كان لا بدّ أن أضع شيئًا من الترتيب داخلي.. وأتخلّص من بعض الأثاث القديم . إنَّ أعماقنا أيضًا في حاجة إلى نفض كأيّ بيت نسكنه .
" ذاكرة الجسد "

ألأنَّك هنا، لا وطن لك ولا بيت، قرَّرت أن تصبح من نزلاء الرواية،
ذاهبًا إلى الكتابة، كما يذهب آخرون إلى الرقص، كما يذهب الكثير إلى النساء، كما يذهب الأغبياء إلى حتفهم؟
أتُنازل الموت في كتاب؟ أم تحتمي من الموت بقلم؟

ثمة حكمة لا تبلغها إلا في عز وحدتك وغربتك ، عندما تبلغ عمراً طاعناً في الخسارة. تلزمك
خسارات كبيرة لتدرك قيمة ما بقي في حوزتك، لتهون عليك الفجائع الصغيرة. عندها تدرك أن
السعادة إتقان فن الاختزال، أن تقوم بفرز ما بإمكانك أن تتخلص منه، وما يلزمك لما بقي من سفر.
وقتها تكتشف أن معظم الأشياء التي تحيط بها نفسك ليست ضرورية، بل هي حمل يثقلك.

الحبّ هو ذكاء المسافة . ألا تقترب كثيرًا فتُلغي اللهفة ، ولا تبتعد طويلاً فتُنسَى . ألا تضع حطبك دفعة واحدة في موقد من تُحبّ .
أن تُبقيه مشتعلا بتحريكك الحطب ليس أكثر ، دون أن يلمح الآخر يدك المحرّكة لمشاعره ومسار قدره .

" عندما يخونونَك فكأنّهم قطعوا ذراعيك ، تستطيع مُسامحتَهم و لكنّك لا تستطيع عناقهم "

في الحبّ.. ليس ثمّة ماضٍ
ثمّة وقتٌ مضى
وعشّاق تخلّت عنهم اللهفة
على قارعة الوقت

لم تكن نجمة. كانت كائنًا ضوئيًّا، ليست في حاجة إلى التبرّج كي تكون أنثى. يكفي أن تتكلّم.
امرأة تضعك بين خيار أن تكون بستانيًّا، أو سارق ورود. لا تدري أترعاها كنبتةٍ نادرة، أم تسطو على جمالها قبل أن يسبقك إليه غيرك؟
لقد أيقظت فيه شهوة الاختلاس متنكرة في زيّ بستانيّ.
تتفتّح حينًا،كوردة مائيّة، وقبل أن تمدّ يدك لقطاف سرّها، تُخفي بنصف ضحكة ارتباكها وهي تردّ على سؤال، وتعاود الانغلاق، فيباشر عندذاك رجالها نوبة حراستهم، وتغدو امرأة في كلّ إغرائها. امرأة لا تهاب الموت، لكنّها تخاف الحياة في أضوائها الكاشفة.
سيعرف لاحقًا أنّها لم تتمرّن على النجاح، ولا تهيّأت له. الثأر وحده كان يعنيها.

التواضع كلمة لا تناسبني تماماً. فأن تتواضع يعني أن تعتقد بأنك مهمّ لسبب أو لآخر، ثم تقوم بجهد التنازل والتساوي لبعض الوقت بالآخرين، من دون أن تنسى أثناء ذلك أنك أهمّ منهم. هذا الشعور لم أعرفه يوماً. لقد كنتُ دائماً امرأة، لفرط بساطتها، يعتقد البسطاء والفاشلون من حولها بأنّها منهم، ولم يكن من أمل في أن أتغيّر، فلقد وُلدَت قناعاتي معي. أنا أحبّ هؤلاء الناس، أتعلّم منهم أكثر مما أتعلّم من غيرهم. أرتاح إليهم أكثر من ارتياحي لسواهم، لأنّ العلاقات معهم بسيطة لا نفاق فيها، و هي لذا جميلة . بينما العلاقات مع الناس المهمّين - أو الذين يَبدون كذلك - هي علاقات مُتعِبة ومعقّدة ، ما كان لي يوماً رغبة ولا قدرة على إنقاذها .

للذين انتظروا في هذا العيد ، هاتفًا من حبيب يأبى أن يتصل ، أقول : حزن أقل أحبتي . . حزن أقل .
لا شيء يستحق الأسى . ستكتشفون هذا متأخرا ! أنصحكم بالعمل بــ «الوصايا المضادّة» لأبي نواس :
لا تـبـكـيــنّ علـى الطـلــل ** وعـلـى الحـبـيــب إذا رحــلْ
واقـطـع مـن الرحـم الـذي ** بكَ في المناسبـةِ اتّصلْ
سـيّــان عـنــدكَ فـلـيـكــن * * من لم يصلكَ ومن وصلْ

حتى صباح العيد . . نواصل انتظار العيد . فدومًا كان لنا سوء ظن بالفرح .
أحبّتي .. أعايدكم ، وتدرون لا عيد لي و لا لكم ، و لا بهجة في أيامنا ، و لا زينة يمكن أن تغطّي على حداد قلوبنا المفجوعة.
منذ أعوام ، و نحن نتمنّى عيدًا نتقاسم فيه الفرح لا الأسى . فما عاد لنا من قدرة على الجلوس إلى موائد الموت ، حتى في الأعياد . لقد نضب الفرح العربي ، إننّا نعيش بمشاعر معطّلة ، إلى أن تعود الإنارة لمُولّدات الأمل في حياتنا . ذلك أنّ لكل شِدّةٍ مُدّة ، ولابدّ من ضوءٍ في آخر هذا النفق.
يا أرحم الراحمين . ارحم شهداءنا ، وامنح ذويهم الصبر والسلوان ، وأعد لأوطاننا السلم و الأمان ، وهَب أهلنا عيدًا لا حزن فيه ، فليس لهم سواك معينًا وبمصابهم عليمًا .
عيد مبارك عليكم جميعًا . . لكم الحب ، فالمحبّة أغلى ما يمكن أن نتهاداه في هذا العيد.
أهديكم هذه الوردة . . فالعيد لا يحتاج إلى باقة وإلى رسائل مطوّلة. تكفي كلمة أو وردة ممن نحب لتصنع عيدنا .