منتديات بنات فلسطين - جورج زعتيني: أكره العبثية حتى وأنا ألعب بالألوان

http://assafir.com/Medias/Photos//20...5b9ae5ec99.jpg

لم ينخرط الفنان جورج زعتيني في مركز الحركة التشكيلية اللبنانية بيروت، إذ بقي يرسم المسافة بين العاصمة الثانية، طرابلس، ومدينته زغرتا شتاء وإهدن صيفاً. مع ذلك فهو ضد العزلة، وليس محايداً، يشاغب ويعترض في الفن، ولم يكن راضياً على حدود حركته، حتى جاء نشاطه المعروف في تأسيس «سيمبوزيوم إهدن الدولي للفن»، الذي جذب من خلاله عدداً كبيراً من الفنانين اللبنانيين والعرب والأجانب، وقد بلغ عدد ضيوفه في إحدى السنوات قرابة 400 فنان وفنانة، يتوافدون للمشاركة على دفعات تمتد لأربعة أشهر.
دعت جامعة البلمند إلى حضور افتتاح معرض له، في صالة زاخم، الرابعة عصر الأربعاء المقبل. هنا حوار معه حول أعماله الجديدة:

من حيث المضمون، موضوع معرضك السابق كان الرقص. نرى في معرضك الجديد أجواء مختلفة أحياناً متأثرة بالأحداث التي تدور حولنا وآلامها وأحزانها. هل يفرض الموضوع نفسه عليك؟
^ بالتأكيد. الفنان ابن بيئته. لكن رغم الزمان الرمادي الذي نعيشه، أظل ارسم الجمال والمحبة والسلام للجميع. فترى في معرضي هذا أجواء متداخلة، منها ما يخبرك حكاية الظلم، ومنها ما يهتم بالجمال. حتى أنك ترى راقصات من ذاكرة تكاد تنسى، ولا بأس أن ترى عاريات في زمن الدواعش، وروحانيات من نور العالم، ربي له المجد الى الأبد.
يستهويك دائماً أسلوب تحويل الألوان إلى فضاءات تبدو حرة، لكن سرعان ما تأسرها بشكل يظهر فيه مشهد أو شخص. كيف تضع حدوداً لعفوية ريشتك؟
^ إن الفنان مهما شطح في حريته، ومهما أتى من عفوية في انسيابات ألوانه تظل أعماله مربوطة بخيط رفيع من الواقعية، يشده في أكثر الأحيان إلى بيئته وثقافته وأصدقائه وطفولته... الخ. هذا الخيط يحول الفكرة إلى مشهد او شخص. وفي داخل المشهد تنساب الحرية والعفوية في مساحات لا تتسع لها اللوحة.
لكنك أحياناً تنحى باللون في اتجاه بهلواني، كأنك تحوله إلى لعبة مجردة وصافية؟
^ أنا انطلقت في تجربتي من تصميم كلاسيكي مئة في المئة. وبعد عدة سنوات من التجارب صار المشهد الكلاسيكي يتقوقع في جزء من اللوحة، خيط رفيع أمام كون فسيح لامتناهٍ، مع اختصار في التفاصيل، إلى حدود إلغاء المشهد من ناحية وإبرازه من ناحية أخرى. سواء حسب ألواني بهلوانية أو أي شيء آخر، أنا بطبيعتي عاشق ألوان، ألوان صافية للغاية، تعبر عن صوفيتي. ولكي تبصر اللوحة النور تمر بمزاجية الفنان، فيحولها إلى قصة واقعية او تجريدية، لا فرق، أو مزيج من هذا وذاك. إنها في النهاية قصة جمال ومحبة وسلام.
في بعض اللوحات، خصوصاً البورتريهات نجدك تحن إلى كلاسيكيتك القديمة، فتدقق في الوجه وتفصل. إلى أي حد يعنيك الالتزام بمدرسة تشكيلية؟
^ في رسوم الوجه، أحيانا أضع بعض التفاصيل، لا أكثر ولا أقل. وهي لا تؤثر في أسلوبي، لأنني أشتغلها بتقنيته تجريدية حديثة. إذا صغرت اللوحة (كصورة فوتوغرافية صغيرة) ترى الوجه كلاسيكياً، ولكن بالقياس الطبيعي في اللوحة لا تراه كلاسيكيا، أي كلما اقتربت من اللوحة شاهدت مساحات التجريد في الوجه. وفي هذا المعرض عندي تنوع في الأوجه، لأنني أهتم بالسمة السيكولوجية، لكنني في كل الحالات اكره العبثية، حتى وأنا أمارس هواية اللعب باللون المستمرة عندي منذ عام 1979، وقد وسمت تجربتي. حيث اشتغلت بأسلوبي هذا في الفن الكنسي عشرات اللوحات، كسيرة القديس شربل وسيرة القديسة رفقا، ومراحل آلام السيد المسيح، وبعد ذلك آتت مرحلة السريانيات، وصولاً إلى المرحلة الحاضرة.
هل تحسب لعبة الألوان كضوء وظل مرتبطة بفن التزجيج الكنسي؟
^ لا أبداً. الكل يظن أن أسلوبي قريب من الفن الزجاجي. لكنني عندما أضع الألوان مع تدرجاتها وتضادها، تعطيك إيحاء بلعبة الظل والنور. وبتناسقها مع بعـضها البعض، فتظنها مرتبطة بفن التزجيج الكنسي.
أنت في إحدى اللوحات كأنك تتذكر أستاذك صليبا الدويهي، وأسلوب «روتكو»، وقد بدا اللون صافياً، والمساحة تحافظ على هندسة تجريدية رمزية.
^ كنت في الستينيات أتأثر بالدويهي. لكن في العام 1972 لما اشتغلت زجاجيات مار شرب ورأى أني متأثر به، مزق لي جميع لوحاتي هذه، وترك بين يديه 3 لوحات فقط، وقال لي كم علمتك أن تشتغل على نفسك، تشتغل بأسلوب خاص بك وبعيد عني، فتكمل السريانيات على طريقتك، وتتذكرني فيما بعد.
وهذا ما فعلته بناء لتوجيهاته. لكن، في النهاية، بما أننا من نفس المنطقة يمكن أن تتراءى لنا الألوان نفسها وتكون مشاعرنا متقاربة... الخ. ولكن كل يخرجها على طريقته.
معرضك حمل عنوان «سلام من أجل الإنسانية».. هل ترى أن المعارض يمكن أن تقوم بمهمة دعوية أو مطلبية؟
^ معرضي حمل هذا العنوان لأن الفنان بطبيعته رسول سلام ومحبة وجمال. بالتأكيد علـينا أن نـكرر دائمـاً هـذه الدعـوة. طبـعاً، الفـن ليـس دعـوة فـقط، هو، وإن كان دعوة، أكـثر مـن ذلـك بكثـير... هو أمور كثيرة معاً. هو أوكسجين الحياة.

أجرى الحوار: أحمد بزّون