه أبلغ في العبادة ، وأدل على صدق النية في التذلل لله ، لان المقصر مبق لنفسه من الزينة ، ثم جعل للمقصرين نصيبا لئلا يخيب أحد من أمته من صالح دعوته . ورويا عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم حلق ، وحلق طائفة من أصحابه وقصر بعضهم . والمقصود بالحلق إزالة شعر الرأس بالموسى ونحوه ، أو بالنتف ، ولو اقتصر على ثلاث شعرات جاز . والمراد بالتقصير أن يأخذ من شعر الرأس قدر الانملة (( 2 ) واختار ابن المنذر : أنه يجزئه ما يقع عليه اسم التقصير ، لتناول اللفظ له ) . وقد اختلف جمهور الفقهاء في حكمه . فذهب أكثرهم : إلى أنه واجب ، يجبر تركه بدم . وذهبت الشافعية : إلى أنه ركن من أركان الحج . 119- وقته : وقته للحاج بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر ، فإذا كان معه هدي حلق بعد الذبح . في حديث معمر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نحر هديه بمنى قال : " أمرني أن أحلقه " . رواه أحمد والطبراني . ووقته في العمرة بعد أن يفرغ من السعي ، بين الصفا والمروة ، ولمن معه هدي بعد ذبحه . ويجب أن يكون في الحرم ، وفي أيام النحر عند أبي حنيفة ومالك ، ورواية عن أحمد ، للحديث المتقدم . وعند الشافعي ومحمد بن الحسن ، والمشهور من مذهب أحمد : يجب أن يكون الخلق أو التقصير بالحرم دون أيام النحر ، فإن أخر الحلق عن أيام النحر جاز ولا شئ عليه . 120- ما يستحب فيه : يستحب في الحلق أن يبدأ بالشق الايمن ، ثم الايسر ويستقبل القبلة ، ويكبر ويصلي بعد الفراغ منه . قال وكيع : قال لي أبو حنيفة : أخطأت ، في خمسة أبواب من المناسك ، فعلمنيها حجام ، وذلك أني حين أردت أن أحلق رأسي وقفت على حجام ، فقلت له بكم تحلق رأسي ؟ فقال أعراقي أنت ؟ قلت : نعم . قال : النسك لا يشارط عليه . اجلس ، فجلست منحرفا عن القبلة ، فقال لي : حرك وجهك إلى القبلة . وأردت أن أحلق رأسي من الجانب الايسر ، فقال : أدر الشق الايمن من رأسك ، فأدرته ، وجعل يحلق وأنا ساكت ، فقال لي : كبر ، فجعلت أكبر حتى قمت لا ذهب ، فقال لي : أين تريد ؟ فقلت : رحلي . قال صل ركعتين ثم امض ، فقلت : ما ينبغي أن يكون ما رأيت من عقل هذا الحجام ، فقلت له : من أين لك ما أمرتني به ، قال : رأيت عطاء بن أبي رباح يفعل هذا . ذكره المحب الطبري . استحباب امرار الموسى على رأس الاصلع : ذهب جمهور العلماء : إلى أنه يستحب للاصلع الذي لاشعر على رأسه أن يمر الموسى على رأسه . قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم : على أن الاصلع يمر الموسى على رأسه . وقال أبو حنيفة : إن إمرار الموسى على رأسه واجب 121- استحباب تقليم الاظفار والاخذ من الشارب : يستحب لمن حلق شعره أو قصره أن يأخذ من شاربه ويقلم أظافره ، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما ، إذا حلق في حج أو عمرة ، أخذ من لحيته وشاربه . وقال ابن النذر : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما حلق رأسه قلم أظفاره . أمر المرأة بالتقصير ونهيها عن الحلق : روى أبو داود وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس على النساء حلق وإنما على النساء التقصير . " حسنه الحافظ . قال ابن المنذر : أجمع على هذا أهل العلم ، وذلك لان الحلق في حقهن مثلة . القدر الذي تأخذه المرأة من رأسها : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : المرأة إذا أرادت أن تقصر جمعت شعرها إلى مقدم رأسها ثم أخذت منه أنملة . وقال عطاء : إذا قصرت المرأة شعرها تأخذ من أطرافه ، من طويله وقصيره . رواهما سعيد بن منصور . وقيل : لا حد لما تأخذه المرأة من شعرها . وقال الشافعية : أقل ما يجزئ ، ثلاث شعرات . 122- طواف الافاضة أجمع المسلمون على أن طواف الافاضة ركن من أركان الحج ، وأن الحاج إذا لم يفعله بضل حجه . لقول الله تعالى : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) . ولابد من تعيين النية له ، عند أحمد . والائمة الثلاثة : يرون أن نية الحج تسري عليه ، وأنه يصح من الحاج ويجزئه ، وإن لم ينوه نفسه . وجمهور العلماء : يرى أنه سبعة أشواط . ويرى أبو حنيفة : أن ركن الحج من ذلك أربعة أشواط لو تركها الحاج بطل حجه . وأما الثلاثة الباقية فهي واجبة ، وليست بركن . ولو ترك الحاج هذه الثلاثة ، أو واحدا منها ، فقد ترك واجبا ، ولم يبطل حجه . وعليه دم . 123-وقته : وأول وقته نصف الليل ، من ليلة النحر ، عند الشافعي ، وأحمد ، ولا حد لآخره ، ولكن لا تحل له النساء حتى يطوف ، ولا يجب تأخيره - عن أيام التشريق - دم ، وإن كان يكره له ذلك . وأفضل وقت يؤدى فيه ، ضحوة النهار ، يوم النحر . وعند أبي حنيفة ومالك : أن وقته يدخل بطلوع فجر يوم النحر ، واختلفا في آخر وقته . فعند أبي حنيفة : يجب فعله في أي يوم من أيام النحر ، فإن أخره لزمه دم . وقال مالك : لا بأس بتأخيره إلى آخر أيام التشريق ، وتعجيله أفضل . ويمتد وقته إلى آخر شهر ذي الحجة ، فإن أخره عن ذلك لزمه دم ، وصح حجه ، لان جميع ذي الحجة عنده من أشهر الحج . 124- تعجيل الافاضة للنساء : يستحب تعجيل الافاضة للنساء يوم النحر ، إذا كن يخفن مبادرة الحيض . وكانت عائشة تأمر النساء بتعجيل الافاضة يوم النحر ، مخافة الحيض . وقال عطاء : إذا خافت المرأة الحيضة فلتزر البيت قبل أن ترمي الجمرة ، وقبل أن تذبح . ولا بأس من استعمال الدواء ، ليرتفع حيضها حتى تستطيع الطواف . روى سعيد بن منصور عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه سئل عن المرأة تشري الدواء ، ليرتفع حيضها ، لتنفر ، فلم ير به بأسا ونعت لهن ماء الاراك . قال محب الدين الطبري : وإذا اعتد بارتفاعه في هذه الصورة ، اعتد بارتفاعه في انقضاء العدة وسائر الصور . وكذلك في شرب دواء يجلب الحيض ، إلحاقا به . 125- النزول بالمحصب ( 1 ) ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نفر من منى إلى مكة نزل بالمحصب ، وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، ورقد به رقدة . وأن ابن عمر كان يفعل ذلك . وقد اختلف العلماء في استحبابه . فقالت عائشة : إنما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب ، ليكون أسمح (هو الابطح ، أو البطحاء ، وادبين جبل النور ، والحجون) لخروجه ، وليس بسنة ، فمن شاء نزله ، ومن شاء لم ينزله . وقال الخطابي : وكان هذا شيئا يفعل ، ثم ترك . وقال الترمذي : وقد استحب بعض أهل العلم نزول الابطح ، من غير أن يروا ذلك واجبا ، إلامن أحب ذلك . والحكمة في النزول في هذا المكان ، شكر الله تعالى ، على ما منح نبيه صلى الله عليه وسلم من الظهور فيه على أعدائه الذين تقاسموا فيه على بني هاشم بني المطلب ، ان لا يناكحوهم لا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم . قال ابن القيم : فقصد النبي صلى الله عليه وسلم إظهار شعائر الاسلام في المكان الذي أظهروا فيه شعائر الكفر ، والعداوة لله ورسوله . وهذه كانت عادته ، صلوات الله وسلامه عليه ، أن يقيم شعائر التوحيد في مواضع شعائر الكفر والشرك . كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم : أن يبنى مسجد الطائف ، موضع اللات والعزى . 126- العمرة : مأخوذ من الاعتمار ، وهو الزيارة ، والمقصود بها هنا زيارة الكعبة والطواف حولها ، والسعي بين الصفا والمروة ، والحلق ، أو التقصير . وقد أجمع العلماء : على أنها مشروعة . وعن ابن عباس رضي الله عنهما . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عمرة في رمضان تعدل حجة () أي أن ثواب أدائها في رمضان يعدل ثواب حجة غير مفروضة وأداؤها لا يسقط الحج المفروض) " رواه أحمد ، وابن ماجه . وعن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " رواه أحمد ، والبخاري ، ومسلم . وتقدم حديث : " تابعوا بين الحج والعمرة " . تكرارها : 1 - قال نافع : اعتمر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أعواما في عهد ابن الزبير ، عمرتين في كل عام . 2 - وقال القاسم : إن عائشة رضي الله عنها اعتمرت في سنة ثلاث مرات . فسئل : هل عاب ذلك عليها أحد ؟ قال : سبحان الله . أم المؤمنين ؟ ! ! وإلى هذا : ذهب أكثر أهل العلم . وكره مالك تكرارها في العام أكثر من مرة . جوازها قبل الحج وفي أشهره : ويجوز للمعتمر أن يعتمر في أشهر الحج ، من غير أن يحج ، فقد اعتمر عمر في شوال ، ورجع إلى المدينة ، دون أن يحج . كما يجوز له الاعتمار قبل أن يحج ، كما فعل عمر رضي الله عنه . قال طاوس : كان أهل الجاهلية يرون العمرة في أشهر الحج أفجر الفجور ، ويقولون : إذا انفسخ صفر ، و برأ الدبر (: تقرح خف البعير . وقيل : القرح يكون في ظهر الدابة ) وعفا الاثر (عفا الاثر " : أي زال أثر الحج من الطريق ، وانمحى بعد رجوعهم ) حلت العمرة لمن اعتمر . فلما كان الاسلام أمر الناس أن يعتمروا في أشهر الحج ، فدخلت العمرة في أشهر الحج إلى يوم القيامة . |
127-عدد عمره صلى الله عليه وسلم : وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر : عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء ، والثالثة من الجعرانة ، والرابعة مع حجته . رواه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، بسند رجاله ثقات . حكمها : ذهب الاحناف ، ومالك : إلى أن العمرة سنة . لحديث جابر رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي ؟ قال : " لا ، وأن تعتمروا هو أفضل " رواه أحمد ، والترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح . وعند الشافعية ، وأحمد : أنها فرض . لقول الله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) . وقد عطفت على الحج ، وهو فرض ، فهي فرض كذلك ، والاول أرجح . قال في " فتح العلام " : وفي الباب أحاديث لا تقوم بها حجة . ونقل الترمذي عن الشافعي أنه قال : ليس في العمرة شئ ثابت . إنها تطوع . 128- وقتها : ذهب جمهور العلماء إلى أن وقت العمرة جميع أيام السنة . فيجوز أداؤها في يوم من أيامها . وذهب أبو حنيفة إلى كراهتها في خمسة أيام : يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق الثلاثة . وذهب أبو يوسف إلى كراهتها في يوم عرفة ، وثلاثة أيام بعده ، واتفقوا على جوازها في أشهر الحج . 1 - روى البخاري عن عكرمة بن خالد قال : سألت عبد الله بن عمر رضيا لله عنهما ، عن العمرة قبل الحج فقال : لا بأس على أحد أن يعتمر قبل الحج ، فقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج . 2 - وروي عن جابر رضي الله عنه أن عائشة حاضت فنسكت المناسك كلها ، غير أنها لم تطف بالبيت . فلما طهرت وطافت قالت : يا رسول الله ، أتنطلقون بحج وعمرة ، وأنطلق بالحج ؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم ، فاعتمرت بعد الحج في ذي الحجة .وأفضل أوقاتها رمضان لما تقدم . ميقاتها : الذي يريد العمرة إما أن يكون خارج مواقيت الحج المتقدمة ، أو يكون داخلها ، فإن كان خارجها ، فلا يحل له مجاوزتها بلا إحرام . لما رواه البخاري : أن زيد بن جبير أتى عبد الله بن عمر ، فسأله : من أين يجوز أن أعتمر ؟ قال : فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل نجد " قرنا " ولاهل المدينة " ذا الحليفة " ولاهل الشام " الجحفة " . وإن كان داخل المواقيت ، فميقاته في العمرة الحل ، ولو كان بالحرم ، لحديث البخاري المتقدم ، وفيه : أن عائشة خرجت إلى التنيعم وأحرمت فيه ، وأن ذلك كان أمرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم . 129-طواف الوداع طواف الوداع ، سمي بهذا الاسم ، لانه لتوديع البيت ، ويطلق عليه طواف الصدر ، لانه عند صدور الناس من مكة ، وهو طواف لا رمل فيه ، وهو آخر ما يفعله الحاج الغير المكي (( 1 ) أما المكي فإنه مقيم بمكة ، وملازم لها ، فلا وداع بالنسبة له) عند إرادة السفر من مكة . روى مالك في الموطأ عن عمر رضي الله عنه أنه قال : آخر النسك الطواف بالبيت (قال في الروضة الندية : قال في الحجة ، والسرفيه تعظيم البيت ، فيكون هو الاول وهو الآخر ، تصويرا لكونه هو المقصود من السفر . أما المكي والحائض ، فإنه لا يشرع في حقهما ، ولا يلزم بتركهما له شئ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : رخص للحائض أن تنفر إذا حاضت . رواه البخاري ، ومسلم . وفي رواية قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض . ورويا عن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم : أنها حاضت فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أحابستنا هي ؟ " فقالوا : إنها قد أفاضت . قال : " فلا إذا " . 130- حكمه : اتفق العلماء : على أنه مشروع . لما رواه مسلم وأبو داود ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان الناس ينصرفون في كل وجه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ينفر أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت " . واختلفوا في حكمه : فقال مالك ، وداود ، و ابن المنذر : إنه سنة ، لا يجب بتركه شئ . وهو قول الشافعي . وقالت الاحناف ، والحنابلة ، ورواية عن الشافعي : إنه واجب ، يلزم بتركه دم . 131- وقته : وقت طواف الوداع ، بعد أن يفرغ المرء من جميع أعماله ، ويريد السفر ، ليكون آخر عهده بالبيت . كما تقدم في الحديث . فإذا طاف الحاج سافر توا ( 1 ) دون أن يشتغل ببيع أو بشراء ولا يقيم زمنا ، فإن فعل شيئا من ذلك ، أعاده . اللهم إلا إذا قضى حاجة في طريقه ، أو اشترى شيئا لا غنى له عنه من طعام ، فلا يعيد لذلك . لان هذا لا يخرجه عن أن يكون آخر عهده بالبيت . ويستحب للمودع أن يدعو بالمأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو : " اللهم إني عبدك ، وابن عبدك ، وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك ، وسترتني في بلادك حتى بلغتني - بنعمتك - إلى بيتك ، وأعنتني على أداء نسكي ، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا ، وإلا فمن الآن فارض عني قبل أن تنأى عن بيتك داري . فهذا أو ان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولاببيتك ، ولا راغب عنك ، ولا عن بيتك . اللهم فأصحبني العافية في بدني ، والصحة في جسمي ، والعصمة في ديني ، وأحسن منقلبي ، وارزقني طاعتك ما أبقيتني ، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة ، إنك على كل شئ قدير " . قال الشافعي : أحب ، إذا ودع البيت - أن يقف في الملتزم . وهوما بين الركن والباب . ثم ذكر الحديث 132- كيفية أداء الحج إذا قارب الحاج الميقات استحب له أن يأخذ من شاربه ويقص شعره ، وأظافره ، ويغتسل ، أو يتوضأ ، ويتطيب ، ويلبس لباس الاحرام . فإذا بلغ الميقات صلى ركعتين وأحرم - أي نوى الحج ، إن كان مفردا ، أو العمرة إن كان متمتعا ، أوهما معا ، إن كان قارنا . وهذا الاحرام ركن ، لا يصح النسك بدونه . أما تعيين نوع النسك ، من إفراد ، أو تمتع ، أن قران فليس فرضا . ولو أطلق النية ولم يعين نوعا خاصا صح إحرامه . وله أن يفعل أحد الانواع الثلاثة . بمجرد الاحرام تشرع له التلبية بصوت مرتفع ، كلما علا شرفا ، أو هبط واديا ، أو لقي ركبا ، أو أحدا ، وفي الاسحار ، وفي دبر كل صلاة . وعلى المحرم أن يتجنب الجماع ودواعيه ، ومخاصمة الرفاق وغيرهم ، والجدل فيما لا فائدة فيه ، وأن لا يتزوج ، ولا يزوج غيره . ويتجنب أيضا لبس المخيط والمحيط ، والخذاء الذي يستر ما فوق الكعبين . ولا يستر رأسه ولا يمس طيبا ، ولا يحلق شعرا . ولا يقص ظفرا ولا يتعرض لصيد البر مطلقا ، ولا لشجر الحرم وحشيشه . فإذا دخل مكة المكرمة استحب له أن يدخلها من أعلاها بعد أن يغتسل من بئر ذي طوى ، بالزاهر ، إن تيسر له . ثم يتجه إلى الكعبة فيدخلها من " باب السلام " ذاكرا أدعية دخول المسجد ، ومراعيا آداب الدخول ، وملتزما الخشوع ، والتواضع ، والتلبية . فإذا وقع بصره على الكعبة ، رفع يديه وسأل الله من فضله ، وذكر الدعاء المستحب في ذلك . ويقصد رأسا إلى الحجر الاسود ، فيقبله بغير صوت أو يستلمه بيده ويقبلها ، فإن لم يستطع ذلك أشار إليه . ثم يقف بحذائه ، ملتزما الذكر المسنون ، والادعية المأثورة ، ثم يشرع في الطواف . ويستحب له أن يضطبع ويرمل في الاشواط الثلاثة الاول . ويمشي على هينته في الاشواط الاربعة الباقية . ويسن له استلام الركن اليماني ، وتقبيل الحجر الاسود في كل شوط . فإذا فرغ من طوافه . توجه إلى مقام إبراهيم تاليا قول الله تعالى : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) . فيصلي ركعتي الطواف . ثم يأتي " زمزم " فيشرب من مائها ويتضلع منه . وبعد ذلك يأتي " الملتزم " فيدعو الله عزوجل بما شاء من خيري الدنيا والآخرة ، ثم يستلم الحجر ويقبله ويخرج من باب " الصفا " إلى " الصفا " تاليا قول الله تعالى : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) الآية . ويصعد عليه ، ويتجه إلى الكعبة ، فيدعو بالدعاء المأثور ثم ينزل فيمشي في السعي ، ذاكرا داعيا بما شاء . فإذا بلغ " ما بين الميلين " هرول ، ثم يعود ما شيا على رسله حتى يبلغ المروة ، فيصعد السلم ويتجه إلى الكعبة ، داعيا ، ذاكرا . وهذا هو الشوط الاول . وعليه أن يفعل ذلك حتى يستكمل سبعة أشواط . وهذا السعي واجب على الارجح ، وعلى تاركه - كله أو بعضه - دم . فإذا كان المحرم متمتعا حلق رأسه أو قصر . وبهذا تتم عمرته ، ويحل له ما كان محظورا من محرمات الاحرام ، حتى النساء . أما القارن والمفرد فيبقيان على إحرامهما . وفي اليوم الثامن من ذي الحجة ، يحرم المتمتع من منزله . ويخرج - هو وغيره ممن بقي على إحرامه - إلى منى ، فيبيت بها . فإذا طلعت الشمس ذهب إلى " عرفات " ونزل عند مسجد " نمرة . واغتسل ، وصلى الظهر والعصر جمع تقديم مع الامام ، يقصر فيهما الصلاة " هذا إذا تيسر له أن يصلي مع الامام : وإلا صلى جمعا وقصرا ، حسب استطاعته . ولايبدأ الوقوف بعرفة إلا بعد الزوال . فيقف بعرفة عند الصخرات ، أو قريبا منها . فإن هذا موضع وقوف النبي صلى الله عليه وسلم . والوقوف ب " عرفة " هو ركن الحج الاعظم . ولايسن ولا ينبغي صعود جبل الرحمة . ويستقبل القبلة ، ويأخذ في الدعاء ، والذكر ، والابتهال حتى يدخل الليل . فإذا دخل الليل أفاض إلى " المزدلفة " فيصلي بها المغرب والعشاء جمع تأخير . ويبيت بها . فإذا طلع الفجر وقف بالمشعر الحرام . وذكر الله كثيرا حتى يسفر الصبح ، فينصرف بعد أن يستحضر الجمرات ، ويعود إلى " منى " . والوقوف بالمشعر الحرام واجب ، يلزم بتركه دم . وبعد طلوع الشمس يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات . ثم يذبح هديه - إن أمكنه - ويحلق شعره أو يقصره . وبالحلق يحل له كل ما كان محرما عليه ، ما عدا النساء . ثم يعود إلى مكة ، فيطوف بها طواف الافاضة ، وهو طواف الركن ، فيطوف - كما طاف - طواف القدوم . ويسمى هذا الطواف أيضا طواف الزيارة ، وإن كان متمتعا سعى بعد الطواف . وإن كان مفردا ، أو قارنا ، وكان قد سعى عند القدوم ، فلا يلزمه سعي آخر . وبعد هذا الطواف يحل له كل شئ ، حتى النساء . ثم يعود إلى " منى " فيبيت بها . والمبيت بها واجب ، يلزم بتركه دم . وإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر من ذي الحجة رمى الجمرات الثلاث ، مبتدئا بالجمرة التي تلي " منى " ثم يرمي الجمرة الوسطى . ويقف بعد الرمي ، داعيا ذاكرا ، ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف عندها . وينبغي أن يرمي كل جمرة بسبع حصيات قبل الغروب . ويفعل في اليوم الثاني عشر مثل ذلك . ثم هو مخير بين أن ينزل إلى مكة قبل غروب اليوم الثاني عشر ، وبين أن يبيت ويرمي ، في اليوم الثالث عشر . ورمي الجمار واجب يجبر تركه بالدم . فإذا عاد إلى مكة وأراد العودة إلى بلاده طاف طواف الوداع ، وهذا الطواف واجب . وعلى تاركه أن يعود إلى مكة ليطوف طواف الوداع إن أمكنه الرجوع ، ولم يكن قد تجاوز الميقات ، وإلا ذبح شاة . ويؤخذ من كل ما تقدم أن أعمال الحج والعمرة ، هي الاحرام من الميقات ، والطواف والسعي ، والحلق ، وبهذا تنتهي أعمال العمرة . ويزيد عليها الحج الوقوف بعرفة ، ورمي الجمار ، وطواف الافاضة ، والمبيت ب " منى " ، والذبح ، والحلق أو التقصير . هذه هي خلاصة أعمال الحج والعمرة . استحباب تعجيل العودة عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " السفر قطعة من العذاب ، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ، فإذا قضى أحدكم نهمته (( 1 ) " نهمته " بلوغ النهمة : شدة الشهوة في الحصول على الشئ .) فليعجل إلى أهله " رواه البخاري ، ومسلم . وعن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا قضى أحدكم حجه فليتعجل إلى أهله ، فإنه أعظم لاجره " . رواه الدارقطني . وروى مسلم عن العلاء بن الحضرمي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا |
133- الاحصار الاحصار : هو المنع والحبس ، قال الله تعالى : ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) . وقد نزلت هذه الآية في حصر النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنعه هو وأصحابه في الحديبية عن المسجد الحرام . 134-والمراد به :المنع عن الطواف في العمرة ، وعن الوقوف بعرفة ، أو طواف الافاضة في الحج . وقد اختلف العلماء في السبب الذي يكون به الاحصار . قال مالك ، والشافعي : الاحصار لا يكون إلا بالعدو . لان الآية نزلت في إحصار النبي صلى الله عليه وسلم به . وقال ابن عباس : لا حصر إلا حصر العدو . وذهب أكثر العلماء - منهم الاحناف ، وأحمد - إلى أن الاحصار يكون من كل حابس يحبس الحاج عن البيت من عدو ( 1 ) أو مرض يزيد بالانتقال والحركة ، أو خوف ، أو ضياع النفقة أو موت محرم الزوجة في الطريق ، وغير ذلك من الاعذار المانعة ، حتى أفنى ابن مسعود رجلا لدغ ، بأنه محصر . واستدلوا بعموم قوله تعالى : ( فإن أحصرتم ) وأن سبب نزول الآية إحصار النبي صلى الله عليه وسلم بالعدو فإن العام لا يقصر على سببه . وهذا أقوى من غيره ، من المذاهب . على المحصر شاة فما فوقها : الآية صريحة في أن على المحصر أن يذبح ما استيسر من الهدي . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أحصر فحلق وجامع نساءه ونحر هديه ، حتى اعتمر عاما قابلا . رواه البخاري . وقد استدل بهذا الجمهور من العلماء على أن المحصر يجب عليه ذبح شاة أو بقرة أو نحر بدنة . وقال مالك : لا يجب . قال في " فتح العلام " : والحق معه ، فإنه لم يكن مع كل المحصرين هدي ، وهذا الهدي الذي كان معه صلى الله عليه وسلم ساقه من المدينة متنفلابه . وهو الذي أراده الله تعالى بقوله : ( والهدي معكوفا أن يبلغ محله ) . والآية لاتدل على الايجاب . 135-موضع ذبح هدي الاحصار : قال في " فتح العلام " : اختلف العلماء - هل نحره يوم الحديبية في الحل أو في الحرم ؟ وظاهر قوله تعالى : ( والهدي معكوفا أن يبلغ محله ) أنهم نحروه في الحل . وفي محل نحر الهدي للمحصر أقوال : الاول للجمهور : أنه يذبح هديه حيث يحل في حرم أو حل . الثاني للحنفية : أنه لا ينحره إلا في الحرم . الثالث لابن عباس وجماعة : أنه إن كان يستطيع البعث به إلى الحرم وجب عليه ، ولا يحل حتى ينحر في محله . وإن كان لا يستطيع البعث به إلى الحرم نحر في محل إحصاره . لا قضاء على المحصر إلا أن يكون عليه فرض الحج : عن ابن عباس رضي الله عنهما ، في قوله تعالى : فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) يقول : من أحرم بحج أو بعمرة ثم حبس عن البيت ، فعليه ذبح ما استيسر من الهدي : شاة فما فوقها ، يذبح عنه . فإن كان حجة الاسلام ، فعليه قضاؤها . وإن كان حجة بعد حج الفريضة فلا قضاء عليه . وقال مالك : إنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء هو وأصحابه الحديبية فنحروا الهدي ، وحلقوا رؤوسهم ، وحلتوا من كل شئ ، قبل الطواف بالبيت ، ومن قبل أن يصل الهدي إلى البيت . ثم لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه ، ولاممن كان معه أن يقضوا شيئا ، ولا يعودوا له . والحديبية خارج من الحرم . رواه البخاري . قال الشافعي : فحيث أحصر ذبح ، وحل ، ولاقضاء عليه من قبل أن الله لم يذكر قضاء . ثم قال : لانا علمنا - من تواطئ حديثهم - أنه كان معه في عام الحديبيةرجال معروفون ، ثم اعتمروا عمرة القضاء فتخلف بعضهم في المدينة ، من غير ضرورة في نفس ولا مال ، ولو لزم القضاء لامرهم بألا يتخلفوا عنه . وقال : وإنما سميت عمرة القضاء ، والقضية ، للمقاضاة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين قريش ، لا على أنه واجب قضاء تلك العمرة . جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه : ذهب كثير من العلماء ، إلى جواز أن يشترط المحرم عند إحرامه ، أنه إن مرض تحلل . فقد روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لضباعة : " حجي ، واشترطي أن محلي حيث تحبسني " . فإذا أحصر بسبب من الاسباب ، من مرض ، أو غيره ، إذا اشترطه في إحرامه فله أن يتحلل وليس عليه دم ، ولاصوم . 136- كسوة الكعبة كان الناس على عهد الجاهلية يكسون الكعبة ، حتى جاء الاسلام فأقر كسوتها . فقد ذكر الواقدي عن إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة عن أبيه قال : كسي البيت في الجاهلية الانطاع (" الانطاع " جمع نطع وهوما يفرش على الارض كالبساط ، ويصنع من الجلد الاحمر) ثم كساه رسول الله صلى الله عليه وسلم الثياب اليمانية . وكساه عمر وعثمان القباطي (القباطي " جمع قبطية . وهو الثوب من ثياب مصر ، رقيق أبيض لانه منسوب إلى القبط ، وهم أهل مصر) ثم كساه الحجاج الديباج . وروي : أن أول من كساها أسعد الحميري وهو " تبع " . وكان ابن عمر رضيا لله عنهما يجلل بدنه القباطي والانماط (" الانماط " جمع نمط ، نوع من البسط ) والحلل ، ثم يبعث بها إلى الكعبة يكسوها إياها ، رواه مالك . وأخرج الواقدي أيضا إسحاق بن أبي عبد بن أبي جعفر محمد بن علي قال : كان الناس يهدون إلى الكعبة كسوة ، ويهدون إليها البدن عليها الحبرات (الحبرات " جمع حبرة ، وهو ما كان مخططا من البرود من ثياب اليمن ) فيبعث بالحبرات إلى البيت كسوة . فلما كان يزيد بن معاوية كساها الديباج . فلما كان ابن الزبير اتبع أثره . وكان يبعث إلى مصعب بن الزبير ، ليبعث بالكسوة كل سنة فكان يكسوها يوم عاشوراء . وأخرج سعيد بن منصور : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، كان ينزع ثياب الكعبة في كل سنة ، فيقسمها على الحاج فيستظلون بها على السمر (السمر " نوع من الشجر ) بمكة . 137- تطييب الكعبة عن عائشة رضي الله عنها قالت : طيبوا البيت ، فإن ذلك من تطهيره . وطيب ابن الزبير جوف الكعبة كله . وكان يجمر الكعبة كل يوم برطل من مجمر ( 3 ) ويجمرها كل جمعة برطلين . 138- النهي عن الالحاد في الحرم قال الله تعالى : ( ومن يرد فيه بالحاد ( 4 ) بظلم نذقه من عذاب أليم ) . وروى أبو داود عن موسى بن باذان قال : أتيت يعلى بن أمية فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه " . وروى البخاري في التاريخ الكبير ، عن يعلى بن أمية أنه سمع عمرو ابن الخطاب رضي الله عنه يقول : " احتكار " الطعام إلحاد وروى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه أتى ابن الزبير وهو جالس في الحجر فقال : يا ابن الزبير ، إياك والالحاد في حرم الله عز وجل ، فإني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يحلها رجل من قريش . " وفي رواية " سيلحد فيه رجل من قريش ، له وزنت ذنوبه وذنوب الثقلين لوزنتها " فانظر أن لا تكون هو . قال مجاهد : تضاعف السيئات بمكة ، كما تضاعف الحسنات . وسئل الامام أحمد : هل تكتب السيئة أكثر من واحدة ؟ فقال : لا ، إلا بمكة ، لتعظيم البلد . غزو الكعبة روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يغزو جيش الكعبة ، فإذا كانوا ببيداء (فلاة وصحراء ) من الارض يخسف بأولهم وآخرهم " قلت : يا رسول الله ، كيف وفيهم أسواقهم (جمع سوق . وقد يكون في السوق الصالحون لقضاء مصالحهم ) ومن ليس منهم ؟ قال : " يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم " . 139- استحباب شد الرحال الى المساجد الثلاثة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لاتشد الرحال ، إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الاقصى " . رواه البخاري ، ومسلم وأبو داود . وفي لفظ : " انما يسافر إلى ثلاثة مساجد : مسجد الكعبة ومسجدي ، ومسجد إيليا (: القدس ) " . وعن أبي ذر رضي الله عنه قال ، قلت : يا رسول الله ، أي مسجد وضع في الارض أول ؟ قال : " المسجد الحرام . " قلت : ثم أي ؟ قال : " المسجد الاقصى . "قلت : كم بينهما ؟ قال : " أربعون سنة ، ثم أين أدركتك الصلاة بعد فصل ، فإن الفضل فيه " . وإنما شرع السفر إلى هذه المساجد الثلاثة ، لما فيها من فضائل وميزات ليست في غيرها . فعن جابر رضي الله عنه . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه . إلا المسجد الحرام . وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه " . رواه أحمد بسند صحيح . وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من صلى في مسجدي أربعين صلاة ، لا تفوته صلاة كتبت له براءة من النار ، وبراءة من العذاب ، وبرئ من النفاق " . رواه أحمد ، والطبراني ، بسند صحيح . وقد جاء في الاحاديث : أن فضل الصلاة في مسجد بيت المقدس أفضل مما سواه من المساجد - غير المسجد الحرام والمسجد النبوي - بخمسمائة صلاة . 140- آداب دخول المسجد النبوي وآداب الزيارة : 1 - يستحب إتيان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسكينة والوقار ، وأن يكون متطيبا بالطيب ، ومتجملا بحسن الثياب . وأن يدخل بالرجل اليمنى . ويقول : أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم ، من الشيطان الرجيم . بسم الله ، اللهم صلي على محمد وآله وسلم ، اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك . 2 - ويستحب أن يأتي الروضة الشريفة أولا ، فيصلي بها تحية المسجد ، في أدب وخشوع . 3 - فإذا فرغ من الصلاة - أي تحية المسجد - اتجه إلى القبر الشريف مستقبلا له ومستدبرا القبلة ، فيسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا : " السلام عليك يا رسول الله . السلام عليك يا نبي الله . السلام عليك يا خيرة خلق الله من خلقه . السلام عليك يا خير خلق الله . السلام عليك يا حبيب الله . السلام عليك يا سيد المرسلين . السلام عليك يا رسول الله رب العالمين . السلام عليك يا قائد الغر المحجلين . أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أنك عبده ورسوله وأمينه وخيرته من خلقه . وأشهد أنك قد بلغت الرسالة ، وأديت الامانة ، ونصحت الامة ، وجاهدت في الله حق جهاده 4 - ثم يتأخر نحو ذراع إلى الجهة اليمنى . فيسلم على أبي بكر الصديق ، ثم يتأخر أيضا نحور ذراع . فيسلم على عمر الفاروق رضي الله عنهما . 5 - ثم يستقبل القبلة ، فيدعو لنفسه ، ولاحبابه ، وإخوانه وسائر المسلمين . ثم ينصرف . 6 - وعلى الزائر أن لا يرفع صوته إلا بقدر ما يسمع نفسه وعلى ولي الامر أن يمنع ذلك برفق . فقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلين يرفعان أصواتهما في المسجد النبوي فقال : لو أعلم أنكما من البلد ، لاوجعتكما ضربا . 7 - وأن يتجنب التمسح بالحجرة - أي القبر - والتقبيل لها ، فإن لك مما نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام . روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، ولا تجعلوا قبري عيدا . وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم " . وقد رأى عبد الله بن حسن رجلا ينتاب قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء عنده فقال : يا هذا ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تتخذوا قبري عيدا . وصلوا علي حيثما كنتم ، فإن صلاتكم تبلغني " ، فما أنت - يا رجل - ومن بالاندلس إلاسواء . 141- استحباب كثرة التعبد في الروضة المباركة : روى البخاري عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ( 1 ) ، ومنبري على حوضي " . ( 1 ) قيل في معنى " روضة من رياض الجنة " : أن ما يحدث فيها من العبادة والعلم يشبه أن يكون روضة من رياض الجنة . ويكون هذا كقوله عليه الصلاة والسلام " إذا مررتم برياض الجنة . فارتعوا . " قالوا يا رسول الله ، وما رياض الجنة ! قال : " حلق الذكر |
الساعة الآن 09:29 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.