![]() |
(1) الهجرة الثانية للحبشة اشتد البلاء على المسلمين من قريش ندمًا منهم على ما فرط منهم من السجود مع المسلمين –عقب سماعهم لسورة النجم- وانتقامًا لما بلغهم عن حسن جوار النجاشي للمهاجرين، ونظرًا لظروف المسلمين القاسية أشار النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة مرة أخرى فهاجر (82 رجلا و18 إمرأة)، وكانت تلك الهجرة أشق من الأولى حيث تيقظت قريش لحركات وسكنات المسلمين إلا أن المسلمين كانوا أكثر منهم تيقظا ففاتوهم إلى الحبشة رغم كل الجهود...فهل سكت المشركون عن ذلك ؟ (2) مكيدة قريش بمهاجري الحبشة لما شقّ على المشركين إفلات المسلمين وهجرتهم الثانية للحبشة فأرسلوا في طلبهم اثنين من أذكيائهم وأكابرهم هما "عمرو بن العاص"، و"عبد الله بن ربيعة" وكانا إذ ذاك مشركيْن, وتحت خطة مدبرة ساقا الهدايا أولا للبطارقة واقنعوهم باسترداد المسلمين -وذلك قبل دخولهم على النجاشي "أصحمة"- فلما دخلا عليه أخبراه أن هؤلاء أغيلمه هربوا إليكم، يتركون آلهتهم ويرفضون دينكم، وقد جئنا في طلبهم فأيدهم البطارقة فيما قالا حسب الخطة, لكن العدل حينما يعرف البشر يضيئ بشاشته فتتضح معالم الحق -ولو كان المتحدثين أكابر القوم- فماذا فعل النجاشي الحصيف؟ (3) خصمان في دار عادل إنهما أول خصمين في أول محكمة بين الإسلام والكفر في تاريخ الإسلام، رفض فيها الحاكم العادل ألا يسمع من الطرفين فدعا المسلمين وسمع منهم كلمة الحق الصراح وآيات النور من سورة مريم فجلجلت أركان قلبه الأسيف على حال قومه فأخذ يبكي حتى أخضلت لحيته وبكى الأساقفة حتى بلو مصاحفهم ليقل كلمة الحق في وجه مندوبي الوزر، "انطلقا فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يُكادون." (4) تخبط المشركين وحيرتهم كان هذا هو وصفهم في تعاملهم مع المسلمين بعد فشلهم في استرداد مهاجري الحبشة فمن ترغيب إلى ترهيب وتعذيب لكن الرواس الشم من الصحابة الكرام استوى عندهم مجموع المعاملات فلم يجدي مع وجيههم الترغيب ولا مع فقيرهم التعذيب, لو اطلعت عليهم تراهم كسبيكة الذهب في نفاستها وتماسك ذراتها فلما انكشف الفشل حينها أدار الكفر وجهه لينكل بخير الناس دينا ومنصبا بأبي هو وأمي تراهم نكلوا به ؟ في المرة القادمة سيتضح لنا تخبطهم ما بين ايذاء النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرض الرغائب ثم طرح مساومات. |
(1) إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم تخبط المشركون في كيفية التعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم ما بين ثلاثة أمور: (محاولة الإيذاء وما بين الترغيب وما بين عرض المساومات وسنتناول بداية محاولات إيذائهم للنبي صلى الله عليه وسلم.) فقد مدت أطراف الشرك وتمادت في إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك أن عقبة بن معيط وطئ برجله على رقبة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، وعاهد أبو جهل أصنامه ليحملن حجر لا يطيق حمله فيفضخن به رأس النبي صلى الله عليه وسلم فما أن أقبل على فعلته حتى رجع مرعوبًا منتقع اللون، قائلا لقريش: "ما إن هممت حتى عرض لي بفحل من الإبل ما رأيت مثل هامته وقصرته وأنيابه وقد هم ان يأكلني" فقال صلى الله عليه وسلم: «ذاك جبريل لو دنا لأخذه». وما بعد الشدة إلا الفرج فماذا حدث؟. (2) سَبَق اللسان فأطاعت الجنان إنها أحرف لقصة إسلام أسد الله حمزة بن عبد المطلب لما سمع عن إيذاء أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم، فخرج حمزة يسعى حتى قام على أبي جهل وقال له: " أتشتم ابن أخي وأنا على دينه؟"، ثم ضربه بالقوس فشجه شجة منكرة، وثار الحيَّان (بنو مخزوم وبنو هاشم)، فقال أبو جهل: "دعو أبا عمارة -يعني حمزة- فإني سببت ابن أخيه سبا قبيحا"، فكان إسلام سيد الشهداء أنفة كأن اللسان قد سبق إليه دون قصد، ثم شرح الله صدره للإسلام فتأمل رعاك الله ولا تيأس من هداية أحد. (3) "أما تنتهي يا عمر؟!" أول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بعد مغادرته بيت أخته التي أسلمت؛ فخرج من عندها يدق الباب على رسول الله وصحابته الكرام فلما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بمجامع ثوبه وحمائل سيفه، وجبذه بشده قائلًا له: «أما تنتهي يا عمر حتى ينزل الله بك الخزي والنكال ما نزل بالوليد بن المغيرة؟». ثم قال: «اللهم هذا عمر بن الخطاب اللهم أعز الإسلام بعمر.»، فشهد عمر الشهادتين وكان هذا هو الفرج الثاني بعد إسلام حمزة قبله بثلاثة أيام فقط. (4) "قوة على قوة" انه أصدق تعبير حق أن يقال في عمر الفاروق رضي الله عنه بعد إسلامه؛ فعقب إسلامه ذهب إلى أشد قريش عداوة وهو أبو جهل فدق بابه قائلًا له: "لقد جئتك لأخبرك أني آمنت بالله ورسوله" فأغلق أبو جهل الباب في وجهه. ثم ذهب لأكثر الناس نشرًا ووشايةً للخبر فأخبره أنه قد أسلم، فنادي الرجل بأعلى صوت أن ابن الخطاب قد صبأ، ثم خرج بالمسلمين في صفيْن هو وحمزة ولهم كديد ككديد الطحين حتى دخلوا المسجد الحرام. |
(1) الحصار "عطش وجوع تحت الحصار، أكل أوراق الأشجار، وأكل الجلد، صراخ أطفال رضع وبكا نساء". ربما كلمات غريبة أن تقرأها في أحرف السيرة... لكن هذا ما حدث لنبي الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام في حادثة المقاطعة والحصار التي فرضها المشركين على بني هاشم وبني المطلب حتى يسلموا النبي صلى الله عليه وسلم لقتله. بل قطعوا على أنفسهم ألا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يجالسوهم، ولا يقبلون صلحًا أبدًا، وكتبوا بذلك صحيفة علقوها في جوف الكعبة ومضت الثلاث سنين وهم على ذلك. (2) فك الحصار وبعد ثلاث سنوات من الحصار انتهى العدوان عى يد خمسة من أشراف قريش. اتفقوا سرًا بالاجتماع صباحًا على رأي واحد أمام الجمع، وذلك: بنقض ذلك العهد الجائر. فأصبح أولهم وهو "زهير بن أمية" قائلا في الناس: "يا أهل مكة نحن نأكل ونلبس وبنو هاشم والمطلب هلكى لايبيعون ولا يبتاعون؟! والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة"، فقام ثانيهم وثالثهم و.. يؤيدون ذلك. فقال أبو جهل: "هذا امردبر بليل"، ثم جاء أبو طالب يخبرهم أن الله سلَّط "الأرضة" على الصحيفة فأكلت ما فيها إلا "باسمك اللهم" من هنا انتهى الحصار على النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين. (3) فائدة من الحصار-1- كانت تعليمات الرسول صلى الله عليه وسلم لأفراد المسلمين ألاَّ يواجهوا العدو، وأن يضبطوا أعصابهم، فلا يُشعلوا فتيل المعركة أو المواجهة, فالتزم الصحابة بذلك. وهذا يدلك على عظمة الصف المؤمن, في التزامه بأوامر قائده، وبعده عن التصرفات الطائشة بل لقد كانت أعظم تربية في هذه المرحلة هي صبر أبطال الأرض على هذا الأذى, دون مقاومة، مثل حمزة وعمر، وأبي بكر وعثمان رضي الله عنهم. (4) فائدة من الحصار-2- كانت هذه السنوات الثلاثة زادًا عظيمًا في بناء وتربية الجيل الاول, بالصبر على الابتلاء، والتحمل آلام الجوع والعطش، ورغم ذلك فلم تتوقف الدعوة في تلك الفترة، ولم يتوان الصحابة في ذلك رغم اشتداد البلاء عليهم، بل كانت تحقق انتصارات رائعة في الحبشة، وفي نجران، وفي دَوْس، وفي غفار, بل يمكن أن نقول إن حادثة المقاطعة كانت سببًا في خدمة الدعوة والدعاية لها بين قبائل العرب، وفي موسم الحج, ولفتت الأنظار إلى هذه الدعوة التي يتحمل أصاحبها الجوع والعطش والعزلة كل هذا الوقت |
(1) عام الحزن وفيه فقد النبي صلى الله عليه وسلم أحب الناس له فقد أبو طالب السند الخارجي الذي يدفع عنه القوم، ثم فقد خديجة رضي الله عنها السند الداخلي الذي يخفف عنه الأزمات والمحن، وتجرأ كفار قريش على رسول الله ونالوا منه ما لم يكونوا يطمعون به في حياة أبي طالب وابتدأت مرحلة عصيبة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم واجه فيها كثيرًا من المصاعب والمحن. (2) زواجه بسودة ثم عائشة وبعد فترة من وفاة السيدة خديجة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بسودة بنت زمعة رضي الله عنها، وبعدها بعام تزوج عائشة بنت الصديق المبرأة من السماء رضي الله عنها بمكة ودخل بها في المدينة وكانت أحب أزواجه إليه وأفقه نساء الأمة ولها مناقب عدة وفضائل وافره. (3) الرسول في الطائف وفي ظل حالة الاضطهاد الذي أدمرته مكة لرسول العالمين، قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف رجاء أن يستجيبوا لدعوته او يناصرونه على قومه فخرج إليها متخفيًا راجلًا على قدميْه هو ومولاه "زيد بن حارثة" رضي الله عنه، يتنقل بين القبائل ورؤسائها ولم يترك أحدًا من أشرافها إلا وكلمه وقضى في ذلك عشرة أيام لم يجبه أحد بل قالوا: "أخرج من بلدنا"، وأغروا صبيانهم يسبونه ويرمونه بالحجارة حتى أدموا كعبيه وقدميه واختضب نعلاه بالدم صلى الله عليه وسلم. (4) مساندة الخلائق له لقد أعرض البشر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ثمة خلق آخرون يُقدِّرون مكانته ويحفظون قدره، فها هو ملك الجبال يسأل رسول الله أثناء عودته من الطائف: "أن يطبق عليهم الأخبشيْن" (وهما جبلا مكة: جبل أبو قبيس والذي يقابله)، ولكن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بقومه كانت أوسع حين قال له: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله» وتلكم الجن تُسلم إلى الله حين تسمع كلام الله يُتلى من خير البشر وهو يتلو آياته في طريق عودته لمكة، كل هذا سرّى عنه صلى الله عليه وسلم وهو في طرق العودة من الطائف. وكل هذا يجعلنا ننظر للعالم نظرة شاملة وليست مادية دنيوية، فليس البشر هم كل الخلائق، بل هناك دومًا من يساندون اللذين آمنوا من الملائكة الذين ينبغي أن نستشعر وجودهم وهم إيعاذ الخير للمؤمنين، يثبتونهم بالدعاء والاستغفار وفي منازل الجهاد، وفي مشاركتهم حلق العلم والذكر. ثم كانت حادثة كونية أخرى تربطنا أيضًا بعالم الغيب وتبعدنا عن عالم الشهادة وعنائها كما سنرى إن شاء الله |
(1) الطواف على القبائل طلبًا للنصرة فبعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف، بدأ يَعرِض نفسه على القبائل في المواسم، مثل المواسم التجارية والحج. يشرح لهم الإسلام، ويطلب منهم الإيواء والنصرة، حتى يبلغ كلام الله عز وجل، وكان يتحرك وفق خطة سياسية دعوية واضحة المعالم، ومحددة الأهداف، وكان يصاحبه أبو بكر الصديق، الرجل الذي تخصص في معرفة أنساب العرب وتاريخها وقد سهّل ذلك طريق الدعوة، وكانا يقصدان عظماء الناس ووجوه القبائل. (2) صورة من أذى المشركين أثناء طوافه على القبائل يروي أحدهم قائلا: "رأَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سوقِ ذي المَجازِ وعليه حُلَّةٌ حمراءُ وهو يقولُ : «يا أيُّها النَّاسُ قولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ تُفلِحوا»، ورجُلٌ يتبَعُه يرميه بالحجارةِ وقد أدمى عُرقوبَيْهِ وكعبَيْهِ وهو يقولُ : "يا أيُّها النَّاسُ لا تُطيعوه فإنَّه كذَّابٌ"، فقُلْتُ: "مَن هذا؟" قيل : "هذا غلامُ بني عبدِ المُطَّلبِ" قُلْتُ : "فمَن هذا الَّذي يتبَعُه يَرميه بالحجارةِ" ؟ قال : "هذا عبدُ العزَّى أبو لَهَبٍ". (صحيح بن حبان، بوقم: [6562].) وفي رواية: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وهو يقول: «يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا»، فمنهم من تفل في وجهه، ومنهم من حثا عليه التراب، ومنهم من سبه، حتى انتصف النهار، فأقبلت جارية بِعُسٍّ من ماء فغسل وجهه ويديه، وقال: «يا بنية لا تخشي على أبيك غلبة ولا ذلة» فقلت:"من هذه"؟ قالوا: "زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي جارية وضيئة". (3) أساليب النبي في دعوة القبائل ولم يكن ييأس نبي الهدى صلى الله عليه وسلم في ابتكار أساليب جديدة لدعوة القبائل كان منها: - مقابلة القبائل في الليل بعيدًا عن قريش، والتي كان على، أثرها بعد ذلك بيعتي العقبة الأولى والثانية ليلا. - وكذلك ذهابه إلى تلك القبائل في منازلهم. (4) إنَّهُ لا يقومُ بدِينِ اللهِ إلا من حاطَه من جميعِ جوانبِه كانت هذه كلمة النبي صلى الله عليه وسلم لبني شيبان حين عرض عليهم الإسلام على أن يمنعوه وينصروه فكانت موافقتهم مشروطة بأن تكون المنعة والنصرة مما يلي مياة العرب أما من ناحية كسري فلا طاقة لهم بذلك فكان هذا هو رده عليهم بقوله: «ما أسأتمُ الردَّ إذ أفصحتم بالصدقِ، إنَّهُ لا يقومُ بدِينِ اللهِ إلا من حاطَه من جميعِ جوانبِه». (رواه علي بن أبي طالب،السلسة الضعيفة للألباني، برقم: [6457] خلاصة حكم المحدث: ضعيف) |
الحدث الأبرز في السنة الأولى من الهجرة: هو هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في ربيع الأول من هذه السنة: هاجر النبي صلي الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة. الشرح: ثم رد الله تعالى كيد المشركين واستطاع النبي صلي الله عليه وسلم أن يخرج ومعه أبو بكر من مكة متوجهين إلى المدينة لم يرهما أحد. وتعود بداية هذه الرحلة المباركة عندما كان أبو بكر جالسا في بيته وقت الظَّهِيرَةِ قَالَ له قَائِلٌ: هَذَا رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أبي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَتْ عائشة: فَجَاءَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم لِأبي بَكْرٍأَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأبي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ رسول الله صلي الله عليه وسلم : «فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بِأبي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم : «نَعَمْ ، قَالَ : «أبو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأبي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله إحدى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم : «بِالثَّمَنِ ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بنتُ أبي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ على فَمِ الْجِرَابِ فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ، قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم وَأبو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عبد الله بن أبي بَكْرٍ وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ حتى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ، ويرعى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بن فُهَيْرَةَ مولى أبي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا حتى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بن فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ (صحيح البخاري؛برقم:3905). وفي تلك الأثناء تفطَّن المشركون أن رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبا بكر قد خرجا فأخذوا يبحثون عنهما في كل مكان حتى وصلوا إلى الْغَارِ وهما فيه، ثم قربوا منه بشدة حتى إن أبا بكر رضى الله عنه سمع صرير أقدامهم حول الغار فرفع رأسه فَإِذَا هو بِأَقْدَامِ الْقَوْمِ فقال: يَا رسول الله لَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ طَأْطَأَ بَصَرَهُ رَآنَا، قَالَ: «اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ اثْنَانِ الله ثَالِثُهُمَا» (متفق عليه). ثم اسْتَأْجَرَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم وَأبو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بني الدِّيلِ وَهُوَ مِنْ بني عبد بن عَدِيٍّ هَادِيَا خِرِّيتًا وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بن وَائِلٍ السَّهْمِيِّ وَهُوَ على دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ. ثم انتظروا حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ وَخَلَا الطَّرِيقُ لَا يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ. فانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بن فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ. يقول أبو بكر رضى الله عنه : فأَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا كُلَّهَا حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ وَخَلَا الطَّرِيقُ فَلَا يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ حَتَّى رُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ لَهَا ظِلٌّ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بَعْدُ فَنَزَلْنَا عِنْدَهَا فَأَتَيْتُ الصَّخْرَةَ فَسَوَّيْتُ بِيَدِي مَكَانًا يَنَامُ فِيهِ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم فِي ظِلِّهَا ثُمَّ بَسَطْتُ عَلَيْهِ فَرْوَةً، ثُمَّ قُلْتُ: نَمْ يَا رَسُولَ الله! وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ فَنَامَ وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إلى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي أَرَدْنَا فَلَقِيتُهُ فَقُلْتُ لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، قُلْتُ: أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَفَتَحْلُبُ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ شَاةً، فَقُلْتُ لَهُ: انْفُضْ الضَّرْعَ مِنْ الشَّعَرِ وَالتُّرَابِ وَالْقَذَى فَحَلَبَ لِي فِي قَعْبٍ مَعَهُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، قَالَ: وَمَعِي إِدَاوَةٌ أَرْتَوِي فِيهَا لِلنَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم لِيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَتَوَضَّأَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ وَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ مِنْ نَوْمِهِ فَوَافَقْتُهُ اسْتَيْقَظَ فَصَبَبْتُ على اللَّبَنِ مِنْ الْمَاءِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله اشْرَبْ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ؟» ، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَمَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بن مَالِكٍ، قَالَ: وَنَحْنُ فِي جَلَدٍ مِنْ الْأَرْضِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أُتِينَا فَقَالَ: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا» ، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم فَارْتَطَمَتْ فَرَسُهُ إلى بَطْنِهَا فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ، أَنَّكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ فَادْعُوَا لِي فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ فَدَعَا الله فَنَجَا (متفق عليه) - درس كبير أوجزه نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم (لا تحزن إن الله معنا) فالمؤمن يطمئن قلبه بالله ويواجه الشدائد بعزم ثابت وهو متوكل على الله سبحانه وتعالى وإن كان الخطر قاب قوسين أو أدنى. |
فلما نجا سراقة قصَّ على رسول الله صلي الله عليه وسلم أخبار قريش وأنهم جعلوا فيه الدِّيَةَ، وَأَخْبَرَهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ منهِمْ ثم عَرَضْ على النبي صلي الله عليه وسلم الزَّادَ وَالْمَتَاعَ يقول سراقة: فَلَمْ يَرْزَآنِي، وَلَمْ يَسْأَلَانِي إِلَّا أَنْ قَالَ: أَخْفِ عَنَّا، فَسَأَل سراقة النبي صلي الله عليه وسلم أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ فَأَمَرَ عَامِرَ بن فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ(متفق عليه). وكان من شأن سراقة رضى الله عنه أنه كان جالسا فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمه بني مُدْلِجٍ يقول سراقة: فأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الْأَرْضَ وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إلى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ الله صلي الله عليه وسلم وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ وَأبو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْتُ عَنْهَا ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ[11] سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَنَادَيْتُهُمْ بِالْأَمَانِ فَوَقَفُوا فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنْ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ الله صلي الله عليه وسلم. ثم ذكر سراقة رضى الله عنه الحوار الذي دار بينه وبين النبي صلي الله عليه وسلم. -في حادثة سراقة إعجاز للنبي صلى الله عليه وسلم بوعده له سوار كسرى وتحقق ما وصف النبي ووعد في فتوح العراق وهذه من معجزات الرسل فما يقولون الا الحق ولا يصفون الا الحق. |
ثم مضى رسول الله صلي الله عليه وسلم فلقي في الطريق الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارًا قافلين من الشام فكسا الزبيرُ رسولَ الله صلي الله عليه وسلم وأبا بكر ثياب بياض. ومرَّ النبيُ صلي الله عليه وسلم وأبو بكر رضى الله عنه ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ودليلهما الليثي عبد الله بن أريقط على خيمتي أم معبد الخزاعية وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة ثم تسقي وتطعم فسألوها لحمًا وتمرًا ليشتروا منها فلم يصيبوا عندها شيئًا من ذلك، وكان القوم مرملين مسنتين فنظر رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة فقال: «ما هذه الشاة يا أم معبد قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم قال: «هل بها من لبن قالت: هي أجهد من ذلك، قال: «أتأذنين لي أن أحلبها قالت: بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبًا فاحلبها، فدعا بها رسول الله صلي الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها وسمى الله تعالى ودعا لها في شاتها فتفاجت عليه ودرت فاجترت فدعا بإناء يربض الرهط فحلب فيه ثجًا حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا وشرب آخرهم حتى أراضوا ثم حلب فيه الثانية على هدة حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها ثم بايعها وارتحلوا عنها، فقل ما لبثت حتى جاءها زوجها أبو معبد يسوق أعنزًا عجافًا يتساوكن هزالاً مخهن قليل، فلما رأى أبو معبد اللبن أعجبه، قال: من أين لك هذا يا أم معبد والشاء عازب حائل ولا حلوب في البيت؟ قالت: لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا قال: صفيه لي يا أم معبد، قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزريه صعلة وسيم قسيم، في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي صوته صهل وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزج أقرن إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأباه من بعيد وأحسنه وأجمله من قريب، حلو المنطق فصلاً لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة لا تشنأه من طول ولا تقتحمه عين من قصر غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرًا وأحسنهم قدرًا، له رفقاء يحفون به إن قال سمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود لا عابس ولا مفند، قال أبو معبد: هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر، ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً، وأصبح صوت بمكة عاليًا يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه وهو يقول: جزى الله رب الناس خير جزائه***رفيقين حلا خيمتي أم معبد هما نزلاها بالهدى واهتدت به***فقد فاز من أمسى رفيق محمد فيا لقصي ما زوى الله عنكم***به من فعال لا تجازى وسؤدد ليهن أبا بكر سعادة جده***بصحبته من يسعد الله يسعد وليهن بني كعب مقام فتاتهم***ومقعدها للمؤمنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها***فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد ودعاها بشاة حائل فتحلبت***عليه صريًا ضرة الشاة مزبد فغادره رهنًا لديها لحالب***يرددها في مصدر بعد مورد فَقَالَ: يَا نَبِيَّ الله مُرْنِي بِمَا شِئْتَ قَالَ: « «فَقِفْ مَكَانَكَ لَا تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بنا» قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا على نَبِيِّ الله صلي الله عليه وسلم وَكَانَ آخِرَ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ (صحيح البخاري؛برقم:3911). |
وكان النبي صلي الله عليه وسلم قد أشرف على الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأبو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ وَنَبِيُّ الله صلي الله عليه وسلم شَابٌّ لَا يُعْرَفُ قَالَ: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ، فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ، قَالَ: فَيَحْسِبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الْخَيْرِ. وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ الله صلي الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إلى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ فَلَمَّا أَوَوْا إلى بُيُوتِهِمْ أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ على أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَبَصُرَ بِرَسُولِ الله صلي الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَيَزُولُ بِهِمْ السَّرَابُ فَلَمْ يَمْلِكْ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعلى صَوْتِهِ: يَا مَعَاشِرَ الْعَرَبِ هَذَا جَدُّكُمْ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إلى السِّلَاحِ فَتَلَقَّوْا رَسُولَ الله صلي الله عليه وسلم بِظَهْرِ الْحَرَّةِ (صحيح البخاري؛برقم:3906). |
أخلاقه : فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على مكارم الأخلاق، وكان أفضل الخلق أخلاقًا وأحسنهم آدابًا، وبيَّن رسول الله أنه ما بُعِثَ إلا ليتمم مكارم الأخلاق، فلقد كانت في الجاهلية أخلاق كريمة فأتى الرسول ليتممها، وذلك بإصلاح ما فسد منها، والثناء على ما كان فاضلًا، والحث عليه حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» (هكذا رواه الإمام أحمد، وورد بلفظ: «مكارم الأخلاق» وصححه الألباني، ورواه الإمام مالك بلفظ: «حُسْنَ الأخلاق»). لقد امتدح الله نبيه على كمال الأخلاق فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وذلك يظهر من خلال معاشرته للناس ومخالطته لهم، ولقد سُئِلَت عائشة رضي الله عنها كيف كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: "كان خلقه القرآن" (رواه الإمام أحمد ومسلم والنسائي)، فلقد كان -بأبي هو وأمي- قرآنًا يمشي على الأرض، أي أنه عمل بأخلاق القرآن، وتمثل آداب القرآن، وذلك أن القرآن أنزل للتدبر والعمل به، فكان أولى الناس عملًا به وامتثالًا لأوامره سيد الخلق. ومما ذكر من الأخبار في حث الرسول على الأخلاق، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» (رواه الإمام أحمد والترمذي والدارمي. وقال الترمذي: حسن صحيح). |
الساعة الآن 09:50 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.