منتديات بنات فلسطين

منتديات بنات فلسطين (http://www.bntpal.com/vb/)
-   ▪« قطوُفٌ دَآטּـيَة ]≈● (http://www.bntpal.com/vb/f2/)
-   -   موسوعة السنن النبوية ..# (http://www.bntpal.com/vb/t45796/)

خواطر الصمت 08-17-2015 04:43 AM

30- سُنَّة ترديد أحب الكلام إلى الله


ماذا يفعل المسلم عندما يعلم أن الله عز وجل يحبُّ كلامًا معيَّنًا أكثر من غيره؟ إن المسلم الصادق سيُكْثِر دون شكٍّ من ترديد هذا الكلام المحبوب إلى الله سبحانه، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام فقال -كما روى مسلم عَنْ سمرة بن جندب رضي الله عنه-: "أَحَبُّ الْكَلاَمِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ. لاَ يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ".


ولأن هذه الكلمات حبيبة إلى الله فقد عَظَّم جدًّا من أجرها، حتى جعلها بمنزلة نخيل وأشجار تُزْرَع في الجنة لنا، وقد عرَّفنا ذلك من الحوار الجميل الذي دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وإبراهيم عليه الصلاة والسلام في رحلة الإسراء والمعراج؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: حسن- عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلاَمَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ".


وأرض الجنَّة قيعان؛ أي أنها أرض عديمة الشجر، وإن كانت طيبة التربة، وعذبة الماء؛ ونحن نَزْرَع ما نمتلكه من هذه الأرض الطيبة بالأعمال الصالحة، ونصيحة إبراهيم عليه الصلاة والسلام للأُمَّة الإسلامية أن تَزْرَع أرضَ الجنَّة بأذكار التسبيح والحمد والتهليل والتكبير، فلْنُكْثِر من ترديد أحبَّ الكلام إلى الله، عسى أن يَكْثُر غرسُنا في الجنة.


ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

خواطر الصمت 08-17-2015 04:43 AM

31- سُنَّة المحافظة على الصف الأول


لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب لنا الخير فقط؛ إنما كان يحب لنا السبق فيه، ويتمنَّى لنا الترقِّي في درجات الجنة حتى نبلغ منتهاها؛ ومن هنا نجد بعض السنن في حياته تدفعنا دومًا إلى التنافس على الأفضل والأعلى، ومن هذه السنن سُنَّة المحافظة على الصفِّ الأول في صلاة الجماعة، فهو لا يكتفي هنا بتحميس المسلمين على الذهاب إلى المسجد وحضور صلاة الجماعة؛ إنما يُحَفِّزهم على أن يكونوا من الصفوة الأولى التي تصل إلى المسجد مبكرًا، فتُحَقِّق النجاح في الصلاة في أول الصفوف؛ فقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا".


والنداء هو الأذان، والتهجير إلى الصلاة يعني التبكير إليها، ولن يستطيع المسلم أن يجد مكانًا في الصف الأول إلا إذا ذهب مبكرًا عند الأذان أو قبله؛ خاصة في المساجد الكبيرة التي يؤمُّها عدد كبير من الناس.


وقد أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُبَيِّن لنا عظمة الصفِّ الأول فقال -فيما رواه ابن ماجه، وقال الألباني: صحيح، عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه: "إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ". وصلاة الله على المؤمنين رحمة بهم، ووَسَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة في رواية أخرى عند أبي داود -وقال الألباني: صحيح- فقال: "إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الأُوَلِ". فجعل صلاة الله على عدَّة صفوف وليس صفًّا واحدًا.


ولم يكتفِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك إنما حذَّر مَنْ يتعمد التأخير عن الصفِّ الأول فقال -فيما رواه مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه-: "تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لاَ يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ".


فلْنحرص على هذه السُّنَّة العظيمة، فإنها الطريق إلى صلاة الله والملائكة علينا.

خواطر الصمت 08-17-2015 04:44 AM

32- سُنَّة الدعاء بعد عصر الجمعة


أفضل أيام الدنيا هو يوم الجمعة، وقد هدى اللهُ أُمَّة الإسلام إلى هذا اليوم العظيم؛ بينما ضَلَّت عنه الأمم الأخرى؛ فقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ؛ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَاخْتَلَفُوا، فَهَدَانَا اللهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ، فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، هَدَانَا اللهُ لَهُ -قَالَ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ- فَالْيَوْمَ لَنَا، وَغَدًا لِلْيَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى".


ومع أن اليوم كله خير فإن الله فَضَّل بعض أوقاته على الأخرى؛ ومن هذه الأوقات الفاضلة الفترة من العصر إلى المغرب؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وَفِيهِ أُهْبِطَ مِنْهَا، وَفِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يُصَلِّي فَيَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ".


قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلاَمٍ رضي الله عنه فَذَكَرْتُ لَهُ هَذَا الحَدِيثَ، فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِتِلْكَ السَّاعَةِ. فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِهَا وَلاَ تَضْنَنْ بِهَا عَلَيَّ. قَالَ: هِيَ بَعْدَ العَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ. قُلْتُ: فَكَيْفَ تَكُونُ بَعْدَ العَصْرِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي؟" وَتِلْكَ السَّاعَةُ لاَ يُصَلَّى فِيهَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ رضي الله عنه: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ فَهُوَ فِي صَلاَةٍ؟"، قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَهُوَ ذَاكَ.


فمع أن هناك اختلافًا بين العلماء في تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة فإن هذا الوقت هو أحد الاحتمالات المهمَّة؛ ومن هنا فإنه ينبغي علينا أن نُفَرِّغ جزءًا من هذا الوقت للدعاء عسى أن تكون ساعة الإجابة.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

خواطر الصمت 08-17-2015 04:45 AM

34- سُنَّة الاستعاذة من شيطان الصلاة


الحرب بين الإنسان والشيطان حرب أبدية، ولن يترك الشيطان للإنسان فُسْحة من الوقت دون وسوسة وإضلال، ولن يترك ميدانًا يمكن أن يُهلكه فيه إلا واستغلَّه؛ قال تعالى واصفًا خطة الشيطان في حربه للإنسان: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف: 17]، ومن أعظم الميادين التي يسعى فيها الشيطان لإضلال الإنسان ميدان الصلاة؛ فالمسلم في الصلاة يقف بين يدي ربِّه، وفي أقرب حالاته منه، وفرصة التوبة من الذنوب كبيرة، وفرصة العفو من الله عظيمة؛ لهذا يسعى الشيطان بكل طاقته إلى أن يصرف المسلم عن صلاته أصلاً فلا يُصلِّيها، فإن فشل في ذلك سعى إلى إلهاء المسلم عن الخشوع في صلاته، ولقد بلغ من إبليس الحرص على تضييع صلاة المسلم أن خصَّص له أحد جنوده لا يفعل شيئًا معه إلا الإلهاء عن الصلاة، وهذا الجندي الشيطاني اسمه خنزب! وقد أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت له سُنَّة نبوية جليلة في التخلُّص من وسوسته؛ فقد روى مسلم عن عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ رضي الله عنه، أَنَّه أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلاَتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاَثًا". قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللهُ عَنِّي.


والحالة التي وصفها عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو أنها حالة زائدة عن الحدِّ المعتاد في السهو في الصلاة، فلا يدري عندها معاني ما يقرأ، ولا قدر ما صلَّى، وهي الحالة التي يُسَنُّ فيها أن تستعيذ من الشيطان الرجيم ثم تتفل تفلاً خفيفًا على الكتف الأيسر؛ أما مجرَّد السهو العابر في الصلاة فلا يتطلَّب هذا؛ وذلك لكي لا ندخل في وسواس الانشغال بالشيطان والخوف منه.

خواطر الصمت 08-17-2015 04:46 AM

35- سُنَّة البلاغ


كانت المهمَّة الأولى للأنبياء هي البلاغ؛ فقد قال تعالى: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} [النحل: 35]، وقال: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ} [المائدة: 99]، ومثال هذه الآيات كثير في القرآن، ولمـَّا كان رسولنا صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، وليس بعده رسول يقوم بمهمَّة البلاغ، أوكل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين الصادقين للقيام بهذه المهمَّة بعده، فصارت سُنَّة نبوية في غاية الأهمية؛ فقد روى البخاري عَنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».


وتتحقَّق هذه السُّنَّة بنقل معلومة واحدة من الدين إلى أي فرد؛ سواء من المسلمين أو من غير المسلمين، وسواء كان من الكبار أو الأطفال، شريطة الصدق وعدم تعمُّد الكذب، وقد كان واضحًا من سياق الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم يُشَجِّع المسلمين على الإقدام على البلاغ؛ لأن كثيرًا من الناس قد يتحرَّجون من أداء هذه المهمَّة؛ إما بسبب قلَّة علمهم، أو بسبب تهيُّبهم من الكلام في الدين؛ فشجَّعهم الرسول صلى الله عليه وسلم بتقليل المطلوب في عملية البلاغ، فقال: «وَلَوْ آيَةً». ثم ذكر أن المرفوض في عملية البلاغ هو الكذب "المتعمَّد"، أما حدوث خطأ في النقل لعدم دقَّة الحفظ، أو لعدم وضوح الفهم، فليس هو المقصود في الوعيد الذي جاء في النصِّ.


إن هذا الطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضع على أكتافنا مهمَّة جليلة، وهي مهمَّة الوصول بهذا الدين العظيم إلى العالمين؛ فلنبدأ بأولادنا، وجيراننا، وأرحامنا، وأصدقاء العمل والمسجد والنادي، ثم لننطلق إلى مَنْ نعرف ومَنْ لا نعرف من الناس.

خواطر الصمت 08-17-2015 04:46 AM

36- سُنَّة الصلاة بعد الوضوء


عجيب أن يعرف إنسان أنه يقينًا من أهل الجنة وهو ما زال يمشي على الأرض؛ ولكن الأعجب من ذلك هي الصيغة التي بَشَّر بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بلالَ بنَ رباح رضي الله عنه بدخوله الجنة! فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبِلاَلٍ رضي الله عنه عِنْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ: "يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ». قَالَ: "مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أَرْجَى عِنْدِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلاَّ صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ". فرسول الله صلى الله عليه وسلم يُخبر بلالاً أنه بالفعل يمشي في الجنة! بل إنه في رواية للترمذي -وقال الألباني: صحيح- عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، قَالَ: "يَا بِلاَلُ بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الجَنَّةِ؟ مَا دَخَلْتُ الجَنَّةَ قَطُّ إِلاَّ سَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، دَخَلْتُ البَارِحَةَ الجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، فَأَتَيْتُ عَلَى قَصْرٍ مُرَبَّعٍ مُشْرِفٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ فَقَالُوا: لِرَجُلٍ مِنَ العَرَبِ. فَقُلْتُ: أَنَا عَرَبِيٌّ، لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ قَالُوا لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ. فَقُلْتُ: أَنَا قُرَشِيٌّ، لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ قَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدٌ لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ". فَقَالَ بِلاَلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَذَّنْتُ قَطُّ إِلاَّ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إِلاَّ تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا وَرَأَيْتُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بِهِمَا".


فهنا يُعَلِّل رسول الله صلى الله عليه وسلم بلوغ بلال رضي الله عنه لهذا الشرف بهاتين الركعتين اللتين يُصَلِّيهما بعد الوضوء، وقد بَشَّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي يفعل ذلك يُغْفَر له ما تقدَّم من ذنبه؛ فقد روى البخاري ومسلم عن حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه دَعَا بِإِنَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ، فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلاَثَ مِرَارٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ إِلَى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".


فلنحرص على هذه السُّنَّة الجميلة عسى أن نكون أهلاً لمغفرة الله لنا ودخول الجنة.


ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

خواطر الصمت 08-17-2015 04:47 AM

37- سُنَّة التسمية لمنع الضُّرِّ


ليس على وجه الحقيقة أحدٌ يكشف السوء ويرفع الضُّرَّ إلا الله عز وجل، وقد ذكر ذلك في كتابه فقال: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62]، ونفى أن يكون كشفُ الضُّرِّ عند غيره، فقال: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء: 67]، وعلى المسلم أن يعتقد ذلك اعتقادًا جازمًا، وصورة من صور هذا الاعتقاد أن يُعْلِن المسلم هذه القناعة يوميًّا في الصباح والمساء، وهي سُنَّة جليلة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: حسن صحيح- عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَيَضُرَّهُ شَيْءٌ". وَكَانَ أَبَانُ، قَدْ أَصَابَهُ طَرَفُ فَالِجٍ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبَانُ: "مَا تَنْظُرُ؟ أَمَا إِنَّ الحَدِيثَ كَمَا حَدَّثْتُكَ، وَلَكِنِّي لَمْ أَقُلْهُ يَوْمَئِذٍ لِيُمْضِيَ اللَّهُ عَلَيَّ قَدَرَهُ".


فالذي يُواظب على هذا الدعاء بهذه الكيفية لا يضرُّه شيء بإذن الله، وهو في الوقت نفسه يُعْلِن اعتقاده السليم في الله عز وجل، ويُرْجِع أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ رحمه الله إصابتَه بالفالج -أي الشلل- إلى نسيانه قول الدعاء في ذلك اليوم؛ فلْنحرص على هذه السُّنَّة العظيمة، التي نحفظ بها أبداننا ونفوسنا، ونُصَحِّح بها عقيدتنا وديننا.

خواطر الصمت 08-17-2015 04:47 AM

38- سُنَّة قيام الليل


لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك هذه السُّنَّة قطُّ في حياته؛ لا في مرض، ولا في كسل، ولا في غيره، وهي سُنَّة قيام الليل؛ فقد روى أبو داود -وقال الألباني صحيح- عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ، يَقُولُ: قَالَتْ عائشة رضي الله عنها: "لاَ تَدَعْ قِيَامَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لاَ يَدَعُهُ، وَكَانَ إِذَا مَرِضَ، أَوْ كَسِلَ، صَلَّى قَاعِدًا".


وكان ينصح أصحابه بالحفاظ عليه، وعدم التذبذب في أدائه، فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرِو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ اللَّهِ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ، فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ".


وتتحقَّق هذه السُّنَّة بصلاة ركعتين أو أربع، أو أكثر، في أي وقت من بعد صلاة العشاء، وإلى قبل صلاة الفجر، وقد أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم لجميع المسلمين أن يقوموا بأداء هذه السُّنَّة، فجعل الأمر سهلاً على الجميع، فلم يشترط طول القيام؛ إنما نصح أن نصلي قدر الاستطاعة؛ فقد روى أبو داود -وقال الألباني: صحيح- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ المُقَنْطِرِينَ".


فلْيحرص كل مؤمن على هذه العبادة الجميلة، كلٌّ حسب طاقته.

خواطر الصمت 08-17-2015 04:55 PM

33- سُنَّة لبس الثياب البيضاء


ثَبَت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس ألوانًا عدَّة في ثيابه، ومع ذلك لم يأمر بلبس لونٍ معين، اللهم الأبيض من الثياب؛ فقد حضَّ على لبسه حيًّا أو ميِّتًا! فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنِ ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "البَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ البَيَاضَ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ".


وقد علَّل ذلك في رواية النسائي عَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه بقوله: "الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ".


فذكر أنها أطهر؛ لأن اللون الأبيض يُظْهِر أيَّ نجاسة تعلق بالثوب، فيسهل على المسلم تطهيره، وهي أطيب لأنها تُشِيع أجواء الهدوء والراحة، وهو أمر تكاد تُجمع عليه الشعوب المختلفة، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه السُّنَّة أن يجعل شكل المسلم مألوفًا مقبولاً من الجميع، وعليه فإن لبس الأبيض -خاصة في التجمُّعات الكبرى، كصلاة الجمعة والأعياد- لأمر يدفع إلى السرور والراحة، وهو في النهاية تقليد لرسول الله صلى الله عليه وسلم نطمع أن يكون لنا فيه أجر.

خواطر الصمت 08-17-2015 04:56 PM

39- سُنَّة صلاة الاستخارة


كم من المرَّات أثناء اليوم الواحد نشعر بالحيرة في أمرنا، ونتردَّد في أخذ قرار من القرارات؛ حيث تبدو لكل قرار بعض السلبيات إلى جوار بعض الإيجابيات؟! وهنا يُعَلِّمنا الرسول صلى الله عليه وسلم سُنَّة جميلة تُريح بالنا، وتهدي طريقنا؛ وهي سُنَّة استخارة ربِّ العالمين؛ فقد روى البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ، يَقُولُ: "إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي".


قَالَ: "وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ". ويتضح من هذا الوصف لجابر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُعَلِّم الصحابة الاستخارة في مواقف كثيرة، وليس -كما يظن بعضهم- عند الأحداث الكبرى فقط، وليس بالضرورة أن يرى المستخير رؤيا لكي توضِّح له الاختيار الذي يُريده الله عز وجل، بل يمضي المستخير فيما يستريح له من اختيار، فإن وجد تيسيرًا مضى وأكمل، وإن وجد غير ذلك توقَّف، ودعاء الاستخارة يكون قبل السلام من الصلاة أو بعده، ويجوز قوله دون صلاة إن تعذَّرت الصلاة كحالة المرأة الحائض، أو عدم وجود فرصة للصلاة لأي سبب، وما أروع أن تستشعر أن مُعِينك على الاختيار الأصوب هو الله العليم الخبير.


ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

خواطر الصمت 08-17-2015 05:00 PM

40- سُنَّة صلاة الوتر


كانت لسُنَّة صلاة الوتر أهمية خاصة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لدرجة أنه كان يُوصي أصحابه بها على وجه الخصوص؛ فقد أوصى بها أبا هريرة رضي الله عنه مع بعض العبادات الأخرى؛ وذلك كما في رواية البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِثَلاَثٍ: "صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ". وأوصى أبا الدرداء رضي الله عنه الوصية نفسها؛ فقد روى مسلم عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، قَالَ: أَوْصَانِي حَبِيبِي صلى الله عليه وسلم بِثَلاَثٍ، لَنْ أَدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ: "بِصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاَةِ الضُّحَى، وَبِأَنْ لاَ أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ".


وصلاة الوتر تكون بعد صلاة قيام الليل؛ وذلك لحديث البخاري ومسلم عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: إِنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ صَلاَةُ اللَّيْلِ؟ قَالَ: "مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ، فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ".


وروى البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا".


وصلاة الوتر يمكن أن تكون قبل النوم، ويمكن أن تكون بعد الاستيقاظ من النوم؛ فقد روى الحاكم -وقال الذهبي: صحيح- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: "مَتَى تُوتِرُ؟" قَالَ: أُوتِرُ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ. وَقَالَ لِعُمَرَ: "مَتَى تُوتِرُ؟" قَالَ: أَنَامُ ثُمَّ أُوتِرُ. فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ: "أَخَذْتَ بِالْحَزْمِ" أَوْ بِالْوَثِيقَةِ. وَقَالَ لِعُمَرَ: "أَخَذْتَ بِالْقُوَّةِ".


ويُشْتَرط أن يكون الوتر قبل صلاة الصبح لحديث مسلم أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه أَخْبَرَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوِتْرِ، فَقَالَ: "أَوْتِرُوا قَبْلَ الصُّبْحِ".


وقد بلغ من حرص الصحابة على صلاة الوتر أن خاف عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن يظن الناس أن الوتر فريضة، فقال -كما روى الترمذي، وقال الألباني: صحيح-: الوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَصَلاَتِكُمُ المَكْتُوبَةِ، وَلَكِنْ سَنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ، فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ القُرْآنِ". فلنحرص على هذه السُّنَّة المهمَّة.

خواطر الصمت 08-17-2015 05:00 PM

41- سُنَّة الجلوس في المصلى بعد الفجر


كان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبقى في المسجد بعد صلاة الفجر يذكر الله عز وجل حتى طلوع الشمس؛ فقد روى مسلم عن جابر بن سَمُرَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا».


وطلوع الشمس حسنًا يعني ارتفاعها، وهي مدَّة ربع ساعة تقريبًا بعد الشروق، وهذه السُّنَّة تحتاج إلى إعداد، فمَنْ أراد أن يُطَبِّقها فعليه النوم مبكِّرًا، وعليه أن يجعل برنامج يومه يبدأ بعد الشروق؛ ومن ثَمَّ فسيحتاج غالبًا إلى النوم بعد الظهر لكونه بدأ يومه مبكِّرًا جدًّا، وهذا الترتيب ليس بالأمر السهل؛ لذلك جعل الله عز وجل أجر هذه السُّنَّة كبيرًا للغاية، فقد روى الترمذي -وقال الألباني: حسن- عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ».


قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ». فانظر كَمْ يصرف الناسُ من جهد ووقت ومال كي يقوموا بعبادة الحجِّ والعمرة، ثم ها هي الفرصة متاحة للمسلم أن يُحَصِّل ذات الأجر "تامًّا" وهو في بلده إذا أدَّى هذه السُّنَّة! ويمكن لمن يستصعب الأمر أن يبدأ بالتدرُّج، فيفعل ذلك يومًا أو يومين في الأسبوع، ثم بعدها سيُلْقِي اللهُ في قلبه حبَّ هذه العبادة فيحافظ عليها دومًا إن شاء الله.

خواطر الصمت 08-17-2015 05:01 PM

42- سُنَّة المنيحة


يحضُّ دين الإسلام على أن يُساعد المسلم أخاه، ويفتح الباب على مصراعيه لكي يبتكر كلُّ واحد منَّا طرق المساعدة المناسبة، ويُقَدِّم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض هذه الوسائل في كلماته وأفعاله، ومنها سُنَّة المنيحة، وهي أن يمنح المسلم أخاه شيئًا للاستفادة منه، والعمل به، ثم يُعيده إلى صاحبه بعد فترة من الزمان يُتَّفَق عليها، وضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمثلة لهذه المنيحة؛ منها ما رواه البخاري عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلاَهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا، وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا، إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الجَنَّةَ". ففي هذه السُّنَّة يمنح المسلم أخاه أنثى الماعز لكي يستفيد من لبنها فترة، ثم يُعيد الماعز إلى صاحبها.


ومثال آخر رواه الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ لَبَنٍ أَوْ وَرِقٍ، أَوْ هَدَى زُقَاقًا، كَانَ لَهُ مِثْلَ عِتْقِ رَقَبَةٍ".


والمنيحة المذكورة في هذا الحديث هي منيحة اللبن؛ أي الماعز أو البقر أو ما شابه، وكذلك منيحة الوَرِق؛ أي الفِضَّة، وذلك لكي يُتاجر فيها ثم يُعيد الأصل إلى صاحبه بعد مدَّة مُتَّفق عليها؛ أما هداية الزُّقاق فتعني هداية الأعمى.


وليست هذه الأمثلة فقط؛ بل ارتفع الرسول صلى الله عليه وسلم بمستوى المنيحة إلى درجة منح الأرض الزراعية! فقد روى البخاري عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَتْ لِرِجَالٍ مِنَّا فُضُولُ أَرَضِينَ، فَقَالُوا: نُؤَاجِرُهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ، فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ، فَإِنْ أَبَى، فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ".


وهذا الذي ذكرناه هو مجرَّد أمثلة للمنيحة، ويمكن لنا أن نمنح إخواننا شيئًا يُساعدهم أو يكتسبون منه دون أن تنتقل الملكية إليهم؛ كأن يمنح أحدُهم الآخرَ سيارته، أو آلات العمل، أو جهاز الكمبيوتر، أو أن تمنح المسلمة أختها جهازًا أو شيئًا يمكن أن يُساعد في البيت، أو تمنح عروسًا ملابسَ لزفافها، وكلُّ هذا على أن يُتَّفَق عند المنح على مدَّة معيَّنة تُعاد فيها المنيحة إلى صاحبها.


والمنيحة من أفضل طرق المساعدة؛ لأنها أسهل على النفوس من الهِبَة؛ فالمانح لا يتردَّد كثيرًا لأنه يعلم أن منيحته ستعود إليه، والممنوح لا يشعر بالحرج لأنه يُعْطَى بشكل مؤقَّت وليس في وضع المـُتَصَدَّق عليه، وسُنَّة المنيحة بذلك سُنَّة راقية جدًّا نحتاج أن ننشرها في مجتمعاتنا.

خواطر الصمت 08-17-2015 05:01 PM

43 - سُنَّة التزاور


في زمنٍ صارت المصالح المادية هي التي تحكم العلاقات بين معظم الناس تُصبح زيارة الأهل والأصدقاء دون مصلحةٍ ما أمرًا رائعًا حقًّا! ولكون الناس منشغلين بأمور حياتهم ومعاشهم فإن الله شجَّعهم على التزاور بتعظيم الأجر؛ فجعل ثواب ذلك هو تَحَقُّق محبَّة الله عز وجل للمتزاورين! فقد روى أحمد -بسند صحيح- عن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: "وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ".


وإنه لأمر عظيم حقًّا أن تنال محبَّة الله سبحانه بهذا العمل البسيط، ويُؤَكِّد هذا المعنى القصة اللطيفة التي حكاها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل زار صديقًا له فتحقَّقت له محبَّة الله عز وجل، فقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، "أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ. قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ".


فلتكن هذه السُّنَّة الرائعة عادة من عاداتنا، ولنُكثر منها في الأعياد والمناسبات خاصَّة.

خواطر الصمت 08-17-2015 05:02 PM

44 - سُنَّة الذكر والدعاء في الصباح والمساء


كثيرة هي الأذكار والأدعية التي كان يحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها في كل يوم وليلة، ومن هذه الأذكار والأدعية هذا النصُّ الشامل الذي بدأه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاعتراف لله بالوحدانية والتفرُّد في حكم السموات والأرض، ثم أتبع ذلك بدعاء خاشع يهتزُّ له القلب؛ فقد روى مسلم عَنْ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا أَمْسَى قَالَ: "أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ" قَالَ: أُرَاهُ قَالَ فِيهِنَّ: "لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، رَبِّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبَرِ، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ". وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا: "أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ".


ولْنلحظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعاذ في هذا الدعاء من كل الشرور التي يمكن أن يتعرَّض لها العبد في مستقبله؛ فهو يستعيذ أولاً من شرور الدنيا، وثانيًا من شرور القبر، ثم أخيرًا يستعيذ من شرور الآخرة، فجمع بهذه الكلمات القليلة خيرًا كثيرًا، فما أجدر المسلم أن يحفظ هذه السُّنَّة الجميلة، وأن يُرَدِّدَها مرَّة واحدة -موقنًا بها- كل صباح ومساء!

خواطر الصمت 08-17-2015 05:03 PM

45 - سُنَّة مجالس الذكر


من أعظم السنن التي هجرها كثير من المسلمين سُنَّة مجالس الذكر؛ فقد حضَّ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حضًّا مباشرًا، ورَغَّب فيها ترغيبًا عظيمًا؛ فقد روى مسلم عن أبي هريرة وَأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "لاَ يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ حَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ".


ورَغَّب الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل أكبر في مجالس الذكر وفصَّل فيها في رواية مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، فقَالَ: "إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً، فُضُلاً يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ، حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ، يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ. قَالَ: وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ. قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا: لاَ، أَيْ رَبِّ. قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ. قَالَ: وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا: مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ. قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ. قَالَ: فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا. قَالَ: فَيَقُولُونَ: رَبِّ فِيهِمْ فُلاَنٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ، إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ. قَالَ: فَيَقُولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ".


فعرفنا من الحديث أن مجلس الذكر يعني اجتماع عدد من المسلمين في مسجد، أو بيت، أو غيرهما، يقومون بالتسبيح والتكبير والتهليل والحمد والاستغفار والدعاء، فكانت النتيجة أن غفر الله لهم، وأجارهم من النار؛ بل وغفر لمن شاركهم مجلسهم مع عدم انعقاد نيَّته للذكر! إنها سُنَّة جليلة أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على مَنْ فعلها من صحابته؛ فقد روى مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجَ معاوية رضي الله عنه عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ. قَالَ: آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ؟ قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَاكَ. قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: "مَا أَجْلَسَكُمْ؟" قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسْلاَمِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا. قَالَ: "آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ؟" قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَاكَ. قَالَ: "أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي، أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلاَئِكَةَ".


فلنحرص على مثل هذه المجالس، ولنحرص كذلك على أن تكون موافقة للسُّنَّة بأن نذكر فيها ما ورد في السُّنَّة من أذكار، ونبتعد عن البدع والمنكرات، ونلتزم فيها الهدوء والسكينة.


ولا ننسَ شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

خواطر الصمت 08-17-2015 05:03 PM

46 - سُنَّة التعطر يوم الجمعة


ما أجمل أن يكون اجتماع المسلمين مبهجًا وسعيدًا! ولا شكَّ أن الروائح الطيبة تُشيع مثل هذه البهجة والسعادة؛ ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ هذه الروائح ويُشَجِّع المسلمين على حُبِّها، وقد روى النسائي -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ".


وتزيد أهمية التعطُّر عند الاجتماعات الكبيرة، التي من أهمِّها صلاة الجمعة؛ ولذلك كان من سُنَّته صلى الله عليه وسلم أن يتعطَّر على وجه الخصوص يوم الجمعة؛ فقد روى ابن ماجه -وقال الألباني: حسن- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ، جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ، وَإِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ".


وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم التعطُّر في ذلك اليوم مهمًّا إلى الدرجة التي تدفع الرجل إلى استخدام عطر زوجته إن لم يكن لديه عطر! فقد روى أحمد -وقال الألباني: صحيح- عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَالسِّوَاكُ، وَأَنْ يَمَسَّ مِنَ الطِّيبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَوْ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ". فلنحرص على هذه السُّنَّة الراقية.

خواطر الصمت 08-17-2015 05:04 PM

47 - سُنَّة الصلاة بالسجدة والإنسان فجر الجمعة


أحد أكبر مفاهيم العبادة هو الاتباع الدقيق للرسول صلى الله عليه وسلم في طريقته في الحياة دون تردُّد أو جدال؛ خاصة في الأمور التي يُسَمِّيها الفقهاء بالأمور التوقيفية؛ أي التي نتوقَّف فيها عند قول أو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس فيها مجال للاجتهاد؛ منها أمور الصلاة والصيام والذكر والحجِّ، ومنها كذلك أمور الاعتقاد والغيب والآخرة، ومن أمثلة السنن التوقيفية صلاته صلى الله عليه وسلم بسور معيَّنة في مواضع أو أوقات معيَّنة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا أمرًا مباشرًا عامًّا أن نلتزم بشكل صلاته دون تحريف ولا تبديل، وهذا في رواية البخاري عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ رضي الله عنه، عَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «.. وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي..».


وكان مِن سُنَّته صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي صلاة الصبح يوم الجمعة بسورتي السجدة والإنسان؛ فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الجُمُعَةِ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ، وَهَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ».


وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ السورتين كاملتين، ولم يكن يختار آية السجدة وما حولها من آيات كما يفعل بعض الناس اليوم، ولا أدري ما الذي جعل الناس تعتقد أن المراد بقراءة سورة السجدة هي آية السجدة تحديدًا! إنما السُّنَّة أن نقرأ سورة السجدة كاملة في الركعة الأولى، ثم نقرأ سورة الإنسان كاملة في الركعة الثانية، ولا حُجَّة لمن يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يُطَوِّل في صلاته بالناس. لأن التطويل أو التخفيف أمر نسبي، والمعيار الدقيق له هو سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي في فجر الجمعة تكون كما وضَّحنا.


أما لماذا اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتين السورتين لفجر يوم الجمعة؟ فهذا لم تُصَرِّح به الأحاديث؛ ولعلَّه لأنه جاء في السورتين ذِكْرُ خَلْقِ الإنسان، وقيام الساعة، ودخول الجنة، وكلها أمور حدثت أو تحدث في يوم الجمعة؛ وذلك لما رواه مسلم عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ».


فلْنحرص على هذه السُّنَّة، وأن لا نلوم أو نعتب على مَنْ قرأ بالسورتين بدعوى أنه أطال؛ بل نُشَجِّعه وندعمه، ولْنتدبَّر في معانيهما؛ ففيهما من الخير الكثير.

خواطر الصمت 08-17-2015 05:04 PM

48 - سُنَّة الدعاء بعد الطعام


من أعظم النعم التي يُنعم الله بها على عباده أنه يرزقهم الطعام، وقد ذكر الله عز وجل هذه النعمة على وجه الخصوص حين امتنَّ على قريش بنعمه، وحين أمرها بعبادته؛ قال تعالى: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ، إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 1-4]، فالإطعام من جوعٍ نعمة كبيرة تستحقُّ الحمد والشكر، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سُنَّة خاصة في هذا الشأن، فقد روى الترمذي -وقال الألباني: حسن- عن مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَكَلَ طَعَامًا فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ. غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".


فانظر إلى عظيم فضل الله عز وجل الذي رزقنا الطعام، فلما حمدناه عليه زادنا فضلاً بأن غَفَرَ لنا ما تَقَدَّم من ذنوبنا، فلْنحفظ هذا الدعاء، ولْنحرص على ترديده بعد كل طعام، فإن فيه خيري الدنيا والآخرة.

خواطر الصمت 08-17-2015 05:05 PM

49 - سُنَّة الاثنتي عشرة ركعة


إذا أردتَ بيتًا في الجنة فهاك السبيل! تُصَلِّي اثنتي عشرة ركعة نافلة غير الفريضة! روى مسلم عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها -زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ". قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


وَقَالَ عَنْبَسَةُ: "فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ أُمِّ حَبِيبَةَ".


وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ: "مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَنْبَسَةَ".


وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ سَالِمٍ: "مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ".


وهذه الصلوات النافلة محدَّدة وموزَّعة على اليوم والليلة، ووضحَّها حديث النسائي -وقال الألباني: صحيح- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ثَابَرَ عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ".


ووضح في الحديث الأخير أن المثابرة على أداء هذه السُّنَّة الجميلة هي التي ينال بها العبد هذه الهديَّة الربانية، فكُنْ مثل أم حبيبة رضي الله عنها، وعنبسة، وعمرو، والنعمان رحمهم الله -وهم رواة الحديث- الذين حافظوا على هذه السُّنَّة بمجرَّد سماعها، وقد قال عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ رحمه الله كلمة جميلة بشأن هذا الحديث فقَالَ: حَدَّثَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِحَدِيثٍ "يَتَسَارُّ إِلَيْهِ". ثم ذكر الحديث، وهو يعني أن الحديث يبعث السرور في النفس؛ لأنه سهل الأداء عظيم الأجر.

خواطر الصمت 08-17-2015 05:05 PM

50 - سُنَّة دعاء ركوب الدابة


يُعَلِّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نذكر اللهَ في كل أحوالنا؛ ومن ذلك أنه كان يذكره عند ركوبه للدابَّة، وله في ذلك سُنَّة معلومة؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا، أُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ، قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ". ثَلاَثًا، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا، قَالَ: "الحَمْدُ لِلَّهِ". ثُمَّ قَالَ: "{سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف:13-14]"، ثُمَّ قَالَ: "الحَمْدُ لِلَّهِ". ثَلاَثًا، "اللَّهُ أَكْبَرُ". ثَلاَثًا، "سُبْحَانَكَ إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ". ثُمَّ ضَحِكَ. فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ، ثُمَّ ضَحِكَ، فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "إِنَّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرُكَ".


فهذه سُنَّة جميلة نذكر فيها الله بأذكار كثيرة، كما ندعوه فيها دعاءً يعجب منه سبحانه! فما أسهل هذه السُّنَّة وأعظمها! وما أجمل أن نحافظ عليها عند ركوبنا للسيارات، أو الطائرات، أو المصاعد الكهربائية، أو الدواب، أو غير ذلك من وسائل الانتقال!

خواطر الصمت 08-17-2015 05:06 PM

- سُنَّة التسبيح والحمد كل يوم




أحيانًا عندما ينظر المسلم إلى رقم مائة يشعر أنه رقم كبير، وأنَّ ذِكْر الله بنوع معين من الأذكار مائة مرَّة في اليوم سيستغرق زمنًا طويلاً؛ ومن ثَمَّ يكسل عن مثل هذه العبادات التي تحتاج إحصاءً لعددٍ كبير من الأذكار؛ ولكنَّ الواقع ليس كذلك؛ فالسُّنَّة النبوية في الحقيقة سهلة التطبيق جدًّا، ومنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم في كل يوم: "سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ". مائة مرَّة، وهذه تستغرق في المعتاد دقيقتين ونصف فقط!


ولعلَّ الذي يُشَجِّعنا على المداومة على ذلك أن نعرف أجر هذا العمل اليسير؛ فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ. فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". فهذه مغفرة شاملة لذنوب هائلة.


وإذا أردتَ الخير الأكبر فلتقُلْ هذا الذِّكْر مائة مرَّة في الصباح ومثلها في المساء؛ لتُحَقِّق النجاح الذي يفوق نجاح كل البشر! فقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ: حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ. مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلاَّ أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ".


ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

خواطر الصمت 08-17-2015 05:07 PM

52 - سُنَّة حمل الأطفال في الصلاة


كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ للمسلم أن يحرص على الصلاة في أوقاتها، ويحبُّ له صلاة الجماعة، ويحب له في الوقت ذاته أن يكون رحيمًا بالآخرين، خاصَّة الضعفاء منهم، وهذا كله كان يتحقَّق بتطبيق السُّنَّة التي بين أيدينا؛ وهي سُنَّة حمل الأطفال الصغار أثناء الصلاة، فقد روى البخاري عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلأَبِي العَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا".


فهو بهذه السُّنَّة الكريمة يُحَقِّق أهدافًا عدَّة؛ فهو يُعَلِّم المسلمين ألاَّ يُؤَجِّلوا الصلاة بحجَّة رعاية الأطفال الصغار، وهو يُعَلِّمهم ألاَّ يتخلَّفُوا عن صلاة الجماعة بالحجة نفسها، وهو يُظْهِر في الوقت نفسه رحمة الإسلام في تشريعاته؛ حيث سمح للمُصلِّي أن يحمل الأطفال الصغار أثناء الصلاة؛ لكي لا يتسبب لهم في أذًى أو بكاءٍ أو خوفٍ، وهو يُظْهِر -أيضًا- رعاية الرسول صلى الله عليه وسلم لأولاده وأحفاده فلا يُلْقِي بعبء الرعاية كاملاً على كتف الأم؛ بل يُقَدِّم ما في وسعه لتحقيق الراحة للأسرة بكاملها.


ويمكن تطبيق هذه السُّنَّة باصطحاب الأطفال الصغار إلى المسجد، وحملهم إذا تطلَّب الأمر، كما يمكن للأمِّ في بيتها أن تحمل طفلها للصلاة به في أول الوقت، ولا تتعلَّل بانشغالها به فتؤخِّر وقت الصلاة لأجل ذلك.

خواطر الصمت 08-17-2015 05:07 PM

53 - سنة التهليل


روى البخاري ومسلم عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ".


هذه سُنَّةٌ جليلة، ولها من الأجر ما لا يمكن تخيله، ولقد نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل كلامه وكلام إخوانه من الأنبياء فوجد أن التهليل هو أفضل كلامهم مطلقًا، فقد روى الترمذي وحسَّنه الألباني عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".


وهذه السُّنَّة تأخذ منك يوميًّا حوالي عشر دقائق فقط، ويمكن أن تقولها وأنت في وسيلة المواصلات، أو في أثناء أداء بعض الأعمال التقليدية.

خواطر الصمت 08-17-2015 05:08 PM

54 - سُنَّة التنفس في الشراب


كثير من الناس يضع إناء الشرب على فمه فلا يُنزله حتى يرتوي تمامًا؛ بل قد يشرب أكثر من احتياجه الحقيقي، وهذا قد يُسَبِّب بعض الأمراض نتيجة سرعة امتلاء المعدة بالماء، وعلى عكس ذلك كانت سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان يشرب على ثلاث مرات وليس مرَّة واحدة، بمعنى أنه يشرب مرَّة دون ارتواء، ثم يُبْعِد الإناء عن فمه، ثم يشرب مرَّة ثانية، ثم يُبعد الإناء، ثم يشرب مرَّة ثالثة وأخيرة، وهو في كل مرَّة يأخذ نَفَسًا بعيدًا عن إناء الماء؛ فقد روى مسلم عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثًا، وَيَقُولُ: "إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ". قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: "فَأَنَا أَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثًا".


وأروى أي أكثر رِيًّا، وأبرأ أي أسلم من الأمراض، وأمرأ أي أجمل وأطعم، وبهذه الطريقة سيأخذ الجسم حاجته من الماء دون أن نفاجِيء المعدة بكمية كبيرة من الماء دون إنذار، وفوق ذلك سنأخذ أجر اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.

خواطر الصمت 08-17-2015 05:09 PM

55 - سُنَّة السلام على الأطفال


كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرَبِّي الأطفال على أن يكونوا رجالاً أصحاب وزنٍ وقيمة في المجتمع؛ فيشعر الطفل بذاته؛ ومن ثَمَّ يتحمَّل المسئولية مبكِّرًا، كما أن أخلاقه تتهذَّب بشكل تلقائي؛ فينشأ على مكارم الأخلاق دون تكلُّف، وهذا ينفع المجتمع كله، وكان من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتحقيق ذلك أنه إذا مرَّ على أطفال لم يتجاهل وجودهم؛ إنما يُلْقِي عليهم السلام محتفيًا بهم؛ فقد روى مسلم عن أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم «فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ». ولا شك أن الصبيان الصغار الذين سلَّم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شعروا بقيمتهم وأهميتهم؛ خاصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قائد الدولة بكاملها، فأثَّر ذلك في تكوينهم وتربيتهم، وهو أمر لفت نظر أنس رضي الله عنه فنقله إلينا، ولو كان حدثًا عاديًّا يفعله عامَّة الناس في زمانهم ما اهتمَّ أنس رضي الله عنه أن ينقله للناس بعد ذلك، فلْنحافظ على هذه السُّنَّة النبوية الراقية.

خواطر الصمت 08-17-2015 05:09 PM

56 - سُنَّة التقليل من الكلام


يختلف الناس في تحديد معايير حسن الخلق، وأفضل المعايير هو ما جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا ينطق إلا حقًّا، وقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا المُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: "المُتَكَبِّرُونَ". ففي هذا الحديث بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هناك ثلاث صفات ذميمة لا تكون في أصحاب الخلق الحسن، وكان أولها صفة الثرثرة؛ أي كثرة الكلام.


ولا شكَّ أن مَنْ يُكْثِر من الكلام يقع في الخطأ؛ لهذا يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "وَمَنْ كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ". ويقول الفضيل بن عياض: "الْمُؤْمِنُ قَلِيلُ الْكَلامِ كَثِيرُ الْعَمَلِ، وَالْمُنَافِقُ كَثِيرُ الْكَلامِ قَلِيلُ الْعَمَلِ". وقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ". فلنحرص على هذه السُّنَّة العظيمة، التي صارت نادرة في زماننا.

خواطر الصمت 08-22-2015 10:22 PM

57 - سُنَّة المصافحة


كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الناس أخلاقًا؛ وقد وَصَفَ اللهُ تعالى خُلُقَه بالعظمة فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه كان يتلطَّف في تعامله مع الناس؛ ومنها مصافحة الرجال إذا لقيهم، فصارت المصافحة بذلك سُنَّة عنه صلى الله عليه وسلم، وكانت له فيها طريقة جميلة نقلها ابْن سعد في طبقاته -وقال الألباني: حسن- عن أنس رضي الله عنه قال: "كانَ إِذَا لَقِيَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَامَ مَعَهُ قامَ مَعَهُ فَلَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ عَنْهُ، وَإِذَا لَقِيَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَتَنَاوَلَ يَدَهُ نَاوَلَهُ إِيَّاهَا فَلَمْ يَنْزِعْ يَدَهُ مِنْهُ حتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْهُ، وَإِذَا لَقِيَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَتَنَاوَلَ أُذُنَهُ نَاوَلَهُ إِيَّاهَا ثُمَّ لَمْ يَنْزِعْهَا حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَنْزِعُهَا عَنْهُ".


فهذه جملة من أخلاقه صلى الله عليه وسلم، ومنها -كما رأينا- أنه إذا صافح أحدًا لم ينزع يده من يد الرجل إلا إذا نزع الرجلُ يدَه، وفي هذا توقير واحترام للناس، وجدير بالذكر أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يُصافح إلا الرجال فقط، ولم يكن يُصافح النساء قطُّ؛ فقد روى مسلم عن عَائشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "وَلاَ وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ، غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلاَمِ". فهذه هي سُنَّته صلى الله عليه وسلم.


ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

خواطر الصمت 08-22-2015 10:23 PM

58 - سُنَّة الاجتماع على الطعام


كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضُّ الناس على الاجتماع وعدم الفرقة بوسائل كثيرة، ويستغلُّ مناسبات مختلفة لتحقيق الوحدة بين المسلمين؛ ومن هذه الوسائل الاجتماع على الطعام؛ فقد روى أبو داود وابن ماجه -وقال الألباني: حسن- عن وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ رضي الله عنه، أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّا نَأْكُلُ وَلا نَشْبَعُ. قَالَ: "فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ؟" قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ".


فهنا اشترط شرطين لتحقق البركة في الطعام؛ وهما: الاجتماع وتسمية الله قبل البدء فيه، وليست البركة فقط في الطعام وأثره في الجسم؛ إنما البركة كذلك في تحسُّن العلاقات الأسرية نتيجة تقابل الجميع على الطعام يوميًّا.

خواطر الصمت 08-22-2015 10:23 PM

59 - سُنَّة صلة القاطع


يعتقد بعضنا أن وصل الرحم يعني التواصل مع القريبين إلى قلوبنا من أقربائنا؛ أما الذين أساءوا إلينا فمن حقِّنا أن نقاطعهم؛ خاصَّة إذا كانوا هم البادئين بالقطيعة! هذا في الواقع غير صحيح! فصلة الرحم الحقيقية تعني وصل القاطعين الذين قاطعونا عن عمد وقصد! روى البخاري عن عبد الله بن عَمْرٍو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا».


وفي تطبيق عملي لهذا المعنى روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ[1]، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ».


لذا فعلينا لتطبيق هذه السُّنَّة النبيلة أن نبحث عن أقاربنا الذين نعتقد أنهم أخطئوا في حقنا فنصلهم ونحسن إليهم، ولا تؤجِّل عمل اليوم إلى الغد، مع الأخذ في الاعتبار أن الحقَّ قد لا يكون معنا في حكمنا على أخطاء غيرنا، وقد نكون نحن المخطئين في حقهم ونحن لا نشعر، فلنأخذ بالأحوط، ولنكن البادئين بالخير .

خواطر الصمت 08-22-2015 10:24 PM

60 - سُنَّة أذكار الإفطار


كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كل موقف من مواقف حياته ذِكْرٌ خاصٌّ يذكر به ربَّه تعالى، ويشكره ويحمده، وكان له ذِكْرٌ جميل عند إفطاره -صلى الله عليه وسلم- في أيام الصيام، فقد روى أبو داود - وقال الألباني: حسن- عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ».


والذِّكْر وإن كان قصيرًا فإنه يُعَبِّر تمام التعبير عن فرحة الرسول صلى الله عليه وسلم لإتمامه صيام يومٍ من الأيام، وهو مصداق لما رواه البخاري ومسلم عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ".


فكلمته: «ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ».


هي تعبير عن فرحته بفطره، وكلمة: «وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ».


هي تعبير عن فرحته بالأجر الذي سيُسعده عند لقاء ربِّه، فجاء الذكر النبوي مُعَبِّرًا تمامًا عن حالة الفرح التي ينبغي أن نكون عليها عند بلوغنا بنجاح لحظة الإفطار! إنها سُنَّة نبوية ممتعة، وليتنا نستشعر معانيها عند ذكرها.

خواطر الصمت 08-22-2015 10:24 PM

61 - سُنَّة الاستغاثة بالله في الصباح والمساء


ما أكثر المصائب التي يمكن أن يتعرَّض لها الإنسان كل يوم وليلة! والله عز وجل يحفظنا من كثير من هذه المصائب برحمته؛ قال تعالى: {فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 64]، وقد كان من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستغيث كل يوم وليلة برحمة الله من كل الشرور؛ فقد روى الحاكم -وقال الألباني: صحيح- عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ رضي الله عنها: "مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ أَنْ تَقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ وَإِذَا أَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرَفَةَ عَيْنٍ".


فهذه هي الاستغاثة الشاملة برحمة الله عز وجل، وقد أتبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلب إصلاح الشأن في الأمور كلها، وكذلك طلب التوكُّل على الله في كل أوقات الحياة، حتى استعاذ من الاتكال على النفس ولو طرفة عين! إننا نحتاج حقيقةً أن نُرَدِّد هذه الاستغاثة مرَّة في الصباح، وأخرى في المساء، عسى أن تُدركنا رحمة الله تعالى.

خواطر الصمت 08-22-2015 10:25 PM

62 - سُنَّة كثرة الاستعاذة من صور الضعف المختلفة


كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبُّ للمؤمن أن يكون ضعيفًا، وكان يقول كما روى مسلم عَنْ أبِي هريرةَ رضي الله عنه: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ".


ولهذا كان يُكْثِر صلى الله عليه وسلم من الاستعاذة من صور الضعف بأنواعها، وقد جمع بعضها في دعاء كان يُكْثِر من ترديده، فقد روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ -صلى الله عليه وسلم- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالبُخْلِ وَالجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ".


فلْنحفظ هذا الدعاء، ولْنُكْثِر من ترديده، وليس له وقت معين يُفَضَّل أن يُقال فيه، وقد جاءت رواية تُحَدِّد قوله في الصباح والمساء ولكنها رواية ضعيفة.

خواطر الصمت 08-22-2015 10:26 PM

63 - سُنَّة قراءة آخر آيتين في البقرة كل ليلة


مع أن القرآن كله من عند الله، ومع أنه كله معجز وعظيم، فإن الله عز وجل رفع قدر بعض الآيات على الأخرى، وجعل لقراءة هذه الآيات فضلاً لا يُدانيه فضل، ومن هذه الآيات الآيتان الأخيرتان من سورة البقرة؛ وذلك من أول قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} [البقرة: 285] إلى آخر السورة؛ فقد روى البخاري عَنْ أبي مسعود البدري رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ، مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ".


والحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم؛ لأن كلمة "كَفَتَاهُ" تحتمل معانيَ كثيرة، فمِن العلماء مَنْ يقول: إنها تعني أن الآيتين تجزئان عن قيام الليل. وبعضهم يقول: تجزئان عن قراءة القرآن بشكل عامٍّ في هذه الليلة. وآخرون يقولون: إنهما تكفيان من كل سوء. وفريق يقول: إنهما تكفيان من الشيطان. وغيرهم يقول: إنهما تكفيان للدلالة على الاعتقاد السليم. وبعض العلماء يرى أنهما تكفيان من الثواب؛ بمعنى أنهما يُحَقِّقَان ما يكفي من الثواب لمعادلة سيئات اليوم؛ وبالتالي النجاة، ويُحْتَمل -وهذا ما أراه- أن الكلمة تعني ذلك كله وأكثر؛ فهي آيات خاصة جدًّا، وقد ورد في قصتهما أحاديث عجيبة؛ فمن ذلك ما رواه الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ، أَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلاَ يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلاَثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ".


ومنه ما رواه النسائي وأحمد -وقال الألباني: صحيح- عن حذيفة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلاَثٍ: جُعِلَتِ الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا، وَجُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلاَئِكَةِ، وَأُوتِيتُ هَؤُلاَءِ الآيَاتِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ قَبْلِي، وَلاَ يُعْطَى أَحَدٌ بَعْدِي".


فهل بعد كل هذا الفضل يزهد مسلمٌ في قراءة هاتين الآيتين في كل ليلة؟! علمًا بأن قراءتهما لا تأخذ أكثر من دقيقتين فقط!


ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

خواطر الصمت 08-22-2015 10:26 PM

64 - سُنَّة قضاء الدين


من أعظم الهموم التي يمكن أن تقابل الإنسان همُّ الدَّيْن! وقد استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم استعاذة مباشرة؛ فقد روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ". وضلع الدَّيْن أي شِدَّته وثقله، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يستعيذ إلا من الأمور العظام، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم سداد الدَّيْن مخالفة شرعيَّة كبيرة إلى درجة أن الله لا يغفر ذلك للشهيد! فقد روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلاَّ الدَّيْنَ". ومن هنا كانت المساعدة في قضاء دَيْن المديونين سُنَّة نبوية عظيمة، ومن أعظم الأعمال عند الله؛ فقد روى الطبراني -وقال الألباني: حسن- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا..".


وقضاء الدَّيْن يكون بأكثر من طريق، فمنها -وهو أعلاها- أن تدفع عن المديون دون مقابل، ومنها أن تُقْرِضه إلى أجل، ومنها أن تجمع له قيمة الدين من الأصدقاء والمعارف، ومنها أن تتوسَّط له عند أحد الأغنياء ليدفع عنه، ومنها أن تتوسَّط له عند الدائن ليُسْقِط جزءًا من الدَّيْن أو كلَّه، أو يُؤَجِّل موعد السداد، أو بأي طريقة صالحة تُحَقِّق المطلوب، وما أكثر المديونين المتعسِّرين! وما أروع أن تكون ممن يُيَسِّرون على المعسرين! فقد روى مسلم عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ".. وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ..".

خواطر الصمت 08-22-2015 10:26 PM

65 - سُنَّة عدم تمني الموت


مع كثرة الأزمات التي نُقابلها في الحياة يتمنَّى بعضُ الناس الموتَ باعتبار أنه خلاصٌ من المشكلة؛ ولكن الحقيقة أن هذا التمنِّي هو هروب من الواقع لا يحسم حلاًّ، ولا يُنقذ أحدًا؛ ومن ثَمَّ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الشعور السلبي، وقال -فيما رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه-: "لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ المَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ".


فوجودنا في الحياة يمكن أن نجعله مفيدًا دومًا، فلو كنَّا من المحسنين ازددنا إحسانًا، ولو كنَّا من المسيئين كانت عندنا الفرصة للتوبة؛ ومع ذلك فقد فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم المجال لبعض الناس الذين يتعرَّضون لظروف قاسية أن يدعوا الله بالخلاص من الدنيا؛ وذلك على أن يكون الدعاء بالصيغة النبوية المشروعة في هذه الظروف؛ فقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي".


ولا ننسَ أن هذا الدعاء ليس هو الأصل؛ بل الأصل ألاَّ نتمنَّى الموت أبدًا، كما لا ننسَ شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

خواطر الصمت 08-22-2015 10:27 PM

66 - سُنَّة دعاء التهجد


يعجز العقل أن يتخيَّل عظمة هذه اللحظات الخالدة في عمق الليل، التي يتنزَّل فيها ربُّ السموات والأرض إلى السماء الدنيا يُخاطب عباده! فقد روى البخاري ومسلم -واللفظ لمسلم- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟". وفي هذه الأجواء الطاهرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصب قدميه قائمًا لله عز وجل يُصَلِّي صلاة التهجد، وكان من سُنَّته صلى الله عليه وسلم أنه يستفتح هذه الصلاة بدعاء خاشع يُناجي به ربَّه مناجاة العبد المحتاج، والذي يبحث عن الإجابة والعطاء والمغفرة؛ فقد روى البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أنه يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَقَوْلُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ الحَقُّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ".


فلنحرص على صلاة التهجد في هذا الوقت الشريف، ولنبدأ تهجُّدنا بهذه المناجاة الخاشعة.

خواطر الصمت 08-22-2015 10:27 PM

67 - سُنَّة تعظيم الرب في الركوع


يهتمُّ كثير من المسلمين بالسجود لأنهم يطلبون فيه ما يُريدون من الله عز وجل؛ بينما يغفلون عن الخشوع في الركوع، ولعلَّ بعضهم لا يكاد يبقى في ركوعه ثواني معدودات! بينما كانت سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركوع أن يُعَظِّم الربَّ سبحانه، وكأنه يُمَهِّد للسجود الذي سيسأله فيه؛ فقد روى مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلاَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلاَ وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ".


ومن تعظيم الله عز وجل أن يستوي الظهر في الركوع ولا نبدو في هيئة المتعجِّل الذي يُريد الرفع سريعًا، ومنه الإكثار من التسبيح بصيغة: سبحان ربي العظيم، لما رواه مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه في وصفه لصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: "سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ". وهي تذكر صفة العظمة تحديدًا، ثم نذكر الله بصيغة أخرى وردت في صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وفيها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ". والسبُّوح هو المبرَّأ من النقائص والشريك، والقدوس هو المطهَّر من كلِّ ما لا يليق بالخالق، والروح هو جبريل عليه السلام.


وورد كذلك في البخاري عَنْ عائشة رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي".


وروى مسلم عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أنه قال وهو يصف صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم: وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: "اللهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي".


فهذه كلها وسائل يُعَظِّم بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ربَّه تعالى في الركوع، وهي سُنَّة عظيمة ينبغي لنا أن نُطَبِّقَها.

خواطر الصمت 08-22-2015 10:28 PM

68 - سُنَّة زيارة القبور


يُقْبِل العبد على كثير من الآثام والشرور إذا نسي الآخرة؛ فالذي يحفظ العبد على الطريق المستقيم أنه يذكر موته، وبعثه، ثم حسابه بين يدي ربِّ العالمين؛ قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:37-41]؛ لهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصًا دومًا على تذكيرنا بالآخرة؛ لأن هذا هو الذي يحفظنا من الإغراق في الذنوب، أو تسويف التوبة، وكان له -صلى الله عليه وسلم- في ذلك طرق عدَّة، ومن هذه الطرق زيارة القبور؛ فقد روى أبو داود -وقال الألباني: صحيح- عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا، فَإِنَّ فِي زِيَارَتِهَا تَذْكِرَةً".


وروى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ، فَقَدْ أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ، فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ".


فهذه سُنَّة مهمة للأحياء والأموات، فالحيُّ يتذكر الموت والآخرة، وهذا يُعيده إلى طريق الله عز وجل، والميت يصله دعاء الزائر له، ويُخَفَّف به عنه؛ لذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكْثِر من زيارة قبور البقيع، فيتذكَّر الآخرة، ويدعو للموتى، وفي هذا خير كثير.

خواطر الصمت 08-22-2015 10:28 PM

69 - سُنَّة العطاء


جميل جدًّا أن يكون العطاء سُنَّة نبوية، فالعطاء شعور نبيل، والمجتمع الذي يتميَّز أفراده بالعطاء مجتمع سعيد، يشعر فيه الغني بالشفقة على الفقير، ويشعر فيه المحتاج بالأمان لوجود الكرماء حوله في مجتمعه، فيسود بذلك الحب والسلام، وتقل الجرائم والصراعات، وقد روى مسلم عن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: "مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ. قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ".


وكان له صلى الله عليه وسلم تميُّز خاصٌّ في بعض الأوقات كرمضان؛ فقد روى البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَلْقَاهُ، فِي كُلِّ سَنَةٍ، فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ».


وعلينا لتطبيق هذه السُّنَّة أن نُدَرِّب أنفسنا على "دوام" العطاء ولو بشيء بسيط، وأن نحاسب أنفسنا يوميًّا قبل أن ننام على عطائنا في هذا اليوم، وإذا مرَّ علينا يوم بلا عطاء فلْنبذل في اليوم التالي عطاءً مضاعَفًا، ولا نخشَ قلَّة المال؛ فإن الله يُعَوِّضنا ما أنفقناه؛ قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39].


الساعة الآن 05:22 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.