شرح حديث : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال:
أسألتي ألا وهي :
عن حديث دعوة الطعام لنبي صلى الله عليه وسلم مع الجارية والأعرابي بما يتعلق بالتسمية .
س1 : ما صحة الحديث ومن رواه ؟
س2 : ماذا يعني جارية وما مصدرها ؟
س3 : كيف الرسول يمسك يد الجارية
؟ س4 : ما المقصود " وأن الشيطان يستحل الطعام ؟
س5 : ما المقصود في " وأنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها " ؟
س6 : وما هو قصد النبي صلى الله عليه وسلم " أن يدي في يدها مع يد الشيطان " ؟
س7 : وما هو الأعرابي وهل له اشتقاق ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : " كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَيَضَعَ يَدَهُ ، وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَامًا ،
فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تُدْفَعُ ، فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ ،
فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهَا ، ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( إِنَّ
الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا
يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ
عَلَيْهِ ،
وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا ، فَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ ،
فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا ) " ،
وهذا حديث صحيح ، رواه الإمام مسلم في صحيحه (1017) ،
وكذا رواه أبو داود في سننه (3766) ، والإمام أحمد في مسنده (23249) .
ثانيا :
تطلق " الجارية " في اللغة ، ويراد بها عدة معان : منها : الفتية من النساء ،
والصغيرة التي لم تبلغ – وهو الأشهر بأصل الوضع العربي كالغلام في الرجال- ،
وتطلق على الرضيعة أيضا ، كما روى أبو داود (376) عنه صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ ، وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ ) ،
صححه الألباني في " صحيح أبي داود " ،
كما تطلق على الأمة .
كما تطلق الجارية على الشَّمْس ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لجَرْيِها مِنَ القُطر إِلَى القُطْر ،
قال الله تعالى : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) يس/38 .
وتطلق على السَّفِينَة ، قال تعالى : ( إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ ) الحاقة/11 ،
سميت بذلك لأنها تجري في الماء .
وانظر : " لسان العرب " (14/141) ، " المعجم الوسيط " (1/119) .
قال أبو العباس الفيومي رحمه الله :
" الْجَارِيَةُ : السَّفِينَةُ ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِجَرْيِهَا فِي الْبَحْرِ ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَمَةِ :
جَارِيَةٌ عَلَى التَّشْبِيهِ ، لِجَرْيِهَا مُسْتَسْخَرَةً فِي أَشْغَالِ مَوَالِيهَا ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الشَّابَّةُ لِخِفَّتِهَا ،
ثُمَّ تَوَسَّعُوا حَتَّى سَمَّوْا كُلَّ أَمَةٍ جَارِيَةً وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا لَا تَقْدِرُ عَلَى السَّعْيِ ،
تَسْمِيَةً بِمَا كَانَتْ
عَلَيْهِ " انتهى من " المصباح المنير " (1/98) .
فاشتقاق الجارية من الجري والخفة .
ثالثا :
المقصود بالجارية في هذا الحديث : البنت الصغيرة .
قال نشوان الحميري رحمه الله :
" [الجارية] : الفتاة الصغيرة " انتهى من " شمس العلوم " (2/1048) .
وقال أبو العباس القرطبي رحمه الله :
" الجارية في النساء كالغلام في الرجال ،
وهما يقالان على من دون البلوغ منهما " انتهى من " المفهم " ،
وينظر : " شرح مسلم للنووي " (15/7) .
وقال القاري رحمه الله في شرح هذا الحديث :
" (فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ) : أَيْ بِنْتٌ صَغِيرَةٌ " انتهى من " مرقاة المفاتيح " (7/ 2729) ،
وكذا قال في " عون المعبود " (10/ 172) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" يعني طفلة صغيرة " انتهى من " شرح رياض الصالحين " (4/192) .
فهذه الجارية التي أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدها كانت طفلة صغيرة .
رابعا :
قوله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ
الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا
يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ
عَلَيْهِ ) .
قال النووي رحمه الله :
" مَعْنَى (
يَسْتَحِلُّ ) : يَتَمَكَّنُ مِنْ أَكْلِهِ ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ إِذَا شَرَعَ فِيهِ إِنْسَانٌ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى ،
وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشْرَعْ فيه أحد فلا يتمكن " انتهى من " شرح النووي على مسلم " (13/189) .
خامسا :
قوله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا ، فَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ ) .
يعني : جاء بهما ليأكلا بدون تسمية ،
فيستطيع أن يأكل معهما ، لأنه بذلك يكون طعاما لم يذكر اسم الله عليه ،
فمنع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الأعرابي وهذه الجارية :
جاء بهما الشيطان لأجل أن يستحل الطعام بهما ، إذا أكلا بدون تسمية ،
وهما قد يكونان معذورين لجهلهما : هذه لصغرها ، وهذا أعرابي ،
لكن الشيطان أتى بهما من أجل أنهما إذا أكلا بدون تسمية ،
شارك في الطعام " انتهى من " شرح رياض الصالحين " (4/193) .
سادسا :
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا ) .
قال النووي رحمه الله :
" هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ (يَدِهَا) وَفِي بَعْضِهَا (يَدِيهِمَا) ، وَالتَّثْنِيَةُ تَعُودُ إِلَى الْجَارِيَةِ وَالْأَعْرَابِيِّ ،
وَمَعْنَاهُ :
أَنَّ يَدِي فِي يَدِ الشَّيْطَانِ مَعَ يَدِ الْجَارِيَةِ وَالْأَعْرَابِيِّ .
وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ يَدِهَا بِالْإِفْرَادِ : فَيَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى الْجَارِيَةِ
وهو لا ينفي يد الأعرابي " انتهى من " شرح النووي على مسلم " (13/189) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أن يد الشيطان مع أيديهما في يد النبي صلى الله عليه وسلم
" انتهى من " شرح رياض الصالحين " (4/193) .
والمعنى : أن يد الشيطان كانت مع يد الجارية والأعرابي
فلما أمسك النبي صلى الله عليه وسلم يديهما أمسك يد الشيطان أيضا .
سابعا :
الأعراب : هم سكان البادية ، يغلب عليهم الجهل والجفاء ، وقد هذبهم الإسلام .
فالأعرابي : من سكن البادية ، واشتقاقه من " عرب " .
قال الجوهري رحمه الله :
" العرب : جيل من الناس ، والنسبة إليهم عَرَبيّ بيِّن العروبة ، وهم أهل الأمصار
. والأعراب منهم سُكّانُ البادية خاصَّة . وجاء في الشعر الفصيح : الأعاريب .
والنسبة إلى الأعراب أعرابيٌّ ، لأنه لا واحد له .
وليس الأعراب جمعاً لعرب ، وإنما العرب اسم جنسٍ "
انتهى من " الصحاح " (1/178) .
وانظر إجابة السؤال رقم : (131936) .
والله أعلم .