!~ آخـر مواضيع المنتدى ~! |
|
إضغط علي
![]() ![]() |
|
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| ||||||||
| ||||||||
![]() وفاء التقيتها صدفة في القطار الذاهب من باريس إلى فيشي لا أعرف ما الذي استوقفني في وجهها الذي بدا كأيقونه ربما نظرة الحزن البهي في عينيها العسليتين الواسعتين وربما استوقفتني أناملها النحيلة الرشيقة مقضومة الأظافر أحسست بغرابة أن صبية في الثلاثين من عمرها (كما قالت لي لاحقاً) تقضم أظافرها وبالكاد تُبقي منها شيئاً! تبادلنا ابتسامة عابرة كتلك التي يتبادلها المسافران خاصة حين تكون مقاعدهما مُتقابلة لكنها حين أخرجت كتاب جدارية محمود درويش من حقيبتها، أحسستُ بانهيار الحاجز بيننا ولا أعرف كيف بدأ الكلام يتدفق بيننا، حديث روح لروح وقلب موجوع لقلب موجوع. حكت لي قصتها بصوت هادئ يجاهد لإخفاء الحزن في طياته ومن حين لآخر كان نظرها يسرح من نافذه القطار تتابع الأخضر اللامتناهي لكنني كنتُ متأكدة أنها ترى خيالات وأحداث مؤلمة، لأن تشنجات ألم عابرة ولا إرادية كانت تعبر ملامحها لم تكن ترى سحر الطبيعة بل كانت ترى حوادث مُروعة طازجة في مُخيم اليرموك حيث وُلدت وعاشت وعشقت شاباً فلسطينياً مثلها وتزوجته حكت لي عن الدمار الفظيع في مخيم اليرموك وعن حصاره وكيف رأت بعينيها أطفالاً وشيوخاً ماتوا من الجوع وكيف صار ثمن كيلو الأرز 7000 ليرة سورية وكيف جرت وساطات على أعلى المُستويات فقط ليسمحوا بدخول البذور بذور النباتات ليتمكن سكان مخيم اليرموك المحاصرين من زراعتها وبدأ السكان يزرعون البذور كما فعل الإنسان البدائي حين اكتشف الزراعة حكت لي عن الحواجز والتفتيش الدقيق، وعن السرقات التي كان يمارسها كلا الطرفين جيش النظام والجيش الحر، أردت أن أتأكد من تلك الحقيقة بالغة الأهمية بنظري أن كلا الطرفين يسرقان سكان المخيم المُفترض أنهما يقومان بحمايته! يا سلام على المهزله ولكن يجب أن تصدق الأمثال: سارقها حاميها. كان زوجها ناشطاً ومسرحياً، وكان يعمل مساعداً لمخرج سوري معروف وذات يوم كانت مسافرة مع زوجها إلى بيروت حيث اعتقل وتم حجزها تسع ساعات في مكتب ضابط الأمن ولم تعرف التهمة التي ألصقت بزوجها وتم اعتقاله والساعات الطويلة التي قضتها في مكتب ضابط الحدود لم تقدم لها أيه معلومة عن سبب اعتقاله عادت إلى مخيم اليرموك مدمرة الروح ينهشها القلق على حبيبها وزوجها وطوال أربعة أشهر لم يتمكنوا (الأهل والأصدقاء) من معرفة مكان اعتقاله؟ وهل هو حي أم ميت؟ وكانت تُصاب بنوبات من الانهيار العصبي وهي تصرخ من الألم: لماذا لا يقولون للناس أين اعتقلوا أبناءهم؟! وأخيراً وبعد دفع رشوه عالية لأحد الشخصيات المتنفذه في النظام فقط ليعرفوا أين الشاب المعُتقل (زوج وفاء)، وصلهم نبأ موته بالسكته القلبية! شاب رياضي في الثانية والثلاثين من عمره ولا يشكو من أي مرض يموت بالسكتة القلبية كأغلب المعتقلين! وذهب الأب المفجوع ليتسلم جثمان ابنه وليقيموا له عزاء لا ئقاً بشاب كانت تنتظره زوجة يعشقها وتنتظره حياة بطولها وعرضها، لكنه مات في المُعتقل التهمة غامضة والموت غامض والحياة هي تنويعات للقهر بأعلى مستوياته. لم يحصل الأب على جثة ابنه، أعطوه فقط ورقتان: شهادة وفاة والهوية الشخصية. أم الشاب جنت وأمسكت الورقتين وأخذت تدور بين النسوة المفجوعات مثلها أو اللاتي ينتظرن دورهن المؤكد في الفجيعة، وبدأت بالهذيان: أين ابني؟ أين جثمانه؟ كيف سأقيم عزاء على ورقة؟! ولم تقبل أن تقيم عزاء ورفضت أي دواء مهدئ وصفه لها الأطباء لأن لا دواء في العالم قادر على تخفيف الألم السوري . دمعت عينا وفاء وأخذت نفساً عميقاً وقالت كأنها تحدث نفسها: تصوري كنا نخطط لإنجاب طفل، حتى أنني أصبت بحالة غريبة وهي شراء دمى لطفلي المُنتظر. لم أستطع أن أعزي وفاء بأي كلام، كل كلمة سأقولها ستكون بلا معنى وتافهة أمام مأساتها أمام فقدانها لحبيب وزوج لم تر جثته، بل أعطوها شهادة وفاة، كل شباب سوريا يتحولون إلى أوراق أوراق نعي (الشهيد البطل) وأوراق شهادة وفاة في حال الموت في المعتقل تحت التعذيب أغنية فيروز يجب أن تكون النشيد المُعتمد في سوريا: قصْقصْ ورق ساويهم ناس، يمكن التلاعب قليلاً بالعبارة لتصير قصْقصْ ناس ساويهم ورق. قررت وفاء الهروب من الجحيم، من حصار مخيم اليرموك الخانق اللاإنساني حيث تحولت بدورها إلى شبح وخسرت 15 كغ من وزنها بسبب الجوع، إرادة الحياة انتصرت أخيراً في قلب وفاء ربما أرادت أن تهدي ما تبقى من حياتها لزوجها وحبيبها الذي اختفى في أقبية الأمن وتحول إلى شهادة وفاة فرت إلى لبنان وبمساعدة مؤسسة الأونوروا قدمت إلى فرنسا وقرر المسؤلون أن تدرس اللغة الفرنسية في معهد لتعلم الفرنسية في فيشي. شابة فلسطينية عزلاء تحمل صليبها الثقيل وتفر من جحيم الحصار في مخيم اليرموك لترمي نفسها في غربه تقدم لها الحد الأدنى من الحياة والإحساس بالأمان والكرامة اعترفت لي أنها كل مساء تغني وبأن الغناء وحده يهدئ فزعها المرتشح في خلاياها وبأنها بأعجوبة تمكنت من خطف كتاب محمود درويش من مكتبه بيتها الذي دمرته البراميل المتفجرة. وفاء أيقونه الألم وفاء التي تحمل صليبين صليب فلسطين المُغتصبة وصليب النزوح من سوريا التي ولدت فيها وكانت لها وطناً بديلاً. كيف يُمكن لشابة بعمر الورود أن تحتمل كل هذا الوجع أن تتعايش مع حياتها التي تحولت إلى مأساة ربما عزاؤها الوحيد أن كل سوري أو فلسطيني يسكن سوريا تحولت حياته إلى مأساة ربما حين تغني لروحها المشروخة من الألم كل مساء تتخيل كل المعذبين السوريين يرددون معها أغانيها حيث لم يبق للسوري سوى صوته إذ إن الصوت كالهواء غير قابل للإمساك به واعتقاله وتدميره، خاصة إن كان صوت الحق. تحية لوفاء المناضلة الشجاعة تحية لانتصار الحياة في روحها الأبيه على الموت واليأس. وكل الشكر لجدارية محمود درويش التي سمحت لروحينا ـ وفاء وأنا ـ أن تنكشفا. بقلم : هيفاء بيطار (كاتبة سورية) المصدر: منتديات بنات فلسطين - من قسم: قصص أدبية , روايات , حكايات , تاريخ الأدب والأدباء ,thx |
| |
![]() | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
وفاء كلب.. | ضحكة خجل | غرائـب وعجائـب | 12 | 05-07-2014 08:15 PM |
قصة وفاء واخلاص | رقة قلب | قصص أدبية , روايات , حكايات , تاريخ الأدب والأدباء | 2 | 10-29-2013 09:07 PM |
قصة حب مؤثرة(وفاء الزوج لزوجته) ما اعظم ذلك | نقآء | قصص أدبية , روايات , حكايات , تاريخ الأدب والأدباء | 3 | 10-05-2013 06:08 PM |
أُماه ،، أبتاه .. وقفة وفاء و محبة | عشق الياسمين | زوايا عامة | 2 | 08-05-2013 10:40 PM |
كاف وفاء تصرخ ... والف لا تنتهي | عشق الياسمين | زوايا عامة | 4 | 03-24-2013 11:28 PM |