منتديات بنات فلسطين

منتديات بنات فلسطين (http://www.bntpal.com/vb/)
-   حـانة الآدباء والفـلاسفة والمفكريـن (http://www.bntpal.com/vb/f10/)
-   -   شخصيات سقطت من ذاكرة التاريخ (http://www.bntpal.com/vb/t45051/)

مصطفى الجنابي 08-05-2015 09:08 AM

الأمير الغازي عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية



إن الأمور الحتمية القدرية التي قضاها الله عز وجل والتي يغفل عنها معظم المسلمين ويجهلها تماماً أعداء الإسلام أن الله عز وجل قد حفظ أمة الإسلام من الزوال بالكلية واستجاب لدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم في ألا يسلط عليها عدو من سواها يستأصل شأفتها، فأمة الإسلام قد تضعف وقد تمرض مرضاً شديداً ويدب الوهن في كل أعضائها ولكنها لا تموت ولا تخلو الأرض أبداً إلى قيام الساعة من الجماعة المؤمنة الموحدة، فهي لا تنقرض وتزول مثلما حدث مع دول أخرى كبيرة مثل دولة الإغريق أو الرومان أو الفرس، وكلما سقط للمسلمين في بلد دولة قام لهم في بلد آخر دولة، وكلما اضطهدوا واستضعفوا في بقعة قووا وتجمعوا في بقعة أخرى، ومهما كانت الضغوط والابتلاءات على المسلمين فإن جذوة الإيمان تظل حية متقدة في قلوبهم ومن لا يصدق ينظر إلى مسلمي روسيا وما عانوه لعهود طويلة من نكال واضطهاد، ولما سقطت إمبراطورية الكفر نهض المسلمون من تحت الركام في أيديهم مصحفهم وفي قلوبهم هداية الإسلام، وفى نفس العام الذي سقطت فيه الخلافة العباسية العريقة تحت ضربات الجحافل الهمجية المغولية سنة 656 هجرية، ولد رجل وسط غمار هذه الأحداث الرهيبة، قدر له أن يكون منشأ دولة تنوب عن أمة الإسلام في التصدي لأعدائها لقرون عديدة، ودولة ستعيد مجد الخلافة الإسلامية ودولة ستنشر الإسلام في قلب أوروبا ويتحقق على يديها موعود النبي صلى الله عليه وسلم بفتح عقر دار النصرانية 'القسطنطينية'، ونعنى بها الدولة العثمانية التي تنتسب لبطلنا هذا الذي نؤرخ له .

أصل الدولة العثمانية


يرجع أصل الدولة العثمانية إلى الجنس التركي أو التركماني، وكلاهما واحد فالتركمان هو نحت لكلمتين هما 'ترك' و'إيمان' وكانت علامة على من يؤمن من قبائل الترك بالإسلام حيث كانت الوثنية منتشرة فيهم قبل الإسلام، وينتسب العثمانيون إلى قبيلة تركمانية كانت عند بداية القرن السابع الهجري الموافق الثالث عشر الميلادي تستوطن شمال العراق في إقليم كردستان، وتعيش على رعي الدواب، ولكن هذه القبيلة تحت الضغط المغولي الوحشي اضطرت للهجرة إلى بلاد الأناضول وذلك سنة 617 هجرية، واستقرت هذه القبيلة في مدينة 'أخلاط' وكانت من أملاك الأيوبيين، فلم يستقر بهم الحال بالمدينة فواصلوا الهجرة باتجاه الشمال الغربي حيث كانت دولة سلاجقة الروم وزعيمها علاء الدين السلجوقي.
كان دخول العشيرة التركمانية وزعيمها 'أرطغرل بن سليمان' إلى أرض سلاجقة الروم أشبه ما يكون بالملاحم الأسطورية وقصص التراث الشعبي المشوقة؛ ذلك لأن 'أرطغرل' وقبيلته عند دخولهم لأرض سلاجقة الروم وجد قتالاً شرساً تدور رحاه بين المسلمين والبيزنطيين وكانت الكفة قد أوشكت للميل ناحية البيزنطيين، وهنا تقدم أرطغرل ورجال قبيلته لنجدة إخوانهم في الدين من الهزيمة، وكان هذا التقدم سبباً لانتصار المسلمين على النصارى، وقدر 'علاء الدين' هذه الفعلة لأرطغرل وعشيرته وأعطاهم قطعة كبيرة من الأرض في الحدود الغربية على الحدود مع الدولة البيزنطية ليسكنوا فيها وأقام معهم حلف مودة وأخوة وجهاد ضد الدولة البيزنطية.

الأمير عثمان

ولد عثمان بن أرطغرل سنة 656 هجرية أي في نفس العام الذي سقطت فيه دولة الخلافة العباسية، أي أن عثمان ولد في أجواء مضطربة والأمة الإسلامية في حالة ضعف واضطهاد وتسلط من أعدائها، فتفتحت عيني الصبي الصغير على مآسي المسلمين وزوال هيبتهم وضياع خلافتهم، وتفتحت أيضا على عدو صليبي عنيد مرابط على ثغور قبيلته، فنشأ 'عثمان' محباً للجهاد، مشحوناً بالإيمان، تشتعل بداخله رغبة عارمة في استعادة أمجاد المسلمين والانتقام من أعداء الإسلام.
كانت القبيلة التركمانية التي هي معدن العثمانيين وأصلهم بحكم موقعها الجديد المجاور للبيزنطيين قبيلة جهادية معنية بأمور الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام، مما جعلها قبيلة مؤمنة يطغى عليها سمت الإيمان والحياة النقية فلا مجال للترف ولا وقت للهو واللعب بل حلقة مستمرة من الجهاد ضد أعداء الإسلام، لذلك نجد أن 'عثمان' كان ملازماً لأبيه أرطغرل في جهاده ضد الصليبيين، وأيضا ملازما لأحد علماء الدين الصالحين الورعين واسمه الشيخ 'إده بالي' القرماني، يتعلم على يديه ويبيت عنده الليالي، وكانت ابنة الشيخ صالحة وجميلة فأراد 'عثمان' أن يتزوجها فرفض الشيخ في بادئ الأمر ولكنه عاد ووافق بعدما قص عليه 'عثمان' هذه الرؤيا العجيبة، فلقد نام عثمان عنده يوما فرأى في منامه {كأن قمراً خرج من حضن الشيخ ودخل حضنه عند ذلك نبتت شجرة عظيمة من ظهره ارتفعت أغصانها إلى عنان السماء تحتها جبال عظيمة تتفجر منها الأنهار ثم تحولت أوراق الشجرة إلى سيوف مشرعة ناحية القسطنطينية} فاستبشر الشيخ 'إده بالى' بهذه الرؤيا ووافق على تزويجه من ابنته، وبشر عثمان بأنه وذريته سيرثون الأرض ويحكمون العالم.

انهيار مملكة سلاجقة الروم

كانت مملكة سلاجقة الروم قد تكونت بعد المعركة الخالدة 'ملازكرد' سنة 463 هجرية والتي انتصر فيها السلاجقة بقيادة ' ألب أرسلان' على جحافل البيزنطيين يقودهم الإمبراطور 'رومانوس ديوجين' وقد فتحت هذه المعركة الطريق أمام السلاجقة المسلمين للانسياح في منطقة الأناضول، وعين السلطان 'ملكشاه بن ألب أرسلان' أحد أقاربه وهو 'سليمان بن قتلمش' واليا على الأناضول أو آسيا الصغرى لمواصلة التوسع في أرض الروم واستمرت هذه المملكة أكثر من قرنين من الزمان وتعاقب عليها أربعة عشر حاكماً من سلالة 'سليمان بن قتلمش' حتى ظهر المغول في ساحة الأحداث.
بعدما اسقط التتار الخلافة العباسية واصلوا حملتهم البربرية لإبادة الإسلام وأهله، فاتجهوا ناحية الشام التي سقطت سريعاً في أيديهم ولكن الله عز وجل الذي حفظ الإسلام وأهله من سنة الاستئصال قيض المماليك وقائدهم سيف الدين قطز ليوقفوا الاكتساح التتري وينتصروا عليهم في معركة عين جالوت سنة 658 هجرية، وبعدها حول التتار وجهتهم إلى منطقة الأناضول حيث مملكة سلاجقة الروم والتي قد دب الضعف والتفرق بين أمرائها مما جعلها لا تصمد أمام ضربات التتار وخاف بعض أمرائها وتحالفوا مع التتار ضد إخوانهم المسلمين واستعانوا بالكافرين على المؤمنين، مما جعل الظاهر بيبرس يسير إلى بلاد سلاجقة الروم سنة 675 هجرية ويحاربهم مع حلفائهم التتار والكرج 'أهل جورجيا الآن' وينتصر عليهم في معركة البستان، ومع قوة المماليك وضعف المغول واهتمامهم بالعراق وما حولها فقط زالت دولة سلاجقة الروم وقامت مكانها إمارات في الأناضول منها أبناء أيدين وأبناء تركة وأبناء أرتنا وأبناء كرميان وأبناء حميد وأبناء صاروخان وغيرهم كثير.

قيام الدولة العثمانية


مر بنا كيفية دخول واستقرار القبيلة التركمانية بقيادة 'أرطغرل بن سليمان' في غرب الأناضول بعدما سمح لهم أمير إمارة القرمان علاء الدين السلجوقي بالاستيطان بإمارته وعقد حلفاً مع 'أرطغرل' للدفاع المشترك ضد العدو البيزنطي، ولما توفي أرطغرل سنة 687 هجرية تولى مكانه ولده عثمان، فبدأ يوسع أملاك القبيلة ناحية الغرب بموافقة علاء الدين أمير القرمان، وأصدر عثمان عمله باسمه كناية عن المكانة والسيادة .
في سنة 699 هجرية أغار المغول على إمارة القرمان ففر من وجههم 'علاء الدين' ودخل بلاد الروم وما لبث أن مات بها في نفس العام وتولى من بعده ولده 'غياث الدين' الذي حارب المغول ولكنه قتل في حربه ضدهم فأفسح المجال لعثمان أن يستقل بما تحت يديه من أراضي خاصة بعدما انفرط العقد بتلك البلاد الهامة والتي تعتبر ثغر المسلمين قبالة عدوهم العتيد؛ الدولة البيزنطية، وأعلن 'عثمان' قيام الدولة الإسلامية الجديدة في هذه البقعة الملتهبة من العالم، ولم يكن هذا التأسيس من باب حب السلطة والتملك، إنما كان حباً في نشر الإسلام.

عقبات فى الطريق


عندما قامت الدولة العثمانية وظهرت للوجود سنة 699 هجرية، كانت البقعة الملتهبة التي قامت بها مليئة بالعقبات والمشاكل التي ستصطدم حتماً ولابد بهذه الدولة الوليدة، هذه العقبات كانت كالآتي:
· عقبات داخلية وتتمثل في الإمارات المجاورة للدولة العثمانية مثل إمارات القرمان ومنتشا وصاروخان وغيرهم كثير، وكان أمراء تلك البلاد ضعفاء متفرقون يؤثرون الدنيا ومتاعها الزائل لذا قعدوا عن الجهاد واشتغلوا بخلافاتهم الداخلية ومطامعهم الشخصية عن نصرة الإسلام ومقارعة الأعداء مما أطمع فيهم المغول والصليبيون وغيرهم، وهؤلاء المتسلطون على إماراتهم رفضوا أية محاولة للاتحاد مع الأمير عثمان ووقفوا حجر عثرة في سبيل إعادة مملكة سلاجقة الروم المتحدة القوية بل وقفوا أمام أي اتحاد، وبالتالي كانوا عبئاً ثقيلاً على حركة الفتح الإسلامي.
· عقبات خارجية وتتمثل في الإمارات الصليبية المتناثرة في منطقة الأناضول الواسعة والذين يحكمون هذه المناطق على شكل الحكم الذاتي مع الارتباط الديني والقومي مع الدولة الأم 'بيزنطة'، مثل إمارة بورصة ومادانوس وأدره نوس وكستله وغيرهم، وهؤلاء عداوتهم أصلية وقديمة، لذلك قرر الأمير عثمان أن يبدأ رحلته الجهادية بمواجهة الصليبيين في منطقة الأناضول، خاصة وأن أمراء الصليبيين قد تنادوا سنة 700 هجرية بتكوين حلف صليبي لتصفية الوجود الإسلامي الجديد بالأناضول بعدما سقطت سلطنة سلاجقة الروم.


رحلة الجهاد المقدس



بدأ الأمير عثمان الأول رحلته الجهادية المقدسة واضعاً نصب عينيه هدفاً أسمى هو إعلاء كلمة الله عز وجل في فترة زمنية حرجة بالنسبة للأمة الإسلامية التي تعانى من ضربات التتار من ناحية الشرق وضربات الصليبيين الأسبان بالأندلس ناحية الغرب، وكانت صفات عثمان الأول الإيمانية وعميق حبه للدين غالبة وحاكمة على تحركاته وحملاته ، فكان لا يبدأ القتال مع أعداء الإسلام إلا بعد ما يعرض عليهم الخصال الثلاثة الإسلام أو الجزية أو القتال.
شعر سكان الأراضي القريبة من الدولة العثمانية الوليدة صدق إخلاص عثمان ونيته الجادة في نشر الإسلام فتحركوا وانضموا للأمير عثمان في رحلته الجهادية المقدسة، من هؤلاء جماعة 'غزياروم' أي غزاة الروم وهى جماعة إسلامية كانت ترابط على حدود الروم بنية الرباط وصد غارات الروم على المسلمين وذلك منذ عهد الخليفة العباسي المهدى بالله، أي أنهم كانوا أصحاب خبرة طويلة في قتال الروم، ومن هؤلاء أيضا جماعة 'الإخيان' أي الإخوان وهى جماعة من أهل الخير يعينون المسلمين ويقومون بخدمة المسافرين والجيوش المجاهدة وهى جماعة تتألف من كبار التجار وأصحاب رؤوس الأموال الذين سخروا أموالهم لنصرة الدين وأيضا جماعة 'حاجيات روم' أي حجاج أرض الروم وهى جماعة معنية بالعلم الشرعي وتفقيه المسلمين بأمور الدين، وكان لانضمام أمثال هذه الجماعات أثر قوى وزخر كبير للحملة الجهادية.
ظهرت شجاعة الأمير عثمان الأول وحزمه في المائة يوم الأولى من قيام الدولة العثمانية حيث شن أمراء النصارى بالأناضول حملة صليبية على الدولة الوليدة سنة 700 هجرية، فقاد عثمان الجيوش بنفسه وباشر القتال بسيفه ورمحه واستطاع بفضل الله عز وجل ثم قوة عزمه وشجاعته الفائقة في القتال أن يشتت هذه الحملة الغادرة ثم شرع بعد ذلك في فتح الحصون الصليبية ففتح حصون 'كته' و'لفكه' و'آق حصار' و'قوج حصار' وذلك سنة 707 هجرية، ثم فتح حصون 'كبوة' و'يكيجه' و'تكرربيكارى' سنة712 هجرية، ثم توج فتوحاته بفتح مدينة بورصة أو بورسة وذلك بعد مجاهدة ومحاصرة ومرابطة عدة سنوات قضاها الأمير عثمان في مواجهة عدوه حتى تم له الفتح سنة 717 هجرية، وأظهر فتح بورصة مدى صبر وثبات الأمير عثمان في جهاد أعداء الإسلام.
حاول أمراء النصارى في الأناضول إعادة الكرة مرة أخرى وتحالفوا هذه المرة مع 'المغول' الذين كانت تربطهم بالنصارى علاقة وثيقة قائمة في الأساس على كره الإسلام ومحاربة المسلمين وإلا فهؤلاء كفار مشركون والآخرون وثنيون يعبدون الشمس والكواكب، فجهز الأمير عثمان الأول جيشاً بقيادة ابنه الثاني 'أورخان' وسيره لقتال المغول قبل تحالفهم مع النصارى فأوقع بهم هزيمة كبيرة شتت بها شملهم وصرفهم عن فكرة الاتحاد مع البيزنطيين.


الشخصية الآسرة



كانت شخصية عثمان متزنة وخلابة وآثرة في نفس الوقت، فشدة إيمانه بالله عز وجل، وحماسته العالية في نشر الإسلام بأوروبا، جعلت منه شخصية شديدة الجاذبية للجميع مسلمين وكافرين على حد سواء، فلم تطغ قوته على عدالته ولا سلطته على رحمته، وكان إذا وعد وفى، فعندما اشترط أمير قلعة 'أولوباد' البيزنطية حين استسلم للجيش العثماني، ألا يمر من فوق الجسر أي عثماني مسلم إلى داخل القلعة التزم بذلك الأمير عثمان وكذلك كل من جاء بعده.
هذه الشخصية الجاذبة جعلت حتى أعداءه الكافرين ينبهرون بتلك الشخصية الباهرة فيدخلون في الإسلام، وأوضح مثال على ذلك القائد البيزنطي 'إقرنيوس' الذي كان والياً على مدينة بورصه والذي استمات في الدفاع عنها ودخل في صراع طويل مع الأمير عثمان حتى سقطت المدينة في النهاية بعد خمس سنوات من الحصار وخلال تلك الفترة احتك 'إقرينوس' بالأمير عثمان وانبهر بخصاله وأخلاقه النبيلة وشخصيته الآسرة وفى النهاية أعلن 'إقرينوس' إسلامه عن صدق ويقين، بل صار من كبار قادة الجيش العثماني الذي يحارب دولته الأصلية 'بيزنطة' وما أشبه هذه القصة بقصة إسلام القائد الرومي 'جريجورى بن تيودور' الذي تسميه المراجع العربية 'جرجة' والذي أسلم على يد الصحابي العظيم 'خالد بن الوليد' أثناء معركة 'اليرموك' الخالدة ودخل القتال مع المسلمين ضد بنى جنسه حتى استشهد آخر المعركة وهكذا أثر الشخصية الإيمانية وعملها في النفوس.

وصية رجل عظيم


ظل الأمير عثمان يعمل على تثبيت دعائم الدولة الإسلامية الوليدة في هذه البقعة الحساسة والملتهبة من العالم القديم ويؤسس الدولة على القيم الإيمانية والأخلاقية المتينة ليضمن لها بإذن الله الاستمرار والنهوض والبقاء، ظل هذا الرجل الصالح ناصحاً لأمته ولدينه حتى وهو على فراش موته وقد حفظ لنا التاريخ وصية الأمير عثمان لابنه وخليفته من بعده 'أورخان الأول' وهى تعتبر دستور الدولة العثمانية التي سارت عليه أيام قوتها وأوج مجدها إذ قال له:
{ يا بنى: إياك أن تشتغل بشيء لم يأمر به الله رب العالمين وإذا واجهتك في الحكم معضلة فاتخذ من مشورة علماء الدين موئلا} .
{ يا بنى: أحط من أطاعك بالإعزاز وأنعم على جنودك ولا يغرنك الشيطان بجندك ومالك وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة} .
{ يا بنى: إنك تعلم أن غايتنا هي إرضاء رب العالمين وأن بالجهاد يعم نور ديننا كل الأفاق فتحدث مرضاة الله جل جلاله} .
{ يا بنى: لسنا هؤلاء الذين يقيمون الحروب لشهوة حكم أو سيطرة أفراد، فنحن بالإسلام نحيا وللإسلام نموت وهذا يا ولدى ما أنت أهله} .

وهكذا يتضح لنا الأسس التي وضعها الأمير عثمان لمن بعده ومنها:

1. الإيمان العميق بالله عز وجل والعمل على اتباع أوامره وشريعته في شتى أمور الدولة.
2. مشورة العلماء وأهل الفقه والشرع في مجريات وأمور الحكم والنزول على رأى الشورى.
3. تحديد الهدف الذي قامت من أجله دولة بنى عثمان وهو إعلان كلمة الله ونشر دين الإسلام.
4. تحديد الوسيلة لتحقيق هذا الهدف وهو الجهاد في سبيل الله.

وفي سنة 726 هجرية توفي الأمير العظيم بعدما أسس دولة صغيرة مساحتها ستة عشر ألف كيلو متر مربع من الأرض ولكنها على تقوى من الله ورضوان وغاية جهادية جعلت هذه الدولة تمتد في ظرف قرن واحد من الزمان لتشمل آسيا الصغرى والبلقان ومعظم أوروبا الشرقية، ودحرت الدولة البيزنطية وفتحت القسطنطينية وأعادت الخلافة الإسلامية من جديد وتنشر الإسلام في قلب أوروبا

مصطفى الجنابي 08-05-2015 09:08 AM

الزعيم المورسكي مولاي عبد الله محمد - فارس الأندلس الأخير



قامت دولة الإسلام في الأندلس منذ سنة 92هجرية وظلت قائمة وصامدة تتقلب من طور لآخر ومن حال لحال بين قوة وضعف ووحدة وتفرق وعزة وذلة حتى تكاثرت عليها الخطوب وأحاط بها الأعداء من كل مكان فسقطت بعد عمر مديد وحكم فريد سنة 897هجرية أي أنها ظلت قائمة حية طيلة ثماني قرون، وهى بذلك تعتبر أطول دول الإسلام عمراً، وكان حادث سقوطها مدوياً آلم كل المسلمين على وجه الأرض، حتى أن سلطان مصر المملوكي وقتها 'الأشرف قايتباي' قد هدد فرناندو وإيسابيلا ملكي إسبانيا النصرانية بأن يقتل كل النصارى الموجودين بمصر واليمن والشام إذا أساءوا لمسلمي الأندلس بل إن حادثة سقوط غرناطة آخر معاقل الإسلام بالأندلس لتسامي حادثة سقوط بغداد وسقوط بيت المقدس في يد الصليبيين تارة وفى يد اليهود تارة أخرى، بالجملة كان حادث السقوط من أشهر وأخطر أحداث القرن التاسع الهجري ولكنه لم يكن الفصل الأخير في حياة المسلمين بالأندلس ، حيث جاءت بعد ذلك أحداث وفصول أشد مأساوية وأكثر إيلاماً، وبرز خلال تلك الفترة المجهولة تماماً لجمهور المسلمين العديد من الأبطال والفرسان الذين حاولوا استعادة الملك القديم، وصاحبنا هذا هو فارس الأندلس الأخير .

محاكم التفتيش



لم تكن الدموع التي ذرفها الأمير أبو عبد الله محمد وهو يسلم مفاتيح قصور الحمراء بغرناطة لملكي إسبانيا النصرانية 'فرناندو' و'إيسابيلا'، هي الدموع الأخيرة في بلاد الأندلس، إذ أعقبها الكثير والكثير من الدموع والدماء، فرغم العهود والأيمان المغلظة التي قطعها ' فرناندو' على نفسه ووقع عليها في وثيقة استلام غرناطة الشهيرة، إلا أن الله عز وجل الذي هو أصدق قيلا قال في محكم التنزيل 'لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ..' وقال 'إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا أيديهم وألسنتهم بالسوء ..' فأبت على فرناندو صليبيته أن يفي للمسلمين بشيء من العهود والمواثيق، وكانت هذه الوثيقة ستارا للغدر والخيانة وشنيع ما سيقترف بالمسلمين في الأندلس.
عهد الملك الصليبي 'فرناندو' إلى الكاردنيال 'خمنيس' مطران طليطلة ورأس الكنيسة الإسبانية مهمة تنصير مسلمي الأندلس، وكان هذا الرجل من أشد أهل الأرض قاطبة عداوة للإسلام والمسلمين، بل إن البغضاء المشحونة في قلبه كانت مضرباً للأمثال لعصور طويلة، فأنشأ هذا الرجل ما يسمى بديوان التحقيق أو عرف تاريخيا بمحاكم التفتيش وذلك سنة 905 هجرية، فكان أول عمل لهذه المحاكم أن جمعت كل المصاحف وكتب العلم والفقه والحديث وأحرقت في ميدان عام كخطوة أولى لتنصير المسلمين بقطع الصلة عن تراثهم وعلومهم الشرعية.
بدأت حملة تنصير المسلمين بعد ذلك بتحويل المساجد إلى كنائس ثم جمع من بقى من الفقهاء وأهل العلم وتم إجبارهم على التنصر، فوافق البعض مكرهاً وأبى الباقون فقتلوا شر قتلة، وكان التمثيل بجثث القتلى جرس إنذار لباقي المسلمين إما التنصير وإما الموت والقتل والتنكيل وسلب الأموال والممتلكات وكانت عملية التنصير مركزة على إقليم غرناطة ومنه انتقلت حمى التنصير إلى باقي بلاد الأندلس حيث كان هناك الكثير من المسلمين تحت حكم النصارى خاصة في الوسط والشرق.
هب المسلمون بما بقى عندهم من حمية وغيرة على الدين للدفاع عن هويتهم وعقيدتهم، فاندلعت الثورة في عدة أماكن من غرناطة وغيرها، واعتزم المسلمون الموت في سبيل دينهم، ولكنهم كانوا عزلاً بلا سلاح ولا عتاد، فقمع الصليبيون الثورات بمنتهى الشدة فقتل الرجال وسبيت النساء وقضي بالموت على مناطق بأسرها ماعدا الأطفال الذين دون الحادية عشرة حيث تم تنصيرهم، وبعد قمع الثورة بمنتهى العنف والقسوة، أصدر 'فرناندو' منشوراً بوجوب اعتناق المسلمين للنصرانية، وذلك سنة 906 هجرية ومن يومها ظهر ما يعرف في تاريخ الأندلس المفقود باسم 'الموريسكيين' وهى كلمة إسبانية معناها المسلمين الأصاغر أو العرب المتنصرين، ومحنتهم تفوق الخيال وما لاقوه وعانوه من إسبانيا الصليبية لا يخطر على بال .

الموريسكيون

ظهرت في بلاد الأندلس المفقود طائفة الموريسكيين وهم المسلمون الذين اضطروا للبقاء وأجبروا على إظهار النصرانية وترك الإسلام، وهذه الطائفة رغم البطش والتنكيل الشديد الذي تم بها لتجبر على التنصر، إلا إنها ظلت مستمسكة بدينها في السر، فالمسلمون يصلون سراً في بيوتهم، ويحافظون على شعائرهم قدر استطاعتهم وذلك وسط بحر متلاطم من الاضطهاد والتنكيل والشك والريبة.
كانت العداوة الصليبية المستقرة في قلوب الأسبان تجاه مسلمي الأندلس أكبر من مسألة الدين أو غيرها، فقد كانت هناك رغبة جامحة عند قساوسة ورهبان أسبانيا لاستئصال الأمة الأندلسية، فظل الموريسكييون موضع ريب وشك من جانب الكاردينال اللعنة 'خمنيس' وديوان التحقيق، فعمل 'خمنيس' على الزج بآلاف الموريسكيين إلى محاكم التفتيش حيث آلات التعذيب والتنكيل التي تقشعر لها الأبدان ويشيب منها الولدان وذلك للتأكد من صدق تنصرهم وخالص ارتدادهم عن الإسلام، وكانت أدنى إشارة أو علامة تصدر من الموريسكيين وتدل على حنينهم للإسلام كفيلة بإهدار دمائهم وحرقهم وهم أحياء، واستمرت إسبانيا الصليبية في سياسة الاضطهاد والقمع والتنكيل بالموريسكيين، وبلغت المأساة مداها بعدما أصدر 'شارل الخامس' قراراً بمنع سفر الموريسكيين خارج إسبانيا باعتبارهم نصارى ومن يخالف يقتل وتصادر أملاكه وعندها اندلعت الصدور المحترقة بثورة كبيرة في بلاد الأندلس.

الثورة الشاملة

كان تولى الإمبراطور 'فليب الثاني' عرش إسبانيا بداية حملة اضطهاد غير مسبوقة للموريسكيين الذين كانوا موضع شك دائم من قبل الكنيسة ورهبانها الذين كانوا يشعرون في قرارة أنفسهم أن الموريسكيين ما زالوا على الإسلام في سويداء قلوبهم، وكان 'فليب الثاني' ملكاً شديد التعصب، كثير التأثر بنفوذ الأحبار، فأصدر حزمة من القرارات جاءت بمثابة الضربة القاتلة لبقايا الأمة الأندلسية وذلك بتجريدها من مقوماتها القومية الأخيرة بتحريم استخدام اللغة العربية والملابس العربية، وعندها قامت الثورة الشاملة وكان مركز الثورة في منطقة جبل 'الشارات' واندلع لهيب الثورة منها في أنحاء الأندلس ودوت صيحة الحرب القديمة وأعلن الموريسكيون استقلالهم، واستعدوا لخوض معركة الحياة أو الموت، واختار الثوار أميراً لهم اسمه 'محمد بن أمية' يرجع أصله إلى بنى أمية الخلفاء كإشارة على استعادة الخلافة ودولة الإسلام في الأندلس مرة أخرى.
حقق الموريسكيون عدة انتصارات متتالية، اهتزت لها عروش النصرانية في أسبانيا وأوروبا، فأعدت أسبانيا حملة عسكرية ضخمة يقودها أمهر قادتهم هو 'الدون خوان'، وجاء المجاهدون المسلمون من المغرب العربي وانضمت فرقة عسكرية عثمانية للثوار جاءتهم من تونس، وكان الأسبان يقتلون من يقع في أسرهم ويمثلون بجثثهم أبشع تمثيل حتى الأطفال والنساء لم يسلموا من أفعالهم، وزاد ذلك الثوار يقينا بحتمية الاستمرار في الثورة والقتال حتى الموت، وقويت العزائم وتقاطر المجاهدون المغاربة على الأندلس، وهنا امتدت أيدي الغدر والخيانة في الظلام لتغتال حلم الأندلسيين بمكيدة شريرة ويقتل الأمير 'محمد بن أمية' قبل أن يحقق هدفه المنشود.

القائد الجديد

بعد اغتيال 'محمد بن أمية' لم تكن هذه الثورة لتقف أو تنتهي بموت زعيمها، فاختار الثوار أميراً جديداً هو ابن عم القتيل واسمه 'مولاي عبد الله محمد'، وكان أكثر فطنة وروية وتدبرا فحمل الجميع على احترامه ونظم جيش الثوار وجعله على الطراز الدولي ويفوق في تنظيمه الجيش الصليبي الأسباني واستطاع 'مولاي عبد الله' أن يستولي على عدة مدن هامة مثل مدينة 'أرجبة' التي كانت مفتاح غرناطة والتي كان سقوطها شرارة اندلاع ثورة الموريسكيين وذيوع شهرة 'مولاي عبد الله محمد'.
حشدت إسبانيا أعداداً ضخمة من مقاتليها يقودهم 'الدون خوان'، فحاصر هذا الجيش الجرار الثوار في بلدة 'جليرا' وكان مع الثوار فرقة من الجنود العثمانيين، ودارت رحى معركة في منتهى الشراسة أبدى فيها المسلمون بسالة رائعة، ولكن المدينة سقطت في النهاية ودخلها الأسبان دخول الضواري المفترسة وارتكبوا مذبحة مروعة شنيعة لم يتركوا فيها صغيرا ولا كبيرا ولا طفلا ولا امرأة، وحاول 'الدون خوان' مطاردة فلول الثوار ولكنه وقع في كمين للثوار في شعب الجبال عند مدينة 'بسطة' وأوقع الثوار هزيمة فادحة بالصليبيين الأسبان ، جعلت الحكومة الأسبانية تفكر في مصالحة الثوار المسلمين.


السلام الفاشل

عرضت الحكومة الصليبية الإسبانية على المسلمين الثائرين معاهدة سلام لإنهاء القتال، فبعث 'الدون جوان' إلى أحد الثائرين واسمه 'الحبقى' وقد لمحت فيه إسبانيا الصليبية بعض المؤهلات التي ترشحه للتفاوض وقبول شروطها المجحفة في السلام، وكانت شروط المعاهدة تتضمن وقف انتفاضة المسلمين فورا وفى سبيل ذلك يصدر وعد ملكي بالعفو عن جميع الموريسكيين الذين يقدمون خضوعهم في ظرف عشرين يوما من إعلانه ولهم أن يقدموا تظلمهم وشكاواهم مع الوعد بالبحث فيها ودراستها..!
وكل من رفض العفو والخضوع للسلطة الصليبية سيقتل ما عدا النساء والأطفال دون الرابعة عشرة والسبب بالقطع معروف النساء سبايا والأطفال ينصرون.
كانت شروط السلام الصليبي المعروض على الموريسكيين كفيلة بأن يرفض الأمير مولاي عبد الله محمد هذه المعاهدة الجائرة التي لا تعطى المسلمين شيئا وليس لها سوى هدف واحد وهو إيقاف ثورة المسلمين فقط لا غير، وأيقن المسلمون أن الأسبان الصليبيين لا عهد لهم ولا ذمة، فانقلب النصارى يفتكون بكل المسلمين في أنحاء أسبانيا سواءًا من اشترك في الثورة أم لم يشترك، واشتبك الدون خوان مع قوات مولاي عبد الله في عدة معارك ولكنها غير حاسمة، وفى نفس الوقت أبقى الأسبان على خط التفاوض مع الزعيم 'الحبقى' الذي رأى فيه النصارى السبيل لشق صف الثوار المسلمين.
سار مجرى القتال في غير صالح المسلمين لانعدام التكافؤ بين الطرفين خلا الإيمان بالله عز وجل، ورأى مولاي عبد الله أن أتباعه يسقطون من حوله تباعا وتجهم الموقف والقوة الغاشمة تجتاح كل شيء، فبدأ يفكر في الصلح والسلام ولكن بغير الشروط السابقة، وتدخل بعض زعماء الأسبان ممن له عقل وتدبير لإجراء الصلح، ولكن 'الحبقى' استبق الجميع وشق صف الثورة وخرج عن طاعة مولاي عبد الله ومن معه، وذهب بسرية من فرسانه إلى معسكر الصليبيين وقدم الخضوع والذلة إلى قائدهم 'الدون خوان'.
كانت هذه الخطوة الذليلة من 'الحبقى' محل سخط كل المسلمين وخاصة زعيمهم مولاي عبد الله، فلقد لمح أن 'الحبقى' يروج بمنتهى القوة لهذا السلام الذي هو خضوع وذلة بالكلية للصليبيين، وأن الصف المسلم يتصدع بمحاولات 'الحبقى' وأراجيفه، خاصة بعدما لمح المسلمون نية الصليبيين في نفيهم بالكلية عن الأندلس، وهذا يجعل الهدف والداعي الذي قامت من أجله الثورة في الأصل هباءاً منثوراً وكيف سيعيدون دولة الإسلام في الأندلس مرة أخرى إذا طردوا من أوطانهم، لهذه الأسباب كلها قرر مجلس قيادة الثورة إعدام 'الحبقى' الذي ظهر منه ما يدل على عمالته وولائه للصليبيين.

استئناف القتال

أعلن مولاي عبد الله أن الثورة لن تتوقف وأن الموريسكيين سيجاهدون حتى الموت وأن حلمهم بإعادة دولة الإسلام في الأندلس لم يمت في قلوبهم، وأنه يؤثر أن يموت مسلماً مخلصاً لدينه ووطنه مما بذلوا له من وعود معسولة وأماني كاذبة
وكان لهذا الموقف الشجاع من مولاي عبد الله فعل السحر في نفوس المسلمين في جميع أنحاء أسبانيا، فاندلعت الثورة كالنار في الهشيم، وقابل الأسبان ذلك بمنتهى القسوة والشدة بل والحقد الجنوني، حيث مضوا في القتل والتخريب لكل ما هو مسلم، وهدموا القرى والضياع والحقول حتى لا يبقى للثوار مثوى أو مصدر للقوت.
كانت لهذه القسوة المفزعة أثر كبير على نفوس الموريسكيين حيث فر كثير منهم من البلاد كلها إلى إخوانهم المسلمين في إفريقية، وفى 28 أكتوبر سنة1570 أصدر فليب الثاني قراراً بنفي الموريسكيين من مملكة غرناطة إلى داخل البلاد الأخرى بأسبانيا، ويوزعون على سائر الولايات الإسبانية بل مصادرة أملاكهم وأموالهم ، ووقع تنفيذ القرار في مشهد يندى له جبين البشرية من الخزي حيث السفك والنهب والاغتصاب، وسيق مسلمو غرناطة كالقطعان لمسافات طويلة حيث الجوع والعطش والمرض ثم وضعوا بعد ذلك فيما يشبه المعسكرات الجماعية حيث بقوا رهن المتابعة والرقابة الدائمة، وعين لهم مشرفاً خاصاً يتولى شئونهم ووضعت لهم جملة من القيود من يخالف أدناها يقتل شر قتلة.

الخيانة ونهاية البطل

بعد هذه الوحشية منقطعة النظير وبعد سلسلة من المذابح والمجازر البشرية المروعة في حق مسلمي الأندلس وبعد فرار الكثير من الموريسكيين إلى إفريقية وبعد نفي بقيتهم داخل أسبانيا لم يبق أمام الأسبان سوى آخر فرسان الأندلس مولاي عبد الله وجيشه الصغير الذي ظل مقاوماً للصليبيين معتصماً بأعماق الجبال، رافضاً للصلح أو المهادنة أو الخضوع لسلطة الصليب مهما كانت التضحيات، وهو في هذه الأثناء يقوم بحرب عصابات ضد الحاميات الأسبانية المنتشرة بغرناطة وأوقعت هذه الحرب خسائر فادحة بالأسبان، ولكنها أيضا أنهكت قوة جيش مولاي عبد الله الصغير.

ولأن هذا العصر وتلك الأيام كانت توصف بالخيانة والعمالة وحب الدنيا وكراهية الموت والخوف على النفس والمال والعيال، فلقد استطاع أعداء الإسلام أن يستقطبوا ويجندوا أحد ضباط مولاي عبد الله محمد ويغروه بالأموال والمنح والوعود والعفو الشامل إذا استطاع أن يسلمهم مولاي عبد الله محمد حياً أو ميتاً، وكان الإغراء قوياً ومثيراً والنفوس ضعيفة، فدبر هذا الضابط الخائن خطته لاغتيال آخر أبطال الأندلس، وفى ذات يوم هجم الخائن مع بعض من أغواهم على البطل مولاي عبد الله الذي قاومهم قدر استطاعته ولكنه وبعد معركة غير متكافئة سقط شهيداً، فقام الخونة بفعلة شنيعة حيث ألقوا جثته من فوق الصخور لكي يراها الجميع ويعلم أسيادهم الأسبان بنجاح مخطط الغدر والخيانة، وهكذا تدفع الأمة من جديد ثمن خيانة بعض أبنائها وتفقد ولداً باراً وبطلاً عظيماً قام بنصرتها والدفاع عن عرضها وحاول استعادة مجدها ولكنه وللأسف الشديد زمن الخيانة والعمالة!

هكذا يفعلون في أبطالنا


إن ميراث الحقد والعداوة الدفين في قلوب أعداء الإسلام ضد كل ما هو مسلم ليدعو كل صادق وغيور لأن يكون على استعداد دائم للمعركة التي يخطط لها أعداء الإسلام، والصدام الوشيك بين الحق والباطل، وما فعله الأسبان بجثة البطل الشهيد مولاي عبد الله يدل على مدى الحقد العمى المشتعل في قلوب أعداء الإسلام، حيث قام الأسبان بحمل الجثة إلى غرناطة وهناك استقبلوها في حفل ضخم حضره الكبار والصغار الرجال والنساء، ورتبوا موكباً أركبت فيه الجثة مسندة إلى بغل وعليها ثياب كاملة كأنه إنسان حي ومن ورائها أفواج كثيرة من الموريسكيين الذين سلموا عقب اغتيال زعيمهم، ثم حملت الجثة إلى النطع وأجرى فيها حكم الإعدام، فقطع رأسها ثم جرت في شوارع غرناطة مبالغة في التمثيل والتنكيل ومزقت أربعاً وأحرقت بعد ذلك في الميدان الكبير ووضع الرأس في قفص من الحديد، رفع فوق سارية في خاصة المدينة تجاه جبال البشرات معقل الثورة ومنشأها، وهكذا يفعلون في أبطالنا.

مصطفى الجنابي 08-05-2015 09:08 AM

الإمام شامل أسد داغستان


لقد اتبع النظام الشيوعي البائد في حكم ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي سياسة الستار الحديدي والتعتيم الكامل عما يجري على أراضيه عموماً وعلى المناطق الإسلامية خصوصاً حتى نشأت أجيال متعاقبة من أبناء المسلمين لا يعلمون أن لهم إخواناً في العقيدة يعانون من الظلم والقهر لقرون طويلة، ولم تتكشف هذه الحقيقة إلا بعدما سقط الاتحاد السوفيتي وظهرت الجمهوريات الإسلامية، وقام المسلمون من تحت ركام الطغيان الصليبي ثم الشيوعي، ليرووا لنا الأهوال التي لاقوها من أجل الحفاظ على دينهم وعلى هويتهم، التي ظلت صامدة راسخة في قلوبهم، واستعصت العقيدة المتغلغلة في نفوسهم على التغيير والتبديل، وقاموا ليرووا لنا تاريخ أبطالهم العظام الذين قادوا المسلمين في التصدي لحرب الروس، وهذه سيرة واحد من أعظم أبطال المسلمين في تلك المناطق .

الإسلام في بلاد القوقاز

يطلق لفظ بلاد القوقاز أو القفقاس أو القفجاق على المنطقة الشاسعة الواقعة بين بحر قزوين 'الخرز قديماً' والبحر الأسود، ولقد دخل الإسلام لهذه المناطق مبكراً عندما فتح 'سراقة بن عمرو' أذربيجان عام 22هجرية في عهد الفاروق عمر رضى الله عنه، ثم أتم عبد الرحمن بن ربيعة الفتح بدخول مدينة 'دربند' على ساحل بحر قزوين وكان العرب يسمونها 'باب الأبواب' وتقع في 'داغستان' ثم واصل 'سراقة بن عمرو' فتوحاته بالقوقاز ففي عهد الخليفة الراشد 'عثمان بن عفان' رضى الله عنه فتح أرميتيا وجورجيا، ثم ارتد الأرمن فجاءهم جيش بقيادة 'حبيب بن مسلمة' فأخضعهم [وهكذا نرى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيحون في أقصى أرجاء المعمورة فاتحين ومبشرين وهادين الناس لدعوة الإسلام، حاملين في أعناقهم أمانة تبليغ الإسلام للعالمين، رافعين راية التوحيد ليبددوا بها ظلمات الشرك والجاهلية ولو في آخر بلاد العالمين].
لم يستقر الوضع للمسلمين بهذه المناطق بسبب بعدها عن الجزيرة العربية وكثرة ثورات أهلها الذين لم يتعرفوا بعد على حقيقة الإسلام، وكان الإسلام قد انتشر في الجهات الشرقية 'داغستان والشيشان' والجنوبية 'أذربيجان'، وبقيت الأجزاء الوسطى والتي تتضمن بلاد جورجيا وأرمينيا نصرانية وعلى اتصال مباشر مع الدولة البيزنطية التي كانت تحرضهم على المسلمين باستمرار، واستمر الوضع هكذا أيام الدولتين الأموية والعباسية حتى ظهرت قوة السلاجقة الأتراك الذين سيطروا على بلاد القوقاز سنة 465 هجرية .
ومن حسن طالع هذه البلاد أنها كانت ضمن أملاك مغول القبيلة الذهبية أو أسرة 'جوجى بن جنكيز خان' وكانت هذه القبيلة أولى قبائل المغول إسلاماً خاصة أيام ملكهم العظيم 'بركة خان' فانتشر الإسلام أكثر فأكثر ببلاد القوقاز، ولكن انشغال ملوك هذه القبيلة بالحروب المستمرة مع بنى عموتهم 'الدولة الإيلخانية' هولاكو وأبنائه، صرفهم عن توسيع رقعة الإسلام بالقوقاز وظلت جورجيا وأرمينيا نصرانية.

بلاد القوقاز بين العثمانيين والصفويين

انقرضت دولة المغول وتفتت لدويلات صغيرة متناثرة هنا وهناك، وفى هذه الفترة تنامت قوى إسلامية جديدة على طرفي النقيض وهى الدولة العثمانية السنية والدولة الصفوية الشيعية وأيضا ظهرت قوة نصرانية جديدة وهى الدولة الروسية والتي حاولت أن تتوسع على حساب الدول الأخرى، وكانت منطقة القوقاز هي حلبة الصراع وتنازع القوى الثلاثة، ذلك لأنها تقع في وسط الدول الثلاث.
بدأ العثمانيون في مد نفوذهم إلى بلاد القوقاز والقرم خاصة بعدما استفحل الخطر الروسي والذي أخذ يبتلع بلاد التتر المسلمين فأوقفتهم الدولة العثمانية، وعلى الناحية الأخرى استطاع الصفويون ضم معظم أجزاء القوقاز بسبب انشغال العثمانيين بالحروب في البلقان، فلما تفرغ العثمانيين للقوقاز نزعوا كثيراً مما أخذه الصفويون، خاصة وأن الصفويين كانوا روافض يجبرون سكان القوقاز على الرفض والتشيع وتمكنوا من فرضه على سكان أذربيجان، فأوقف العثمانيون المد الشيعي لهذه البلاد، ونجح العثمانيون في نشر الإسلام بين القبائل التي لم تدخل الإسلام بعد فاعتنقته قبائل الشركسى والقبرطاى والأديغة والأنجاز والأوستين والأنجوس وأصبح غالب سكان القوقاز مسلمين سنة وتركز الروافض في أذربيجان، بينما بقى معظم الأرمن على نصرانيتهم .

الاحتلال الروسي للقوقاز


نستطيع أن نقول بمنتهى الوضوح والصراحة أن السبب الرئيسي وراء سقوط هذه البلاد الغالية في قبضة الاحتلال الروسي هو الكيد والتآمر الشيعي الخبيث الذي قامت به الدولة الصفوية الرافضية التي ظلت تحارب وتنازع الدولة العثمانية على منطقة القوقاز مما سهل على الروس التقدم واحتلال صحراء القوقاز، ثم احتلال بلاد القوقاز شيئاً فشيئا فاحتلوا أولاً داغستان المطلة على بحر قزوين ثم الشيشان ثم توالى السقوط بتوالي هزائم الدولة العثمانية أمام الروس.

عمل الروس منذ أن وطئت أقدامهم النجسة هذه البلاد الطاهرة على تغيير الهوية والصبغة الإسلامية لأهل القوقاز فنشروا المفاسد وأباحوا المحرمات وعطلوا الشريعة وبذروا الفتنة بين المسلمين واصطنعوا عملاء وجواسيس لهم في كل قرية وبلد في القوقاز، وأثاروا النعرات القبلية بين القبائل والقوميات المختلفة، ونصبوا حكاماً وأمراء من المسلمين الموالين لهم ممن يؤثرون دنياهم ومصالحهم الشخصية على حساب دينهم وعقيدتهم، ونجح الروس إلى حد ما في طمس الهوية الإسلامية للشعوب القوقازية ونشر بعض المفاسد مثل الخمر الذي انتشر بين أبناء الشعوب القوقازية هناك، واسمع لوصف داغستان من واحد من أكبر علماء البلاد وقتها وهو العلامة 'سعيد الهركانى' وهو يدعو تلاميذه للهجرة من هذه البلاد الظالم أهلها فيقول 'اعلم أن دار داغستان هو معدن الأخطار ومسكن الأشرار ومنبع المآثم والأكدار لا تقام فيها الحدود، ولا توفى فيها العهود، وأهلها عبيد العارات، ومضيعوا الصلوات، ومرتكبوا الشهوات، ليس لهم همة سوى جمع الحطام من غير تفرقة بين الحلال والحرام، وحكامهم فجار، وولاتهم أشرار وعلماؤهم ذئاب على أجسادهم ثياب، فإن أردت اللحوق بالأبرار فعليك بالنقلة عن تلك الديار' ونحن نلحظ من هذه الرسالة مدى الفساد واليأس المنتشر بين أهل البلاد تحت تأثير الاحتلال الروسي .

ثورة الأحرار


كانت روسيا تتبع مع سكان داغستان نظام الحكم شبة الذاتي، حيث تركت إدارة البلاد بعد تقسيمها لعدة إمارات بيد المسلمين الموالين لها من الأمراء الطامعين الدنيويين، والاشتراط عليهم بالحكم بقوانين وعادات الروس وليس بالشريعة الإسلامية التي هي بالطبع تقوم السلوك وتصحح الانحراف وتأبى على المتحاكمين إليها بالخضوع والذلة لأعداء الإسلام، وتولى هؤلاء الأمراء الخونة مهمة قطع وطمس هوية الشعب الداغستانى المسلم، واستمر الوضع كما هو عليه عشرات السنين حتى بدأ الأحرار من المسلمين الصادقين في الشعور بحتمية التخلص من نير الاحتلال الروسي وإنقاذ بلاد الإسلام ودينهم من جور الكفرة الذين يريدون طمسه بالكلية .
نستطيع أن نقول أن الذي قاد الثورة في داغستان هم العلماء والشيوخ وكان أول من قاد الثورة هو الشيخ العلامة 'محمد الكمراوي' وكان من كبار علماء داغستان وله تلاميذ كثر على رأسهم الشيخ 'شامل أفندي' بطلنا المقدام، واستطاع العلامة المجاهد 'محمد الكمراوي' أن يعد جيشاً صغيراً يقدر بثمانية آلاف مقاتل مسلم من أهل البلاد، حقق به عدة انتصارات باهرة على القوات الروسية ولكنه سرعان ما استشهد رحمه الله في معركة 'كيمرة' ضد الروس وذلك سنة 1248 هجرية وأصيب الشيخ 'شامل' إصابة شديدة ولكنه نجا، وكان العلامة 'محمد الكمراوي' شديد الحماسة والغيرة على الإسلام وفي منتهى الشدة على الخونة والمنافقين من الموالين لروسيا، وألف رسالة صغيرة بعنوان 'إقامة البرهان على ارتداد أمراء داغستان' ويعني بهم التاركين لحكم الشريعة الإسلامية، الموالين لروسيا الصليبية، وبالجملة وعلى الرغم من قصر مدة ثورة 'محمد الكمراوي' إلا أنها استمرت من بعده ولم تهدأ طيلة ثلاثين عاماً متصلة.
بعد استشهاد الإمام الغازي والشجاع الباسل 'محمد الكمراوي' في جهاده ضد الروس ، تولى القيادة بعده الشيخ 'حمزة بك علي' واستطاع أن يكسر شوكة أمراء 'أوار' الموالين للروس الخائنين للإسلام ولكن لم يمضي عليه سوى سنة ونصف حتى قتله رجل منافق اسمه 'عثمان' بدافع من الروس وذلك يوم الجمعة حين ذهابه للصلاة إلى جامع البلد الكبير، 'وهكذا يلعب دائما المنافقون أقذر الأدوار في تعطيل مسيرة النهضة والتحرر ولولا هذا الطابور الخامس المندس في صفوف أمة الإسلام ما سقط بلد مسلم قط بيد أعداء الإسلام وما حدث في أفغانستان والعراق خير دليل على دور المنافقين الخطير في هدم الأمة وتسليمها لأعدائها'.



الإمام شامل



انتقلت قيادة الثورة إلى الشيخ الإمام 'شامل بن دنكاو الداغستاني' وكان هو بحق رجل الساعة وفارس الساحة والأسد الجبلي الذي لا يقوى عليه أحد من أعداء الإسلام، ولد 'شامل' سنة 1212 هجرية في قرية 'كيمرة' من مديرية 'خونزاخ' على نهر 'قويصو' وهى قرية زراعية مشهورة بالفواكه الجيدة، أخذ في حداثة سنه عن العالم المتبحر 'سعيد الهركاني' وصحب منذ صغره الشيخ المجاهد 'محمد الكمراوي' قائد الثورة الأول في رحلته العلمية وعكف معه على العلم والعبادة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، حتى قامت الثورة المباركة وكان 'شامل' الذراع اليمنى لمحمد الكمراوي وقائد جيوشه وشريكه في الأمور حتى ليلة استشهاده، ثم اشترك مع القائد الثاني 'حمزة بك على' حتى استشهاده هو الآخر، فأجمع الناس على تولية الشيخ 'شامل' قيادة الثورة ومن يومها أصبح اسمه الإمام شامل.

دولة داغستان الإسلامية

عندما استلم الإمام 'شامل' قيادة الحركة المباركة لطرد الروس من داغستان، كان يملك رؤية شاملة ومتكاملة عن شكل المجتمع المسلم الذي سيكون عليه الناس في داغستان بعد تطهيرها من دنس الروس الكفرة، وهو ليس قائد ثورة فقط بل حمل على عاتقه جميع شئون الملة من إحياء للدين الإسلامي ونشر العلم وتطبيق الشريعة وإقامة العدل وتطهير المجتمع من الآثار المرذولة التي خلفها الاحتلال الروسي للبلاد، وجاءت خطوات الإمام 'شامل' لتحقيق هذا الهدف كالآتي:

أولاً: القضاء على المنافقين

قام الإمام شامل أولاً بتطهير المجتمع الداغستانى من العملاء والموالين للاحتلال الروسي، فحارب جميع الذين والوا الروس وشايعوهم ضد إخوانهم في الدين والوطن، وألح في جهادهم حتى طهر منطقة 'أوارستان' منهم وهاجم الحاميات الروسية الموجودة بها حتى اضطرهم للجلاء عن معظم جبال داغستان بعدما كانوا قد أقاموا حصوناً وبروجاً ضخمة بها.

ثانياً: ضم الشيشان مع داغستان

لم يكن هدف الإمام 'شامل' تحرير داغستان فقط من نير الاحتلال الروسي، بل كان يهدف لتطهير منطقة القوقاز بأسرها من الروس، واستعادة الحكم الإسلامي عليها مرة أخرى، لذلك عمل الإمام 'شامل ' على توسيع قاعدة الدولة الإسلامية، فانتقل بالثورة إلى الشيشان حيث الرجال الأشداء والأبطال الكواسر وأسود الجبال الضارية، وبالفعل هناك قوي عضده واشتد ساعده وجمع شمله وصار قوة كبيرة يخشى بأسها، وأنزلت هذه القوة العديد من الهزائم المدوية على الجيش الروسي، خاصة في معركة 'ويدانو' سنة 1251 هجرية التي قتل فيها ستة آلاف صليبي روسي وكانت فاتحة إقبال 'شامل ' وحركاته على الصعيد القوقازي.

ثالثاً: بناء الجيش النظامي

كان الإمام 'شامل' يعلم علم اليقين قوة خصمه ومدى حجم جيوشه، ويعلم أيضا أنه يهدف لغاية عظيمة تحتاج لجهد وعرق وعمل دؤوب ليل نهار، وتحتاج أيضا لترتيب وتنظيم ودراسة لكل خطواتها لذلك شرع منذ البداية في بناء جيش نظامي قوي وكبير بلغ تعداده ستين ألف مقاتل مسلم وأنشأ مصانع لإنتاج البارود والذخيرة وتصنيع المدافع، وعهد بذلك للحاج حسين يوسف الشيشاني وهو مهندس رحل إلى مصر لتعلم العلوم الشرعية والفنون الحربية والهندسة ومكث سنوات في شغل وتحصيل، ثم عمل بالحكومة المصرية وترقى في سلم الوظائف ولما سمع بثورة العلماء بقيادة 'شامل' استقال من منصبه وعاد إلى القوقاز لتولي مهمة وزير الإنتاج الحربي بالعرف الحديث.

رابعاً: نشر العلم

لقد عمد الاحتلال الروسي على تنحية الشريعة من حياة المسلمين في داغستان وبلاد القوقاز لينشأ أجيال من المسلمين لا يعرفون شيئاً عن دينهم وعقيدتهم، وليسهل نشر المفاسد والمحرمات بينهم وهذا يسهل بدوره عملية التنصير المحمومة التي كان يقوم بها الروس في بلاد القوقاز، فلما قامت الثورة المباركة بقيادة 'شامل' عمل على نشر علوم الشريعة بين أهل القوقاز، فقام 'شامل' بتقسيم جميع مناطق ولايته إلى النواحي، وعين لها نواباً، وقضاة، وعلماء ومعلمين، وقد جمع حوله العلماء الكبار في منطقة داغستان وما حولها، فبدأوا في تعليم الناس فرائض دينهم ومعاني التوحيد وأنشأوا المدارس الدينية والمساجد والزوايا لتعليم القرآن والسنة، ولقد انضم لشامل مجموعة من العلماء العاملين المجاهدين المخلصين الذين استشهد معظمهم أثناء الجهاد ضد الروس بل لا يعلم أحد منهم مات على فراشه فكلهم شهداء في ساحات الوغى أمثال العالم 'سورخاي الأوراي' و'ملا رمضان الجاري' و'بارتيخان' و'أبو بكر الجركوي' وكلهم استشهد في معركة 'أحول كوح' سنة 1253 هجرية، وبعضهم ذكرنا بالصحابة رضوان الله عليهم مثل العالم البطل 'علي بك خويصلو' الذي كان قاضياً في مدينة 'أرغن' فقد أصيب في معركة 'جرقطة' بطلقة مدفع في ساعده الأيمن فعطله عن مواصلة القتال فداس الساعد بقدمه ثم قطع باليسرى إياه وظل يقاتل حتى النصر ثم نال الشهادة في معركة أحول كوح {وهكذا يكون العلماء الربانيون الذين يعملون بما يعلمون ويفعلون ما يقولون الذين جمعوا بين العلم والعمل فصاروا سنداً للأمة وقت الأزمات وقادة لها عند نزول المهمات}


الأسد في الأسر



ظل الليث الجسور 'شامل' يدافع عن دينه وعن وطنه لا يطرأ عليه ضعف ولا يعتريه وهن ولا ملل خمساً وعشرين سنة، دوخ فيها الإمبراطورية الروسية، وكبدها خسائر بشرية ومادية ضخمة واستطاع أن يكون على الطراز الحديث المعروف بإسلامية الصبغة والانتماء جيشا قويا وبيت مال منظم ودقيق ومعامل ومصانع لزوم الجهاد والحياة، ولها الوزراء والأمراء والنواب والقضاة، ومن أعظم دلائل نجابته ومهارته أنه ألف من الأقوام الجبلية المختلفة الألسنة والطبائع جنداً منظماً قاوم به الروس الكفرة بما لديهم من إمكانيات دولة ضخمة خمس وعشرين سنة حتى اندهش له العالم بأسره، وذكر اسمه على صفحات الجرائد العالمية وندوات السياسة الدولية .
ولكن وعلى الرغم من نجاح 'شامل' في تحقيق هدفه إلى حد بعيد إلا أن الوهن والضعف قد دب في نفوس بعض أعوانه وقواده الذين دخلهم الضجر والملل من مواصلة القتال، أضف لذلك استغلال الروس لبعض ذوي النفوس المريضة الحاقدة الذين أكلت الغيرة قلوبهم تجاه سطوع نجم الإمام 'شامل'، ولجأ أعداء الإسلام للسلاح القديم الذي يلجئون إليه كلما فشلوا في ميادين القتال المفتوحة وهو سلاح الغدر والخيانة، وبالفعل وقعت مكيدة الخيانة ونسج الخونة خيوطهم على دولة الإسلام الوليدة في داغستان، ووقع الإمام 'شامل' في الأسر سنة 1276 هجرية، واهتزت روسيا طرباً وفرحاً بسقوط الإمام المجاهد في قبضتها، وحمل الإمام 'شامل' وأسرته إلى 'موسكو' وهناك استقبلوه بكل إعزاز واحترام لشدة هيبته ومكانته في العالم الإسلامي والدولي كله، ومكث الإمام 'شامل' مع أسرته في 'موسكو' تسع سنين، ثم سافر للحج بإذن من القيصر الروسي وبعد أن أدى مناسك الحج توفي رحمه الله ودفن بالبقيع حيث مرقد الأطهار والأشراف والأنصار سنة 1287 هجرية بعد حياة جهادية طويلة خدم فيها الإسلام وقاوم المد الكفري وأحيا العزائم من جديد وأشعل جذوة عز وكرامة بقيت متقدة في القلوب لم تطفئها الوحشية الشيوعية والقيصرية طوال مائة سنة حتى نال المسلمون استقلالهم .
وبالجملة كان الإمام 'شامل' من أعظم مجاهدي الإسلام وبطل من أكبر أبطاله حتى أنه صار قدوة ومثالاً للمسلمين المحرومين من نور الحرية في كل مكان، وجعلوه شيخ الإسلام وإمام الدين ومجدده وأثنى عليه علماء عصره وزكوه بما هو أهله مثل العلامة 'إبراهيم الباجوري' من علماء مصر والعلامة المحقق 'شهاب الدين المرجاني' من علماء الشام، وألف العلامة 'حسن الدمياطي الشافعي' من علماء مكة رسالة جيدة في سيرة الإمام 'شامل'، فرحم الله بطلاً خدم الإسلام خدمات جليلة ونساه المسلمون الآن فلم يعرفوا عن أخباره شيئاً .

مصطفى الجنابي 08-05-2015 09:08 AM

أمير المجاهدين قتيبة بن مسلم فاتح الصين الأعظم



هو البطل المغوار والقائد العظيم ميمون النقيبة وكبير مجاهدى الدولة الأموية بلا منازع وناشر الإسلام فى أقصى ربوع الأرض من ناحية الشرق وصاحب الراية التى لا تجاوز آى فاتح بعده مكانها، ومدخل الإسلام إلى بلاد الصين، صاحب الشخصية الجهادية الساحرة التى بهرت كل من رآه، وأسرت نفس كل من سمع أخباره، من أسلم على يديه الألاف من الكفرة حباً فيه وفى جهاده وشجاعته الذى انتصر على كل اعدائه، وحطم معابد الشرك والأوثان، ولم يفر أو يهزم فى معركة قط، صاحب الراية المباركة على الإسلام والمسلمين الأمير أبو حفص 'قتيبة بن مسلم بن عمر بن حصين بن ربيعة الباهلى' الذى أثبت بكل قوة ويقين كيف يكون الإنسان عصامياً وليس عظامياً، وأن وضاعة الأصل لا تؤثر بحال على صاحبها طالما كان صاحب همة وعزيمة وإيمان راسخ، ذلك لأن قبيلة 'باهلة' التى ينتمى إليها بطلنا العظيم، كانت من القبائل المرزولة والوضيعة عند العرب قبل الإسلام، يدلنا على ذلك الحديث الصحيح عندما سأل الأشعث بن قيس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال 'يا رسول الله أتتكافأ دماؤنا ؟ قال نعم ، لو قتلت رجلاً من باهلة لقتلتك' والرسول صلى الله عليه وسلم لا يهزأ أو يصخر من باهلة بهذا الحديث ولكن يضرب له المثل بأقرب المعانى والأفكار المتبادرة عن الشرف والوضاعة، فالإسلام جاء فألغى كل هذه الأوهام والعصبيات القبلية المقيتة وجعل ميزان التفاضل بين الخلق التقى والعمل الصالح لا الأهل أو النسب، وبفضل الله ورسوله ودينه ظهرت أمثال شخصية هذا العملاق الجهادى، الذى لولا الإسلام لم يكن له ذكر ولا ظهور ولا أثر .
ولد قتيبة بن مسلم سنة 48 هجرية بأرض العراق، وكان أبوه 'مسلم بن عمرو' من أصحاب 'مصعب بن الزبير' والى العراق من قبل أخيه أميرالمؤمنين 'عبد الله بن الزبير'، وقتل معه فى حربه ضد 'عبد الملك بن كروان' سنة 72 هجرية، وقد نشأ 'قتيبة' على ظهور الخيل رفيقاً للسيف والرمح، محباً للجهاد، وكانت منطقة العراق مشهورة بكثرة الفتن والثورات، لذلك عمل كل ولاة العراق على شغل أهلها بالجهاد فى سبيل الله لاستغلال طاقاتهم الثورية فى خدمة الإسلام ونشر الدعوة، لذلك كانت أرض العراق هى قاعدة الانطلاق للحملات الجهادية على الجبهة الشرقية للدولة الإسلامية، وقد اشترك 'قتيبة' فى هذه الحملات منذ شبابه المبكر، وأبدى شجاعة فائقة وموهبة قيادية فذة، لفتت إليه الأنظار خاصة من القائد العظيم 'المهلب بن أبى صفرة' وكان خبيراً فى معرفة الأبطال ومعادن الرجال فتفرس فيه أنه سيكون من أعظم أبطال الإسلام، فأوصى به لوالى العراق الشهير 'الحجاج بن يوسف الثقفى' الذى كان يحب الأبطال والشجعان، فانتدبه لبعض المهام ليختبره بها ويعلم مدى صحة ترشيح 'المهلب' له، وهل سيصلح للمهمة العظيمة التى سيؤهله إليها بعد ذلك أم لا؟


رحلة المجد الجهادى


بدأت رحلة المجد الجهادى لهذا القائد الفذ منذ 86 هجرية، وذلك عندما ولاه 'الحجاج بن يوسف الثقفى' ولاية 'خراسان' وهو إقليم شاسع مترامى الأطراف، لم يكن المسلمون قد واصلوا الفتح بعده، وكان 'المهلب بن أبى صفرة' والياً على خراسان من عام 78 حتى 86 هجرية، وقد رأى 'الحجاج' أن يدفع بدماء شابة جديدة فى قيادة المجاهدين هناك، فلم يجد أفضل من 'قتيبة بن مسلم' لهذه المهمة .
سار 'قتيبة بن مسلم' على نفس الخطة التى سار عليها آل المهلب، وهى خطة الضربات السريعة القوية المتلاحقة على الأعداء، فلا يترك لهم وقت للتجمع أو التخطيط لرد الهجوم على المسلمين، ولكنه امتاز عن آل المهلب بأنه كان يضع لكل حملة خطة ثابتة لها هدف ووجهة محددة، ثم يوجه كل قوته للوصول إلى هدفه، غير عابىء بالمصاعب أو الأهوال التى ستواجهه، معتمداً على بسالته النادرة وروح القيادة التى امتاز بها وإيمانه العميق بالإسلام .

استراتيجية الفتح الإسلامى

من ضمن الأباطيل التى يروجها المستشرقون على سيرة الجهاد الإسلامى فى الصدر الأول هو عدم وجود استراتيجية واضحة للفتوحات الإسلامية، يقول المستشرق 'أنتونى نتنج' وهو يجزم بباطله [ والحملات بعيدة جداً على أن تكون نتيجة لتدبير مقصود هادىء، إذ يبدو أنها بدأت كغارات قصد منها أن توجد مخارج جديدة للروح الحربية التى كانت تسود القبائل، والتى خطرعليها أن تشتبك فى معارك أخوية] وهذه شبهة واهية وباطل يرده أحداث التاريخ، ووقائع الفتوحات الإسلامية، وما قام به الأمير 'قتيبة بن مسلم' من تقسيم لحملاته الجهادية خير دليل على بطلان هذه الآراء والشبهات .
قام 'قتيبة بن مسلم' بتقسيم أعماله لأربع مراحل، حقق فى كل واحدة منها فتح ناحية واسعة فتحاً نهائياً ثبت فيه أقدام المسلمين للأبد :- وهى كالآتى: -
المرحلة الأولى --> قام فيها 'قتيبة' بحملته على 'طخارستان السفلى' فاستعادها وثبت أقدام المسلمين وذلك سنة 86 هجرية، وطخارستان السفلى هى الآن جزء من أفغانستان وباكستان .
المرحلة الثانية --> قاد فيها حملته الكبرى على بخارى فيما بين سنتى 87 ?90هجرية وخلالها أتم فتح بخارى وما حولها من القرى والحصون، وكانت أهم مدن بلاد ما وراء النهر وأكثفها سكانا وأمنعها حصوناً .
المرحلة الثالثة --> وقد استمرت من سنة 91- 93 هجرية، وفيها تمكن 'قتيبة' من نشر الإسلام وتثبيته فى وادى نهر جيحون كله، وأتم فتح إقليم 'سجستان' فى إيران الآن، وإقليم خوارزم 'يوجد الآن بين دول إيران وباكستان وأفغانستان'،و وصلت فتوحاته إلى مدينة 'سمرقند' فى قلب آسيا وضمها إلى دولة الإسلام نهائياً .
المرحلة الرابعة --> وامتدت من سنة 94-96 هجرية، وفيها أتم 'قتيبة' فتح حوض نهر سيحون بما فيه من مدن، ثم دخل أرض الصين وأوغل فيها ووصل مدينة 'كاشغر' وجعلها قاعدة إسلامية وكان هذا آخر ما وصلت إليه جيوش الإسلام فى آسيا شرقا ولم يصل أحد من المسلمين أبعد من ذلك قط.


الأمير 'قتيبة' وقبائل الأتراك


* عندما قام المسلمون الأوائل بحركة الفتح الإسلامى فى شرق المعمورة كان هناك نوعان من الأجناس البشرية، القبائل الساسانية أو الفارسية والقبائل التركية، وكان نهر 'المرغاب' هو الحد الفاصل بين هؤلاء وهؤلاء، وقد تم إدخال القبائل الفارسية فى الإسلام فى عهد الخلفاء الراشدين، أما القبائل التركية فقد كانت أكبر عدداً وأوسع انتشاراً منهم الأتراك الغزية والأتراك القراخطاى والأتراك القوقازيين والأتراك الأيجور والأتراك البلغار والأتراك المغول .
* ونستطيع أن نقول أن الأمير 'قتيبة بن مسلم' هو صاحب الفضل الأول بعد الله عز وجل فى إدخال الأتراك شرقى نهر المرغاب وفى بلاد ما وراء النهر فى الإسلام، فقد سحرت شخصيته الجهادية الأتراك فدخلوا فى دين الله أفواجاً حباً فى بطولات وشجاعة هذا الليث الجسور الذى رأى فيه الأتراك الرمز الحقيقى للفضيلة والشجاعة والرجولة، ومعانى الإسلام النقية المتجسدة فى شخصه، وكان دخول هؤلاء فى دين الإسلام من أكبر الفتوحات والانتصارات التى حققها المسلمون وكان لهم أعظم الأدوار فى نشر الدعوة فى قارة آسيا كلها، فكان من قبائل الأتراك الغزية مثلاً السلاجقة العظام والعثمانيون الأبطال والأوزبك الشجعان والمماليك قادة العالم وهؤلاء أدوا خدمات جليلة لا تنسى فى خدمة الإسلام، ومن الأتراك القوقازيين ظهر أبطال داغستان والشيشان، ومن الأتراك الهياطلة ظهر الغزنويون و******ون فاتحو الهند الكبار وهكذا كان ذلك كله على يد من ألقى البذرة الأولى 'قتيبة بن مسلم ' .


خصال الليث الجسور


لقد كانت شخصية 'قتيبة بن مسلم' مثالاً حياً وتجسيداً حقيقاً لقيم الإسلام وتعاليمه، وجمع من الصفات والخصال التى رشحته لأن يكون عملاق الجهاد الاسلامى فى هذه الفترة من الزمان حتى أن مجرد ذكر اسمه كان يلقى الرعب فى قلوب أعدائه، والطاعة الكاملة والمهابة الشديدة فى نفوس أتباعه، ومواقفة البطولية، وأيام جهاده خير دليل على ذلك .

أولاً: غيرته على الإسلام والمسلمين


عندما فتح 'قتيبة'مدينة 'بيكند' وكانت تابعة 'لبخارى'، صالحه أهل المدينة فجعل عليهم والياً من المسلمين وترك بها مجموعة من المسلمين لتعليم الناس الإسلام، فلما رحل عنهم نقضوا العهد وقتلوا الوالى المسلم وجدعوا أنوف من كان بالمدينة من المسلمين ومثلوا بجثثهم، فلما وصلت الأخبار إلى قتيبة وكان محاصراً لمدينة أخرى، ترك حصارها وعاد مسرعاً إلى 'بيكند' وحاصرها شهراً وهدم سورها فحاول أهل المدينة الصلح من جديد ولكنه أبى، فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، وأصر على فتحها بالسيف حتى تم له ذلك، فقتل المقاتلين وسبى الذرية وغنم الأموال، ليرتدع الكفار والخارجون عن مثلها فلا يعودوا لنقض ذمة المسلمين وعهدهم، وليعلموا أن قطرة دم واحدة من مسلم أعز وأغلى من كفار الأرض جميعاً، ومن المواقف الرائعة فى هذا الفتح التأديبى، أن الذى ألب على المسلمين وحرض أهل المدينة على نقض عهدهم، رجل كافر من أهل المدينة أعور العين، وقد وقع هذا الرجل أسيراً بيد المسلمين، فقال لقتيبة [أنا أفتدى نفسى بخمسة ألاف ثوب حريرى قيمتها ألف ألف] فأشار أمراء الجيش على قتيبة أن يقبل ذلك منه، فقال 'قتيبة' [لا والله لا أروع بك مسلماً مرة أخرى] ثم أمر به فضربت عنقه، وهذا يوضح مدى غيرة الأسد 'قتيبة' على دماء الإسلام والمسلمين وحرصه الشديد على أرواحهم وتأديبه القوى لمن يتعدى على حرماتهم، كما أرسل برسالة واضحة بأن المسلم لا يبغى بجهاده وقتاله سوى وجه الله عز وجل ونصرة الدين ، ولا يريد من الدنيا مالاً ولا متاعاً لأنه وبمنتهى البساطة قد آثر الآخرة على الأولى، واشترى الجنة بالدنيا .


ثانياً: خبرته بالرجال

كان الأسد أبو حفص 'قتيبة بن مسلم' من نوعية القادة الذين لا يسع اى جندى يعمل تحت رايته إلا أن يطيعه، ولا يسع آى خليفة أو والى إلا أن يجعله قائداً على الجيوش، فهو قائد بالفطرة يعرف كيف يوجه رجاله نحو تنفيذ أشق المهام التى يستحيل على غيرهم تنفيذها، فهو خبير بقيادة الرجال وتوجيه النفوس والطبائع البشرية، فلقد علم أن المسلمين يقاتلون وهم بعيدون عن أرضهم وعيالهم وتشتاق قلوبهم لديارهم وأهليهم، فاستأذن 'الحجاج بن يوسف' والى العراق فى أن يوزع أموال الغنائم على المجاهدين حتى تقوى قلوبهم ونفوسهم على القتال ضد عدوهم الكافر، فوافق الحجاج على ذلك، حتى كثرت الأموال فى أيدى المجاهدين وصاروا قوة عظيمة لا تقهر بأرض ما وراء النهر .
* كانت خبرته بالرجال تمتد إلى أعدائه، فيعرف كيف يحاربهم ومتى يهادنهم ومتى يشتد عليهم ؟ وهكذا لا يستطيع أن يخدعه أحد أبداً، ولقد حاول أهل 'بيكند' أن يخدعوه بواسطة عميل مزدوج كان يعمل لحساب 'قتيبة' أولاً ثم استمالوه أهل البلد ليفك الحصار عنهم، وكان اسم هذا العميل 'تندر' فحاول خداع 'قتيبة' وإيهامه بأن 'الحجاج' والى العراق قد عزل من منصبه وأن الأسلم أن يفك الحصار ويعود مسرعاً للعراق، ففطن 'قتيبة' للخدعة وقتل العميل الجاسوس، ثم اشتد فى حصار البلد حتى فتحها بإذن الله .
وكان 'قتيبة' يعرف كيف يختار رجاله، ويعرف كيف يشجعهم ويحمسهم فى القتال، خاصة فى المواقف الصعبة، ففى أثناء فتح 'بخارى' اشتد الكفار فى القتال ضد المسلمين حتى انهزمت بعض قبائل العرب مثل 'الأزد' ، فانتدب 'قتيبة' قبيلة بنى تميم لمهمة فى غاية الصعوبة وهى الأصطدام مع معسكر الكفار الكبير المطل على نهر المدينة وكان المسلمون قد أحجموا على هذه المهمة المستحيلة، فأحسن 'قتيبة' الأختيار عندما اختار بنى تميم لأنهم أشجع العرب فى قتال الأتراك، ثم نادى فى باقى جيشه [ من جاء برأس كافر فله مائة دينار] فاشتد الناس فى قتال الكفار حتى فتحت المدينة وكافأ 'قتيبة'بنى تميم أعظم مكافأة على شجاعتهم وبطولتهم فى القتال .
** فلا عجب أن تأسر شخصيته قلوب الكفار قبل المسلمين ويدخل الأتراك فى دين الله أفواجاً بل يقاتلوا بنى جلدتهم مع قتيبة والمسلمين .

ثالثاً :- إيمانه بالله وتوكله عليه

* كانت دولة بنى أمية معنية طول مدتها بشأن الجهاد فى سبيل الله ونشر الإسلام شرقاً وغرباً، فلم يأتى عليها مدة إلا وراية الجهاد مرفوعة وخفاقة لذلك فقد كان خلفاء بنى أمية معنيين بإختيار القادة الأكفاء الموصوفين بالديانة والشجاعة، كان 'قتيبة' واحد من هؤلاء الذين تغلغل الإيمان بالله عز وجل فى قلوبهم وتوكلوا عليه بالكلية، وهذا يتضح من إقدامه على القتال ضد جيوش الكفار وإقتحام مدنهم وقلاعهم على الرغم من التفاوت الكبير والضخم بين القوتين، ذلك لأنه كان متوكل على الله عز وجل وحده، معتمداً عليه لا على قوة أو متاع ، حتى أن ملك الصين وكان من أكبر من ملوك الدنيا يخاف منه ويؤثر مهادنته ويرسل إليه بتراب بلاده وأربعة من أولاده وهدايا مهولة من أجل أن يبر قسم قتيبة أن يطأ أرض الصين ويفتحها، فأى عز هذا ؟؟ وأى قوة إيمانية تلك ؟؟ التى تهزهز عروش ملوك الأرض .
* ومن مواقفه الإيمانية الرائعة التى كانت سبباً لإسلام الكثير من قبائل الأتراك أنه لما فتح مدينة 'سمرقند' وكانت قاعدة ملك الأتراك الهياطلة، اشترط 'قتيبة' على أهل سمرقند شرطين :-
أولهما : أن يبنى فى المدينة مسجداً لله عز وجل ويضع فيه منبراً ويصلى فيه ويخطب على المنبر .
ثانيها : أن يحطم أصنام المدينة ومعابدها ، وبالفعل نفذ الشرطان .
* فلما أخذ الأصنام والأوثان ألقيت بعضها فوق بعض حتى صارت مثل الجبل الكبير، ثم أمر بإحراقها، فتصارخ أهل المدينة وبكوا، ثم قالوا له [ إن فيها أصناماً قديمة من أحرقها هلك فى الحال] فقال القائد المؤمن 'قتيبة' [أنا أحرقها بيدى فكيدونى جميعاً ثم لا تنظرون] ثم قام إليها وهو يكبر الله عز وجل وألقى فيها النار حتى احترقت كلها .

رابعاً :- صبره وشدته فى المواقف العصيبة

القائد الحقيقى هو الذى يستطيع أن يصبر فى الشدائد بل ويتخذ القرار الصائب وسط سحائب الشدة والمخاطر، ولقد تعرض الأمير 'قتيبة' لعدة مواقف عصيبة صمد أمامها كالطور العظيم، وأظهر شجاعة وثباتاً لا يعلم مثله إلا من الصحابة رضوان الله عليهم، من هذه المواقف أنه بعد أن فتح مدينة 'بخارى' فر منها ملكها 'وردان شاه' وراسل ملوك الترك الكفرة الذين كانوا من قبل صالحوا 'قتيبة' فأجابوه ونقضوا الصلح مع 'قتيبة' واتفقوا عليه وحشدوا أعداداً هائلة من الكفار، وأقبلوا فى جيوش جرارة فى تحالف وثنى على أهل الإيمان، ووصلت الأخبار للأمير 'قتيبة' فأعد جنوده البواسل بعدما حرضهم وشجعهم على الجهاد والشهادة، فكشر الأسد عن أنيابه ووثب هو وجنوده على جيوش الكفار فى معركة رهيبة، أبدى فيها المسلمون شجاعة نادرة وبسالة هائلة، فانتصروا على القوم الكافرين وقتل منهم عشرات الألاف، وحتى يردع الكافرين عن مثلها، صلبهم على مسافة أربعة فرسخ فى نظام واحد، الرجل بجوار الرجل، وذلك فى كل أتجاه من الجهات الأربعة، فلم يقم للكافرين بعدها قائمة .
** وبالجملة كان هذا البطل من أعظم الفاتحين فى الإسلام وصاحب شخصية آسرة، كانت سبباً فى إسلام أمم بأكملها من الأتراك، وكان علم الجهاد المقدم فى الشرق حتى أدخل الإسلام لأرض الصين النائية، ولا يعلم أحد بعده قد وصل براياته إلى ما وصل إليه من بلاد كاشغر بالصين، فرحمه الله رحمة واسعة وغفر له زلته التى راح ضحيتها، ويكفى لنعرف مدى شدة هيبة 'قتيبة' فى نفوس أعدائه، شهادة أحد ملوك الأتراك وهو 'الأصبهند' عندما سأل عن قتيبة بن مسلم ويزيد بن المهلب وهو من ولى العراق بعده أيهما كان أعظم عندكم وأهيب ؟؟ فقال [لوكان قتيبة بأقصى حجر فى الغرب مكبلاً ويزيد معنا فى بلادنا وال علينا لكان قتيبة أهيب فى صدورنا وأعظم من يزيد ]

غروووب 08-05-2015 11:51 AM

كل هدول سقطو من التاريخ..!!
باينتو الموضوع حلو
خلص راح ارجع اقرئو تاني ع رواق
يسلمو دياتك أخي
ويعطيك العافيه
ودي.

m4fia 09-12-2015 08:32 PM

لا اله الا الله كل دول سقطو؟؟


الساعة الآن 04:25 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.