![]() |
السيرة النبوية : ١٢١- نزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الإسراء والمعراج بيوم ليُبيِّن له أوقات الصلوات الخمس . #نشر_سيرته |
الشمولية في حياة الرسول وإذا كانت حياة كل واحد من هؤلاء تختلف عن حياة الآخر، وإذا كان لكل منهم أحوال وأعمال تتقلب عليه بتقلب الظروف، بين قيام وقعودٍ ومشيٍ، وأكلٍ وشربٍ، ونومٍ ويقظةٍ، وضحكٍ وبكاءٍ، وفرح وترح، وسرور وحزن، وارتداءٍ للملابس وخلعٍ لها، وتعلُّمٍ وتعليمٍ، وعبادةٍ لله ومعاملةٍ للناس، وضيافةٍ وتضيّفٍ، وغير ذلك من الأعمال والأحوال التي تطرأ عليْه، وهو في ذلك قد يكون أبًا أو ابنًا أو جدًا، أو زوجًا أو عزبًا، كما تعتريه الأعمال القلبية والخلال النفسية، كالعزيمة، والشجاعة، والرضا، والصبر، والشكر، والتوكل، والتضحية، والقنا عة، والإيثار، والجود، والتواضع، وغيرها من الخصال، وهو في كل ذلك محتاجٌ إلى القدوة الهادية النافعة، والأسوة الكاملة ممن سبق له العمل بكل ذلك. الشمولية في حياة الرسول: إذا كان الأمر كذلك فإنه لن يجد كلُّ هؤلاء المثالَ الكاملَ في كل أحوالهم إلا في حياة محمد صلي الله عليه وسلم، فقد عاش كلَّ تلك الأحوال، وكان فيها المثالَ العاليَ الذي لا يُلحَق، والعَلَم الذي نصبه الله للدلالة على مكارم الأخلاق وحميد الصفات، فلا يوجد قائد دولة أو معلم أو مصلح رأته الدنيا كما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم؛ الذي استطاع أن يقودَ الأمةَ قيادةً حكيمةً، وأن يطبق في التربية والإصلاح مشروعًا عظيمًا ومنهجًا مستقيمًا، فتح الله به الدنيا على يديْه وعلى يديْ أمته. |
عاش صلي الله عليه وسلم غنيا، ورأينا كيف كان ينفق من ماله بلا حساب، وعاش فقيرًا ولو شاء أن تسيل معه جبال الدنيا ذهبًا وفضة، لسالت، وكان لا يدخر لقوته، ولما أدركه الموتُ، كان يقول لأهله وهو في سكرات الموت: إن هناك سبعة دنانير عنده، ويدلهم على مكانها، ويأمرهم بإخراج هذه الدنانير، ثم يُغمى عليه، ثم يفيق فيسأل: ماذا فعلتم بالدنانير؟! صلى الله عليك يا رسول الله! وهكذا كان صلي الله عليه وسلم فقيرًا، فكان يمر عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار، ولا يأكل إلا التمر والماء، ومرت عليه أيام ربط فيها الحجر على بطنه من شدة الجوع، ومرت عليه أيام لم يجد فيها ما يأكله وعنده تسعة أبيات يمر عليها فلا يجد طعامًا في أي منها، فيصوم ويصبر! فيعلم الفقير كيف يصبر، والغني كيف يشكر. |
كان أبًا، وعلم الآباء كيف تكون التربية، فهو رحيمٌ يُقَبِّل الأولادَ ويَحْنُو عليهم ويَعِظُهم ويُعلِّمهم برفق. يجلس ومعه عمر بن أبي سلمة، وهو صبيٌ صغيرٌ، ويَده تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ له رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم: «يَا غُلَامُ سَمِّ الله وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»، قال عمر: "فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ" [1]. ويروي أَبو هريرة رضي الله عنه" "أن رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم قَبَّلَ الحسن بن علي وَعِنْدَهُ الأقرع بن حابس التميمي جَالِسًا، فَقَالَ الْأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ»"، وفي رواية: «أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ الله مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ» [2] |
يقف على المنبر خطيبًا، فيشاهد الحسن والحسين وهما أطفال يتعثران، فينزل من على المنبر يحملهم ويرجع مرة أخرى، ويصلي بالناس إمامًا، فتأتي أمامة بنت أبي العاص، بنت السيدة زينب رضي الله عنها، فيحملها صلي الله عليه وسلم على كتفه، فإذا ركع وضعها، فإذا قام حملها! ويعلم الصغير، ويعلم الكبير كيف يكون أبا وزوجًا. |
وإذا أردت أن تتأسى به قاضيًا مثلاً، فإنك تجده صلي الله عليه وسلم ينصح القاضي ويقول: «لاَ تَقْضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَان» (صحيح البخاري:7158)، وعندما تقضي لا بد أن تقضي بالعدل، وإن استطعت أولًا أن تصلح بين الخصمين، فلا بد أن تصلح بينهما، وإذا لم تستطع، فلا بد أن تقضي بالحق. |
وهناك العديد من القصص في ذلك، فهذا الزبير بن العوام رضي الله عنه كَانَ يُحَدِّثُ: "أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا إِلَى رَسُولِ الله صلي الله عليه وسلم فِي شِرَاجٍ مِنْ الْحَرَّةِ كَانَا يَسْقِيَانِ بِهِ كِلَاهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم لِلْزُّبَيْرِ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ» فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ! فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ الله صلي الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: «اسْقِ ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ»"، أي أشبع أرضك بالماء أولاً.. وهذا هو العدل، لأن الماء يمر على أرضه أولًا، فَاسْتَوْعَى رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم حِينَئِذٍ حَقَّهُ لِلْزُّبَيْرِ، وَكَانَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم قَبْلَ ذَلِكَ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْيٍ فيه سَعَةٍ لَهُ وَلِلْأَنْصَارِيِّ، فَلَمَّا أَحْفَظَ -يعني أغضب- الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ الله صلي الله عليه وسلم اسْتَوْعَى لِلْزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ. قَالَ الزُّبَيْرُ: "وَالله مَا أَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ إِلَّا فِي ذَلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}" [النساء:65] [3]. هنا يعلِّم النبي صلي الله عليه وسلم القاضي، أن ينزع من نفسه كل المعاني النفسية، فلا يقول القاضي: "إني أحب فلانًا أو أكره فلانًا، يقول الله تعالى:{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8]. |
الرسول قدوتنا: وهكذا.. لو أردت في أي مجال من مجالات الحياة وفي كل أحوالها أن تؤلف كتابًا عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فستجد أن حياته صلي الله عليه وسلم على قصرها كانت هداية وقدوة لكل شخص في كل حال، فقد تزوج وطلق، وحارب وسالم، وعادى ووالى، وباع واشترى، وفعل كل شيء، وثبتت عنه في ذلك قصص تصلح أن تكون قدوة. ولكن تعال إلى غيره من العظماء.. بل من الرسل مع كمالهم صلوات الله عليهم أجمعين، فإذا وجدت أحدهم بارزًا في مجال من المجالات، فلن تجد في سِيَرهم المحفوظة ما يصلح لأن يكون قدوة في المجالات الأخرى. فإذا أردتَ أن تتعلم من سيدنا عيسى عليه السلام معاملة الزوجات؛ فإنك لا تستطيع أن تتعلم منه ذلك لأنه لم يتزوج، وإذا أردتَ أن تتعلم من سيدنا موسى عليه السلام تربية الأولاد؛ فلا تستطيع أن تتعلم منه ذلك؛ لأنك لا تجد في القصص التي وردت عنه عليه السلام كيف كان يعامل الأولاد. وإذا أردتَ أن تتعلم من سيدنا إبراهيم عليه السلام ماذا يفعل عند لقاء العدو ومواجهته فلن تستطيع ذلك؛ لأننا ليس لدينا في سيرته أنه كان قائدًا للجيش أو خاض أية معارك. إذًا! لكي نأتي بقدوة تصلح لجميع البشر فإننا لن نجد سوى رسول الله صلي الله عليه وسلم؛ إذ لم يثبت عن أحد في كل المجالات قصص صحيحة ثابتة تشهد بكماله في كل أحواله إلا رسول الله صلي الله عليه وسلم. |
فذو العرش محمود وهذا محمد: قال تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:79]. الشمس من حسادهِ والنصر من *** قرنائه والحمد من أسمائهِ أين الثلاثة من ثلاث خلالهِ *** من حسنهِ وإبائِهِ ومضائهِ مضت الدهور وما أتينَ بمثلِهِ *** ولقد أتى فعجزن عن نظرائِهِ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.. هذا الاسم الأعلم، إذا ذُكر ذكرَتْ معه الفضيلة في أجمل صورها، وذُكر معه الطهر في أرقى مشاهده، وذًكر معه العدل في أسمى معانيه. محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.. اسم كتب بحروف من نور في قلوب الموحدين، فلو شققت كل قلب لرأيته محفورًا في النياط مكتوبًا في السويداء، مرسومًا في العروق. والله لو شق قلبي في الهوى قطعاً *** وأبصر اللحظ رسماً في سويداهُ لكنت أنت الذي في لوحه كتبت *** ذكراه أو رسمت بالحبّ سيماهُ |
محمد صلى الله عليه وسلم صاحب الغرة والتبجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المؤيد بجبريل.. حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي. بشرت به الرسل، وأخبرت به الكتب، وحفلت باسمه التواريخ، وتشرفت به النوادي، وتضوعت بذكره المجامع، وصدحت بذكراه المنائر، ولجلجت بحديثه المنابر. عصم من الضلالة والغواية {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:2]، وحفظ من الهوى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:3]. فكلامه شريعة، ولفظه دين، وسنته وحيّ {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4]. سجاياه طاهرة، وطبيعته فاضلة، وخلاله جميلة، وخصاله نبيلة، ومواقفه جليلة {إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [النمل:79]. تواضعه جمّ، وجوده عمّ، ونوره تمّ، فهو مرضي الفعال، صادق الأقوال، شريف الخصال {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. لين الجانب، سهل الخليقة، يسير الطبع {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. ظاهر العناية، ملحوظ بعين الرعاية، منصور الراية، موفق محظوظ، مظفر مفتوح عليه {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:1]. أصلح الله له قلبه، وأنار له دربه، وغفر له ذنبه {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:2]. |
الساعة الآن 12:35 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.