منتديات بنات فلسطين - ■ لناس كانت مجانين يا ستي ■

مثلي مثل شاب فلسطيني مقهور بَحاول أرجع للماضي عشان أحس في شوية كرامة من أي نوع! حتى لو كرامة مهزومة، المهم فيها بطولة.. شو يعني إذا انهزمنا بالـ48،
المهم إنو سيدي كان حامل بارودة وطالع عالقسطل مع عبد القادر الحسيني. وبالـ67 عم أبوي استشهد وهو بدافع عن القدس. هادا هو المهم.. وبما إنو إحنا شعب ما بتهمّه النتائج على قد ما بهمّه الأداء، يِبقى لا جُناح عليّ أن افتخر -واتفشخر كمان- بأبطال العائلة في هزيمتيّ الـ 48 والـ67 العظيمتين.
طبعاً أحسن مصدر للمعلومات بهيك حالة هو ستي.. ستي اليافاوية عندها ميزة عظيمة غير ذاكرتها القوية اللي مخليتها تتذكر يافا بالبلاطة، مع إنها طلعت منها وهي بنت 15 سنة، ولليوم مش قادرة تنسى إنها مدنيّة وإحنا فلاحين، وبِضّلها تعاير فينا ليل نهار من باب التذكير مش التعالي لا سمح الله! هالميزة إنو ستي بتعمل من الحبة قبة.. وبصراحة هادا هو اللي بدي إيّاه بالزبط!
رحت عند ستي يوم جمعة الصبح.. عملتلي قهوة حلوة زي ما هي بتشربها مع إني ما بحب القهوة الحلوة. بس عند ستي كل إشي إله تبرير، قال لازم تبدى نهارك بشي حلو يا ستي عشان يكمّل حلو.. هيك عنّا بيافا! جابتها وقعدت تحكيلي عن أخبار العيلة زي دايماً، وعن قديش كان سيدي زلمة منيح والناس تحسبله حساب وعن عادات أهلها بيافا وكرمهم، وأنا هون قلت هاي فرصتي.. سألتها: ستي شو صار بالحرب؟ قالتلي أي حرب؟ قلتلها الحرب ما غيرها الـ48 والـ67 ؟ وجهها تخربط وسكتت.. قلتلها ستي شو مالك؟ قوليلي شو صار بالحرب؟ قالتلي وإنت ليش بتسأل؟ شو ذكرك هلّأ!؟ قلتلها هيك حابب أعرف.. بس أنا بعقلي كنت بفكر ليش ستي ما بدها تعمل من الحبة قبّة زي دايماً!؟ ما هي ما بتصدق تحكي بأي موضوع!
بعد شوي اللي هي بتقلِّي.. الناس كانت مجانين يا ستي.. قلتلها إذا مجانين وضاعت البلاد كيف لو أنهم أعقل.. قالتلي آه مجانين ونص! كانوا يروحوا عالحرب.. حدا بروح عالحرب!؟ وبعدين طالعين بفشك خربان والبارودة مره بطّخ وعشرة لأ.. هادا إسمو هبل! اليهود أجو علينا معهم بواريد بطّخطخ عشر فشكات مع بعض! هادا كلّوا صياح فاضي يا ستي، لما دخلوا علينا اليهود حماتي رمت البواريد في البير! وزلام الحارة إنصفّت زي النسوان وهي حاملة الخِرَق البيض.. شو بدك تعرف أكتر!؟ ودارت وجهها بطريقة إنو خلص بديش أحكي.
انتوا بتعرفوش ستي.. عشان هيك مش رح تفهموا صدمتي.. ستي بتحب تعيد القصص.. بتحب تكبّر كل إشي.. إنو أبوي مرة حمل بلاطة شايش وطلع فيها عالسطح وهو ماسك السلم بإيد وحدة، كانت بالنسبة إلها بطولة وقصة بتنحكى وبتنعاد ألف مرة بدون ما تزهق.. وبكون بعينيها لمعة وهي تحكي بتحسسك إنو إبنها عمل أسطورة! أما حرب كاملة ورجال العيلة بقاتلوا وبستشهدوا هادا كلوا ما حرك خيالها ولا دغدغ مشاعر الفخر عندها هاي كانت غريبة عليّ.
مع الوقت صرت أكبر وأفهم ستي.. ستي خسرت أهلها وانهدّ بيتها! ونامت هي واولادها بمغارة وخافت على جوزها وبالآخر بتلاقي اليهود محملين كل زلام الحارة خرق بيض.. في هيك حالة ستي ما قدرت تشوف أبطال! ستي واقعية أكتر منّا. البطل عندها هو اللي قدر يطلّع الشايشة على السطح. إذا جرب يطلعها وما قدر ووقع هو والشايشة عن السلّم بالنسبة لستي بكون مسكين. ورح تبهدلوا كمان لأنو كسر الشايشة. عند ستي إذا إنت مش قد الإشي ليش تتزلمن وتعملو؟ ها هيك كسرتها للشايشة شو استفدنا.
معاها حق.. ستي بتشوف النتائج مش النوايا. عند ستي كل ملوك العرب زي بعض. عبد الناصر بفرقش عن الملك فاروق ما دام التنين انهزموا.
كل فِرق العالم بتروح على كأس العالم عشان تفوز حتى لو كانت جزيرة صغيرة. إلا العرب بروحوا عشان المشاركة المشرّفة. أنا ما سمعت بقوانين الفيفا عن إشي اسمه مشاركة مشرفة!
بتخيل إجى الوقت نبطّل نمجّد المهزوم. إجى الوقت نطّلّع على النتائج مش النوايا. كل قياداتنا من أصفى نيّة فيهم لأوسخ نيّة فيهم، آه آه حتى هذا اللي عم بتفكّر في اسمه هلّأ.. زيهم، لا مش غير عنهم صدقني، كلهم وصّلونا لهون! كلهم مهزومين.
الهزيمة ما فيها أبطال! فيها ضحايا ممكن. فيها مواقف مشرّفة ممكن جداً.. فيها موتة مقاوم وموتة جبان بوافقك. بس فش قائد بطل مهزوم.. فش بالتاريخ الألماني إشي اسمه القائد رومل بطل هزيمة العلمين! كلهم كسروا الشايشة وكلهم سكتّوا ستي اللي بتحب تحكي، وكلهم لازم التاريخ يحاسبهم.