منتديات بنات فلسطين

منتديات بنات فلسطين (http://www.bntpal.com/vb/)
-   ▪« قطوُفٌ دَآטּـيَة ]≈● (http://www.bntpal.com/vb/f2/)
-   -   مبادئ المعاملات والأداب من القرآن العظيم (http://www.bntpal.com/vb/t39158/)

MariaM UA 04-18-2015 06:58 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(1)
وبعض آيات من سورة المجادلة

مبدء إحترام العلاقة الزوجية


قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ, وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا, إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ - 1
الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ – 2
وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ – 3 فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ – 4

نزلت هذه الآيات الكريمات في رجل من الأنصار اشتكته زوجته إلى الله، وجادلته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حرمها على نفسه، بعد الصحبة الطويلة، ووجود الأولاد، وكان هو رجلا شيخا كبيرا، فشكت حالها وحاله إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكررت ذلك، وأبدت فيه وأعادت.

وفي الحديث: عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة رضي الله عنها قالت : في وفي أوس بن الصامت نزل صدر سورة المجادلة ، قالت : وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه ، فراجعته في شيء فضجر فقال : أنت علي كظهر أمي ، ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ، ثم دخل علي فإذا هو يريدني عن نفسي ، فقلت : كلا والذي نفس خويلة بيده لا تخلص مني إلى شيء وقد قلت ما قلت ، حتى يحكم الله ورسوله فينا حكمه ، ثم خرجت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فنزل ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ) إلى قوله ( وللكافرين عذاب أليم )
الراوي: خويلة بنت مالك بن ثعلبة ويقال لها خولة
المصدر: ابن حجر العسقلاني

الأحكام التي نستخلصها من الآيات الكريمة

منها: لطف الله بعباده واعتناؤه بهم، حيث ذكر شكوى هذه المرأة المصابة، وأزالها ورفع عنها البلوى، بل رفع البلوى بحكمه العام لكل من ابتلي بمثل هذه القضية.
فنشهد السماء تتدخل في شأن يومي لأسرة صغيرة فقيرة مغمورة , لتقرر حكم الله في قضيتها , وقد سمع - سبحانه - للمرأة وهي تحاور رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولم تكد تسمعها عائشة وهي قريبة منها ... وهي صورة تملأ القلب بوجود الله وقربه وعطفه ورعايته .

ومنها: أن حكم الظهار مختص بتحريم الزوجة، لأن الله قال ﴿ مِنْ نِسَائِهِمْ ﴾.

ومنها: أن الظهار محرم، لأن الله سماه منكرا ( وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً ) .

ومنها بيان حقيقة وضع الزوجة الذي لا يتغير بقول الزور , قال تعالى: ﴿ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ﴾

ومنها: أنه يكره للرجل أن ينادي زوجته ويسميها باسم محارمه ، كقوله ﴿ يا أمي ﴾ ﴿ يا أختي ﴾ ونحوه، لأن ذلك يشبه المحرم.

ومنها: أن الكفارة إنما تجب بالعود لما قال المظاهر.

ومنها: أن الكفارة المقررة عتق رقبة، يستوي في ذلك الصغير والكبير، والذكر والأنثى، لإطلاق الآية في ذلك. وبهذه الكفارات وغيرها قضي على نظام الرق نهائيا في الإسلام. حيث أغلق باب الإسترقاق من الحروب كما أوضحنا سابقا , وفتح باب الحرية للرقيق الموجود لديهم, وبذلك تم استئصال نظام الرق من جذورة في سهولة ويسر دون الخلل بنظم إعتاد عليها العالم في وقتها.
ومنها: أنه لا بد من إطعام ستين مسكينا، فلو جمع طعام ستين مسكينا، ودفعها لواحد أو أكثر من ذلك ، دون الستين لم يجز ذلك ، لأن الله قال : ﴿ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ﴾
ومن هنا ندرك العناية بالمساكين في الشريعة الإسلامية , وقد أصبح لهم حق في الكفارات وحق في أموال الزكاة والصدقات. بحيث يصبح في النهاية لا وجود لفقراء معدومين كما نرى اليوم من الفجوات الضخمة بين طبقة الأغنياء وطبقة الفقراء المعدومين.

والسورة مليئة بالمشاهد الرائعة التي تدل على رعاية الله تعالى للمؤمنين.

*****

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 06:58 AM

بسم الله الرحمن الرحيم


مع الجزء الثامن و العشرون

(2)
وبعض آيات من سورة المجادلة


علم الله الشامل لكل ما يحدث في الكون
وأثر ذلك في كل المعاملات والآداب والأخلاق لدى المؤمن.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ - 7

******

( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ )

والتعبير بلفظ ترى هنا يدلك على واقعية الأمر, فليس خيالا أوظن أو مجرد نظرية قابلة للتغير , بل واقع ...فإنك ترى حركة في أجسام مكونة من ملايين الخلاية الحية وعقول بها ذاكرة ومفكرة ومخيلة ومدخلات صوتية ومدخلات للصور وإستشعار عن طريق الجلد , إننا أمام أجهزة عظيمة التكوين عظيمة الصنع, أمدها الله تعالى بإرادة للأختيار بين البديلات وبين الخير و الشر , فلا يعقل أن يكون كل هذا عبثا . أو تكون هذه الشخوص بدون كنترول .....ولايعقل أن تكون بدون مراقبة أو عناية , وإلا هلكت......لأنك لاتستطيع أن تدير قلبك ولا أن تدير جهاز تنفسك وأنت نائم ولا تستطيع أن تعوض خلاية المخ الهالكة , وجميع خلايا جسدك التي يجددها الله لك بصفة مستمرة....ثم هناك أجل وضع لكل مخلوق إذا جاء أجلهم لا يستأخرون عنه .
فواقع الأمر إننا جميعا مكشوفون لخالقنا , سرا و علانية.
فهو سبحانه يعلم السر وأخفى .
مايتناجى ثلاثة مِن خلقه بحديث سرٍّ إلا هو رابعهم بعلمه وإحاطته فهو يراهم , ولاخمسة إلا هو سادسهم، ولا أقلُّ من هذه الأعداد المذكورة ولا أكثرُ منها إلا هو معهم بعلمه في أيِّ مكان كانوا, لا يخفى عليه شيء من أمرهم, إن ربي قريب مجيب...
ثم يخبرهم تعالى يومالقيامة بما عملوا من خير وشر ويجازيهم عليه. إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ..

والنجوى هي: التناجي بين اثنين فأكثر، وقد تكون في الخير، وتكون في الشر.

فأمر الله تعالى المؤمنين أن يتناجوا بالبر، وهو اسم جامع لكل خير وطاعة، وقيام بحق لله ولعباده - والتقوى اسم جامع لترك جميع المحارم والمآثم، فالمؤمن يمتثل هذا الأمر الإلهي، فلا تجده مناجيا ومتحدثا إلا بما يقربه من الله، ويباعده من سخطه، والفاجر يتهاون بأمر الله، ويناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، كالمنافقين الذين هذا دأبهم وحالهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
إن مجرد حضور الله وسماعه أمر هائل . فكيف إذا كان لهذا الحضور والسماع ما بعده من حساب وعقاب ? وكيف إذا كان ما يسره المتناجون وينعزلون به ليخفوه , سيعرض على الأشهاد يوم القيامة وينبئهم الله به في الملأ الأعلى في ذلك اليوم المشهود ؟ .. إن الإيمان بذلك يضبط جميع التعاملات والأداب بين المؤمنين وغيرهم من البشر. فلا غدر ولا كذب ولا خيانة فإن الله تعالى بكل شئ عليم. وهذا أهم فرق بين الشريعة الإسلامية وغيرها من التشريعات الوضعية التي لا صلة لها بضمير الإنسان وتربيته على مراقبة الخالق العظيم لجميع ما في الكون ...

... إنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. ..

******

بعض الصور لمرقبة الله تعالى للجميع

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ – 8

قد سبق في السورة إعلان أن الله تعالى قد سمع للمرأة المجادلة ; وأنه ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم -

وهنا يخبر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم- بما كان يقوله المنافقون في أنفسهم , وبمجالسهم ومؤامراتهم .

( وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ )

ثم رد عليهم بقوله تعالى : حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ..

وكشف هذه المؤامرات الخفية , وإفشاء نجواهم التي عادوا إليها بعدما نهوا عنها , وكذلك فضح ما كانوا يقولونه في أنفسهم ....هذا كله هو تصديق وتطبيق لحقيقة علم الله بما في السماوات وما في الأرض , وحضوره لكل نجوى , وشهوده لكل اجتماع . وهو يوقع في نفوس المنافقين أن أمرهم مفضوح , كما يوحي للمؤمنين بالاطمئنان والوثوق...

******

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ – 9 إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ – 10

النهي عن النجوى المحرمة وإباحة النجوى الطيبة وتحصين من وساوس الشيطان ...

وهنا يلتفت إلى الذين آمنوا , يخاطبهم بهذا النداء: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) .. لينهاهم عن التناجي بما يتناجى به المنافقون من الإثم والعدوان ومعصية الرسول , ويذكرهم تقوى الله , ويبين لهم أن النجوى على هذا النحو هي من إيحاء الشيطان ليحزن الذين آمنوا , فليست تليق بالمؤمنين ....

قال الإمام أحمد: عن صفوان بن محرز , قال:كنت آخذا بيد ابن عمر , إذ عرض له رجل , فقال:كيف سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول في النجوى يوم القيامة ? قال:سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] يقول:" إن الله يدني المؤمن , فيضع عليه كنفه , ويستره من الناس , ويقرره بذنوبه , ويقول له:أتعرف ذنب كذا ? أتعرف ذنب كذا ? أتعرف ذنب كذا ? حتى إذا قرره بذنوبه , ورأى في نفسه أنه قد هلك قال تعالى : فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم . ثم يعطى كتاب حسناته .

أما بخصوص الكفار والمنافقون يقول تعالى:

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا – 49 الكهف

******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 06:59 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(3)
وبعض آيات من سورة المجادلة


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ - 11


توجيه المسلمين إلى آداب المجالس
عند تلقي العلم


والغرض هو إيجاد الفسحة في النفس قبل إيجاد الفسحة في المكان .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ..

هذا تأديب من الله لعباده المؤمنين، إذا اجتمعوا في مجلس من مجالس مجتمعاتهم، واحتاج بعضهم أو بعض القادمين عليهم للتفسح له في المجلس، فإن من الأدب أن يفسحوا له تحصيلا لهذا المقصود.
وليس ذلك بضار للجالس شيئا، فيحصل مقصود أخيه من غير ضرر يلحقه هو، والجزاء من جنس العمل، فإن من فسح فسح الله له، ومن وسع لأخيه، وسع الله عليه.
﴿ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا ﴾ أي: ارتفعوا وتنحوا عن مجالسكم لحاجة تعرض، ﴿ فَانْشُزُوا ﴾ أي: فبادروا للقيام لتحصيل تلك المصلحة، فإن القيام بمثل هذه الأمور من العلم والإيمان، والله تعالى يرفع أهل العلم والإيمان درجات بحسب ما خصهم الله به، من العلم والإيمان.
﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ فيجازي كل عامل بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
وفي هذه الآية فضيلة العلم، وإن من ثمراته التأدب بآدابه والعمل بمقتضاه.

وقد كانت مناسبة الآيات هي القرب من الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] لتلقي العلم في مجلسه . فالآية تعلمهم : أن الإيمان الذي يدفع إلى فسحة الصدر وطاعة الأمر , والعلم الذي يهذب القلب فيتسع ويطيع ; يؤديان إلى الرفعة عند الله درجات .
وهكذا يتولى القرآن تربية النفوس وتهذيبها , وتعليمها الفسحة والسماحة والطاعة وتعميق الشعور بالحساسية تجاه الأخرين وأن لذلك جزاء في الأخرة ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )

*******

الأهتمام بمجالس العلم
وبالتالي دور العلم

وفي طلب العلم يجب أن يفسح المجال لجميع من يرغب في التعلم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ) وهذه إشارة صريحة للعمل على إعداد وتهيئة ساحات العلم , من مساجد و مدارس ومعاهد وكليات وتيسير الألتحاق بها , وقد عرف المسلمون الآوائل هذه القيمة , فكانوا علماء العالم بلا منازع ثلاثة عشرة قرنا نشروا فيها العلم في أنحاء العالم , وبترك هذه المبادئ تنتكس الأمم..

ونلاحظ الإهتمام بآداب المجالس لتلقي العلم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم. وبالتالي على مجالس العلم إلى يوم الدين.

وتمثل دور العلم في جميع الدول والمجتمعات المتقدمة أهمية حياتية حيث منها يتخرج العلماء والأطباء والمحاسبون والمهندسون, والصناع المهرة في كافة أنواع الصناعات.

ولذلك تخصص الدول الكبرى ميزانيات هائلة للتعليم والبحث العلمي وكذلك لدور العلم وتيسير الألتحاق بها لإدراكهم أهمية ذلك في تنمية بلادهم وإستمرار تقدمهم وقوتهم.

يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ..


******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 06:59 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(4)
وبعض آيات من سورة المجادلة

التحذير من التبعية لأعداء الإسلام

يبين الله تعالى لنا خطورة مسلك المنافقين في تعاملهم مع أعداء الإسلام , وأن هذا السلوك له مردود في الدنيا والآخرة.

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ – 14 أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ – 15 اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ – 16 لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – 17 يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ – 18 اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ – 19
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ – 20


يخبر تعالى عن شناعة حال المنافقين الذين يتولون من يناصبون العداء للمسلمين من الكفار، ممن غضب الله عليهم، ونالوا بذلك المسلك من لعنة الله أوفى نصيب، وأنهم ليسوا من المؤمنين ولا من الكافرين، ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ ﴾143 النساء

فليسوا مؤمنين ظاهرا وباطنا لأن باطنهم مع الكفار، ولا مع الكفار ظاهرا وباطنا، لأن ظاهرهم مع المؤمنين، وهذا وصفهم الذي نعتهم الله به، والحال أنهم يحلفون على ضده الذي هو الكذب، فيحلفون أنهم مؤمنون، وهم يعلمون أنهم ليسوا مؤمنين..

فجزاء هؤلاء الخونة الفجرة الكذبة، أن الله أعد لهم عذابا شديدا، لا يقادر قدره، ولا يعلم وصفه، إنهم ساء ما كانوا يعملون، حيث عملوا بما يسخط الله ويوجب عليهم العقوبة واللعنة...

﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ﴾ أي: ترسا ووقاية، يتقون بها من لوم الله ورسوله والمؤمنين، فبسبب ذلك صدوا أنفسهم وغيرهم عن سبيل الله، وهي الصراط الذي من سلكه أفضى به إلى جنات النعيم. ومن صد عنه فليس إلا الصراط الموصل إلى الجحيم، ﴿ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ حيث استكبروا عن الإيمان بالله والانقياد لآياته...

﴿ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾ فلا تدفع عنهم شيئا من العذاب، ولا تحصل لهم قسطا من الثواب، ﴿ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ الملازمون لها، الذين لا يخرجون عنها، و ﴿ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

فكما أن المنافقين في الدنيا يموهون على المؤمنين، ويحلفون لهم أنهم مؤمنون، فإذا كان يوم القيامة وبعثهم الله جميعا، حلفوا لله كما حلفوا للمؤمنين، ويحسبون في حلفهم هذا أنهم على شيء، لأن كفرهم ونفاقهم وعقائدهم الباطلة، لم تزل ترسخ في أذهانهم شيئا فشيئا، حتى غرتهم وظنوا أنهم على شيء يعتد به، ويعلق عليه الثواب، وهم كاذبون في ذلك، ومن المعلوم أن الكذب لا يروج على عالم الغيب والشهادة..

وهذا الذي جرى عليهم من استحواذ الشيطان الذي استولى عليهم، وزين لهم أعمالهم، وأنساهم ذكر الله، وهو العدو المبين، الذي لا يريد بهم إلا الشر، ﴿ إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير – 6 فاطر ﴾

﴿ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ الذين خسروا دينهم ودنياهم وأنفسهم وأهليهم..

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ ) وعيد لمن حاد الله ورسوله بالكفر والمعاصي، أنه مخذول مذلول.


*******

مبدء النصرة والعزة للمؤمنين

كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ - 21

وعد لمن آمن بالله تعالى، وبرسله، واتبع ما جاء به المرسلون، فصار من حزب الله المفلحين، أن لهم الفتح والنصر والغلبة في الدنيا والآخرة، وهذا وعد لا يخلف ولا يغير، فإنه من الله القوي العزيز الذي لا يعجزه شيء يريده.

سلوك المؤمن تجاه من حاد الله ورسوله


لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ – 22

يقول تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ أي: لا يجتمع هذا وهذا، فلا يكون العبد مؤمنا بالله واليوم الآخر حقيقة، إلا كان عاملا على مقتضى الإيمان ولوازمه، من محبة من قام بالإيمان وموالاته، وبغض من لم يقم به ومعاداته، ولو كان أقرب الناس إليه.
وهذا هو الإيمان على الحقيقة، الذي وجدت ثمرته والمقصود منه، وأهل هذا الوصف هم الذين كتب الله في قلوبهم الإيمان . وهم الذين لهم الحياة الطيبة في هذه الدار، ولهم جنات النعيم في دار القرار، التي فيها من كل ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين.
وأما من يزعم أنه يؤمن بالله واليوم الآخر، وهو مع ذلك مواد لأعداء الله، محب لمن ترك الإيمان وراء ظهره، فإن هذا إيمان زعمي لا حقيقة له، فإن كل أمر لا بد له من برهان يصدقه، فمجرد الدعوى، لا تفيد شيئا ولا يصدق صاحبها.

فالإنسان له قلب واحد , فلا بد له من منهج واحد يسير عليه . ولا بد له من تصور كلي واحد للحياة وللوجود يستمد منه . ولا بد له من ميزان واحد يزن به القيم , ويقوم به الأحداث والأشياء . وإلا تمزق وتفرق ونافق والتوى , ولم يستقم على اتجاه .
ولا يملك الإنسان أن يستمد آدابه وأخلاقه من معين ; ويستمد شرائعه وقوانينه من معين آخر ; ويستمد أوضاعه الاجتماعية أو الاقتصادية من معين ثالث ; ويستمد فنونه وتصوراته من معين رابع . . فهذا الخليط لا يكون إنسانا سويا له قلب . إنما يكون شخوصا ليس لهم هوية واضحة يرفعون بها رؤسهم أما العالم.
وصاحب العقيدة لا يملك أن تكون له عقيدة حقا , ثم يتجرد من مقتضياتها وقيمها الخاصة في موقف واحد من مواقف حياته كلها , صغيرا كان هذا الموقف أم كبيرا . لا يملك أن يقول كلمة , أو يتحرك حركة , أو ينوي نية . أو يتصور تصورا , غير محكوم في هذا كله بعقيدته - إن كانت هذه العقيدة حقيقة واقعة في كيانه - لأن الله لم يجعل له سوى قلب واحد , يخضع لناموس واحد , ويستمد من تصور واحد , ويزن بميزان واحد...

********

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 06:59 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(5)
وبعض آيات من سورة الحشر

عاقبة الغدر والخيانة

إشتملت مبادئ المعاملات في الإسلام على كافة مجالات الحياة ومع التعامل لدى جميع البشر, على مبدء الحرية ( لا إكراه في الدين ) , وعلى صيانة المعاهدات والقانون الذي إرتضاه الجميع وبالتعبير الحديث الشرعية الدولية..

تطالعنا أول سورة الحشر على صورة حية للغدر والخيانة للمعاهدة التي أبرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بني النضير..وكيف كان عقابهم نتيجة هذه الخينة العظمى التي حاولوا فيها قتل النبي صلوات ربي وسلامه عليه.

******

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ -1

هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ - 2 وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ – 3 ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ - 4

*****

هذه السورة تسمى ﴿سورة بني النضير﴾ وهم طائفة كبيرة من اليهود في جانب المدينة، وقت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وهاجر إلى المدينة، كفروا به في جملة من كفر من اليهود، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة عقد عهد أمان بينه وبين سائر طوائف اليهود الذين هم جيرانه في المدينة،

وقد حدث بعد وقعة بدر بستة أشهر أو نحوها، أن ذهب النبي صلى الله عليه وسلم مع عشرة من كبار أصحابه منهم أبو بكر وعمر وعلي - رضي الله عنهم - إلى محلة بني النضير , يطلب منهم المشاركة في أداء دية قتيلين بحكم ما كان بينه وبينهم من عهد في أول مقدمه على المدينة .
فقالوا: نفعل يا أبا القاسم، اجلس هاهنا حتى نقضي حاجتك، فخلا بعضهم ببعض، وسول لهم الشيطان الشقاء الذي كتب عليهم، فتآمروا بقتله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أيكم يأخذ هذه الرحى فيصعد فيلقيها على رأسه يشدخه بها ؟ فقال أشقاهم عمرو بن جحاش: أنا،
فقال لهم سلام بن مشكم: لا تفعلوا، فوالله ليخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه،
وجاء الوحي على الفور إليه من ربه، بما هموا به، فنهض مسرعا، فتوجه إلى المدينة، ولحقه أصحابه، فقالوا: نهضت ولم نشعر بك، فأخبرهم بما همت يهود به..

وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها، وقد أجلتكم عشرا، فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه .
وذلك الحكم لثبوت خيانتهم بالتأمر على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم, ونقض عهد الأمان الذي بينه وبينهم.

فأقاموا أياما يتجهزون، وأرسل إليهم المنافق عبد الله بن أبي [بن سلول]: أن لا تخرجوا من دياركم، فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم، فيموتون دونكم، وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان..

وطمع رئيسهم حيي بن أخطب فيما قال له، وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك..

فكبر رسول الله صلى عليه وسلم وأصحابه، ونهضوا إليهم، وعلي بن أبي طالب يحمل اللواء..

فأقاموا على حصونهم يرمون بالنبل والحجارة،
ولم تفي قريظة بعهدها لبني النضير في مناصرتها، وخانهم المنافق ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان،
فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقطع نخلهم وحرق. فأرسلوا إليه: نحن نخرج من المدينة، فأنزلهم على أن يخرجوا منها بنفوسهم، وذراريهم، وأن لهم ما حملت إبلهم إلا السلاح، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأموال والسلاح...

هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ - 2

فإن في هذا معتبرا يعرف به صنع الله تعالى في المعاندين للحق، المتبعين لأهوائهم، الذين لم تنفعهم عزتهم، ولا منعتهم قوتهم، ولا حصنتهم حصونهم، حين جاءهم أمر الله، ووصل إليهم النكال بذنوبهم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإن هذه الآية تدل على الأمر بالاعتبار، وهو اعتبار النظير بنظيره، وقياس الشيء على مثله، والتفكر فيما تضمنته الأحكام من المعاني والحكم التي هي محل العقل والفكرة، وبذلك يزداد العقل، وتتنور البصيرة ويزداد الإيمان، ويحصل الفهم الحقيقي لأمور التعامل مع مثل هؤلاء القتلة الخونة الذين لا أمان لهم, حيث عزموا على قتل خير البشر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكن الله تعالى نجاه من غدرهم وهذا من دلائل النبوة تدركه القلوب الطاهرة النقية.. بينما تظل القلوب المنكرة للحق مغلقة على الكراهية والغدر, وكان الجزاء ( فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ )

********

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:00 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(6)
وبعض آيات من سورة الحشر

التكافل الإجتماعي

مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ,
كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ,
وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ – 7


*******


تضع هذه الآية قاعدة كبرى من قواعد التنظيم الإقتصادي والإجتماعي في المجتمع الإسلامي:
(كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم).

كما تضع قاعدة كبرى في التشريع الدستوري للمجتمع الإسلامي:
( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ).
ولو أن هاتين القاعدتين جاءتا بمناسبة هذا الفيء وتوزيعه , إلا أنهما تتجاوزان هذا الحادث الواقع إلى آماد كثيرة في أسس النظام الاجتماعي الإسلامي.

القاعدة الأولى , قاعدة التنظيم الاقتصادي.

تمثل جانبا كبيرا من أسس النظرية الاقتصادية في الإسلام . فالملكية الفردية معترف بها في هذا النظرية . ولكنها محددة بهذه القاعدة . قاعدة ألا يكون المال دولة بين الأغنياء , ممنوعا من التداول بين الفقراء . فكل وضع ينتهي إلى أن يكون المال دولة بين الإغنياء وحدهم هو وضع يخالف النظرية الاقتصادية الإسلامية كما يخالف هدفا من أهداف التنظيم الاجتماعي كله .
وجميع الارتباطات والمعاملات في المجتمع الإسلامي يجب أن تنظم بحيث لا تخلق مثل هذا الوضع أو تبقي عليه إن وجد.
ولقد أقام الإسلام بالفعل نظامه على أساس هذه القاعدة . ففرض الزكاة . وجعل حصيلتها في العام اثنين ونصفا في المئة من أصل رؤوس الأموال النقدية , وعشرة أو خمسة في المئة من جميع الحاصلات . وما يعادل ذلك في الأنعام . وجعل الحصيلة في الركاز وهو كنوز الأرض مثلها في المال النقدي . وهي نسب كبيرة . ثم جعل أربعة أخماس الغنيمة للمجاهدين فقراء وأغنياء بينما جعل الفيء كله للفقراء . وجعل نظامه المختار في إيجار الأرض هو المزارعة - أي المشاركة في المحصول الناتج بين صاحب الأرض وزارعها .
وجعل للإمام الحق في أن يأخذ فضول أموال الأغنياء فيردها على الفقراء . وأن يوظف في أموال الأغنياء عند خلو بيت المال . وحرم الاحتكار . وحظر الربا . وهما الوسيلتان الرئيسيتان لجعل المال دولة بين الأغنياء...
وعلى الجملة أقام نظامه الاقتصادي كله بحيث يحقق تلك القاعدة الكبرى التي تعد قيدا أصيلا على حق الملكية الفردية بجانب القيود الأخرى
ومن ثم فالنظام الإسلامي نظام يبيح الملكية الفردية , ولكنه ليس هو النظام الرأسمالي , كما أن النظام الرأسمالي ليس منقولا عنه , فما يقوم النظام الرأسمالي إطلاقا بدون ربا وبدون احتكار ,
أما النظام الإسلامي هو نظام خاص من لدن حكيم خبير . نظاما فريدا متوازن الجوانب , متعادل الحقوق والواجبات , متناسقا تناسق الكون كله . مذ كان صدوره عن خالق الكون . والكون متناسق موزون...

القاعدة الثانية - مصدر التشريع

( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ).

فهي كذلك تمثل النظرية الدستورية الإسلامية . فالشريعة الإسلامية هي أساس التشريع في الدول الإسلامية ,
فمصدر السلطات في الإسلام هو شرع الله الذي جاء به الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] والأمة تقوم على هذه الشريعة وتحرسها وتنفذها . .
فأما حين لا توجد نصوص فيما جاء به الرسول بخصوص أمر يعرض للأمة فسبيلها أن تشرع له بما لا يخالف أصلا من أصول ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .- مثل قانون الطيران وقانون البحار وقانون المرور وغير ذلك من مستجدات - وهذا لا ينقض تلك النظرية , إنما هو فرع عنها . فالمرجع في أي تشريع هو أن يتبع ما جاء به الرسول إن كان هناك نص . وألا يخالف أصلا من أصوله فيما لا نص فيه .

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا – 58 النساء

وتربط الآية هاتين القاعدتين في قلوب المؤمنين بمصدرهما الأول . . وهو الله تعالى . . فتدعوهم إلى التقوى وتخوفهم عقاب الله: ( واتقوا الله إن الله شديد العقاب ). . وهذا هو الضمان الأكبر الذي لا احتيال عليه , ولا هروب منه . فقد علم المؤمنون أن الله مطلع على السرائر , خبير بالأعمال , وإليه المرجع والمآب . وعلموا أنه شديد العقاب . وعلموا أنهم مكلفون ألا يكون المال دولة بينهم , وأن يأخذوا ما آتاهم الرسول عن رضى وطاعة , وأن ينتهوا عما نهاهم عنه في غير ترخص ولا تساهل. فهناك حساب يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

*******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:00 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(7)
وبعض آيات من سورة الحشر

مبدء الأمن الداخلي

لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ - 8
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - 9


*******

إن الإسلام وضع مبادئ الأمن الداخلي بين أبناء الأمة الواحدة على كافة إنتماءتهم .
فأول ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وصل المدينة المنورة – أن أخى بين الأوس والخزرج , وأبرم معاهدات الأمان بين أهل الكتاب في المدينة.
وكانت يثرب ( المدينة المنورة ) قبل دخول رسول الله إليها تعاني من الصراع بين كل من طائفة الأوس وطائفة الخزرج وساعد على ذلك يهود المدينة حيث بثت الكراهية بين الجانبين والدسائس التي إستمرت إلى أن دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم , بنور الإسلام الذي جعل الأخوة في العقيدة أساسا والحفاظ على عهد الأمن بين أبناء البلد الواحد صمام الأمان.
وبذلك ندرك قوة الدولة الإسلامية في مهدها ..
وفي الحديث: مثل المؤمنين في توادهم و تعاطفهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى و السهر..

أما الجسد المريض الذي تأكله الأمراض فهو المثل للمجتمع التي تأكله الصراعات والفرقة والكراهية , فيضعف حتى الهلاك ...
قال تعالى في سورة القصص:
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ - 4

إن فرعون تكبر وطغى في الأرض, وجعل أهلها طوائف متفرقة, يستضعف طائفة منهم, يذبِّح أبناءهم, ويستعبد نساءهم, إنه كان من المفسدين في الأرض. وبذلك كانت نهاية حضارة سادت قرونا عديدة حتى وصل إلى ذلك المنزلق التي تسقط فيه الدول والحضارات ألا وهو التفكك والصراعات الدخلية بين أبناء الوطن الواحد . والظلم والفساد..

ولكن الإسلام وضع مبادئ الإخاء والحب بين الأفراد والمجتمعات والشعوب.

لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ - 8
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - 9

الفئة الأولى : فئة المهاجرين , وقد خرجوا تاركين ديارهم وأموالهم ( يبتغون فضلا من الله ورضوانا ) اعتمادهم على الله في فضله ورضوانه . لا ملجأ لهم سواه , ( ينصرون الله ورسوله ). في أحرج الساعات وأضيق الأوقات . ( أولئك هم الصادقون ). . الذين قالوا كلمة الإيمان بألسنتهم , وصدقوها بعملهم . وكانوا صادقين مع الله في أنهم اختاروه . وصادقين مع رسوله في أنهم اتبعوه .

الفئة الثانية :
والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم , يحبون من هاجر إليهم , ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا , ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة . ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.
صورة نادرة لأخلاق البشر لم تعرف إلا في الإسلام...
والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم . . أي دار الهجرة . يثرب مدينة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وقد تبوأها الأنصار قبل المهاجرين . كما تبوأوا فيها الإيمان . .
يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا - ولم يعرف تاريخ البشرية كله حادثا جماعيا كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين . بهذا الحب الكريم . وبهذا البذل السخي . وبهذه المشاركة الرضية . وبهذا التسابق إلى الإيواء واحتمال الأعباء . حتى ليروى أنه لم ينزل مهاجر في دار أنصاري إلا بقرعة . لأن عدد الراغبين في الإيواء المتزاحمين عليه أكثر من عدد المهاجرين ... ( ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ). .
ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة - والإيثار على النفس مع الحاجة قمة عليا . وقد بلغ إليها الأنصار بما لم تشهد البشرية له نظيرا . وكانوا كذلك في كل مرة وفي كل حالة بصورة خارقة لمألوف البشر قديما وحديثا ....
( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ). . فهذا الشح . شح النفس . هو المعوق عن كل خير . لأن الخير بذل في صورة من الصور . بذل في المال . وبذل في العاطفة . وبذل في الجهد . وبذل في الحياة عند الاقتضاء وما يمكن أن يصنع الخير شحيح يهم دائما أن يأخذ ولا يهم مرة أن يعطي . ( ومن يوق شح نفسه ) , فقد وقي هذا المعوق عن الخير , فانطلق إليه معطيا باذلا كريما . وهذا هو الفلاح في حقيقة الأمر... .


******
الفئة الثالثة :
المؤمنون عبر العصور اللاحقة
ومدى حبهم للصحابة.

وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ – 10

وهذه الصورة الثالثة النظيفة الرضية الواعية . وهي تبرز أهم ملامح التابعين . كما تبرز أخص خصائص الأمة المسلمة على الإطلاق في جميع الأوطان والأزمان ...
هؤلاء الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار - ولم يكونوا قد جاءوا بعد عند نزول الآية في المدينة , إنما كانوا قد جاءوا في علم الله وفي الحقيقة القائمة في هذا العلم المطلق من حدود الزمان والمكان - سمة نفوسهم أنها تتوجه إلى ربها في طلب المغفرة , لا لذاتها ولكن كذلك لسلفها الذين سبقوا بالإيمان ; وفي طلب براءة القلب من الغل للذين آمنوا على وجه الإطلاق , ممن يربطهم معهم رباط الإيمان . مع الشعور برأفة الله , ورحمته , ودعائه بهذه الرحمة , وتلك الرأفة: ( ربنا إنك رؤوف رحيم )
وتتجلى من وراء تلك النصوص طبيعة هذه الأمة المسلمة وصورتها الوضيئة في هذا الوجود . تتجلى الآصرة القوية الوثيقة التي تربط أول هذه الأمة بآخرها , وآخرها بأولها , في تضامن وتكافل وتواد وتعاطف . وشعور بوشيجة القربى العميقة التي تتخطى الزمان والمكان والجنس والنسب ; وتتفرد وحدها في القلوب , تحرك المشاعر خلال القرون الطويلة , فيذكر المؤمن أخاه المؤمن بعد القرون المتطاولة , كما يذكر أخاه الحي , أو أشد , في إعزاز وكرامة وحب .
إنها صورة باهرة , تمثل حقيقة قائمة ; كما تمثل أرفع وأكرم مثال للبشرية يتصوره قلب كريم .
فأين هذا من بث الفرقة بين الشعوب والمجتمعات والأفراد ومبادئ الكراهية والحقد التي يسود فوق تلالها الطغاة والظالمون.

هل أدركنا ضرورة مبادئ المعاملات والأخلاق من القرآن العظيم ؟

******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:00 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(8)
وبعض آيات من سورة الحشر

التقوى أساس جميع المعاملات
في الإسلام


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ – 18 وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ – 19 لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ – 20

الدعوة إلى التقوى والتحذير من النسيان وعدم استواء أصحاب النار وأصحاب الجنة.


( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) نداء إلى كل مؤمن , دخل قلبه الإيمان وصدقه العمل , فالمؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم..
يتجه إليهم ربهم ليدعوهم إلى التقوى . والنظر فيما أعدوه للآخرة , واليقظة الدائمة , والحذر من نسيان الله كالذين نسوه من قبل , ممن رأوا مصير فريق منهم , وممن كتب عليهم أنهم من أصحاب النار..

والتقوى خوف من الله تعالى داخل القلب ينعكس على كل تصرفات الإنسان في جميع معاملاته وسلوكياته بحيث تجعل القلب يقظا حساسا شاعرا بالله في كل حالة . خائفا متحرجا مستحييا أن يطلع عليه الله في حالة يكرهها . وعين الله على كل قلب في كل لحظة . فمتى يأمن أن لا يراه ..

وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ .

الرصيد الدائم في دار الخلد يتم تنميته والمحافظة عليه من الضياع بالعمل الصالح وعدم الإضرار بالغير..
وجاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون من المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع . فقال : إن المفلس من أمتي ، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا . فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته . فإن فنيت حسناته ، قبل أن يقضى ما عليه ، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه . ثم طرح في النار..
الراوي: أبو هريرة المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2581
خلاصة حكم المحدث: صحيح

فيجب مراقبة ذلك الرصيد بصفة مستمرة ومراجعته .. وهذا التأمل كفيل بأن يوقظ المؤمن إلى مواضع ضعف ومواضع نقص ومواضع تقصير , مهما يكن قد أسلف من خير وبذل من جهد . فكيف إذا كان رصيده من الخير قليلا , ونصيبه من البر ضئيلا ? إنها لمسة لا ينام بعدها القلب أبدا , ولا يكف عن النظر والتقليب.

وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ .

فجميع أعمال الإنسان مراقبة رقابة دائمة ومدونة , فليحرص المؤمن على تقوى الله تعالى , ولتكن كل معاملاته وفق شرع الله تعالى التي أساسها الحق والعدل والخير والحب ..

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .

فالمؤمن دائم اليقظة يدرك تمام الأدراك أنه يتعامل مع الله تعالى أولا وأخيرا, وأن هذا الأختبار له في الدنيا محدود بزمن , فيجب أن يستثمره في كل خير , ولا ينسى تلك الرقابة والهيمنة الإلهية كما نساها أولئك الفاسقون الذين خرجوا عن طاعة الله تعالى ويسعون في الأرض فسادا وظلما وجورا وكراهية..

فالذي ينسى الله يهيم في هذه الحياة بلا رابطة تشده إلى أفق أعلى , وبلا هدف لهذه الحياة . وفي هذا نسيان لإنسانيته . وهذه الحقيقة تضاف إليها أو تنشأ عنها حقيقة أخرى , وهي نسيان هذا المخلوق لنفسه فلا يدخر لها زادا للحياة الطويلة الباقية , ولا ينظر فيما قدم لها في الغداة من رصيد..

لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ,
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ .

*******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:01 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(9)
وبعض آيات من سورة الممتحنة

أسس التعامل بين البشر

لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ - 8 إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ - 9

إن الإسلام دين سلام , وعقيدة حب , ونظام يستهدف أن يظلل العالم كله بظله , وأن يقيم فيه منهجه المبني على العدل والحرية والمساواة في الحقوق والواجبات , وأن يجمع الناس تحت لواء الله إخوة متعارفين متحابين .
وليس هنالك من عائق يحول دون اتجاهه هذا إلا عدوان أعدائه عليه وعلى أهله .
فأما إذا سالموهم فليس الإسلام براغب في الخصومة ولا متطوع بها كذلك , وهو حتى في حالة الخصومة يستبقي أسباب الود في النفوس بنظافة السلوك وعدالة المعاملة , انتظارا لليوم الذي يقتنع فيه خصومه بأن الخير في أن ينضووا تحت لوائه الرفيع . ولا ييأس الإسلام من هذا اليوم الذي تستقيم فيه النفوس , فتتجه هذا الاتجاه المستقيم...

فرسالة الإسلام أرسلها الله تعالى للعالمين

وكلفنا بتبليغها للناس , وبناء على ذلك يتعين على المسلم أن يكون محبا لكل الخلق , وإلا كيف تدعو من تكرهه وتبغضه..؟ فهذا لا يستقيم ..
ولكن من اعتدى علينا وأخرجنا من ديارنا وشرد النساء والشيوخ والأطفال ودمر البلاد فلا يستقيم أن تظهر لهم الود والحب لأن في ذلك تشجيعا على عدوانهم وظلمهم..
وإنك تنقذ الظالم بردعه وبرده عن الظلم, ولذلك نهى الإسلام أشد النهي عن الولاء لمن قاتلونا بسبب الدين وأخرجونا من ديارنا ومن بلادنا وساعدوا على إخراجنا .
وحكم على الذين يتولونهم بأنهم هم الظالمون . وهو تهديد رهيب يجزع منه المؤمن , ويتقي أن يدخل في مدلوله المخيف.
وتلك القاعدة في معاملة غير المسلمين هي أعدل القواعد التي تتفق مع طبيعة هذا الدين ووجهته ونظرته إلى الحياة الإنسانية التى مبناها التعاون على البر والتقوى والحب بين البشر.
وهي أساس شريعته الدولية , التي تجعل حالة السلم بينه وبين الناس جميعا هي الحالة الثابتة , لا يغيرها إلا وقوع الاعتداء الحربي وضرورة رده , أو خوف الخيانة بعد المعاهدة , أو التهديد بالاعتداء ; أو الوقوف بالقوة في وجه حرية الدعوة وحرية الاعتقاد . وفيما عدا هذا فهي السلم والمودة والبر والعدل للناس أجمعين.

لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ .

******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:01 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(10)
وبعض آيات من سورة الممتحنة

حماية حرية المرأة في إختيار العقيدة

قررت الشريعة الإسلامية حرية العقيدة الدينية منذ 15 قرن قبل أن ينص ذلك صراحة في وثيقة حقوق الإنسان في القرن الماضي.
قال تعالى: ( لا إكراه في الدين )
وشددت الشريعة في حماية الحرية للنساء المؤمنات وتوفير مناخ الأمن لهن للعيش في كرامة دون ضغوط نفسية أو جسدية تكرههن على إعتناق ما لا تقتنع به تحت وطئة التعذيب أو الحبس.
ولم يحدث في الدول المتحضرة مصادرة حق المرأة إذا اعتنقت الإسلام ,
وكذلك في حدوث العكس , لم تفرض الشريعة حبس المرأة الكافرة , بل تركها واختيارها ,
فالمبدأ أن الطيبين للطيبات , والخبيثين للخبيثات.
وأن نبي الله ( نوح ) لم يكره امرأته للإيمان.
وكذلك نبي الله ( لوط ) لم يكره امرأته على الإيمان.
وفي المقابل لم يستطع فرعون اكراه امرأته على الكفر.
قال تعالى في سورة التحريم:
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ – 10 وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ -11

وبناء على ذلك لابد من حماية حرية المرأة في اختيار عقيدتها وكذلك الرجال, ولكن جاء النص صراحة بالنسبة للنساء تأكيدا على حمايتهن من قبل الدولة التي منوط بها حماية جميع رعايها وتوفير الأمن والأمان لجميع المواطنين على اختلاف مللهم.

وتعالوا نستمع إلى كلام الله تعالى :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ - 10 وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ - 11

وقد ورد في سبب نزول هذه الأحكام أنه كان بعد صلح الحديبية الذي جاء فيه: على ألا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا .
فلما كان الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] والمسلمون معه بأسفل الحديبية جاءته نساء مؤمنات يطلبن الهجرة والانضمام إلى دار الإسلام في المدينة ; وجاءت قريش تطلب ردهن تنفيذا للمعاهدة .
فنزلت هاتات الآيتان تمنعان رد المهاجرات المؤمنات إلى الكفار ,لكي لا يفتن في دينهن وهن ضعاف.
ونزلت أحكام هذه الحالة الدولية معها , تنظم التعامل فيها على أعدل قاعدة تتحرى العدل في ذاته دون تأثر بسلوك الفريق الآخر , وما فيها من شطط وجور .

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ )

وأول إجراء هو امتحان هؤلاء المهاجرات لتحري سبب الهجرة , فلا يكون تخلصا من زواج مكروه , ولا طلبا لمنفعة , ولا جريا وراء حب فردي في دار الإسلام.
قال ابن عباس:كان يمتحنهن: بالله ما خرجت من بغض زوج , وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض , وبالله ما خرجت التماس دنيا , وبالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله.
وقال عكرمة: يقال لها: ما جاء بك إلا حب الله ورسوله , وما جاء بك عشق رجل منا , ولا فرارا من زوجك.
وهذا هو الامتحان . . وهو يعتمد على ظاهر حالهن واقرارهن مع الحلف بالله تعالى . فأما خفايا الصدور فأمرها إلى الله , ولا سبيل للبشر إليها:

( الله أعلم بإيمانهن ,فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ )

فالإيمان هو قوام حياة القلب الذي لا تقوم مقامه عاطفة أخرى , فإذا خوى منه قلب لم يستطع قلب مؤمن أن يتجاوب معه , ولا أن يأنس به , ولا أن يواده ولا أن يسكن إليه ويطمئن في جواره . والزواج مودة ورحمة وأنس وسكن. ولا ارتباط إلا بين الذين يرتبطون بالله تعالى ...

( وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا, وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )

ومع إجراء التفريق إجراء التعويض - على مقتضى العدل والمساواة - فيرد على الزوج الكافر قيمة ما أنفق من المهر على زوجته المؤمنة التي فارقته تعويضا للضرر . كما يرد على الزوج المؤمن قيمة ما أنفق من المهر على زوجته الكافرة التي يطلقها من عصمته.
وبعد ذلك يحل للمؤمنين زواج المؤمنات المهاجرات متى آتوهن مهورهن وانقضاء العدة أو وضع الحمل.

ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .

ويكفي أن يستشعر ضمير المسلم هذه الصلة , ويدرك مصدر الحكم ليستقيم عليه ويرعاه . وهو يوقن أن مرده إلى الله تعالى.

وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ

فإيمانكم بالله، يقتضي منكم أن تكونوا ملازمين للتقوى على الدوام.
وهكذا تكون تلك الأحكام بالمفاصلة بين الأزواج تطبيقا واقعيا للتصور الإسلامي عن قيم الحياة وارتباطها بالحرية الدينية, ومنعا للمشاكل الزوجية التي تنشأ عن إختلاف العقيدة.
فالإسلام يقيم الحياة كلها على أساس العقيدة , وربطها كلها بمحور الإيمان التي تنشأ عنه حياة أسرية سعيدة تقوم على المودة والرحمة , وإنشاء عالم إنساني تذوب فيه فوارق الجنس واللون واللغة والنسب والأرض .

******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:01 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(11)
وبعض آيات من سورة الصف

مبدأ موافقة الأعمال للأقوال


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ – 2 كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ - 3


أي: لم تقولون الخير وتحثون عليه ، وربما تمدحتم به وأنتم لا تفعلونه، وتنهون عن الشر وربما نزهتم أنفسكم عنه، وأنتم متلوثون به ومتصفون به....

فهل تليق بالمؤمنين هذه الحالة الذميمة ؟ فإن من أكبر المقت عند الله أن يقول العبد ما لا يفعل ؟ ولهذا ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس إليه مبادرة ، وللناهي عن الشر أن يكون أبعد الناس منه ، قال تعالى : ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ 44 البقرة - وقال شعيب عليه الصلاة والسلام لقومه: ﴿ وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ﴾ 88 هود.

إن الدعوة الإسلامية قامت في الأساس على القدوة الحسنة.
قال تعالى في سورة الأحزاب:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ -21 ﴾

واستدل الأصوليون في هذه الآية، على الاحتجاج بأفعال الرسول صلى اللّه عليه وسلم، وأن الأصل، أن أمته أسوته في الأحكام ، إلا ما دل الدليل الشرعي على الاختصاص به....

فالأسوة نوعان: أسوة حسنة ، وأسوة سيئة...

فالأسوة الحسنة، في الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، فإن المتأسِّي به، سالك الطريق الموصل إلى كرامة اللّه، وهو الصراط المستقيم....

وأما الأسوة بغيره، إذا خالفه ، فهو الأسوة السيئة ، كقول الكفار حين دعتهم الرسل للتأسِّي بهم ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ -22 ﴾الزخرف..

وهذه الأسوة الحسنة، إنما يسلكها ويوفق لها، من كان يرجو اللّه، واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان، وخوف اللّه، ورجاء ثوابه، وخوف عقابه، يحثه على التأسي بالرسول صلى اللّه عليه وسلم....

وكذلك يجب على المؤمن أن يكون سلوكه هو الدعوة لدين الله تعالى. فالمعاملات إن خالفت الأقوال والمبادئ التي ننادي بها..تؤدي لنتائج عكسية..بل تؤدي إلى نفور الناس من التدين..
قال تعالى في سورة ال عمران: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) - 110

يمدح تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به من معاملات وأخلاق ، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم ، فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس.....
فدخل أكثر أهل الأرض في دين الله تعالى لما رأوا المعاملات والأداب الرفيعة مطبقة لدى المسلمين,

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ – 2 كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ - 3


******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:02 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(12)
وبعض آيات من سورة الصف

مبدأ وحد الصف للدفاع عن الأمة

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ - 4

إن التشتت في صفوف الأمة والتشرذم والفرقة يؤدي لضعفها , وطمع الغاصبين في إحتلالها والهيمنة على إقتصاديتها والتحكم في ثقافتها . بينما التوحد بين شعوب الأمة والعمل على إنشاء معاهدة دفاع مشترك بين أوطانها وتوحيد الصف في الدفاع عن الأرض والعرض – كل ذلك يؤدي إلى صيانة كرامة الأمة وصيانة ثروتها .

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حضر القتال، صف أصحابه، ورتبهم في مواقفهم، بحيث لا يحصل اتكال بعضهم على بعض، بل تكون كل طائفة منهم مهتمة بمركزها وقائمة بوظيفتها، وبهذه الطريقة تتم الأعمال ويحصل الكمال.

وتوحيد الصف يبدأ من الجبهة الداخلية.
فأول ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وصل المدينة المنورة – أن أخى بين الأوس والخزرج , وأبرم معاهدات الأمان بين أهل الكتاب في المدينة.
وكانت يثرب ( المدينة المنورة ) قبل دخول رسول الله إليها تعاني من الصراع بين كل من طائفة الأوس وطائفة الخزرج وساعد على ذلك يهود المدينة حيث بثت الكراهية بين الجانبين والدسائس التي إستمرت إلى أن دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم , بنور الإسلام الذي جعل الأخوة في العقيدة أساسا والحفاظ على عهد الأمن بين أبناء البلد الواحد صمام الأمان.
وبذلك ندرك قوة الدولة الإسلامية في مهدها ..
وفي الحديث: مثل المؤمنين في توادهم و تعاطفهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى و السهر..

أما الجسد المريض الذي تأكله الأمراض فهو المثل للمجتمع التي تأكله الصراعات والفرقة والكراهية , فيضعف حتى الهلاك ...
قال تعالى في سورة القصص:
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ -4
فسرعان ما سقط فرعون وجنوده تلقاء ما اقترفه من تقطيع لأوصال الأمة وإضعافها ورفضه لرسالة الله تعالى.

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ - 4

فالأسلام ليس دين أفراد منعزلين , كل واحد منهم يعبد الله في صومعة . . إن هذا لا يحقق الإسلام في ضمير الفرد ذاته , ولا يحققه بطبيعة الحال في حياته , ولم يجئ الإسلام لينعزل هذه العزلة .
والبشرية لا تعيش أفرادا إنما تعيش جماعات وأمما . والإسلام جاء لينظم سلوك البشرية وهي كذلك . وهو مبني على أساس أن البشر يعيشون هكذا . ومن ثم فإن آدابه وقواعده ونظمه كلها مصوغة على هذا الأساس . وحين يوجه اهتمامه إلى ضمير الفرد فهو يصوغ هذا الضمير على أساس أنه يعيش في جماعة, وهو والجماعة التي يعيشون فيها يتجهون إلى الله , ويقوم - فيها - على أمانة دينه في الأرض , ومنهجه في الحياة ونظامه في الناس..


******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:02 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(13)
وبعض آيات من سورة الجمعة

المؤتمر الإسبوعي
يوم الجمعة


يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ -1

نزلت هذه السورة بعد سورة "الصف" السابقة . وهي تعالج الموضوع الذي عالجته سورة الصف , ولكن من جانب آخر , وبأسلوب آخر , وبمؤثرات جديدة. .
إنها تعالج أن تقر في أخلاد الجماعة المسلمة في المدينة أنها هي المختارة أخيرا لحمل أمانة العقيدة الإيمانية.
وأن هذا فضل من الله عليها ; وأن بعثة الرسول الأخير في الأميين - وهم العرب - منة كبرى تستحق الالتفات والشكر , وتقتضي كذلك تكاليف تنهض بها المجموعة التي استجابت للرسول صلى الله عليه وسلم , واحتملت الأمانة ; وأنها موصولة على الزمان غير مقطوعة ولا منبتة , فقد قدر الله أن تنمو هذه البذرة وتمتد . بعدما نكل بنو إسرائيل عن حمل هذه الأمانة وانقطعت صلتهم بأمانة السماء ; وأصبحوا يحملون التوراة كالحمار يحمل أسفارا , ولا وظيفة له في إدراكها , ولا مشاركة له في أمرها ...

*****

قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ – 6 وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ – 7 قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ – 8

وفي السورة مباهلة مع اليهود , بدعوتهم إلى تمني الموت للمبطلين من الفريقين وذلك ردا على دعواهم أنهم أولياء الله من دون الناس , وأنهم شعب الله المختار , وأن بعثة الرسول في غيرهم لا تكون - كما كانوا يدعون - مع جزم القرآن بأنهم لن يقبلوا هذه المباهلة التي دعوا إليها فنكلوا عنها لشعورهم ببطلان دعواهم . وتعقب السورة على هذا بتقرير حقيقة الموت الذي يفرون منه , وأنه ملاقيهم مهما فروا , وأنهم مردودون إلى عالم الغيب والشهادة فمنبئهم بما كانوا يعملون .
وهو تقرير لا يخص اليهود وحدهم , إنما يلقيه القرآن ويدعه يفعل فعله في نفوس المؤمنين كذلك . فهذه الحقيقة لا بد أن تستقر في نفوس حملة أمانة الله في الأرض , لينهضوا بتكاليفها وهم يعرفون الطريق.

*******

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ – 9

فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ - 10
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ - 11


تشير الآيات إلى حادث معين . حيث كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يخطبهم في المسجد للجمعة حين حضرت قافلة من قوافلهم التجارية ; فما إن أعلن نبأ قدومها حتى انفض المستمعون منصرفين إلى التجارة واللهو الذي كانت القافلة تحاط به - على عادة الجاهلية - من ضرب بالدفوف وحداء وهيصة ! وتركوا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قائما . فيما عدا اثني عشر من الراسخين فيهم أبو بكر وعمر بقوا يستمعون ! كما تذكر الروايات. .
وهي حادثة تكشف بذاتها عن مدى الجهد الذي بذل في تربية تلك الجماعة الأولى حتى انتهت إلى ما انتهت إليه من عزة وكرامة ورفعة ; وحتى صارت ذلك النموذج الفريد في تاريخ الإسلام وفي تاريخ البشرية جميعا . وتلهمنا الصبر على مشقة بناء النفوس في أي جيل من الأجيال , لتكوين الجماعة المسلمة التي تنهض بحمل أمانة هذه العقيدة , وتحاول تحقيقها في عالم الواقع كما حققتها الجماعة الأولى.

******


يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:02 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(14)
وبعض آيات من سورة المنافقون

صدق القلب قبل قول اللسان

إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ – 1 اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ - 2 ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ - 3

بنيت كل مبادئ المعاملات في الإسلام على الإخلاص , والعمل الصالح ظاهرا وباطنا ...
وقد حذرنا ربنا من طائفة من الناس أشد خطرا من الكافرين . أولئك هم المنافقون.. فقد ورد التحذير منهم في صدر سورة البقرة . قال تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ – 8 يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ – 9 فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ – 10 ...
وقد بين لنا ربنا علماتهم في التعاملات فقال تعالى:

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ – 11 أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ – 12

أي: إذا نهي هؤلاء المنافقون عن الإفساد في الأرض, وهو العمل بالكفر والمعاصي..﴿ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ فجمعوا بين العمل بالفساد في الأرض, وإظهارهم أنه ليس بإفساد بل هو إصلاح, قلبا للحقائق, وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقا، وهذا أعظم جناية ممن يعمل بالمعصية, مع اعتقاد أنها معصية فهذا أقرب للسلامة, وأرجى لرجوعه...

﴿ ألا إنهم هم المفسدون ﴾ فإنه لا أعظم فسادا ممن كفر بآيات الله, وصد عن سبيل الله، وخادع الله وأولياءه, ووالى المحاربين لله ورسوله, وزعم مع ذلك أن هذا إصلاح, فهل بعد هذا الفساد فساد؟"
والعمل بالمعاصي في الأرض إفسادا, لأنه يتضمن فساد ما على وجه الأرض من الحبوب والثمار والأشجار, والنبات, بما يحصل فيها من الآفات بسبب المعاصي، ولأن الإصلاح في الأرض أن تعمر بطاعة الله والإيمان به, لهذا خلق الله الخلق, وأسكنهم في الأرض, وأدر لهم الأرزاق, ليستعينوا بها على طاعته وعبادته، فإذا عمل فيها بضده, كان سعيا فيها بالفساد فيها, وإخرابا لها عما خلقت له...

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ – 13 ﴾

أي: إذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن الناس, أي: كإيمان الصحابة رضي الله عنهم، وهو الإيمان بالقلب واللسان, قالوا بزعمهم الباطل: أنؤمن كما آمن السفهاء ؟ فرد الله ذلك عليهم, وأخبر أنهم هم السفهاء على الحقيقة, لأن حقيقة السفه جهل الإنسان بمصالح نفسه, وسعيه فيما يضرها, وهذه الصفة منطبقة عليهم وصادقة عليهم، كما أن العقل والحجا, معرفة الإنسان بمصالح نفسه, والسعي فيما ينفعه, وفي دفع ما يضره، وهذه الصفة منطبقة على المؤمنين وصادقة عليهم، فالعبرة بالأوصاف والبرهان, لا بالدعاوى المجردة, والأقوال الفارغة...

*****
وهذه السورة تبدأ بوصف طريقتهم في مداراة ما في قلوبهم من الكفر , وإعلانهم الإسلام والشهادة بأن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] هو رسول الله . وحلفهم كذبا ليصدقهم المسلمون , واتخاذهم هذه الأيمان وقاية وجنة يخفون وراءها حقيقة أمرهم , ويخدعون المسلمين فيهم ..

إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ
وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ – 1

فهم كانوا يجيئون إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فيشهدون بين يديه برسالته شهادة باللسان , لا يقصدون بها وجه الحق , إنما يقولونها للتقية , وليخفوا أمرهم وحقيقتهم على المسلمين . فهم كاذبون في أنهم جاءوا ليشهدوا هذه الشهادة , فقد جاءوا ليخدعوا المسلمين بها , ويداروا أنفسهم بقولها . ومن ثم يكذبهم الله في شهادتهم بعد التحفظ الذي يثبت حقيقة الرسالة: ( والله يعلم إنك لرسوله ). . ( والله يشهد إن المنافقين لكاذبون )

******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:03 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(15)
وبعض آيات من سورة المنافقون

لواء الأعزاء

نستكمل الحديث عن موقف المنافقين تجاه المؤمنين, ومحاولتهم التعالي بالباطل عليهم ...

يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ

وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ – 8

عرض "عبد الله بن عبد الله بن أبي" على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أن يكل إليه أشق عمل على النفس البشرية - أن يقتل أباه المنافق صاحب مقولة : ليخرجن الأعز منها الأذل. وهو يقول : فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني..
ويرد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا . . ومن قبل هذا يكف عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رأيه بقتل ذلك المنافق ويقول له : فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ؟
وأخيرا نقف أمام المشهد الرائع لعبد الله بن عبد الله بن أبي . وهو يأخذ بسيفه - عند مدخل المدينة - على أبيه فلا يدعه يدخل بسبب مقولته: ( ليخرجن الأعز منها الأذل ). ليعلمه أن رسول الله هو الأعز . وأنه هو الأذل . ويظل يقفه حتى يأتي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فيأذن له فيدخلها بإذنه .

ويتقرر بالتجربة الواقعة من هو الأعز ومن هو الأذل . في نفس الواقعة . وفي ذات الأوان..


( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ )

ويضم الله - سبحانه - رسوله والمؤمنين إلى رحابه , ويضفي عليهم من عزته , وهو تكريم هائل لا يكرمه إلا الله العزيز الحكيم....
وأي تكريم بعد أن يوقف الله - سبحانه - رسوله والمؤمنين معه إلى رحابه .

فهذا لواء الأعزاء . وهذا هو الصف العزيز..

وصدق الله http://www.bntpal.com/vb/img/bntpal_1429333408_576.gif وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) فجعل العزة صنو الإيمان في القلب المؤمن . العزة المستمدة من عزته تعالى . العزة التي لا تهون ولا تهن , ولا تنحني ولا تلين .. فإذا استقر الإيمان ورسخ فالعزة معه مستقرة راسخة....

وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ

وكيف يعلمون وهم لا يتذوقون هذه العزة ولا يتصلون بمصدرها الأصيل؟

قال تعالى في سورة فاطر:

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ - 10

إن العزة كلها لله تعالى . وليس شيء منها عند أحد سواه . فمن كان يريد العزة فليطلبها من مصدرها الذي ليس لها مصدر غيره . ليطلبها عند الله , فهو واجدها هناك وليس بواجدها عند غيره ,

والعزة الصحيحة حقيقة تستقر في القلب قبل أن يكون لها مظهر في دنيا الناس . حقيقة تستقر في القلب فيستعلي بها على كل أسباب الذلة والانحناء لغير الله . حقيقة يستعلي بها على نفسه أول ما يستعلي . يستعلي بها على شهواته المذلة , ورغائبه القاهرة , ومخاوفه ومطامعه من الناس وغير الناس . ومتى استعلى على هذه فلن يملك أحد وسيلة لإذلاله وإخضاعه . فإنما تذل الناس شهواتهم ورغباتهم , ومخاوفهم ومطامعهم...

*******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:03 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(16)
وبعض آيات من آخر سورة المنافقون

النهي عن الغفلة والتلهي

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ – 9 وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ – 10 وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ - 11

فحين نتذكر الله تعالى نرى كل شئ على حقيقته , فنرى المال الذي قد وهبه للبشر لكي ينعموا به وييسر توزيع الثروة على الجميع – هذا المال يحاول بعض الناس من الغافلين أن يجعلوه في خزائنهم , لا يجعلوه سبب في التقدم أو التطور .. بل حرمان الفقراء من حقهم في الحياة ومن هذا المال , فتعيش تحت خط الفقر بسبب من عاش ليجمع المال ويكنزه ويتلهى به .

وكذلك الأولاد حين نهمل تربيتهم وتعليمهم , فحينئذ لا نقدر نعمة الله تعالى علينا.. فالأولاد هم الثروة البشرية لأي دولة فهم المستقبل, فيجب رعايتهم واستغلال هذه الثروة في النهضة والتقدم.

والأموال والأولاد ملهاة ومشغلة إذا لم يستيقظ القلب , ويدرك غاية وجوده , ويشعر أن له هدفا أعلى يليق بالمخلوق الذي نفخ الله فيه من روحه .
وقد منحه الأموال والأولاد ليقوم بالخلافة في الأرض لا لتلهيه عن ذكر الله والاتصال بالمصدر الذي تلقى منه ما هو به إنسان .
ومن يغفل عن الاتصال بذلك المصدر , ويلهه عن ذكر الله ليتم له هذا الاتصال ( فأولئك هم الخاسرون ). .
وأول ما يخسرونه هو هذه السمة . سمة الإنسان . فهي موقوفة على الاتصال بالمصدر الذي صار به الإنسان إنسانا . ومن يخسر نفسه فقد خسر كل شيء . مهما يملك من مال ومن أولاد..

( وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم )

فيذكرهم بمصدر هذا الرزق الذي في أيديهم . فهو من عند الله الذي آمنوا به والذي يأمرهم بالإنفاق..

( مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ )

فيترك كل شيء وراءه لغيره ; وينظر فلا يجد أنه قدم شيئا لنفسه , وهذا أحمق الحمق وأخسر الخسران..
ثم يرجو حينئذ ويتمنى أن لو كان قد أمهل ليتصدق وليكون من الصالحين وأنى له هذا ? : ( ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها )
وأنى له ما يتقدم به ? ( والله خبير بما تعملون )

إنها اللمسات المنوعة في الآية الواحدة . في مكانها المناسب بعد عرض سمات المنافقين وكيدهم للمؤمنين . ولواذ المؤمنين بالله الذي يقيهم كيد المنافقين . . فما أجدرهم إذن أن ينهضوا بتكاليف الإيمان , وألا يغفلوا عن ذكر الله . وهو مصدر الأمان...
وهكذا يربي الله المسلمين بهذا القرآن العظيم..

******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:04 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(17)
وبعض آيات من آخر سورة التغابن

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - 1

التسبيح هو التنزيه لله سبحانه وتعالى, فنشعر بالقدرة الإلهية ونرى آثارها المشهودة في الكون , ونحسها في ذوات الأنفسنا بآثارها المشهودة والمدركة. ونرى القدرة الإلهية محيطة بكل شيء , مهيمنة على كل شيء , مدبرة لكل شيء , حافظة لكل شيء , سواء في ذلك الكبير والصغير والجليل والحقير..
فيعيش المؤمن شاعرا بقدرة الله وهيمنته , شاعرا بعلمه ورقابته , شاعرا بقهره وجبروته على الظالمين , شاعرا برحمته وفضله على المؤمنين, شاعرا بقربه منه في كل حال .
فالمؤمن يحس بالوجود كله متجها إلى خالقه فيتجه معه , مسبحا بحمد ربه فيشاركه تسبيحه , ويعمل بأمره وحكمته فيخضع لشريعته وقانونه . .

لَهُ الْمُلْكُ

فالشريعة الإسلامية قامت على العدل والحرية والمساواة بين البشر.

العدل

قال تعالى في سورة النحل:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ

وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ - 90

فالعدل الذي أمر الله به يشمل العدل في حقه وفي حق عباده، فالعدل في ذلك أداء الحقوق كاملة موفرة بأن يؤدي العبد ما أوجب الله عليه من الحقوق المالية والبدنية والمركبة منهما في حقه وحق عباده، ويعامل الخلق بالعدل التام، فيؤدي كل إنسان ما عليه تحت ولايته سواء في ذلك ولاية الإمامة الكبرى، وولاية القضاء ونواب الحاكم، ونواب القاضي...

والعدل هو ما فرضه الله تعالى علي المؤمنين في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بسلوكه.
ومن العدل في المعاملات أن تعاملهم في عقود البيع والشراء وسائر المعاوضات، بإيفاء جميع ما عليك فلا تبخس لهم حقا ولا تغشهم ولا تخدعهم وتظلمهم.
فالعدل واجب شرعي في الإسلام..

******

الحرية

الحرية في الإسلام حرية شاملة لكل جوانب الحياة منضبطة بشريعة الله تعالى , فلا تحلل ولا انحراف لتلك الحرية.

أولا حرية العقيدة :

قال تعالى : لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ – 256 البقرة
يخبر تعالى أنه لا إكراه في الدين لعدم الحاجة إلى الإكراه عليه، لأن الإكراه لا يكون إلا على أمر خفية أعلامه، غامضة أثاره، أو أمر في غاية الكراهة للنفوس، وأما هذا الدين القويم والصراط المستقيم فقد تبينت أعلامه للعقول، والقلب يتطلع إلى معرفة ربه الذي خلقه, فالدين أمر محبب إلى نفوس المؤمنين.. ولذلك نهى الإسلام عن الإكراه في الدين فلم يعلم في تاريخ الإسلام على مر العصور أن دخل أحد من الناس إلى الإسلام مرغما..

ثانيا حرية الرأي

فقد ورد في الحديث الشريف عند غزوة بدر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : أشيروا علي في المنزل ، فقال الحباب بن المنذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره ؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل هو الرأي والحرب والمكيدة . قال : فإن هذا ليس بمنزل انطلق بنا إلى أدنى ماء القوم.... إلى أخر الحديث
ويدل ذلك إلى أهمية حرية الرأي في الإسلام وكيف أرساها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين.

ثالثا حرية التفكير


قال تعالى في سورة سبأ: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا .....-46
أي: تنهضوا بهمة, ونشاط, وقصد لاتباع الصواب, وإخلاص للّه, مجتمعين, ومتباحثين في ذلك بإعمال الفكر والتدبر في حرية مطلقة.
متناظرين بين فردين, أو فرادى, كل واحد يخاطب نفسه بذلك.
فإذا قمتم للّه, مثنى وفرادى, واستعملتم فكركم, وتدبرتم أحوال رسولكم بكل حرية سوف تصلون إلى الحقيقة حتما. ولكن الإنسان يعرض عن ذلك إلا ما رحم ربي.
وقال تعالى في سورة البقرة: ... يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ - 219 فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ....220
هل تجد إتاحة للتفكير أكثر من ذلك في دساتير العالم؟

( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ - فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ )

رابعا حرية التعبير

روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله ثم قال : أيها الناس لا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم . ثم نزل ,
فاعترضته امرأة من قريش , فقالت : يا أمير المؤمنين , نهيت الناس أن يزيدوا النساء في صداقهن على أربعمائة درهم ؟ قال : نعم . فقالت : أما سمعت ما أنزل الله في القرآن ؟ قال : وأي ذلك ؟ فقالت : أما سمعت الله يقول : ( وآتيتم إحداهن قنطارا ) الآية النساء : 20 .
فقال : اللهم غفرا , كل الناس أفقه من عمر . ثم رجع فركب المنبر فقال : أيها الناس , إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صداقهن على أربعمائة درهم , فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب فليفعل.
المصدر: عمدة التفسير - الصفحة أو الرقم: 1/478

ونفهم من الرواية السابقة أن شريعة الإسلام كفلت حرية التعبير لكل الناس حتى أن المرأة المؤمنة الفقيهة تناقش أمير المؤمنين في حكم أصدره وتثبت له عدم صحته و ينزل على رأيها لأنها على الحق ومعها الدليل .
فهل نرى مثل ذلك في أي دولة في العالم؟ يتخذ الملك قرارا ثم يناقشه أحد من الرعية في صحة ذلك القرار.؟


خامسا الحرية السياسية

كفل الإسلام الحرية السياسية للجميع فجعل الشورى أساس الحكم, بل جعل الشورى أسما لسورة من سور القرآن العظيم.
قال تعالى في سورة الشورى: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ -38

وقال تعالى في سورة ال عمران: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ - 159

فإذا جمع ولي الأمر أهل الرأي والفضل وشاورهم في حادثة من الحوادث - اطمأنت نفوسهم وأحبوه، وعلموا أنه ليس بمستبد عليهم، وإنما ينظر إلى المصلحة الكلية العامة للجميع، فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته، لعلمهم بسعيه في مصالح العموم، بخلاف من ليس كذلك، فإنهم لا يكادون يحبونه محبة صادقة، ولا يطيعونه وإن أطاعوه فطاعة غير تامة..

ومما سبق يتضح لنا وللعالم شمول شريعة الإسلام على ضمانات الحق والعدل والحرية والمساواة بين البشر. لأنها صادرة من مالك الملك ( الله جل جلاله )

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - 1

*******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:04 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(18)
وبعض آيات من آخر سورة التغابن

فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ – 8

إن العصمة من الهلاك والشقاء هو الإيمان بالله ورسوله وكتابه وسماه الله نورًا.
فإن النور ضد الظلمة، وما في الكتاب الذي أنزله الله من الأحكام والشرائع والأخبار، أنوار يهتدى بها في ظلمات الجهل والضلال.

جاء في الحديث: عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ستكون فتنة . قلت : فما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : كتاب الله, فيه نبأ ما قبلكم, و خبر ما بعدكم, و حكم ما بينكم,
هو بالفصل ليس بالهزل,
من تركه من جبار قصمه الله, و من ابتغى الهدى في غيره أضله الله, وهو حبل الله المتين, وهو الذكر الحكيم,
وهو الصراط المستقيم,
وهو الذي لا تزيغ به الأهواء, و لا تلتبس به الألسن, و لا يخلق على كثرة الرد, و لا تنقضي عجائبه,
من قال به صدق, ومن عمل به أجر, ومن حكم به عدل, ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم
الراوي: علي بن أبي طالب - المصدر: حقوق آل البيت - الصفحة أو الرقم: 22
خلاصة الدرجة: مشهور

والشريعة الإسلامية جاءت لتصون أمورا خمسة ثابتة ولا يتصور أن تتغير بتغير الزمان أو المكان.

الأمر الأول: حماية الدين والعقيدة .

مع الحرية التامة لكل إنسان في إختيار عقيدته. قال تعالى: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ – 256 البقرة
ومع هذه الحرية في العقيدة فإن الله تعالى حذرنا من الفتنة في الدين. قال تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ....البقرة191
فحماية الدين ضرورة إيمانية لا تتغير بتغير الزمان أو المكان.

الأمر الثاني: حماية النفس بتحريم القتل.

قال تعالى في سورة النساء: ... وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا – 29
و لا يتصور أن تكون النفس الإنسانية مهدرة في أي زمان أو مكان.

الأمر الثالث: حماية العقل بتحريم الخمر.

قال تعالى في سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ – 90
ويعلم العالم ما تعانيه البشرية من تأثير الخمر من تغيب للعقل وإهدار لكرامة الإنسان, وجرائم ترتكب بسبب الخمر.

الأمر الرابع : حماية الأعرض بتحريم الزنا .

قال تعالى في سورة الإسراء: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا - 32
حماية الأنساب والأعراض فطرة في داخل الإنسان الحر, ولا يتصور أن تكون الأعراض منتهكة في زمن من الأزمان .

الأمر الخامس: حمية المال.

حماية المال بتحريم السرقة وتحريم أكل أموال الناس بالباطل وتحريم الربا.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ....- 29 النساء
فحماية الملكية العامة أو الخاصة من السرقة ضرورة لبقاء الجنس البشري أمنا على الأرض. ولا يتصور أن تكون الملكية مهدرة في يوم من الأيام.

وتناولت الشريعة الإسلامية جميع جوانب الحياة بأحكام عامة يلتزم بها واضعوا القوانين , أولها العدل , ثانيا المساواة بين الناس, ثالث الحرية , رابعا , عدم الإضرار ( لا ضر ولا ضرار ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهل بعد هذا البيان لأعظم شريعة على وجه الأرض- يعترض عليها عاقل؟
فالشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع .
ولا يعقل أن يكون المصدر للتشريع القانون الروماني أو القانون الفرنسي لكونهما من وضع البشر وبهما مخالفات شرعية كثيرة لاتتفق مع الأخلاق الإسلامية الرفيعة.

فالمصادر البشرية ضررها أكثر من نفعها، وشرها أكثر من خيرها، بل لا خير فيها ولا نفع، إلا ما وافق ما جاءت به الرسل، والإيمان بالله ورسوله وكتابه، يقتضي الجزم التام، واليقين الصادق بها، والعمل بمقتضى ذلك التصديق، من امتثال الأوامر، واجتناب المناهي ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ فيجازيكم بأعمالكم الصالحة والسيئة.

ما أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ - 11
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ – 12 اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ – 13

فأهل الإيمان أهدى الناس قلوبًا.
وحقيقة التوحيد هي أساس التصور الإيماني كله . ومقتضاها أن يكون التوكل عليه وحده . فهذا هو أثر التصور الإيماني في القلوب.

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ أي: في امتثال أمر الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإن طاعة الله وطاعة رسوله، مدار السعادة، وعنوان الفلاح، ﴿ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ ﴾ عن طاعة الله وطاعة رسوله، ﴿ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ أي: يبلغكم ما أرسل به إليكم، بلاغًا واضحا تقوم عليكم به الحجة، وليس بيده من هدايتكم، ولا من حسابكم من شيء، وإنما يحاسبكم على القيام بطاعة الله وطاعة رسوله، أو عدم ذلك، عالم الغيب والشهادة الله جل جلاله.

*******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:05 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(19)
وبعض آيات من سورة الطلاق

عشنا في اللقاء السابق مع بيان الأمور الثابتة التي جاءت الشريعة لمعالجتها بنصوص ثابتة , حيث أنها مرتبطة بحياة الإنسان ودينه وماله وعرضه وهي أمور لا تتبدل بتبدل الزمان أو المكان..
أما الأمور المستجدة والأعراف المتغيرة بين الشعوب وضعت لها مبادئ عامة توضع القوانين في إطارها , كالحكم بالعدل , وعدم الضرر, والمصالح المرسلة, ودفع الضرر مقدم على جلب المنفعة , الى أخر التعريفات الفقهية في هذا الباب.

واليوم نعيش جانبا من جوانب فقه الأحوال الشخصية الخاصة بتنظيم الأسرة في المجتمع الإسلامي..

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً - 1

قد سبق ورود بعض من أحكام الطلاق في سورة البقرة , قال تعالى:
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ -229
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ - 230 وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ – 131

********

وقد تضمنت سورة الطلاق بيان الوقت الذي يمكن أن يقع فيه الطلاق الذي يقبله الله ويجري وفق سنته: ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن )
وحق المطلقة وواجبها في البقاء في بيتها - وهو بيت مطلقها - فترة العدة لا تخرج ولا تخرج إلا أن تأتي بفاحشة مبينة: ( لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ).
وحقها بعد انقضاء العدة في الخروج لتفعل بنفسها ما تشاء , ما لم يكن الزوج قد راجعها وأمسكها في فترة العدة , لا ليضارها ويؤذيها بهذا الإمساك ويعطلها عن الزواج , ولكن لتعود الحياة الزوجية بينهما بالمعروف: ( فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف ). .
وهذا مع الإشهاد على الإمساك أو الفراق: ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ).
وفي سورة البقرة بين مدة العدة للمطلقة ذات الحيض - وهي ثلاثة قروء بمعنى ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار من الحيضات على خلاف فقهي - وهنا بين هذه المدة بالنسبة للآيسة التي انقطع حيضها وللصغيرة التي لم تحض: ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ) .
وبين عدة الحامل: ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ).
ثم فصل حكم المسكن الذي تعتد فيه المعتدة ونفقة الحمل حتى تضع : ( أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم , ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن . وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن )...

ثم جاء حكم الرضاعة لولد المطلقة حين تضعه , وأجر الأم على الرضاعة في حالة الإتفاق بينها وبين أبيه على مصلحة الطفل بينهما , وفي حالة إرضاعه من أخرى: ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف . وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ) ..
ثم زاد حكم النفقة والأجر في جميع الحالات تفصيلا , فجعله تابعا لحالة الزوج وقدرته: ( لينفق ذو سعة من سعته , ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله . لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها )...
وهكذا تتبعت النصوص سائر الحالات , وما يترتب عليها , بأحكام مفصلة دقيقة في رفق وفي دقة وفي وضوح.

نستكملها إن شاء الله تعالى في اللقاء القادم

******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:05 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(20)
وبعض آيات من سورة الطلاق

مما لا شك فية أن الطلاق أبغض الحلال عند الله تعالى , ولكنه ضرورة في بعض الحالات النادرة إن وجدت في المجتمع المؤمن الأمن.
ولكونه ضرورة قام بإجازته قانونا- الدول الأوربية - رغم تحريمه في شريعتهم, ولكن مبدأ حرية الإنسان ومصلحته مقدم وخاصة في الدول المتحضرة.

والمتأمل في شريعة الإسلام يجد أن جميع الآيات التي جاءت في هذا الموضوع تؤدي إلى الإصلاح بين الزوجين , ولا يكون الطلاق إلا عند استحالة الحياة الزوجية ..

*****

قال تعالى في سورة النساء : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا – 19

وقال تعالى : وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا – 35
أي: وإن خفتم الشقاق بين الزوجين والمباعدة والمجانبة التي تؤدي إلى الطلاق ﴿ فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ﴾ أي: رجلين مكلفين مسلمين عدلين عاقلين مخلصين ومن الأهل يعرفان ما بين الزوجين . لأنه لا يصلح حكما إلا من اتصف بتلك الصفات.
فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه، ثم يلزمان كلا منهما ما يجب،
ولهذا قال:﴿ إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ﴾ أي: بسبب الإخلاص في الصلح والرأي الميمون والكلام الذي يجذب القلوب ويؤلف بين القرينين.
وقال تعالى في نفس السورة: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا – 128
أي: إذا خافت المرأة نشوز زوجها أي: ترفعه عنها وعدم رغبته فيها وإعراضه عنها، فالأحسن في هذه الحالة أن يصلحا بينهما صلحا بأن تسمح المرأة عن بعض حقوقها اللازمة لزوجها ويسمح الزوج لزوجته عن بعض حقوقه, على وجه تبقى معها الحياة الزوجية.
ولهذا قال: ﴿ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾

وبذلك ندرك حرص شريعة الإسلام على إدامة الحياة الزوجية دون شقاق.


******

أما في حالة النزاع الذي يصر فيه كلا الزوجين على الطلاق . فوضعت الشريعة شروطا وضوابط قد تحول دون الطلاق..
وهي عوامل نفسية يعلمها الله تعالى..وقد ثبت في كثير من الحالات التي التزمت بهذه الضوابط , أن ذهب بين الزوجين حالة الإحتقان وعادت المودة والرحمة ترفرف بينهما...وخاصة إذا كان القرآن العظيم يتلى في البيت , فسورة البقرة طاردة للشياطين وللسحر وكذلك سورة يس..
فإن معظم الخلافات نزغ من الشيطان.

*******

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ, لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ, وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا - 1
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ, وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ, ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ, وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا – 2 وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ, وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا – 3

*******

الشرط الأول : موعد الطلاق
( الطهر الذي لم تمس فيه الزوجة )

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ﴾ أي: أردتم طلاقهن فالتمسوا لطلاقهن الأمر المشروع، ولا تبادروا بالطلاق من حين يوجد سببه، من غير مراعاة لأمر الله.
﴿ فطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ أي: لأجل عدتهن، بأن يطلقها زوجها وهي طاهر، في طهر لم يمسسها فيه، وهذا شرط مهم يغفل عنه الكثير من الناس.

فهذا الطلاق هو الذي تكون العدة فيه واضحة بينة، بخلاف ما لو طلقها وهي حائض، فإنها لا تحتسب تلك الحيضة، التي وقع فيها الطلاق، وتطول عليها العدة بسبب ذلك، وكذلك لو طلقها في طهر قد مسها فيه، فإنه لا يؤمن عدم حملها، فلا يتبين و لا يتضح بأي عدة تعتد.

وفي الحديث, عن عبدالله بن عمر ؛ أنه طلق امرأة له وهي حائض . تطليقة واحدة . فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر . ثم تحيض عنده حيضة أخرى . ثم يمهلها حتى تطهر من حيضتها . فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يمس . فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء.
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1471
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وأمر تعالى بإحصاء العدة، أي: ضبطها بالحيض إن كانت تحيض، أو بالأشهر إن لم تكن تحيض، وليست حاملاً، فإن في إحصائها أداء لحق الله، وحق الزوج المطلق، وحق من سوف سيتزوجها بعد، وحقها في النفقة ونحوها .

الشرط الثاني : عدم خروج الزوجة من بيتها.

﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ﴾ مدة العدة، بل يلزمن بيوتهن الذي طلقها زوجها وهي فيها.
﴿ وَلَا يَخْرُجْنَ ﴾ أي: لا يجوز لهن الخروج منها، أما النهي عن إخراجها، فلأن المسكن، يجب على الزوج للزوجة ، لتكمل فيه عدتها التي هي حق من حقوقه.
وأما النهي عن خروجها، فلما في خروجها، من إضاعة حق الزوج وعدم صونه.
ويستمر هذا النهي عن الخروج من البيوت، والإخراج إلى تمام العدة.
﴿ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾ أي: بأمر قبيح واضح .
﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ﴾ أي: التي حددها لعباده وشرعها لهم، وأمرهم بلزومها، والوقوف معها،
﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ ﴾ بالتجاوز أو التقصير عنها، ﴿ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ أي: بخسها حظها، وأضاع نصيبه من اتباع حدود الله التي هي الصلاح في الدنيا والآخرة.

﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ ولعل إذا نسبت لله تفيد التحقيق أي: شرع الله مدة العدة، وحدد الطلاق بها، لحكم عظيمة, تزول فيها أسباب الطلاق وتعود المودة والرحمة ، فيراجع من طلقها، ويستأنف عشرتها. فيزول ذلك السبب في مدة العدة، فيراجعها لانتفاء سبب الطلاق.
ومن الحكم: أنها مدة التربص، يعلم فيها البراءة من الحمل.

وقوله: ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ أي: إذا قاربن انقضاء العدة، لأنهن لو خرجن من العدة، لم يكن الزوج مخيرًا بين الإمساك والفراق. ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ أي: على وجه المعاشرة الحسنة ، والصحبة الجميلة، لا على وجه الضرار، وإرادة الشر والحبس، فإن إمساكها على هذا الوجه، لا يجوز، ﴿ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ أي: فراقًا لا محذور فيه، من غير تخاصم، ولا قهر لها على أخذ شيء من مالها.

الشرط الثالث: الأشهاد على الطلاق.

﴿ وَأَشْهِدُوا ﴾ على طلاقها ورجعتها ﴿ ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ أي: رجلين مسلمين عدلين، لأن في الإشهاد المذكور، سدًا لباب المخاصمة.
﴿ وَأَقِيمُوا ﴾ أيها الشهداء ﴿ الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ﴾ أي: ائتوا بها على وجهها، من غير زيادة ولا نقص، واقصدوا بإقامتها وجه الله وحده.

﴿ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾

فإن الإيمان يوجب على أصحابه العمل بشريعة الله تعالى وتحري تنفيذها بدقة ووعي حتى يشيع بيننا المودة والرحمة .
فالأسرة هي اللبنة للمجتمع فإن صلحت صلح المجتمع وإن فسدت فسد المجتمع. ولذلك وجب الإهتمام بفهم مقاصد الشريعة التي مبناها الرحمة للعالمين.

وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا – 2
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ, وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا – 3

*******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:05 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(21)
وبعض آيات من سورة الطلاق

حقوق الطفل

نستكمل إن شاء الله تعالى بعض من أحكام الأحوال الشخصية التي جاءت مفصلة ومحكمة وذلك لأنها من الأمور التي لا تتغير بتغير الزمان أو المكان ...فالأسرة هي الكيان الشرعي والوحيد للعلاقة بين الرجل والمرأة, والحرص على إدامة هذا الكيان هو الأصل في الإسلام.
وقد رأينا في اللقاءات السابقة كيف وضعت الحلول للمشكلات التي تعتري الحياة الزوجية ...ورأينا الشروط التي وضعت عند العزم على الطلاق...وكلها كفيلة- لو فعلها الإنسان – بأن تحول دون وقوع الطلاق, حتى تنشأ أجيال بين أحضان أبوين متحابين في الله تعالى. رضيا بالصبر من أجل أولادهما.

*****

ونتكلم اليوم إن شاء الله تعالى عن حماية الطفل حال وقوع الطلاق.


أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ, فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ, وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى – 6
لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ, لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً – 7


ما يترتب على الطلاق
من نفقة وسكن ورضاع


أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ

هذا هو البيان الأخير لتفصيل مسألة الإقامة في البيوت , والإنفاق في فترة العدة - على اختلاف مدتها . فالمأمور به هو أن يسكنوهن مما يجدون هم من سكنى . لا أقل مما هم عليه في سكناهم , وما يستطيعونه حسب مقدرتهم وغناهم . غير عامدين إلى مضارتهم سواء بالتضييق عليهن في فسحة المسكن أو مستواه أو في المعاملة فيه .
وخص ذوات الأحمال بذكر النفقة - مع وجوب النفقة لكل معتدة .
فأوجب النفقة حتى الوضع , وهو موعد انتهاء العدة لزيادة الإيضاح التشريعي...
ثم فصل مسألة الرضاعة فلم يجعلها واجبا على الأم بلا مقابل . فما دامت ترضع الطفل المشترك بينهما , فمن حقها أن تنال أجرا على رضاعته تستعين به على حياتها وعلى إدرار اللبن للصغير , وهذا منتهى المراعاة للأم في هذه الشريعة .
وفي الوقت ذاته أمر الأب والأم أن يأتمرا بينهما بالمعروف في شأن هذا الوليد , ويتشاورا في أمره ورائدهما مصلحته , وهو أمانة بينهما , فلا يكون فشلهما نكبة على الصغير البريء .
وهذه هي المياسرة التي يدعوهما الله إليها . فأما إذا تعاسرا ولم يتفقا بشأن الرضاعة وأجرها , فالطفل مكفول الحقوق: ( فسترضع له أخرى ). دون اعتراض من الأم ودون تعطيل لحق الطفل في الرضاعة , بسبب تعاسرهما بعد فشلهما...
ثم يفصل الأمر في قدر النفقة . فهو اليسر والتعاون والعدل . لا يجور هو , ولا تتعنت هي .
فمن وسع الله عليه رزقه فلينفق عن سعة . سواء في السكن أو في نفقة المعيشة أو في أجر الرضاعة . ومن ضيق عليه في الرزق , فليس عليه من حرج .
فالله لا يطالب أحدا أن ينفق إلا في حدود ما آتاه . فهو المعطي , ولا يملك أحد أن يحصل على غير ما أعطاه الله تعالى .
فليس هناك مصدر آخر للعطاء غير هذا المصدر , وليست هناك خزانة غير هذه الخزانة: ( لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها )
ثم لمسة الإرضاء , وإفساح الرجاء , للاثنين على السواء

سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً

فالأمر منوط بالله في الفرج بعد الضيق , واليسر بعد العسر . فأولى لهما إذن أن يعقدا به الأمر كله , وأن يتجها إليه بالأمر كله , وأن يراقباه ويتقياه والأمر كله إليه . وهو المانح المانع . القابض الباسط . وبيده الضيق والفرج , والعسر واليسر , والشدة والرخاء.

وهذا العلاج الشامل الكامل , وهذه اللمسات المؤثرة العميقة , وهذا التوكيد الوثيق المتكرر . . هذه كلها هي الضمانات الوحيدة في هذه المسألة لتنفيذ الشريعة المقررة . فليس هناك ضابط إلا حساسية الضمائر وتقوى القلوب .
وإن كلا الزوجين ليملك مكايدة صاحبه حتى تنفقئ مرارته إذا كانت الحواجز هي فقط حواجز القانون .

وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ

فالأمر بعدم المضارة يشمل النهي عن ألوان من العنت لا يحصرها نص قانوني مهما اتسع .
فالأمر هنا أكبر من القانون الذي يحكم الظواهر, إنما هو الخوف من الله
المطلع على السرائر , المحيط بكل شيء علما . وإلى التعويض الذي يعده الله للمتقين في الدنيا والآخرة .
وإن الزوجين ليفارقان - في ظل تلك الأحكام والتوجيهات - وفي قلوبهما بذور للود والرحمة تعود على حياتهما وحياة أولادهما في الدنيا والأخرة.

*******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:06 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(22)
وبعض آيات من سورة الطلاق

عاقبة من يرفضون أحكام الله وشريعته


وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً - 8

لعل من الشواهد التي نراها جميعا ندرك أنه لا عاصم من أمر الله , إن وقعت الزلازل أو الأعاصير المدمرة. فهي تدمر كل شئ بإذن ربها , وتقف التكنولوجية عاجزة حائرة أمام قدر الله تعالى,
وقد رأينا السيارات والسفن وأجهزة الكمبيوتر والمنازل والقطارات تترامى كالقمامة وهي تنزاح تحت الأمواج العاتية ..
فنحن نعيش على الأرض التي وهبها لنا الله تعالى , وقد وهبنا الله تعالى العقل والإدراك لكي نعرف خالقنا على يقين وعلم, وسخر لنا الكون من حولنا لكي نستفيد منه في تحسين أوضاعنا المعيشية وتيسير حركة الإنسان عبر مسيرته المقدرة إلى أن يلقى ربه مؤمنا مطمئنا . فيحيا سعيدا في الدنيا ويسعد في جنات ربه في الأخرة.
فلماذا يصر الإنسان على عناده ؟ مستكبرا على رسالة ربه التي فيها النجاة. ويظن أن ما معه من علم وتكنولوجية تنجيه من قدر الله تعالى.
فالشواهد عبر التاريخ من أوله وإلى الأن تقول أن جميع الأمم التي عتت عن أمر ربها سواء بالكفر أو العصيان أو الظلم كان عاقبتها الزوال مهما بلغت من حضارة..
فأين حضارة عاد وثمود وأين حضارة الفراعنة ؟. فإنها حضارات سادت ثم بدت. فهل نأخذ العبرة ؟

وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً - 8

فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً - 9 أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً - 10
رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً – 11
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً – 12


هذا إنذار وتحذير مفصل المشاهد . كما أنه تذكير عميق بنعمة الله بالإيمان والنور , ووعده بالأجر في الآخرة وهو أحسن الرزق وأكرمه .
فأخذ الله لمن يعتو عن أمره ولا يسلم لرسله هو سنة متكررة:

وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً - 8

ونقف لحظة أمام هذا التحذير فنرى أن الله أخذ القرى واحدة بعد واحدة كلما عتت عن أمر ربها ورسله .
فقد جاء هذا الدين لأهل الأرض كافة ليطاع , ولينفذ كله , وليهيمن على الحياة كلها . فمن عتا عن أمر الله فيه فقد تعرض لما تعرضت له القرى من سنة الله التي لا تتخلف أبدا.
وتلك القرى ذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا . . ذاقته في هذه الأرض قبل يوم الحساب الأخير . ولقد ذاقت هذا الوبال قرى وأمم وشعوب عتت عن منهج الله في الأرض . ونحن نشهد وأسلافنا شهدوا هذا الوبال . ذاقته فسادا وانحلالا , وفقرا وقحطا , وظلما وجورا , وحياة مفزعة لا أمن فيها ولا سلام , ولا طمأنينة فيها ولا استقرار . وفي كل يوم نرى مصداق هذا النذير..
وذلك فوق العذاب الشديد الذي ينتظر العتاة عن أمر الله ونهجه في الحياة حيث يقول الله: ( أعد الله لهم عذابا شديدا ). . والله أصدق القائلين .
إن هذا الدين منهج نظام جماعي . وجاء ليصرف حياة الإنسان . ومن ثم فالجماعة كلها مسؤولة عنه , مسؤولة عن أحكامه . ولن تخالف عن هذه الأحكام حتى يحق عليها هذا النذير الذي حق على القرى التي عتت عن أمر ربها ورسله.
وفي مواجهة هذا الإنذار ومشاهده الطويلة يهتف بأولي الألباب الذين آمنوا . يهتف بهم ليتقوا الله الذي أنزل لهم الذكر: ( قد أنزل الله إليكم ذكرا ). . ويجسم هذا الذكر ويمزجه بشخص الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] فيجعل شخصه الكريم هو الذكر, أو بدلا منه في الآية : ( رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات )
فهو ( صلى الله عليه وسلم ) ترجمة حية لحقيقة القرآن وهكذا وصفته السيدة عائشة - رضي الله عنها - وهي تقول:" كان خلقه القرآن " . . وهكذا كان القرآن في خاطره في مواجهة الحياة . وكان هو القرآن يواجه الحياة....

وفوق نعمة الذكر والنور والهداية والصلاح , وعد بنعيم الجنات خالدين فيها أبدا .

وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً.

******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:07 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(23)
وبعض آيات من سورة التحريم

كفارة اليمين

قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ – 2

﴿ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ﴾ أي: قد شرع لكم، وقدر ما به تنحل أيمانكم قبل الحنث، وما به الكفارة بعد الحنث، وذلك كما في قوله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ - 87 وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ – 88
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ – 89 المائدة

وهذه رحمة من الله تعالى , فكل من حرم حلالًا عليه، من طعام أو شراب ، أو حلف يمينًا بالله، على فعل أو ترك أمر من الأمور المشروعة ، ثم حنث أو أراد الحنث، فعليه هذه الكفارة ﴿ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ﴾
وذلك الإطعام ﴿ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ ﴾ أي: كسوة عشرة مساكين، والكسوة هي التي تجزئ في الصلاة. فمتى فعل واحدا من هذه , فقد انحلت يمينه.
﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ﴾ تكفرها وتمحوها وتمنع من الإثم.


وقوله: ﴿ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ ﴾ أي: متولي أموركم، ومربيكم أحسن تربية، في أمور دينكم ودنياكم، وما به يندفع عنكم الشر، فلذلك فرض لكم تحلة أيمانكم، لتبرأ ذممكم، ﴿ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ الذي أحاط علمه بظواهركم وبواطنكم، وهو الحكيم في جميع ما خلقه وحكم به، فلذلك شرع لكم من الأحكام، ما يعلم أنه موافق لمصالحكم، ومناسب لأحوالكم.

*******


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ -6
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ – 7
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ – 8

توجيه المؤمنين إلى تربية أبنائهم والتوبة النصوح لله تعالى..
وتأدية واجبهم في بيوتهم من التربية والتوجيه والتذكير , فيقوا أنفسهم وأهليهم من النار, فعلى المؤمن أن يحول بينها وبينهم قبل أن تضيع الفرصة ولا ينفع الاعتذار..
..والدعوة إلى التوبة فهي الطريق إلى الجنة التي تنتظر التائبين...

نسأل الله تعالى أن يحشرنا في زمرة النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.

يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

****

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:07 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(1)
وبعض آيات من سورة الملك


الإختبار الأهم والمصيري

تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - 1 الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ – 2


إن المتتبع لهذه السلسلة يدرك أن جميع المعاملات في الإسلام مبنية على الإيمان والعمل الصالح , والإحسان في العمل هو النجاح في إختبار الحياة على وجه الأرض , أما الفساد في الأرض فهو الخسران سواء في الدنيا والأخرة...

( تبارك الذي بيده الملك ). . فهو المالك له , المهيمن عليه , القابض على ناصيته , المتصرف فيه . . وهي حقيقة . حين تستقر في الضمير تحدد له الوجهة والمصير ; وتخليه من التوجه أو الإعتماد أو الطلب من غير المالك المهيمن المتصرف في هذا الملك بلا شريك ; كما تخليه من العبودية والعبادة لغير المالك الواحد مالك الملك...

( وهو على كل شيء قدير ). . فلا يعجزه شيء , ولا يفوته شيء , ولا يحول دون إرادته شيء , ولا يحد مشيئته شيء . يخلق ما يشاء , ويفعل ما يريد , وهو قادر على ما يريده غالب على أمره .
فقدرة الله فوق كل ما يخطر للبشر على أي حال .


الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ – 2

والحياة والموت يشمل الموت السابق على الحياة والموت اللاحق لها . والحياة تشمل الحياة الأولى والحياة الآخرة .
وكلها من خلق الله تعالى , لحكمة أرادها سبحانه وهي الإبتلاء لأظهار المكنون في علم الله من سلوك الأنسان على الأرض , واستحقاقهم للجزاء على العمل: ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ).

فإن الله خلق عباده، وأخرجهم لهذه الدار، وأخبرهم أنهم سينقلون منها، وأمرهم ونهاهم، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره، فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل، أحسن الله له الجزاء في الدارين، ومن مال مع شهوات النفس، ونبذ أمر الله، فله شر الجزاء.

( وهو العزيز الغفور ) ليسكب الطمأنينة في القلب الذي يرعى الله ويخشاه فالله عزيز غالب ولكنه غفور مسامح . فإذا استيقظ القلب , وشعر أنه هنا للإبتلاء والاختبار , وحذر وتوقى , فإن له أن يطمئن إلى غفران الله ورحمته وأن يقر عندها ويستريح... فهناك الرحمة السابغة والعون الكبير والسماحة الواسعة والعفو عن كثير .

*******

إنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ - 12 وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ – 13 أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ – 14


والغيب المشار إليه هنا يشمل خشيتهم لربهم الذي لم يروه , كما يشمل خشيتهم لربهم وهم في خفية عن الأعين , وكلاهما معنى كبير , وشعور نظيف , وإدراك بصير . يؤهل لهذا الجزاء العظيم الذي يذكره السياق في إجمال: وهو المغفرة والعفو , والأجر الكبير...
ووصل القلب بالله في السر والخفية , وبالغيب الذي لا تطلع عليه العيون , هو ميزان الحساسية في القلب البشري وضمانة الحياة للضمير . .

قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده:حدثنا طالوت بن عباد , حدثنا الحارث بن عبيد , عن ثابت , عن أنس , قال: قالوا: يا رسول الله إنا نكون عندك على حال , فإذا فارقناك كنا على غيره . قال: كيف أنتم وربكم ? قالوا: الله ربنا في السر والعلانية . قال: ليس ذلكم النفاق ...

فالصلة بالله هي الأصل . فمتى انعقدت في القلب فهو مؤمن صادق موصول ...

وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ – 13 أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ – 14

أسروا قولكم أو اجهروا فهو مكشوف لعلم الله سواء . وهو يعلم ما هو أخفى من الجهر والسر . ( إنه عليم بذات الصدور ) التي لم تفارق الصدور ! عليم بها , فهو الذي خلقها في الصدور , كما خلق الصدور .. ( ألا يعلم من خلق ) ألا يعلم وهو الذي خلق ? ( وهو اللطيف الخبير ) الذي يصل علمه إلى الدقيق الصغير والخفي المستور..
إن البشر وهم يحاولون التخفي من الله بحركة أو سر أو نية في الضمير , يبدون مضحكين ! فالضمير الذي يخفون فيه نيتهم من خلق الله , وهو يعلم دروبه وخفاياه . والنية التي يخفونها هي كذلك من خلقه وهو يعلمها ويعلم أين تكون . فماذا يخفون ? وأين يستخفون ؟
فالمؤمن مطالب بأمانة العقيدة وأمانة العدالة , وأمانة التجرد لله في العمل والنية . وهذا لا يتحقق إلا حين يستيقن القلب أنه هو وما يكمن فيه من سر ونية هو من خلق الله الذي يعلمه الله تعالى . وهو اللطيف الخبير ...

********

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:07 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(2)
وبعض آيات من سورة الملك

الأمر بالعمل الجاد
والتنقيب في الأرض

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ - 15

فإذا استيقظ ضمير الإنسان - لهذا الأمر - وأدرك أن الله تعالى أذن له بالمشي في مناكب الأرض والأكل من رزقه فيها – سوف يواصل البناء لتعمير المدن لتستوعب الزيادة السكانية , بدل هذا الإزدحام الخانق الذي تسبب في شلل التنمية والتقدم..والاهتمام بالزراعة والرعي والصيد لسد حاجات السكان من الغذاء الضروري للحياة وإلا لأصبحت الدولة تابعة لمن يقدم لها الغذاء من قمح وغيره...
ويجب الأهتمام بالصناعة لسد حاجات الإنسان في تسير حياته في سهولة ويسر.... وبدون الصناعة تتخلف الدول وتصبح عرضة لنهب ثرواتها من كل غاصب ومحتل...

والمؤمن يفعل كل هذا وقلبه متعلق بخالقه الذي سخر له الكون...وينفض عنه الكسل الذي تسبب في تخلف وفقر كثير من الشعوب التى لا تعي أوامر الله تعالى..

*******
سهولة سطح الأرض

والله جعل الأرض ذلولا بسهولة سطحها للعمل وسهولة تشكيلها بإنشاء المدن الجديدة عليها وسهولة زراعتها ...وأنشأ الله بها هذه التربة الخصبة الصالحة للحياة . وأنشأ ما فيها من النبات والأرزاق التي يأكل منها البشر وجميع الكائنات الحية منذ ملايين السنين إلي قيام الساعة إن شاء الله تعالى....ولم تنفد.

العناصر المكونة للهواء

والله جعل الأرض ذلولا بأن جعل الهواء المحيط بها محتويا للعناصر التي تحتاج الحياة إليها , بالنسب الدقيقة التي لواختلت ما قامت الحياة , وما عاشت إن قدر لها أن تقوم من الأساس . فنسبة الأكسجين فيه هي 21 % تقريبا ونسبة الأزوت أو النتروجين هي 78 % تقريبا والبقية من ثاني أكسيد الكربون بنسبة ثلاثة أجزاء من عشرة آلاف وعناصر أخرى . وهذه النسب هي اللازمة بالضبط لقيام الحياة على الأرض..
ملائمة حجم الأرض
وتحركاتها في ثلاثة محاور.

والله جعل الأرض ذلولا بآلاف من هذه الموافقات الضرورية لقيام الحياة . . ومنها حجم الأرض وحجم الشمس والقمر , وبعد الأرض عن الشمس والقمر . ودرجة حرارة الشمس . وسمك قشرة الأرض . ودرجة سرعتها . وميل محورها . ونسبة توزيع الماء واليابس فيها . وكثافة الهواء المحيط بها .
والنص القرآني يشير إلى هذه الحقائق ليعيها كل فرد وكل جيل بالقدر الذي يطيق , وبالقدر الذي يبلغ إليه علمه وملاحظته , ليشعر بيد الله - الذي بيده الملك - وهي تتولاه وتتولى كل شيء حوله , وتذلل له الأرض , وتحفظه وتحفظها وتحفظ هذا الكون كله بهذا التناسق العظيم الذي نراه...


إن الأرض التي نعيش عليها تدور حول نفسها بسرعة ألف ميل في الساعة , ثم تدور مع هذا حول الشمس بسرعة حوالي خمسة وستين ألف ميل في الساعة . ثم تركض الشمس والمجموعة الشمسية كلها بمعدل عشرين ألف ميل في الساعة نحو برج في السماء . . ومع هذا الركض كله يبقى الإنسان على ظهرها آمنا مستريحا مطمئنا معافى ...

وهذه الحركات الثلاث لها حكمة . وقد عرفنا أثر اثنتين منها في حياة هذا الإنسان , بل في الحياة كلها على ظهر هذه الأرض . فدورة الأرض حول نفسها هي التي ينشأ عنها الليل والنهار . ولو كان الليل سرمدا لجمدت الحياة كلها من البرد , ولو كان النهار سرمدا لاحترقت الحياة كلها من الحر . . ودورتها حول الشمس هي التي تنشأ عنها الفصول . ولو دام فصل واحد على الأرض ما قامت الحياة في شكلها هذا كما أرادها الله تعالى...
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ – 38 يس

وكل هذه التحركات الهائلة في وقت واحد , ثابتة على وضع واحد في أثناء الحركة - يحدده ميل محورها بمقدار 23 . 5 درجة لأن هذا الميل هو الذي تنشأ عنه الفصول الأربعة مع حركة الأرض حول الشمس , والذي لو اختل في أثناء الحركة لاختلت الفصول التي تترتب عليها دورة النبات بل دورة الحياة كلها في هذه الحياة الدنيا....
والله جعل الأرض ذلولا للبشر بأن جعل لها جاذبية تشدهم إليها في أثناء حركاتها الكبرى , كما جعل لها ضغطا جويا يسمح بسهولة الحركة فوقها .
ولو كان الضغط الجوي أثقل من هذا لتعذر أو تعسر على الإنسان أن يسير ويتنقل - حسب درجة ثقل الضغط - فإما أن يسحقه أو يعوقه . ولو كان أخف لاضطربت خطى الإنسان أو لانفجرت تجاويفه لزيادة ضغطه الذاتي على ضغط الهواء حوله , كما يقع لمن يرتفعون في طبقات الجو العليا بدون تكييف لضغط الهواء...

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ - 15


******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:07 AM

بسم الله الرحمن الرحيم



مع الجزء التاسع و العشرون
(3)


وبعض آيات من سورة القلم



الخلق العظيم




ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ – 1 مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ– 2 وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ – 3



وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ – 4



فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ – 5 بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ – 6 إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ - 7



تبدأ السورة بقسم الله تعالى بالقلم وما يخطه الكاتبون, والقلم وسيلة للكتابة تتطور عبر العصور ونراه الأن في الألواح الألكترونية وأجهزة الكمبيوتر المختلفة الأحجام والأشكال..والكتابة وسيلة لإظهار العلوم التي أودعها الله تعالى في عقول البشر..فكل ما نراه من إبداعات وصناعات وإنشاءات لابد لها من تصميمات تخطه الأقلام أولا..


وبهذه النعمة- نعمة العلم- لا يتأتى منها الجنون .. بل يأتي منها اليقين بالله الخالق, وتأتي بتزكية النفس بالعلم والأخلاق والعمل الصالح التي يؤدي للسعادة في الدنيا والخلود في جنات النعيم..



والكتابة لها أهميتها للأمة الإسلامية لتقوم بنقل هذه العقيدة وما يقوم عليها من مناهج الحياة إلى أرجاء الأرض . ثم لتنهض بقيادة البشرية قيادة رشيدة . وما من شك أن الكتابة عنصر أساسي في النهوض بهذه المهمة الكبرى...


ومما يؤكد هذا المفهوم أن يبدأ الوحي بقوله تعالى: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم ) العلق


وكان هذا حلقة من المنهج الإلهي لتربية هذه الأمة وإعدادها للقيام بالدور الكوني الضخم الذي قدره لها .



مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ – 2



وإن العجب ليأخذ كل دارس لسيرة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] في قومه , من قولتهم هذه عنه , وهم الذين علموا منه رجاحة العقل حتى حكموه بينهم في رفع الحجر الأسود قبل النبوة بأعوام كثيرة .


وهم الذين لقبوه بالأمين , وظلوا يستودعونه أماناتهم حتى يوم هجرته , بعد عدائهم العنيف له , فقد ثبت أن عليا - كرم الله وجهه - تخلف عن رسول الله أياما في مكة , ليرد إليهم ودائعهم التي كانت عنده ; حتى وهم يحادونه ويعادونه ذلك العداء العنيف .


وهم الذين لم يعرفوا عليه كذبة واحدة قبل البعثة . فلما سأل هرقل أبا سفيان عنه:هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل نبوته ? قال أبو سفيان - وهو عدوه قبل إسلامه - لا , فقال هرقل:ما كان ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله...



إن الإنسان ليأخذه العجب أن يبلغ الغيظ بالناس إلى الحد الذي يدفع مشركي قريش إلى أن يقولوا هذه القولة وغيرها عن هذا الإنسان الرفيع الكريم , المشهور بينهم برجاحة العقل وبالخلق القويم . ولكن الحقد يعمي ويصم , والغرض يقذف بالفرية دون تحرج ... وقائلها يعرف قبل كل أحد , أنه كذاب أثيم ...وهذا ما يحدث في عصرنا الحديث من أعداء الإسلام.



مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ – 2 وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ – 3



وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ – 4



عظمة خلق الرسول عليه السلام



تجيء الشهادة الكبرى والتكريم العظيم وتتجاوب أرجاء الوجود بهذا الثناء الفريد على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ; ويثبت هذا الثناء العلوي في صميم الوجود ... ويعجز كل قلم , ويعجز كل تصور , عن وصف قيمة هذه الكلمة العظيمة من رب الوجود , وهي شهادة من الله تعالى , في ميزان الله , لعبد الله , يقول له فيهاhttp://www.bntpal.com/vb/img/bntpal_1429333677_767.gif وإنك لعلى خلق عظيم ). ومدلول الخلق العظيم هو ما هو عند الله مما لا يبلغ إلى إدراك مداه أحد من العالمين ..


ودلالة هذه الكلمة العظيمة على عظمة رسول الله محمد [ صلى الله عليه وسلم ] تبرز من كونها كلمة من الله الكبير المتعال .. وتتردد في الملأ الأعلى إلى ما شاء الله تعالى...



ولقد رويت عن عظمة خلقه صلى الله عليه وسلم في السيرة , وعلى لسان أصحابه روايات منوعة كثيرة . وكان واقع سيرته أعظم شهادة من كل ما روي عنه . ولكن هذه الكلمة أعظم بدلالتها من كل شيء آخر . أعظم بصدورها عن العلي الكبير . وأعظم بتلقي محمد لها وهو يعلم من هو العلي الكبير , وبقائه بعدها ثابتا راسخا مطمئنا . لا يتكبر على العباد , ولا ينتفخ , ولا يتعاظم , وهو الذى سمع ما سمع من العلى الكبير: ( الله أعلم حيث يجعل رسالته...124 الأنعام ) . وما كان إلا رسول الله محمد [ صلى الله عليه وسلم ] بعظمة نفسه هذه - من يحمل هذه الرسالة الأخيرة بكل عظمتها الكونية الكبرى . فيكون كفئا لها , كما يكون صورة حية منها .


إن هذه الرسالة من الكمال والجمال , والعظمة والشمول , والصدق والحق , بحيث لا يحملها إلا الرجل الذي يثني عليه الله هذا الثناء . فتطيق شخصيته كذلك تلقي هذا الثناء . في تماسك وفي توازن , وفي طمأنينة . طمأنينة القلب الكبير الذي يسع حقيقة تلك الرسالة وحقيقة هذا الثناء العظيم . ثم يتلقى - بعد ذلك - عتاب ربه له ومؤاخذته إياه على بعض تصرفاته , بذات التماسك وذات التوازن وذات الطمأنينة . ويعلن هذه كما يعلن تلك , لا يكتم من هذه شيئا ولا تلك . . وهو هو في كلتا الحالتين النبي الكريم . والعبد الطائع . والمبلغ الأمين صلى الله عليه وسلم..



والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول:" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " . . فيلخص رسالته في هذا الهدف النبيل . وتتوارد أحاديثه تترى في الحض على كل خلق كريم .


وتقوم سيرته الشخصية مثالا حيا وصفحة نقية , وصورة رفيعة , تستحق من الله أن يقول عنها في كتابه الخالدhttp://www.bntpal.com/vb/img/bntpal_1429333677_767.gif وإنك لعلى خلق عظيم ). .


وحاصل خلقه العظيم، ما فسرته به أم المؤمنين، عائشة -رضي الله عنها- لمن سألها عن خلقه ، فقالت: " كان خلقه القرآن "،


وذلك نحو قوله تعالى له: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ – 199 الأعراف ﴾ ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ..... - 159 ال عمران ﴾ - ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيُصُ عَلَيْكُم بِالمْؤُمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ – 128 التوبة


فكان صلى الله عليه وسلم سهلًا لينا، قريبًا من الناس، مجيبًا لدعوة من دعاه، قاضيًا لحاجة من استقضاه، جابرًا لقلب من سأله، لا يحرمه، ولا يرده خائبًا، وإذا أراد أصحابه منه أمرًا وافقهم عليه، وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور،


وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم...



فهي أخلاقيات لم تنبع من البيئة , ولا من اعتبارات أرضية إطلاقا ; وهي لا تستمد ولا تعتمد على اعتبار من اعتبارات العرف أو المصلحة أو الارتباطات التي كانت قائمة عند العرب في الجاهلية. إنما تستمد من رسالة الله وتعتمد على رسالة الله تعالى ( القرآن العظيم )..


لكي يصبح الإنسان أهلا لتكريم الله له واستخلافه في الأرض ; وكي يتأهلوا للحياة الرفيعة الأخرى:


( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ - 55 القمر ).



*********




يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:08 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(4)
وبعض آيات من سورة القلم

إختبار أصحاب الثروات

إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ - 17 وَلَا يَسْتَثْنُونَ – 18 فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ – 19 فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ – 20 فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ – 21 أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ – 22 فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ – 23 أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ – 24 وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ – 25 فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ – 26 بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ – 27

لقد كان للمساكين حظ من ثمار الجنة وهي أرض زراعية حباها الله بالثمار الكثيرة - كما تقول الروايات - على أيام صاحبها الطيب الصالح . ولكن الورثة يريدون أن يستأثروا بثمرها الآن , وأن يحرموا المساكين حقهم...الذي فرضه الله في زكاة الزروع.

إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ -17 وَلَا يَسْتَثْنُونَ – 18

لقد استقر رأيهم على أن يقطعوا ثمرها عند الصباح الباكر , دون أن يستثنوا منه شيئا للمساكين . وأقسموا على هذا , وعقدوا النية عليه , وباتوا بهذا الشر فيما اعتزموه .
والله يسمع ويرى ..فإن الكون كونه والخلق خلقه والنعم منه تفضلا يعطيها من يشاء ليختبرهم...
لقد استمر العطاء لنعم الله طالما كانوا شاكرين لنعمه على الفقراء والمساكين ..ولكنهم الأن يضمرون الشر والحرمان للمساكين ..فهل يستحقون هذا الفضل ؟

فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ – 19
فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ – 20

فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ – 21 أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ – 22
فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ – 23 أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ – 24
وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ – 25

﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ ﴾ أي: عذاب نزل عليها ليلًا ﴿ وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾ فأبادها وأتلفها ﴿ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ أي: كالليل المظلم، ذهبت الأشجار والثمار، هذا وهم لا يشعرون بهذا الواقع الملم، ولهذا تنادوا فيما بينهم، لما أصبحوا يقول بعضهم لبعض: ﴿ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا ﴾ قاصدين له ﴿ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ ﴾ فيما بينهم، ولكن بمنع حق الله، ويقولون: ﴿ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ ﴾ أي: بكروا قبل انتشار الناس، وتواصوا مع ذلك، بمنع الفقراء والمساكين، ومن شدة حرصهم وبخلهم، أنهم يتخافتون بهذا الكلام مخافتة، خوفًا أن يسمعهم أحد، فيخبر الفقراء.

أجل إنهم لقادرون على المنع والحرمان . .ولكنه حرمان أنفسهم من نعم الله التي أمدهم بها ليسعدوا بها ويسعدوا المساكين...
فحرمان الفقراء والمساكين من حقهم كان سببا في حرمان أصحاب الجنة...

فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ – 26 بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ – 27

والآن وقد حاقت بهم عاقبة المكر والتبييت , وعاقبة البطر والمنع , يتقدم أوسطهم وأعقلهم وأصلحهم.....

قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ – 28 قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ – 29 فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ – 30 قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ – 31 عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ – 32 كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ – 33 إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ - 34

﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ ﴾ أي: أعدلهم، وأحسنهم طريقة ﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ﴾ أي: تنزهون الله تعالى وتعلموا أنه يراكم ويسمع ما تمكرون.. فهذا مقتضى الإيمان والتسبيح ..
فالتسبيح يمنعك من المكر السئ , لأنك تنزه الله تعالى عن الغفلة. قال تعالى في سورة إبراهيم : لَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ – 42 ....

فقالوا ﴿ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ أي: استدركوا بعد ذلك، ولكن بعد ما وقع العذاب على جنتهم، الذي لا يرفع، ولكن لعل تسبيحهم هذا، وإقرارهم على أنفسهم بالظلم، ينفعهم في تخفيف الإثم ويكون توبة، ولهذا ندموا ندامة عظيمة.
﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ ﴾ فيما أجروه وفعلوه،
﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ﴾ أي: متجاوزين للحد في حق الله، وحق عباده.
﴿ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ﴾ فهم رجوا الله أن يبدلهم خيرًا منها، ووعدوا أنهم سيرغبون إلى الله، ويلحون عليه في الدنيا، فإن كانوا كما قالوا، فالظاهر أن الله أبدلهم في الدنيا خيرًا منها لأن من دعا الله صادقًا، ورغب إليه ورجاه، أعطاه سؤله.

فليكن التسبيح بالمعنى العملي هو أساس جميع معاملات المؤمن لكي نحظى بنعم الله تعالى علينا.

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ - 34

*******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:08 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(5)
وبعض آيات من سورة القلم

أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ – 35 مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ – 36

العدل سمة شريعة الإسلام

إن حكمة الله تعالى تقتضي أن لا يجعل المسلمين القانتين لربهم، المنقادين لأوامره في كل معاملاتهم ، المتبعين لمرضاته كالمجرمين الذين أسرفوا في المعاصي، والكفر بآياته، ومعاندة رسله، ومحاربة أوليائه،

فالإسلام هو دين السلام الذي يفرض على أتباعه أعرق الأخلاق بجانب تربية الضمير على الرقابة من الله تعالى في جميع الأحوال..
وبذلك تكتمل المنظومة التشريعية للإسلام , شريعة متكاملة الأركان شاملة للمبادئ الأساسية في حياة البشر فهي صالحة لكل زمان ومكان. وعقيدة تهيمن على قلب المسلم , فهو سوي السلوك أمام عيون الناس أو منفردا - فالأمر في كلا الحالتين مشهود لله تعالى..

ولا تستوي تلك المبادئ مع المجرم الذي لا يراعي أخلاق ولا عهد ولا ذمة , يلتزم مخافة العقاب ويظهر لك جميل الأدب , فإن كانت السلطة في يديه ظلم العباد ونهب البلاد وأذاع الفساد تحت مسميات الثقافة والأبداع,
قال تعالى في سورة البقرة:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ – 204 وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ – 205 وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ – 206

وقال تعالى في سورة لقمان:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ – 6 وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ - 7
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ - 8 خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ – 9


عقاب الذين أجرموا

قال تعالى في سورة النمل:

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ – 69 ﴾ فلا تجدون مجرما قد استمر على إجرامه، إلا وعاقبته شر عاقبة وقد أحل الله به من الشر والعقوبة ما يليق بحاله.

وقال تعالى في سورة السجدة:
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾ 22

أي: لا أحد أظلم، وأزيد تعديًا، ممن ذكر بآيات ربه، التي أوصلها إليه ربه، الذي يريد تربيته، وتكميل نعمته على أيدي رسله، تأمره، وتذكره مصالحه الدينية والدنيوية، وتنهاه عن مضاره الدينية والدنيوية، التي تقتضي أن يقابلها بالإيمان والتسليم، والانقياد والشكر، فقابلها هذا الظالم بضد ما ينبغي، فلم يؤمن بها، ولا اتبعها، بل أعرض عنها وتركها وراء ظهره، فهذا من أكبر المجرمين، الذين يستحقون شديد النقمة، ولهذا قال: ﴿ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾

حال المجرمين يوم القيامة

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا - 49 الكهف

ووُضِع كتاب أعمال كل واحد في يمينه أو في شماله، فتبصر العصاة خائفين مما فيه بسبب ما قدموه من جرائمهم،
ولا يظلم ربك أحدًا مثقال ذرة، فلا يُنقَص طائع من ثوابه، ولا يُزاد عاص في عقابه....

*******

أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ – 35 مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ – 36

وفي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
تدرون من المسلم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : من سلم المسلمون من لسانه ويده. قال : تدرون من المؤمن ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ...قال : من أمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم والمهاجر من هجر السوء فاجتنبه...
الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص ...
- المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 11/137
إسناده صحيح

*******
إن المتتبع لهذه السلسلة وقد قاربنا نهايتها يجد الأخلاق الرفيعة والأداب السامية والمعاملات التي مبناها الصدق والعدل واتقان العمل والشهامة في مساعدة الضعفاء والإنفاق على الفقراء والمساكين . والدفاع عن أوطانهم , والدعوة إلي سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
هذا هو الإسلام الحق الذي يحقق العزة والكرامة للإنسانية.
وليس لأي شخص- كان من كان يراد به تشويه الإسلام بتصرفات منافية للدين العظيم – أن يكون حجة لمبادئ الإسلام..
ولكن الإسلام حجة على الجميع..


*******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:09 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(6)
وبعض آيات من سورة الحاقة

مصارع الأمم
المكذبة برسالات الله تعالى.

الْحَاقَّةُ – 1 مَا الْحَاقَّةُ – 2 وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ – 3
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ – 4 فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ – 5 وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ – 6 سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ – 7 فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ – 8

وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ – 9 فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً – 10

إن رسالات الله تعالى أتت لرحمة الإنسان من التخبط ولحمايته من الظلم والفساد ولحمايته من تسلط الطغاة , حيث الحرية والكرامة هي أساس شريعة الله تعالى.

إن أمر الدين والعقيدة , جد خالص حازم جازم . جد كله لا هزل فيه . ولا مجال فيه للهزل . جد في الدنيا وجد في الآخرة , وجد في ميزان الله وحسابه . جد لا يحتمل التلفت عنه هنا أو هناك كثيرا ولا قليلا . وأي تلفت عنه من أي أحد يستنزل غضب الله الصارم , وأخذه الحاسم ..
إنه الحق . حق اليقين . من رب العالمين...

وإن المتأمل في الحضارات التي أبيدت وانتهى مصيرها بالعقاب الإلهي يجد أنها بلغت حدا كبيرا من الحضارة المادية , ولكي ندرك هذا الأمر ننظر إلى الأهرامت العملاقة والتي تعتبر معجزة في البناء تحير مهندسي العالم حتى الأن..هذه الأهرامات ما هي إلا مدافن لفراعنة مصر, فكيف كانت القصور ؟؟ وأين علوم التحنيط التي تعتبر سرا من أسرار تلك الحضارة ؟ كل هذه الحضارة إنهارت وأبيدت بسبب التكذيب والعناد لرسالة الله تعالى..
وكذلك حضارة عاد وثمود أبيدت بسبب تعنتهم واستكبارهم على رسالة ربهم..

وهكذا كل من تكبر ورفض الحق ورسالة الحق أخذ أخذة مروعة داهمة قاصمة , تتناسب مع الجد الصارم الحاسم في هذا الأمر العظيم الهائل , الذي لا يحتمل هزلا , ولا يحتمل لعبا , ولا يحتمل تلفتا عنه من هنا أو هناك....
ويبرز ذلك في مشهد القيامة المروع , وفي نهاية الكون الرهيبة , وفي جلال التجلي كذلك وهو أروع وأهول: ( فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة . وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة , فيومئذ وقعت الواقعة ,وانشقت السماء فهي يومئذ واهية . . والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية )

******

وثمود - كما جاء في مواضع أخرى - كانت تسكن الحجر في شمالي الحجاز بين الحجاز والشام . وكان أخذهم بالصيحة كما سماها في غير موضع . أما هنا فهو يذكر وصف الصيحة دون لفظها . .( بالطاغية ). . لأن هذا الوصف يفيض بالهول المناسب لجو السورة . ويكتفي بهذه الآية الواحدة تطوي ثمود طيا , وتغمرهم غمرا , وتعصف بهم عصفا , وتطغى عليهم فلا تبقي لهم ظلا ...

وأما عاد فقد استمرت وقعتها سبع ليال وثمانية أيام حسوما . على حين كانت وقعة ثمود خاطفة . . صيحة واحدة . طاغية . .( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ).
والريح الصرصر:الشديدة الباردة . واللفظ ذاته فيه صرصرة الريح . وزاد شدتها بوصفها ( عاتية ). . لتناسب عتو عاد وجبروتها المحكي في القرآن , وقد كانوا يسكنون الأحقاف في جنوب الجزيرة بين اليمن وحضرموت . وكانوا أشداء بطاشين جبارين . هذه الريح الصرصر العاتية: ( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ). . والحسوم القاطعة المستمرة في القطع . والتعبير يرسم مشهد العاصفة المزمجرة المدمرة المستمرة هذه الفترة الطويلة المحددة بالدقة: ( سبع ليال وثمانية أيام ). ثم يعرض المشهد بعدها شاخصا: ( فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ). . فترى . . فالمنظر معروض تراه , والتعبير يلح به على الحس حتى يتملاه ...( صرعى ). . ( كأنهم أعجاز نخل ) بأصولها وجذوعها ( خاوية ) فارغة تآكلت أجوافها فارتمت ساقطة على الأرض هامدة . .( فهل ترى لهم من باقية ? ). . لا - فليس لهم من باقية
ذلك شأن عاد وثمود . . وهو شأن المكذبين .

وجاء فرعون ومن قبله والمؤتكفات بالخاطئة . فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية ...
وفرعون كان في مصر - وهو فرعون موسى - ومن قبله لا يذكر عنهم تفصيل . والمؤتفكات قرى لوط المدمرة التي اتبعت الإفك أو التي انقلبت , فاللفظ يعني هذا وهذا . ويجمل السياق فعال هؤلاء جميعا , فيقول عنهم انهم جاءوا ( بالخاطئة ) أي بالفعلة الخاطئة - من الخطيئة - ( فعصوا رسول ربهم ). . وهم عصوا رسلا متعددين ; ولكن حقيقتهم واحدة , ورسالتهم في صميمها واحدة . فهم إذن رسول واحد , يمثل حقيقة واحدة
وهي بلاغ رسالة الله للعالمين التي هي الرحمة لهم في الدنيا والأخرة...

*******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:09 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(7)
وبعض آيات من سورة المعارج


أهمية الإيمان
في نفسية الإنسان وتصرفاته


إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً - 19 إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً - 20 وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً - 21 إِلَّا الْمُصَلِّينَ - 22 الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ -23 وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ - 24 لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ - 25
وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ - 26 وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ - 27 إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ - 28
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - 29 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ - 30 فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ - 31
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ -32 وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ - 33 وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ -34 أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ - 35


*******

أولا : حالة الإنسان بدون الإيمان


إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً - 19 إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً - 20 وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً - 21

فالإنسان بدون الإيمان هلوعا . . جزوعا عند مس الشر , يتألم للذعته , ويجزع لوقعه , ويحسب أنه دائم لا كاشف له . ويظن اللحظة الحاضرة سرمدا مضروبا عليه ; ويحبس نفسه بأوهامه في قمقم من هذه اللحظة وما فيها من الشر الواقع به . فلا يتصور أن هناك فرجا ; ولا يتوقع من الله تغييرا . ومن ثم يأكله الجزع , ويمزقه الهلع . ذلك أنه لا يأوي إلى ركن ركين يشد من عزمه , ويعلق به رجاءه وأمله . .
منوعا للخير إذا قدر عليه . يحسب أنه من كده وكسبه فيضن به على غيره , ويحتجذه لشخصه , ويصبح أسير ما ملك منه , مستعبدا للحرص عليه ... ذلك أنه لا يدرك حقيقة الرزق ودوره هو فيه . ولا يتطلع إلى خير منه عند ربه ... فهو هلوع في الحالتين . . هلوع من الشر . هلوع على الخير . . وهي صورة بائسة للإنسان , حين يخلو قلبه من الإيمان..

ومن ثم يبدو الإيمان بالله مسألة ضخمة ومهمة في حياة الإنسان . لا كلمة تقال باللسان , ولا شعائر تعبدية تقام . إنه حالة نفس ومنهج حياة , وتصور كامل للقيم والأحداث والأحوال . وحين يصبح القلب خاويا من هذا المقوم فإنه يتأرجح ويهتز وتتناوبه الرياح كالريشة .. ويبيت في قلق وخوف دائم , سواء أصابه الشر فجزع , أم أصابه الخير فمنع .
فأما حين يعمره الإيمان فهو منه في طمأنينة وعافية , لأنه متصل بمصدر الأحداث ومدبر الأحوال ; مطمئن إلى قدر الله تعالى, شاعر برحمته , مقدر لابتلائه , متطلع دائما إلى فرجه من الضيق , ويسره من العسر . متجه إليه بالخير , عالم أنه ينفق مما رزقه , وأنه مجزي على ما أنفق في سبيله , معوض عنه في الدنيا والآخرة . . فالإيمان كسب في الدنيا يتحقق قبل جزاء الآخرة , يتحقق بالراحة والطمأنينة والثبات والاستقرار طوال رحلة الحياة الدنيا....


ثانيا : حالة الإنسان المؤمن
والتزام بمبادئ الإسلام.


الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ -23

والصلاة فوق أنها ركن الإسلام وعلامة الإيمان , هي وسيلة الاتصال بالله تعالى , والاستمداد من ذلك الرصيد . ومظهر العبودية الخالصة التي يتجرد فيها مقام الربوبية ومقام العبودية في صورة معينة . وصفة الدوام التي يخصصها بها هنا: ( الذين هم على صلاتهم دائمون ). . تعطي صورة الاستقرار والاستطراد , فهي صلاة لا يقطعها الترك والإهمال والكسل وهي صلة بالله مستمرة غير منقطعة .
وقد كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذا عمل شيئا من العبادة داوم عليه - وكان يقول: وإن أحب الأعمال إلى الله تعالى ما دام وإن قل .

وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ - 24 لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ - 25


وهي الزكاة على وجه التخصيص والصدقات المعلومة القدر . . وهي حق في أموال المؤمنين . . أو لعل المعنى أشمل من هذا وأكبر . وهو أنهم يجعلون في أموالهم نصيبا معلوما يشعرون أنه حق للسائل والمحروم .

والسائل الذي يسأل ; والمحروم الذي لا يسأل ولا يعبر عن حاجته فيحرم أو لعله الذي نزلت به النوازل فحرم وعف عن السؤال .

والشعور بأن للمحتاجين والمحرومين حقا في الأموال هو شعور بفضل الله من جهة , وبآصرة الإنسانية من جهة , فوق ما فيه من تحرر شعوري من ربقة الحرص والشح . وهو في الوقت ذاته ضمانة اجتماعية لتكافل الأمة كلها وتعاونها .
فهي فريضة ذات دلالات شتى , في عالم الضمير وعالم الواقع سواء . .
بحيث لو فعلت فريضة الزكاة فلن تجد على وجه الأرض فقير معدم كما نراها اليوم.. فقراء تحت خط الفقر, وأغنياء مخزنة ثرواتهم بالمليارات بالبنوك لو وزعت على أهل الأرض لوسعتهم..

وإن شاء الله تعالى نستكمل بقية الصفات والإلتزمات, في اللقاء القادم..

******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:09 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(8)
وبعض آيات من سورة المعارج

أهمية الإيمان
في نفسية الإنسان


تكلمنا في اللقاء السابق عن الإنسان بدون الإيمان وكيف إنه يعيش ممزق النفس حيث يعيش هلوعا جزوعا..وأن النجاة من هذه الحالة إلتزام الإيمان بالمحافظة على الصلة بينه وبين خالقه , وإخراج زكاة ماله ,وذلك لتحقيق التكافل الإجماعي في المجتمع.
ونستكمل اليوم بإذن الله تعالى بقية الصفات.


وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ - 26


فالتصديق بيوم الدين شرط الإيمان وأساس جميع المعاملات. وبدونه يسقط الإيمان وتسقط معها الثقة في جميع المعاملات إلا إذا كانت موثقة توثيقا لا يدع مجالا للشك في العقود المبرمة بين الأفراد والجماعات.
والتصديق بيوم الدين ذو أثر حاسم في منهج الحياة شعورا وسلوكا .
فالمصدق بيوم الدين يعمل وهو ناظر لميزان السماء لا لميزان الأرض , ولحساب الآخرة لا لحساب الدنيا ويتقبل الأحداث خيرها وشرها وفي حسابه أنها مقدمات نتائجها هناك , فيضيف إليها النتائج المرتقبة حين يزنها ويقومها . .

والمكذب بيوم الدين يحسب كل شيء بحسب ما يقع له منه في هذه الحياة القصيرة المحدودة , ويتحرك وحدوده هي حدود هذه الأرض وحدود هذا العمر . فهو بائس مسكين معذب قلق لأن ما يقع في هذا الشطر من الحياة الذي يحصر فيه تأملاته وحساباته وتقديراته , قد لا يكون مطمئنا ولا مريحا ولا عادلا ولا معقولا , ما لم يضف إليه حساب الشطر الآخر وهو أكبر وأطول . قال تعالى في سورة الأعلى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا – 16 وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى - 17
ومن ثم يشقى من لا يؤمن بيوم الحساب و يشقى غيره من حوله . ولا تستقيم له حياة رفيعة لا يجد جزاءها في هذه الأرض واضحا . . ومن ثم كان التصديق باليوم الآخر شرط الإيمان الذي يقوم عليه منهج الحياة في الإسلام..

وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ - 27
إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ - 28


وهذه درجة أخرى وراء مجرد التصديق بيوم الدين . درجة الحساسية المرهفة , والرقابة اليقظة , والشعور بالتقصير في جناب الله على كثرة العبادة , والخوف من تلفت القلب واستحقاقه للعذاب في أية لحظة , والتطلع إلى الله للحماية والوقاية.. .
ولقد كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو من هو عند الله . وهو يعرف أن الله قد اصطفاه ورعاه . . كان دائم الحذر دائم الخوف لعذاب الله . وكان على يقين أن عمله لا يعصمه ولا يدخله الجنة إلا بفضل من الله ورحمة .
وقال لأصحابه: لن يدخل الجنة أحدا عمله ... قالوا: ولا أنت يا رسول الله ? قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته..

( إن عذاب ربهم غير مأمون ). . إيحاء بالحساسية الدائمة التي لا تغفل لحظة , فقد تقع موجبات العذاب في لحظة الغفلة فيحق العذاب . والله لا يطلب من الناس إلا هذه اليقظة وهذه الحساسية , فإذا غلبهم ضعفهم معها , فرحمته واسعة , ومغفرته حاضرة . وباب التوبة مفتوح ليست عليه مغاليق .
والقلب الموصول بالله يحذر ويرجو , ويخاف ويطمع , وهو مطمئن لرحمة الله على كل حال...

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - 29 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ - 30 فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ - 31

وهذه تعني طهارة النفس والجماعة , فالإسلام يريد مجتمعا طاهرا نظيفا , وفي الوقت ذاته ناصعا صريحا . مجتمعا تؤدى فيه كل الوظائف الحيوية , وتلبي فيه كل دوافع الفطرة . ولكن بغير فوضى ترفع الحياء الجميل .

فالمجتمع الإسلامي يقوم على أساس الأسرة الشرعية المتينة القوائم . وعلى البيت العلني الواضح المعالم . مجتمعا يعرف فيه كل طفل أباه , ولا يخجل من مولده ....
ومن ثم يذكر القرآن هنا من صفات المؤمنين ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين , فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون )

والإسلام نظيف صريح قويم يجعل الأسرة هي اللبنة الوحيدة في بناء المجتمع الإيماني ...
والأحكام الإسرية جاءت لتحكم جميع العصور بما فيها العصور التي كانت تبيح الاسترقاق ( ملك اليمين )
فقد قضى الإسلام على الرق من جذوره, إذ أن مصدر الرق كان الأسر في الحروب , وقد أغلق هذا الباب...
قال تعالى في سورة محمد : حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً..
وبذلك أغلق باب الإسترقاق...
وجعل من التقرب إلى الله عتق العبيد المستبقين من النظم السابقة..
وبناء على ذلك فقد انتهى الرق نهائيا ..ولا يكون إلا العلاقة الأسرية بين الرجل والمرأة هي الرابطة الوحيدة المعترف بها في الإسلام ولا اعتراف بإي علاقة أخرة مهما كانت...




وإن شاء الله تعالى نستكمل بقية الصفات في اللقاء القادم..



******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:09 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(9)
وبعض آيات من سورة المعارج

أهمية الإيمان
في نفسية الإنسان

تكلمنا في اللقاءات السابقة عن الإنسان بدون الإيمان وكيف إنه يعيش ممزق النفس حيث يعيش هلوعا جزوعا..وأن النجاة من هذه الحالة إلتزام الإيمان بالمحافظة على الصلة بينه وبين خالقه , وإخراج زكاة ماله ,وذلك لتحقيق التكافل الإجماعي في المجتمع. واليقين بيوم الحساب والخوف والرجاء في عفو الله تعالى..
ثم تحدثنا عن الحياة النظيفة في ظل شريعة الإسلام التي جعلت الأسرة هي اللبنة الأساسية والوحيدة في بناء المجتمع الإنساني.
ونستكمل اليوم بإذن الله تعالى بقية الصفات.


وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ -32

وهذه من القوائم الأخلاقية التي يقيم الإسلام عليها نظام المجتمع . ورعاية الأمانات والعهود في الإسلام تبدأ من رعاية الأمانة الكبرى التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان . وهي أمانة العقيدة والاستقامة عليها .
قال تعالى في سورة الأعراف: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ – 172

ومن رعاية العهد الأول المقطوع على فطرة الناس- وهم بعد في الأصلاب- أن الله ربهم الواحد , وهم بخلقتهم على هذا العهد شهود . . ومن رعاية تلك الأمانة وهذا العهد تنبثق رعاية سائر الأمانات والعهود في معاملات الأرض.

وقد شدد الإسلام في الأمانة والعهد وكرر وأكد , ليقيم المجتمع على أسس متينة من الخلق والثقة والطمأنينة . وجعل رعاية الأمانة والعهد سمة النفس المؤمنة , كما جعل خيانة الأمانة وإخلاف العهد سمة النفس المنافقة والكافرة . ورد هذا في مواضع شتى من القرآن والسنة لا تدع مجالا للشك في أهمية هذا الأمر البالغة في مبادئ الإسلام.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أربع من كن فيه كان منافقا ، أو كانت فيه خصلة من أربعة كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر.
رواه البخاري عن عبدالله بن عمرو بن العاص.

********

وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ - 33
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ -34 أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ - 35

أي: لا يشهدون إلا بما يعلمونه، من غير زيادة ولا نقص ولا كتمان، ولا يحابي فيها قريبا ولا صديقا ونحوه، ويكون القصد بها وجه الله.

قال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ﴾2 الطلاق
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾135 النساء .

القسط الذي هو العدل في حقوق الله وحقوق عباده،
فالقسط في حقوق الله أن لا يستعان بنعمه على معصيته، بل تصرف في طاعته....
ومن القسط أداء الشهادة التي عندك على أي وجه كان، حتى على الأحباب بل على النفس...

وكما بدأ سمات النفوس المؤمنة بالصلاة , ختمها كذلك بالصلاة...

وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ -34

وهي صفة غير صفة الدوام التي ذكرت في صدر هذه الصفات .
فهنا تتحقق الصلاة بالمحافظة عليها في مواعيدها , وفي فرائضها , وفي سننها , وفي هيئتها , وفي الروح التي تؤدى بها .
فلا يضيعونها إهمالا وكسلا . ولا يضيعونها بعدم إقامتها على وجهها . .

ومن الأهمية بمكان أن تفعل مواقيت الصلاة بحيث تؤدى في كل مرافق الدولة في كل المصانع والهيئات والمدارس والمعاهد والجامعات.
ونحن نشاهد ذلك في السعودية إذا حان وقت الصلاة ينهض الجميع لأداءها ثم يواصلون أعمالهم ولم نسمع قط عن تعطيل العمل أو تعطيل المتاجر بل الكل يسير ضمن منظومة إيمانية وبركة من الله لجميع أعمالهم.. بينما لم تحدث تلك البركة في البلدان التي تضيع الصلاة بحجة عدم تضيع الوقت والعمل .. فبترك الصلاة ضاع الوقت وفسد العمل.

وأيضا لو نظمنا أوقات العمل طبقا لمواعيد الصلاة لكنا سادة الأمم بلا منازع...فكلنا يعرف أن اليوم يبدأ عند المسلم بصلاة الفجر...فلو أن الأعمال تبدأ بعد صلاة الفجر لتحقق لنا البركة في البكور ووفرنا الطاقة الكهربية حيث أن وقت العمل من بعد صلاة الفجر إلى صلاة الظهر يصل إلى ثمان ساعات كلها في ضوء النهار..

وذكر الصلاة في المطلع والختام يوحي بالاحتفال والاهتمام بهذه الصلة الهامة بين العباد وخالقهم سبحانه وتعالى.
وبهذا تختم سمات المؤمنين...وندرك معها أنه لا خلاص من الأمراض النفسية مثل الهلع والجزع والبخل ومنع مساعدة الناس إلا بإلتزام بشريعة الله تعالى وأداء ما فرضه الله علينا من صلاة وزكاة وغيرها من الفرائض والإلتزام بمبادئ العدل في أداء الشهادة.

وهنا يظهر لنا مستقبل هؤلاء, العزة في الدنيا والكرامة في الأخرة..

أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ - 35

*******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:10 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(10)
وبعض آيات من سورة نوح

أسباب البركة في الرزق
والبركة في الذرية


فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً – 10 يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً – 11 وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً – 12

مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً – 13 وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً – 14 أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً – 15 وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً – 16

وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الأَرْضِ نَبَاتاً – 17 ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً – 18 وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ بِسَاطاً – 19 لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً – 20

إن دعوة الأنبياء من لدن أدم إلى نبينا صلوات الله وسلامه عليه واحده , فهذا نبي الله " نوح" يدعو قومه الف سنة إلا خمسين عاما بدعوة التوحيد , والتوبة من الشرك...
ونلاحظ هنا ربط بين الإيمان والاستغفار وبين الرزق.
وفي القرآن مواضع متكررة فيها هذا الارتباط بين صلاح القلوب واستقامتها على هدى الله , وبين تيسير الأرزاق , وعموم الرخاء . . .
قال تعالى : ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض , ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون – 96 الأعراف
وقال تعالى : ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم -65 ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم – 66 المائدة
وقال تعالى في أول سورة هود: ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير , وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله....

إن جميع معاملات الإنسان مرهونة بالوضع الإقتصادي السائد بين أفراده. فبقدر الرخاء والبركة في الثروات وقدرات شبابه على العمل والدفاع عن دياره بقدر تمتعه بالقوة والإكتفاء الذاتي, بل يمكنه تصدير ما يتبقى ليحصل على ثروات إضافية...

ومن استقراء التاريخ نلاحظ ثبات هذه السنة الكونية,
فالواقع العملي يشهد بتحققها على مدار القرون . والحديث في هذه القاعدة عن الأمم لا عن الأفراد . وما من أمة قام فيها شرع الله , واتجهت اتجاها حقيقيا لله بالعمل الصالح والاستغفار المنبئ عن خشية الله . . ما من أمة اتقت الله وعبدته وأقامت شريعته , فحققت العدل والأمن للناس جميعا , إلا فاضت فيها الخيرات , ومكن الله لها في الأرض واستخلفها فيها بالعمران وبالصلاح سواء...

ولقد نشهد في بعض الفترات أمما لا تتقي الله ولا تقيم شريعته ; وهي - مع هذا - موسع عليها في الرزق , ممكن لها في الأرض . . ولكن هذا إنما هو الإبتلاء: ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة..-35 الأنبياء ) ثم هو بعد ذلك رخاء مؤوف , تأكله آفات الاختلال الإجتماعي والانحدار الأخلاقي , أو الظلم والبغي وإهدار كرامة الإنسان . .كما هو مشاهد للجميع..

ففي النظام الرأسمالي يهبط تصور الحياة إلى الدرك الأسفل فيقوم كله على مدى الثراء.
وفي النظام الشيوعي تهدر قيمة "الإنسان" إلى درجة دون الرقيق. وليست هذه أو تلك حياة إنسانية توسم بالرخاء...

فالإيمان إمن نفسي ورخاء وبركة في الأرزاق على الحقيقة..
( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض..)

******

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ﴾ أي: اتركوا ما أنتم عليه من الذنوب، واستغفروا الله منها.
﴿ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾ كثير المغفرة لمن تاب واستغفر، فرغبهم بمغفرة الذنوب، وما يترتب عليها من حصول الثواب، واندفاع العقاب.
ورغبهم أيضا، بخير الدنيا العاجل، فقال: ﴿ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴾ أي: مطرا متتابعا، يروي الأرض ويجعلها صالحة للزراعة ، ويحيي البلاد والعباد.
﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ﴾ أي: يكثر أموالكم التي تدركون بها ما تطلبون من الدنيا وأولادكم، ﴿ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ وهذا من أبلغ ما يكون من لذات الدنيا ومطالبها.

******

وكان على الإنسان العاقل أن يدرك عظمة الله تعالى , ويتجه بعقله وقلبه إلى آيات الله في الكون, فكل من حوله يشهد بوحدانية الخالق الحق..وليس لأي مخلوق أن يدعي خلق ذرة أو أقل من الذرة..

﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا

أي: خلقا من بعد خلق، في بطن الأم، ثم في الرضاع، ثم في سن الطفولية، ثم التمييز، ثم الشباب، إلى آخر ما وصل إليه الخلق ، فالذي انفرد بالخلق والتدبير البديع، متعين أن يفرد بالعبادة والتوحيد، وفي ذكر ابتداء خلقهم تنبيه لهم على الإقرار بالمعاد، وأن الذي أنشأهم من العدم قادر على أن يعيدهم بعد موتهم.
واستدل أيضا عليهم بخلق السماوات التي هي أكبر من خلق الناس، فقال: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ﴾ أي: كل سماء فوق الأخرى.
﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا ﴾ لأهل الأرض ﴿ وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾ .
ففيه تنبيه على عظم خلق هذه الأشياء، وكثرة المنافع في الشمس والقمر الدالة على رحمته وسعة إحسانه، فالعظيم الرحيم، يستحق أن يعظم ويحب ويعبد ويخاف ويرجى.

﴿ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ﴾ فالآية توحي بالوحدة بين أصول الحياة على وجه الأرض , وأن نشأة الإنسان من الأرض كنشأة النبات . من عناصرها الأولية يتكون . ومن عناصرها الأولية يتغذى وينمو , فهو نبات من نباتها . وهبه الله هذا اللون من الحياة كما وهب النبات ذلك اللون من الحياة . وكلاهما خلقه من الأرض , وكلاهما يرضع من هذه الأم الحنون..

﴿ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا ﴾ عند الموت ﴿ وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ﴾ للبعث والنشور، فهو الذي يملك الحياة والموت والنشور.

وبذلك تتحدد كل معاملات الإنسان طبقا لعقيدة صحيحة قائمة الحق والعدل...

﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا ﴾ أي أن الله تعالى جعل لنا الأرض سهلة في تعميرها وإنشاء الطرق عليها وتعميرها بالمدن والمساكن ..وزراعتها والانتفاع بكل ما بسطه الله عليها من نعم لا تعد ولا تحصى..
فهل أدركنا نعمة الله تعالى على أهل الأرض وكيف يكون حال الإنسان لو أن الأرض مثل المريخ ؟؟ ليس به ماء أو هواء ولم يبسط فيه من الخيرات الغذائية والمعدنية ؟؟ مثل ما بسط على أرضنا من جميع النعم.. التي تقتضي أن نشكر الله تعالى عليها. وأن تكون جميع معاملاتنا مبناها رسالة الله تعالى..

******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:10 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(11)
وبعض آيات من سورة الجن

عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً - 26



نتكلم اليوم عن بعض سلوكيات خاطئة لمن يذهبوا إلى الدجالين ليحلوا لهم مشاكلهم عن طريق الجن...
وفي الحديث الشريف :
من أتى عرافا لم تقبل له صلاة أربعين ليلة...الراوي: عمر بن الخطاب
المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 5/120

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا فسأله فصدقه بما يقول : فقد كفر بما أنزل على محمد...( صلى الله عليه وسلم. )
المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 4/90
خلاصة حكم المحدث: إسناده جيد


وقد كان العرب في الجاهلية يعتقدون أن للجن سلطانا في الأرض , فكان الواحد منهم إذا أمسى بواد أو قفر , لجأ إلى الاستعاذة بعظيم الجن الحاكم لما نزل فيه من الأرض , فقال:أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه . . ثم بات آمنا .. كذلك كانوا يعتقدون أن الجن تعلم الغيب وتخبر به الكهان فيتنبأون بما يتنبأون . وفيهم من عبد الجن وجعل بينهم وبين الله نسبا , وزعم له سبحانه وتعالى زوجة منهم تلد له الملائكة.....

والاعتقاد في الجن على هذا النحو أو شبهه كان فاشيا في كل جاهلية , ولا تزال الأوهام والأساطير من هذا النوع تسود بيئات كثيرة إلى يومنا هذا....

وبينما كانت الأوهام والأساطير تغمر قلوب الناس ومشاعرهم وتصوراتهم عن الجن في القديم , وما تزال . . نجد في الصف الآخر اليوم منكرين لوجود الجن أصلا , يصفون أي حديث عن هذا الخلق المغيب بأنه حديث خرافة...

وبين الإغراق في الوهم , والإغراق في الإنكار , يقرر الإسلام حقيقة الجن , ويصحح التصورات العامة عنهم , ويحرر القلوب من خوفها وخضوعها لسلطانهم الموهوم.....

فالجن لهم حقيقة موجودة فعلا وهم كما يصفون أنفسهم هنا ( وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا ). . ومنهم الضالون المضلون ومنهم السذج الأبرياء الذين ينخدعون: ( وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا , وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ). . وهم قابلون للهداية من الضلال , مستعدون لإدراك القرآن سماعا وفهما وتأثرا ( قل:أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا:إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به , ولن نشرك بربنا أحدا ). .

وأنهم قابلون بخلقتهم لتوقيع الجزاء عليهم وتحقيق نتائج الإيمان و الكفر فيهم : ( وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به , فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا . وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون , فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا , وأما القاسطون , فكانوا لجهنم حطبا ). .

وأنهم لا ينفعون الإنس حين يلوذون بهم بل يرهقونهم ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ). .

وأنهم لا يعلمون الغيب , ولم تعد لهم صلة بالسماء: ( وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا , وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع , فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا , وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ) . .

وأنهم لا صهر بينهم وبين الله - سبحانه وتعالى - ولا نسب: ( وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ). .

وأن الجن لا قوة لهم مع قوة الله ولا حيلة: ( وأنا ظننا أن لن نعجزالله في الأرض ولن نعجزه هربا )

وهذا الذي ذكر في هذه السورة عن الجن بالإضافة إلى ما جاء في القرآن من صفات أخرى كتسخير طائفة من الشياطين لسليمان - وهم من الجن - وأنهم لم يعلموا بموته إلا بعد فترة , فدل هذا على أنهم لا يعلمون الغيب : ( فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته , فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين -14سبأ )

قال تعالى: ( إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم . . -27 الأعراف ) يدل على أن كيان الجن غير مرئي للبشر , في حين أن كيان الإنس مرئي للجن...
هذا بالإضافة إلى ما قرره في سورة الرحمن عن المادة التي منها كيان الجن والمادة التي منها كيان الإنسان في قوله تعالى : ( خلق الإنسان من صلصال كالفخار , وخلق الجان من مارج من نار ).

******

وتعالوا نعيش مع تفسير السعدي لبعض آيات سورة الجن.

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا – 1 يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا – 2

أي: ﴿ قُلْ ﴾ يا أيها الرسول للناس ﴿ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ﴾ صرفهم الله [ إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ] لسماع آياته لتقوم عليهم الحجة [ وتتم عليهم النعمة ] ويكونوا نذرا لقومهم .
وأمر الله رسوله أن يقص نبأهم على الناس، وذلك أنهم لما حضروه، قالوا: أنصتوا، فلما أنصتوا فهموا معانيه، ووصلت حقائقه إلى قلوبهم، ﴿ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ﴾ أي: من العجائب الغالية، والمطالب العالية.

﴿ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ﴾ والرشد: اسم جامع لكل ما يرشد الناس إلى مصالح دينهم ودنياهم، ﴿ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ فجمعوا بين الإيمان الذي يدخل فيه جميع أعمال الخير، وبين التقوى، [ المتضمنة لترك الشر ] وجعلوا السبب الداعي لهم إلى الإيمان وتوابعه، ما علموه من إرشادات القرآن، وما اشتمل عليه من المصالح والفوائد واجتناب المضار، فإن ذلك آية عظيمة، وحجة قاطعة، لمن استنار به، واهتدى بهديه، وهذا الإيمان النافع، المثمر لكل خير، المبني على هداية القرآن، بخلاف إيمان العوائد، والمربى والإلف ونحو ذلك، فإنه إيمان تقليد تحت خطر الشبهات والعوارض الكثيرة،

﴿ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا ﴾ أي: تعالت عظمته وتقدست أسماؤه، ﴿ مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ﴾ فعلموا من جد الله وعظمته، ما دلهم على بطلان من يزعم أن له صاحبة أو ولدا، لأن له العظمة والكمال في كل صفة كمال، واتخاذ الصاحبة والولد ينافي ذلك، لأنه يضاد كمال الغنى.

﴿ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ﴾ أي: قولا جائرا عن الصواب، متعديا للحد، وما حمله على ذلك إلا سفهه وضعف عقله، وإلا فلو كان رزينا مطمئنا لعرف كيف يقول.

﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ أي: كنا مغترين قبل ذلك، وغرنا القادة والرؤساء من الجن والإنس، فأحسنا بهم الظن، وظنناهم لا يتجرأون على الكذب على الله، فلذلك كنا قبل هذا على طريقهم، فاليوم إذ بان لنا الحق، رجعنا إليه ، وانقدنا له، ولم نبال بقول أحد من الناس يعارض الهدى.

﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴾ أي: كان الإنس يعبدون الجن ويستعيذون بهم عند المخاوف والأفزاع ، فزاد الإنس الجن رهقا أي: طغيانا وتكبرا لما رأوا الإنس يعبدونهم، ويستعيذون بهم، ويحتمل أن الضمير في زادوهم يرجع إلى الجن ضمير الواو أي: زاد الجن الإنس ذعرا وتخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم، فكان الإنسي إذا نزل بواد مخوف، قال: " أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه ".

﴿ وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا ﴾ أي: فلما أنكروا البعث أقدموا على الشرك والطغيان.

﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ ﴾ أي: أتيناها واختبرناها، ﴿ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا ﴾ عن الوصول إلى أرجائها [ والدنو منها ]، ﴿ وَشُهُبًا ﴾ يرمى بها من استرق السمع، وهذا بخلاف عادتنا الأولى، فإنا كنا نتمكن من الوصول إلى خبر السماء.

﴿ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْع ﴾ فنتلقف من أخبار السماء ما شاء الله. ﴿ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ﴾ أي: مرصدا له، معدا لإتلافه وإحراقه، أي: وهذا له شأن عظيم، ونبأ جسيم، وجزموا أن الله تعالى أراد أن يحدث في الأرض حادثا كبيرا، من خير أو شر، فلهذا قالوا: ﴿ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴾ أي: لا بد من هذا أو هذا، لأنهم رأوا الأمر تغير عليهم تغيرا أنكروه، فعرفوا بفطنتهم أن هذا الأمر يريده الله، ويحدثه في الأرض، وفي هذا بيان لأدبهم، إذ أضافوا الخير إلى الله تعالى، والشر حذفوا فاعله تأدبا مع الله.

﴿ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ ﴾ أي: فساق وفجار وكفار، ﴿ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا ﴾ أي: فرقا متنوعة، وأهواء متفرقة، كل حزب بما لديهم فرحون.

﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا ﴾ أي : وأنا في وقتنا الآن تبين لنا كمال قدرة الله وكمال عجزنا، وأن نواصينا بيد الله فلن نعجزه في الأرض ولن نعجزه إن هربنا وسعينا بأسباب الفرار والخروج عن قدرته، لا ملجأ منه إلا إليه.
﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى ﴾ وهو القرآن الكريم، الهادي إلى الصراط المستقيم، وعرفنا هدايته وإرشاده، أثر في قلوبنا فـ ﴿ آمَنَّا بِهِ ﴾ .
ثم ذكروا ما يرغب المؤمن فقالوا: ﴿ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ ﴾ إيمانا صادقا ﴿ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا ﴾ أي: لا نقصا ولا طغيانا ولا أذى يلحقه ، وإذا سلم من الشر حصل له الخير، فالإيمان سبب داع إلى حصول كل خير وانتفاء كل شر.

﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ ﴾ أي: الجائرون العادلون عن الصراط المستقيم.
﴿ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا ﴾ أي: أصابوا طريق الرشد، الموصل لهم إلى الجنة ونعيمها، ﴿ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ﴾ وذلك جزاء على أعمالهم، لا ظلم من الله لهم، فإنهم ﴿ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ ﴾ المثلى ﴿ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾أي: هنيئا مريئا، ولم يمنعهم ذلك إلا ظلمهم وعدوانهم.
﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ أي : لنختبرهم فيه ونمتحنهم ليظهر الصادق من الكاذب.
﴿ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا ﴾ أي: من أعرض عن ذكر الله، الذي هو كتابه، فلم يتبعه وينقد له، بل غفل عنه ولهى، يسلكه عذابا صعدا أي: شديدا بليغا.

******

فهل أدركنا حقيقة الجن ؟ وأن منهم المؤمن ومنهم الكافر ومنهم الطائع ومنهم العاصي , وأنهم لا يعلمون الغيب..
أما الشياطين الذين يضلون الناس عن الهداية فقد يكونوا من الجن أومن الإنس..
فشياطين الجن توسوس وتزين الشرور للإنسان ولا تجبره على ذلك, فالإنسان حر خلقه الله ذو إرادة حرة يحاسب عليها يوم القيامة..
وشياطين الإنس كذلك تزين الشرور وتنشر الفاحشة لتضل الإنسان عن الطريق المستقيم..وليس لهم سلطان على قلب الإنسان المؤمن..
فقراءة سورة البقرة وسورة يس تقي من السحر ووساوس الشياطين..
وفي كل الأحوال ينجو المؤمن بإعتصامه بالله تعالى من شرور شياطين الإنس والجن...

*******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:11 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(12)
وبعض آيات من سورة المزمل

عبء الأمانة


يَا أَ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ – 1 قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً – 2 نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً – 3 أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً – 4 إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً – 5 إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً – 6 إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً - 7 وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً – 8 رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً – 9 وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً – 10 وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً – 11


بعد عودة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من غار حراء وقد بلغ به الجهد بلقاء جبريل عليه السلام على صورته يقول للسيدة خديجة رضي الله عنها زملوني زملوني....فجاءه الوحي : يَا أَ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ – 1 قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً – 2 نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً – 3 أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً – 4 إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً – 5
فعلم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أنه لم يعد هناك نوم.. وأن هناك تكليفا ثقيلا , وجهادا طويلا , وأنه الصحو والكد والجهد منذ ذلك النداء العلوي ...
وقيل لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ( قم ). . فقام . وظل قائما بعدها أكثر من عشرين عاما... لم يسترح . ولم يسكن . ولم يعش لنفسه ولا لأهله . قام وظل قائما على دعوة الله . يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ولا ينوء به . عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض . عبء البشرية كلها , وعبء العقيدة كلها , وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى .
حمل عبء الكفاح والجهاد في ميدان الضمير البشري الغارق في أوهام الجاهلية وتصوراتها ,

واستمر الجهاد والكفاح والسهر على تربية الأمة الجديدة التي سوف يغير بها الله وجه الأرض من عبادة العباد إلى عبادة الله الخالق الحق.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة للمسلمين فقاموا كما قام وحملوا على عاتقهم نشر رسالة الله للعالمين..ففتحوا القلوب قبل الأرض وأنتشر الإسلام في ربوعها وأضاء نور عقيدة التوحيد وتحقق العدل والحرية والعلم والترجمة في كافة مجالات الحياة من طب وهندسة وكيمياء وشريعة وقانون , وأقاموا الصناعات وشجعوا على الإبتكار فكانت هي أساس كل الصناعات الحديثة..وكانت هي الدولة الأولى في العالم بدون منازع..علما وقوة وحضارة أساسها رسالة الله تعالى..

فهل تعي الأمة معنى أن تقوم ؟ كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم..وصحابته الكرام والتابعين وتابعي التابعين...

إن النوم طال وتفشى الكسل والتخلف وطلت الفواحش بوجهها القبيح وساد الفساد واستشرى الخوف والجهل...
ولكن مهما طال الليل لابد من طلوع الفجر...

يَا أَ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ – 1 قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً – 2 نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً – 3 أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً – 4 إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً – 5 إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً – 6 إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً - 7 وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً – 8 رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً – 9 وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً – 10 وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً – 11


*******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:12 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(13)
وبعض آيات من سورة المدثر

النهوض بتبعة الرسالة


يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ – 1 قُمْ فَأَنذِرْ – 2 وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ – 3 وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ – 4 وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ – 5 وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ – 6 وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ – 7

واستكمالا للحديث السابق عن تحمل عبء الأمانة بالقيام والجهد والقرب من الله تعالى , نرى اليوم الأمر بالنهوض بتبعة الرسالة وهي تبيلغها للعالمين مع التحمل بتلك المهمة الضخمة ...فالأمر ليس نزهة وليس طريقا مفروشا بالورود ...إن الأمر يتصادم مع الأهواء والعقائد الفاسدة ويتصادم مع شهوات النفس ويتصادم مع شياطين الإنس والجن...

ولكنه يلتقي مع الفطر السليمة والنفوس المؤمنة بخالقها ومحبي الحق والعدل.. الذين يحتاجون إلى المعرفة لشريعة ربهم وسنة نبيهم..
فالأمر كبير عظيم , بأبي أنت وأمي يارسول الله , يامن تحملت عبء الرسالة الخالدة وتحملت تبليغها والنهوض بها حتى أتت إلينا بيضاء نقية ليلها كنهارها, تأخذ بأيدينا إلي صراط الله المستقيم..

يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ – 1 قُمْ فَأَنذِرْ – 2 وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ – 3 وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ – 4 وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ – 5 وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ – 6 وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ – 7


كان الأمر في سورة المزمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بالاجتهاد في العبادة والصبر على أذى قومه، والأمر هنا بإعلان الدعوة ، والصدع بالإنذار، فقال: ﴿ قُمِ ﴾ أي بجد ونشاط ﴿ فَأَنْذِرْ ﴾ الناس بالأقوال والأفعال، التي بها يتحقق هداية البشر إلى دين الله الحق..
﴿ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴾ أي: عظمه بالتوحيد، واجعل قصدك في إنذارك وجه الله، وأن يعظمه العباد ويقوموا بعبادته.
﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ يحتمل أن المراد بثيابه، أعماله كلها، وبتطهيرها
ويدخل في ذلك تطهير الثياب من النجاسة، فإن ذلك من تمام التطهير للأعمال خصوصا في الصلاة، التي قال كثير من العلماء: إن إزالة النجاسة عنها شرط من شروط الصلاة.
ويحتمل أن المراد بثيابه، الثياب المعروفة، وأنه مأمور بتطهيرها عن جميع النجاسات، في جميع الأوقات، خصوصا في الدخول في الصلوات، وإذا كان مأمورا بتطهير الظاهر، فإن طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن.

﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ أن المراد بالرجز أعمال الشر كلها وأقواله، فيكون أمرا له بترك الذنوب، صغيرها وكبيرها ، ظاهرها وباطنها، فيدخل في ذلك الشرك وما دونه.

﴿ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ﴾ أي: لا تمنن على الناس بما أسديت إليهم من النعم الدينية والدنيوية، بل أحسن إلى الناس مهما أمكنك، وانس عندهم إحسانك، ولا تطلب أجره إلا من الله تعالى واجعل من أحسنت إليه وغيره على حد سواء....
ولا تعط أحدا شيئا، وأنت تريد أن يكافئك عليه بأكثر منه...

﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾ أي: احتسب بصبرك، واقصد به وجه الله تعالى،

فامتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ربه، وبادر إليه، فأنذر الناس، وأوضح لهم بالآيات البينات جميع المطالب الإلهية، وعظم الله تعالى، ودعا الخلق إلى تعظيمه، وطهر أعماله الظاهرة والباطنة من كل سوء، وهجر كل ما يبعد عن الله تعالى ، وهجر الشر وأهله، وكانت له المنة على الناس - بعد منة الله- من غير أن يطلب منهم على ذلك جزاء ولا شكورا، وصبر لله أكمل صبر، حتى فاق أولي العزم من المرسلين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

والتزم بتلك المبادئ صحابته رضوان الله عليهم جميعا , فكانوا نجوم الهداية للعالمين ...
ولزاما علينا ونحن أتباع ذلك الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه أن نلتزم تلك المبادئ حتى نكون ضمن قافلة الدعاة لدين الله تعالى للعالمين ..سائلين الله الأخلاص دوما وأبدا.

******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:12 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(14)
وبعض آيات من سورة القيامة

النفس اللوامة
وأثرها في ضبط السلوك للإنسان



لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ – 1 وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ – 2 أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ – 3 بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ – 4

قال الحسن البصري:إن المؤمن بالله ما تراه إلا يلوم نفسه, فيقول:
ما أردت بكلمتي ? ما أردت بأكلتي ? ما أردت بحديث نفسي ?
وإن الفاجر يمضي قدما ما يعاتب نفسه . .

وبذلك يلتزم الأداب في جميع معاملاته ويلتزم الإخلاص لعلمه أنه محاسب يوم الدين...

وعن الحسن : ليس أحد من أهل السماوات والأرضين إلا يلوم نفسه يوم القيامة . .

وعن عكرمة : النفس اللوامة تلوم على الخير والشر: لو فعلت كذا وكذا ...

وعن مجاهد : النفس اللوامة تندم على ما فات وتلوم عليه .

وقال جرير: وكل هذه الأقوال متقاربة المعنى , والأشبه بظاهر التنزيل أنها التي تلوم صاحبها على الخير والشر , وتندم على ما فات من تقصير...

وفي الحديث القدسي:
يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم . ثم أوفيكم إياها . فمن وجد خيرا فليحمد الله . ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ...
رواه مسلم ..

*******
والنفس قد تكون أمارة بالسوء.. قال تعالى في سورة يوسف: ( إن النفس لأمارة بالسوء ) فيجب مخالفتها إلى تقوى الله والعمل بأحكام الكتاب والسنة ...
وقد تكون لوامة كما هي معنا اليوم تلوم صاحبها على التقصير وتذكره بالآخرة والحساب...
وترتقي النفس إلى أن تصبح نفس مطمئنة . قال تعالى في سورة الفجر:
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ – 27 ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً – 28 فَادْخُلِي فِي عِبَادِي – 29 وَادْخُلِي جَنَّتِي -30

*******

وبجانب النفس اللوامة في الردع عن المعاصي,

تذكر الموت
واليقين بالبعث ويوم الحساب


والموت هو اليقين الذي يولد مع كل إنسان, فإنك حين ترى المولود لا تدري هل يمرض أم يكون صحيحا ؟ هل شقي أم سعيد ؟ هل فقير أم سيكون غنيا ؟ هل يصبح طبيبا أم مهندسا أو غير ذلك ؟
ولكن هناك يقين بأن هذا المولود حتما سيموت...ومع هذا اليقين قد يغفل كثير من الناس عن تذكر الموت ..ودور ذلك في ضبط سلوك ومعاملات الإنسان مع الأخرين.. وإن الفساد دائما ينشأ من طاعة النفس الأمارة بالسوء وعدم تذكر الموت والحساب..

أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى – 36 أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى – 37 ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى – 38 فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى – 39 أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى - 40

فمن تلك الحقائق الكبيرة التي تحشدها هذه السورة في مواجهة القلب البشري , وتضرب بها عليه حصارا لا مهرب منه . . حقيقة الموت التي تواجه كل حي , فلا يملك لها ردا , ولا يملك لها أحد ممن حوله دفعا . وهي تتكرر في كل لحظة , ويواجهها الكبار والصغار , والأغنياء والفقراء , والأقوياء والضعاف , ويقف الجميع منها موقفا واحدا . . لا حيلة . ولا وسيلة . ولا قوة . ولا شفاعة . ولا دفع . ولا تأجيل . . مما يوحي بأنها قادمة من جهة عليا لا يملك البشر معها شيئا . ولا مفر من الاستسلام لها , والاستسلام لإرادة تلك الجهة العليا . . ( كلا , إذا بلغت التراقي , وقيل:من راق ? وظن أنه الفراق . والتفت الساق بالساق . . إلى ربك يومئذ المساق )

ومن تلك الحقائق الكبيرة التي تعرضها السورة , حقيقة النشأة الأولى , ودلالتها على صدق الخبر بالنشأة الأخرى , وعلى أن هناك تدبيرا في خلق هذا الإنسان وتقديرا . . وهي حقيقة يكشف الله للناس عن دقة أدوارها وتتابعها في صنعة مبدعة , لا يقدر عليها إلا الله تعالى , ولا يدعيها أحد ممن يكذبون بالآخرة ويتمارون فيها .
فهي قاطعة في أن هناك إلها واحدا يدبر هذا الأمر ويقدره ..
وإيحاء قوي بضرورة النشأة الأخرى , تمشيا مع التقدير والتدبير الذي لا يترك هذا الإنسان سدى , ولا يدع حياته وعمله بلا وزن ولا حساب . قال تعالى في أول السورة : أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه ?
ثم قال تعالى في آخرها : أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى – 36 أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى – 37 ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى – 38 فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى – 39 أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى - 40



********

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:12 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(15)
وبعض آيات من سورة الإنسان

السبيل

هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً - 1 إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً - 2 إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً - 3

إن الأرض كوكب مثل باقي الكواكب في المجموعة الشمسية, ولكن أمدها الله تعالى بمقومات الحياة من هواء وماء وكل الكائنات الحية من حيوان ونبات, ودرجات حرارة ملائمة للحياة..
هذه الأرض أعدت قبل خلق الإنسان , فلقد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا..

أين كان الإنسان قبل أن يكون ? من الذي أوجده ? ومن الذي جعله شيئا مذكورا في هذا الوجود ? بعد أن لم يكن له ذكر ولا وجود: ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ? ). .

إذا أجاب الإنسان على هذه الأسئلة بصدق وصل إلى الإيمان , فإن لم يعرف الإجابة ..فقد أجابته الآيات التالية تبين له حقيقة أصله ونشأته , وحكمة الله في خلقه , وتزويده بطاقاته ومداركه: ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ). .

ثم لم يترك الإنسان لعقلة فقط .. بل هداه الله تعالى بإرسال الرسل تبين له الطريق المستقيم الذي يؤدي به إلى العيش في سعادة في الدنيا والنعيم المقيم في الأخرة ...وجعله ذو إرادة في الاختيار بين طريق الخير وطرق الشر ....( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ).

فكان على الإنسان أن ينتبه إلى مستقبله الحقيقي , ولا ينبغي أن يمضي في استهتار. غير واع ولا مدرك , وهو مخلوق ليبتلى , وموهوب نعمة الإدراك لينجح في الابتلاء .

إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً – 4 إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً – 5 عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً – 6

هذه صورة واضحة للمستقبل الحقيقي للإنسان , ونهاية كل سبيل , والأهم في ذلك أنه لا رجعة إذا خرج من هذه الحياة , فيجب على الإنسان العاقل أن يختار طريق الحق الذي يصل به إلى رضوان الله تعالى, والطريق إلى الله يحتاج من الإنسان أن يضبط جميع معاملاته طبقا لما جاء في شريعة الله تعالى

أهم صفات المؤمنين
التي وردت في هذه السورة

يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً – 7 وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً – 8 إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً – 9 إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً – 10

وردت صفات للمؤمنين في مواضع عديدة .. نذكر منها على سبيل المثال ما ورد في سورة الفرقان,
قال تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا - 63 وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا – 64 وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا - 65 إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا - 66

وقال تعالى في سورة المؤمنون : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ - 1 الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ – 2 وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ – 3 وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ – 4 وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ – 5 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ – 6 فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ – 7 وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ – 8 وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ – 9 أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ – 10 الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – 11

والمتتبع لهذه السلسلة يجد العديد من الصفات العظيمة التي تعين الإنسان للمضي قدما على الطريق المستقيم وأولها الإخلاص لله تعالى..
وقد ذكر جملة من أعمالهم في أول هذه السورة، فقال تعالى: ﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ﴾ أي: بما ألزموا به أنفسهم لله من النذور والمعاهدات، وإذا كانوا يوفون بالنذر، وهو لم يجب عليهم، إلا بإيجابهم على أنفسهم، كان فعلهم وقيامهم بالفروض الأصلية، من باب أولى وأحرى،
﴿ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ﴾ أي: منتشرا فاشيا، فخافوا أن ينالهم شره، فتركوا كل سبب موجب لذلك، والخوف من الحساب في الأخرة أهم أسباب الاستقامة على الحق...
﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ أي: وهم في حال يحبون فيها المال والطعام، لكنهم قدموا محبة الله على محبة نفوسهم، ويتحرون في إطعامهم أولى الناس وأحوجهم ﴿ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ .

وهنا يأتي الكلام على طائفة أعطاها الإسلام حقا قبل أن يعرف العالم القوانين الدولية لحقوق الأسرى..
فتبين الأيات مدى رعاية المجتمع الإيماني للمساكين واليتامى والأسارى.

وقد ورد في سورة الأنفال ما يدل على الإهتمام بالأسرى , قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ - 70
هل أدركنا مدى شمول شريعة الإسلام لتشمل الرعاية للأسير الذي كان يحاربنا بالأمس قبل أن يقع في الأسر..وتحث على رعايته ومد يد العون له ودعوته للهداية ..

﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ أي: لا جزاء ماليا ولا ثناء قوليا. فيقصدون بإنفاقهم وإطعامهم وجه الله تعالى،
﴿ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا ﴾ أي: شديد الجهمة والشر ﴿ قَمْطَرِيرًا ﴾ أي: ضنكا ضيقا،
﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ ﴾ قال تعالى : لا يحزنهم الفزع الأكبر، وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون - 103 الأنبياء
﴿ وَلَقَّاهُمْ ﴾ أي: أكرمهم وأعطاهم ﴿ نَضْرَةً ﴾ في وجوههم ﴿ وَسُرُورًا ﴾ في قلوبهم، فجمع لهم بين نعيم الظاهر والباطن ﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا ﴾ على طاعة الله، فعملوا ما أمكنهم منها، وعن معاصي الله، فتركوها، وعلى أقدار الله المؤلمة، فلم يتسخطوها، ﴿ جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ جامعة لكل نعيم، سالمة من كل مكدر ومنغص،

******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:13 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(16)
وبعض آيات من سورة المرسلات

كان الحديث في اللقاء السابق عن بعض آيات من سورة الإنسان , قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً – 23

إنا نحن نَزَّلْنا عليك -أيها الرسول- القرآن تنزيلا من عندنا؛ لتذكر الناس بما فيه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب.
إن الإيمان بالله تعالى يستلزم أن تؤمن برسالاته التي أرسلها لهداية البشر . وإن التكذيب بواحد منها يعد تكذيب بكافة الرسل..
فالقاعدة المعروفة في القانون أن التشريع الجديد يلغي العمل بالتشريعات القديمة , وبهذا المنطق تسير كل قوانين الأرض....
فالقرآن العظيم هو الكتاب الأخير المنزل من عند الله تعالى...
فوجب العمل به كأخر تشريعات الله تعالى لأهل الأرض, وخاصة أنه تفرد على سائر كتب الأرض بأنه معجز في بيانه ومعجز في آياته ومعجز في موضوعاته...

قال تعالى:
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا – 88 الإسراء

لو اجتمعت الإنس والجن كلهم واتفقوا على أن يأتوا بمثل ما أنزله على رسوله لما أطاقوا ذلك ولما استطاعوه ولو تعاونوا وتساعدوا وتظافروا فإن هذا أمر لا يستطاع ...

وكيف يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق الذي لا نظير له ولا مثال له ولا عديل له .

فيجب على البشر تدبر ماأرسل إليهم , قبل فوات الأوان حيث لا رجعة بعد الموت للإيمان , ولكن بعد الموت بعث وحساب . وما على الإنسان العاقل إلا تدبر القرآن بكل هدوء ....

ويختم ذلك الجزء بسورة المرسلات ,

( فبأي حديث بعده يؤمنون ? ). .

والذي لا يؤمن بهذا الحديث الذي يهز الرواسي , وبهذه الهزات التي تزلزل الجبال , لا يؤمن بحديث بعده أبدا . إنما هو الشقاء والتعاسة والمصير البائس ...

قال تعالى: أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ - 16 ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ – 17 كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ – 18 وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ – 19

أي: أما أهلكنا المكذبين السابقين ؟ ، ثم نتبعهم بإهلاك من كذب من الآخرين ، وهذه سنته السابقة واللاحقة في كل مجرم لا بد من عذابه ، فلم لا تعتبرون بما ترون وتسمعون ؟

ومن إعجاز الترتيب في القرآن العظيم أن تأتي أخر آيه في سورة المرسلات لتضع البشرية كلها في موضع المساءلة في حالة إعراضهم عن رسالة ربهم...

فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ - 50

إن لم يؤمنوا بهذا القرآن، فبأي كتاب وكلام بعده يؤمنون؟ وهو المبيِّن لكل شيء، الواضح في حكمه وأحكامه وأخباره، المعجز في ألفاظه ومعانيه...
وهذا القرآن العظيم كتاب رب العالمين...
كتاب أتى بعقيدة التوحيد واضحة جلية , ولم يوجد كتاب على ظهرالأرض مثل القرآن في بيان الحقيقة الإلهية...
واشتماله على منهاج تطبيقي في المعاملات الإنسانية كما تبين في هذه السلسلة ,
وبيان الفرائض والعبادات التي تقربنا الى الله تعالى ,

كتاب أوضح مبادئ القيم الرفيعة والأخلاق العالية ...
كتاب أتى بشريعة صالحة لكل زمان ومكان...
كتاب أتى بأخبار الرسل السابقين والأمم السابقة...
كتاب بين بداية خلق الإنسان ونشأة الكون...
كتاب به أخبار الدار الأخرة بالتفاصيل...
كتاب به معجزات علمية تم اكتشافها حديثا وسوف تستمر إلى يوم القيامة...

جاء في الحديث: عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ستكون فتنة . قلت : فما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : كتاب الله, فيه نبأ ما قبلكم, و خبر ما بعدكم, و حكم ما بينكم,
هو بالفصل ليس بالهزل,
من تركه من جبار قصمه الله, و من ابتغى الهدى في غيره أضله الله, وهو حبل الله المتين, وهو الذكر الحكيم, وهو الصراط المستقيم,
وهو الذي لا تزيغ به الأهواء, و لا تلتبس به الألسن, و لا يخلق على كثرة الرد, و لا تنقضي عجائبه ,
من قال به صدق, ومن عمل به أجر, ومن حكم به عدل, ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ...
الراوي: علي بن أبي طالب المحدث: ابن تيمية - المصدر: حقوق آل البيت - الصفحة أو الرقم: 22

فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ؟

******

يتبع

MariaM UA 04-18-2015 07:13 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(1)
وبعض آيات من سورة النبأ

النبأ العظيم

عَمَّ يَتَسَاءلُونَ – 1 عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ – 2 الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ – 3 كَلَّا سَيَعْلَمُونَ – 4 ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ – 5

يبدأ هذا الجزء بالتذكير بالنبأ العظيم , لكي يذكر الإنسان بأن هنالك تبعة . وإن هنالك حسابا . وإن هنالك جزاء . وإن هنالك عذابا شديدا . ونعيما كبيرا . .

كفانا غفلة وكفانا تضيع للوقت فالأيام تجري وتقرب كل بعيد والعمر يمضي معها , فكان يجب أن ننتبه إلى رسالة ربنا التي تبين لنا معالم الطريق للوصل إلى سعادة الدنيا والأخرة..
وإن العلم اليقيني للإنسان بعد الموت لا ينفعه شيئا فقد فات الأوان, فأنت تموت كل يوم وتبعث , ألا يذكرك هذا بيوم البعث فنجعل كل معاملاتنا مرهونة بذلك اليوم..؟؟

أين كنت قبل أن تولد ؟؟ من الذي خلقك وكونك في بطن أمك ورعاك وأمدك بمقومات الحياة رغم أنك لا تسطيع مجرد التنفس ؟ ثم أخرجك أين كنت قبل أن تولد ؟؟ من الذي خلقك وكونك في بطن أمك ورعاك وأمدك بمقومات الحياة رغم أنك لا تسطيع مجرد التنفس ؟ ثم أخرجك إلى هذه الحياة لا حول لك ولا قوة ..أبعد كل هذه النعم وبعد كل هذا الخلق والتدبير تنكر البعث أو تغفل عنه..

عَمَّ يَتَسَاءلُونَ – 1 عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ – 2 الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ – 3 كَلَّا سَيَعْلَمُونَ – 4 ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ – 5

فالمؤمن يؤمن بالبعث والحساب ويرتب كل معاملاته على ذلك اليوم..
أما الكافر فيعيش في غفلة عن هذا اليوم ويظل يتسائل عنه حتى يرى نفسه في العالم الأخر ويرى الحقيقة ولكن لا ينفع العلم الأن لقد فات الأوان...

حاول من الأن فالكون أمامك كتاب مفتوح لكل متتدبر وكل متسائل..

أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً – 6 وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً – 7 وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً - 8

اصحوا . استيقظوا . انظروا تلفتوا تفكروا تدبروا
الأرض تدور حول محورها كل يوم ..هل شعرت بهذه الحركة ؟ ولو أنك شعرت بها لتزلزلت بك الأرض ولم تهنأ بالعيش عليها ..
باطن الأرض منصهر يغلي بدرجات حرارة عالية تشتعل تحت البحار ..هل شعرت بهذه الحرارة ؟ إنك تراها عبر البراكين ..
ألا يلفتك هذا إلى عناية الله جل وعلا ..؟ وكيف مهد لنا الأرض نعيش عليها ولا نشعر بدورانها حول نفسها ولا حول الشمس وأن المجموعة الشمسية بالكامل تجري بسرعات فائق نحو مستقر لها.
إن القشرة الأرضية التي نعيش عليها لو تركت تتحرك نتيجة الأمواج الحرارية العاتية وتحرك الصخور لتزلزلت الأرض ودمرت المباني ...فجعل الله الجبال أوتادا لتمسك القشرة الأرضية وتجعلها ثابتة لتعيش في أمن وسلام...
ألا تنظر إلى التوازن العجيب في خلق نوع الإنسان من ذكر وأنثى ..هل قرر الإنسان أن ينجب أعداد الذكور ليتناسب مع أعداد الإناث ؟ لن يستطيع كائن على وجه الأرض أن يقرر هذا..ولن يستطيع ولا يخطر بخاطره أصلا...

وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً – 9 وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً – 10 وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً - 11 وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً - 12

وكان من تدبير الله للبشر أن جعل النوم سباتا يدركهم فيقطعهم عن الإدراك والنشاط ,يتكفل بإراحة أجسادهم وأعصابهم وتعويضها عن الجهد الذي بذلته في حالة الصحو والإجهاد والانشغال بأمور الحياة . . وكل هذا يتم بطريقة عجيبة لا يدرك الإنسان كنهها , ولا نصيب لإرادته فيها ; ولا يمكن أن يعرف كيف تتم في كيانه . فهو في حالة الصحو لا يعرف كيف يكون وهو في حالة النوم . وهو في حالة النوم لا يدرك هذه الحالة ولا يقدر على ملاحظتها .
والنوم سر من أسرار تكوين الأحياء لا يعلمه إلا من خلق هذه الكائنات الحية وأودعه ذلك السر , وجعل حياته متوقفة عليه . فما من حي يطيق أن يظل من غير نوم إلا فترة محدودة . فإذا أجبر إجبارا بوسائل خارجة عن ذاته كي يظل مستيقظا فإنه يهلك قطعا..
فهذا السبات - أي الإنقطاع عن الإدراك والنشاط بالنوم ضرورة من ضرورات تكوين الكائن الحي , وسر من أسرار القدرة الخالقة , ونعمة من نعم الله لا يملك إعطاءها إلا إياه . وتوجيه النظر إليها على هذا النحو القرآني ينبه القلب إلى خصائص ذاته , وإلى اليد التي أودعتها كيانه , ويلمسه لمسة تثير التأمل والتدبر والتأثر...

وكان من تدبير الله كذلك أن جعل حركة الكون موافقة لحركة الأحياء . وكما أودع الإنسان سر النوم والسبات , بعد العمل والنشاط , فكذلك أودع الكون ظاهرة الليل ليكون لباسا ساترا يتم فيه السبات والانزواء . وظاهرة النهار ليكون معاشا تتم فيه الحركة والنشاط . . بهذا توافق خلق الله وتناسق .
والسبع الشداد التي بناها الله فوق أهل الأرض هي السماوات السبع ,

والحديث عن نعم الله لا تحصى لكي ندرك حقيقة النبأ العظيم.

*******

يتبع


الساعة الآن 10:04 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.