منتديات بنات فلسطين - «مساو» لأنطوان فوكا.. الكاميرا أمام اللامرئي

«مساو» لأنطوان فوكا.. الكاميرا أمام اللامرئي

http://www.assafir.com/Medias/Photos...f2d52c4891.jpg

في 16 عاماً، حقّق الأميركي أنطوان فوكا (مواليد بيتسبورغ، 19 كانون الثاني 1966) عشرة أفلام فقط كمخرج. بعضها موغل في العالم السفلي للذات والمجتمع والناس، كـ«يوم التدريب» (2001) و«روعة بروكلين» (2010). بعضها يمتلك سودواية قاسية في معاينة أحوال فردية، كـ«استبدال القتلة» (1998) و«روعة بروكلين». هناك أفلام مائلة إلى «الأكشن» الهوليوودي، كـ«دموع الشمس» (2003) و«القناص» (2007) و«سقوط أولمبس» (2013). هذا جزء من نتاجه. لديه اقتباس حرّ للحكاية الأسطورية المعروفة «الملك آرثر» (2004). «الأكشن» الهوليوودي عنده مرادفٌ لاختراق المحجوب في الذات الفردية أيضاً. رحلة الخلاص من جحيم القتل (استبدال القتلة) محفوفة بأسئلة أخلاقية مطروحة على جون لي (شو يان ـ فات)، أبرزها: فعل القتل نفسه. المساعي المتعلّقة بإنقاذ الطبيبة لينا كندريكس (مونيكا بيلّوتشي) في «دموع الشمس»، حافزٌ للضابط واترز (بروس ويليس) على مقاربة خراب الإنسان في حرب أهلية طاحنة، بمنظار مختلف، وإن تخلّل هذا حسٌّ هوليوودي أميركي بحت.
هذه أمثلة. جديد أنطوان فوكا «مساو» (ترجمة حرفية للمفردة الإنكليزية Equalizer، لكن هناك من ترجم العنوان إلى «الموازي») منتم إلى مسار فيلميه الرائعين «يوم التدريب» و«روعة بروكلين»: غوص في أحشاء المدينة، وفي الجانب المظلم في الفرد. تفكيك لهذين الجانب والأحشاء بحساسية صورة قادرة على نقل أدقّ تفاصيل العنفين النفسي والجسدي معاً. براعة في وضع الكاميرا داخل اللامرئي، لكشف فضائح المرئي، وحقائقه. إلغاء كل حدّ فاصل بين الواقعيّ والصورة المصنوعة بانفعال سينمائي، وبجنون أدائيّ مؤدّ إلى إظهار أجمل ما لدى المخرج والممثل من أدوات تعبير.
بفضل أدائه الجميل في «يوم التدريب»، فاز دنزل واشنطن بجائزة «أوسكار» أفضل ممثل. بعد 13 عاماً، التقى الثنائي فوكا واشنطن في «مساو». المشروع مستوحى من مسلسل تلفزيوني عرف نجاحاً كبيراً (1985 ـ 1989). الفيلم مختلف. أجواء أنطوان فوكا لا علاقة لها بالعمل التلفزيوني. لديه رغبة دائمة في فهم الجانبين المتناقضين في ذات المرء. ليست هذه «لعبة خير وشرّ»، بل حكاية التناقض في عمق الروح البشرية بين حالتين. الانزلاق إلى جحيم الفساد والفوضى والعنف، أفضى بألونزو هاريس (واشنطن) إلى الموت (يوم التدريب). لكن الانزلاق إلى الدم والعنف والثأر مأخوذٌ، هذه المرّة (مساو)، بفكرة التطهّر من أخطاء وأوساخ وموبقات. روبرت ماكال (واشنطن) يحاول حماية نفسه من كل خطأ، في عالم مشحون بالغضب والتوتر والارتباك والفوضى. يُشبه رعاة البقر المنقذين، الذين يدخلون قرية أو مدينة لاستراحة عابرة، فيجدون أنفسهم في صلب نزاع يميلون فيه إلى فعل الإنقاذ والثأر لضحايا الشرّ والعربدة. لا أحد يعرف ماضيهم. لا أحد يعرف من أين جاءوا. لا أحد يعرف شيئاً عنهم. روبرت ماكال مثلهم. معروفٌ أن له ماضياً مليئاً بالقسوة والقتل، لكنها معرفة غامضة. رحلة التطهّر من أشيائه وذاكرته تتطلّب لحظة تحوّل لا تقلّ قسوة عن تاريخه وأفعاله. وحيد ومنعزل وعامل بهدوء وصمت. لكن، عند انبلاج اللحظة من داخل الليل، يستعيد «مهاراته» السابقة، ويبدأ فعل الثأر بنيّة الاغتسال.
لقاؤه تيري (كلوي غرايس موريتز) صدفة، مدخل إلى البداية المنشودة. تعرّضها لضرب مبرح من رجال إحدى المافيات الروسية سببٌ للانطلاق في الرحلة المطلوبة. الأجواء القاتمة والألوان المعتمة والأنفاس الغامضة، أدوات أنطوان فوكا القادرة على تحديد ملامح أناس، ومعالم حالات. العنف جزء من اللعبة. اكتشافه جانب مخفيّ من ذاته في آخرين قابعين تحت رحمة الأقوى، دافع لروبرت ماكال إلى الذهاب بعيداً في انتقامه. حتى أدوات انتقامه مثيرة للريبة: أواني المطبخ، معدات كهربائية، أجهزة منزلية.
الرحلة صعبة. الانزلاق في جحيم الأرض من أجل التطهّر لعبة خطرة. لكن مُشاهدة فيلم للثنائي أنطوان فوكا ودنزل واشنطن معاً متعة لا توصف.

نديم جرجوره