اللهم أنقذنا من الجنون العربي !
 

اللهم أنقذنا من الجنون العربي ! بقلم : حماد صبح
الجنون العربي لا يريد أن يتوقف . جنون على مستوى الفعل وجنون على مستوى الكلام . وبداهة بين الاثنين قربى توالد وتلاحم .مجنون الفعل مجنون الكلام ، والعكس حق وصواب . كانت مصر في خضم الأحداث العاصفة التي اجتاحت طائفة من الدول العربية من عامين وعدة شهور أقل تلك الدول _ ما عدا تونس _ قتل إنسان وخراب عمران ، وعزي ذلك لطبيعة الشعب المصري الهادئة الجانحة دائما للسلم والحلول التي تجنب أطراف النزاع ضررا لا نفع فيه لأي منهم . ووقع يومئذ تذكير الناس بحسن معاملة قادة ثورة يوليو المصرية للملك فاروق تلميحا حينا وتصريحا حينا آخر لوجوب معاملة حسني مبارك بنفس الطريقة . وعندما تمت انتخابات سليمة في العام الماضي تفاءلت غالبية الشعب المصري ومحبو مصر في العالم العربي بوشك الوصول إلى شط الأمان وبدء السير بعده في الطريق الصحيح للوصول للأهداف النبيلة المشروعة التي حركت الشعب في 25 يناير 2011 . والمعروف الذي وقع أن الريح جاءت في غير مسار السفينة المصرية الطيبة ، والصواب الأكثر دقة القولُ دون بلاغة إن رياحا عاصفة تقصدت السفينة لدفعها في مسار التحطم . ريح من الداخل المنكر لرئيس من صف الإخوان المسلمين تخوفا من توجهه بمصر نحو ما يجعل لمصالحها الوطنية مرتبة ثانية أو حتى ثانوية ، وريح مصدرها قوى الحزب الوطني التي تكره الثورة وما جاءت به ومن جاءت به . ومن الخارج رياح الأعداء المعروفين الذين لا تموت عداوتهم ولا تهن ولا تلين : الغرب الذي يفزع من ولادة أي قوة عربية حقيقية ، وإسرائيل التي لا ترى لها حياة في المنطقة إلا إذا كانت أقوى دولها ، ومن وسائلها في ذلك استبقاء مصر وسوريا والعراق في حال ضعف وتمزق وحيرة بوصلة ، ودول عربية تخشى مصر القوية خشية إسرائيل لأسباب تختلف مع أسباب إسرائيل في نواحٍ وتأتلف معها في نواحٍ أخرى . وبين أولئك الأعداء تحالف موثق مرسخ لاستبقاء مصر متهالكة سياسة واقتصادا وقوة عسكرية وبالنتيجة المحتمة منتهية دورا وفاعلية في مجريات أحداث المنطقة وتوجهات مآلاتها . وانتهى الطريق بمصر إلى باب موصد ، فتحول وقوف قوى الخلاف فيها ،وتحت ثقل الضغوط والتأثيرات الكبيرة الممتدة من الخارج المعادي ، أمام الباب الموصد إلى نذير بانفجار مخيف يصبح معه ما يحدث في طائفة الدول العربية التي ضربتها موجات الأحداث شرا صغيرا عاديا يمكن تحمله والتعزي عن آلامه وتكاليفه من هلاك النفوس وتمزيق العمران . ولا منجاة لمصر وما تبقى من الكينونة العربية من كوارث الانفجار المصري إلا أن يغوثها الله _ سبحانه _ برحمته ولطفه وتسامي عقلائها وشجاعتهم _ على ندرة العقلاء والشجعان الآن في ديار العرب _ لصد اندفاع ذلك الانفجار نحوها . وتناط الآمال في ذلك بالجيش المصري ، وهو قادر على صنع شيء مؤثر لقطع الطريق على الكارثة المندفعة ، على أن الخطأ سيكون قاتلا لو تركت له وحده هذه المهمة الهائلة . وتركه وحيدا مفردا في وجهها يعكس بدقة خالصة نوعية العقلية والمسلكية التي صيغ بها المواطن العربي والتي تغريه دائما بالبحث عن " أب " يقاوم الضراء أو يجلب السراء بينما يرقب هو ما يجري ساكنا سلبيا أو مبديا الإعجاب ، أو اللوم إن أتيح له هامش من حرية الرأي التي نال منها نصيبا ملحوظا بعد أحداث العامين الأخيرين . والصواب الذي لا اختلاف فيه أن كل مواطن مصري مسئول أمام الله _ تقدس اسمه _ وأمام نفسه لوقف الاندفاعة المقتربة من الهاوية . حشد للإخوان يوم الجمعة ، وحشد للمعارضة يوم الأحد ، وقد يتلاطم الحشدان دما وهولا يوم الجمعة ، وفعلا بدأ الدم يسيل وبدأ الخراب يحل في اليومين الأخيرين . انفجار مصر لو حدث سيوسع الانفجارات الحالية في سوريا وليبيا واليمن ولبنان ، وربما امتد شره بالعدوى إلى دول عربية تبدو هادئة ظاهريا الآن ، ونارها تحت السطح الرقيق تنتظر سانحة لاشتعالها . لابد من وقف الجنون العربي الذي أهلك أخضر كثيرا ويابسا كثيرا . ومصر عساها تكون بداية صالحة لذلك . الأسبوع القادم خط فاصل في المنطقة . إما السلامة والخير وإما الدماء والشرور والمهالك . اللهم هبنا السلامة والخير ! اللهم أنقذنا من الجنون العربي !

لم أكن أبداً ضد الثورة
ولكني ضد ما أنجبته الثورة
وعلى الشعب المصري ان يكافح لكي يصل إلى نيل حقوقه
التي لم يستطع مرسي أن يقدمها له
مشكور غريب