![]() |
إيلي بورجيلي.. يوميات الفوضى وأغوار الذاكرة http://assafir.com/Medias/Photos//20...fa16f6a72e.jpg الذاكرة ملح الفن.. هذا ما يمكن فهمه في مساحات الأعمال التي قدمها الفنان إيلي بورجيلي في معرضه الذي افتتح أول أمس في غاليري "جانين ربيز" (يستمر لغاية 21 تشرين الثاني المقبل). حيث وجدنا في اللوحات الكثير من المشاهد التي تنهل من مفردات الحرب أو من معايشة خرابها وآلامها وتكسّر الحياة فيها، وتتداخل أحياناً في يوميات القلق الذي يحياه اللبنانيون يومياً. 14 لوحة مشغولة بمواد مختلفة، لا يهتم صاحبها بتقديم مساحة نظيفة وأنيقة بقدر ما يهتم بتقديم أفكاره. فالفكرة أساس، وما تبقى في اللوحة من تقنيات لا توضع في خدمتها بقدر ما تتعامل معها بالكثير من الاضطراب أو الإهمال المقصود أو الترتيب المضحك. فلا رغبة عند الفنان في الاهتمام بالمتن أكثر من الهامش، ولا في الأصل أكثر من بقاياه. وهو يقول في نص معرضه: "الأسطح والمساحات النظيفة أتركها للعقلاء ذوي الحس السليم، والتناغم والانسجام لرواد الصالونات، والقواعد والأصول للمرموقين الأنيقين". وهذا اختصار واضح لطبيعة لوحته المعاصرة التي تقترب من لوحة التجميع أو التجهيز، مغلباً فنية تجسيد الفكرة على التفنن في الأداء او الجماليات الشكلانية. وهكذا نراه غير مكترث بتناغم لوني أو بمشهدية بصرية لائقة مبهرجة وممتعة. لا بل العكس، يأتي بحطام الأشياء والمبتذل منها أحياناً، أو ببقايا مهملة، ليبني بأثرها عمله الفني. كأن الحرب التي طالما هزت ريشة بورجيلي لمّا تزل حاضرة هنا، وقصصها تتوالد بعفوية، وبكابوسية أحياناً، فنرى شخصاً مقلوباً، ورأساً فالتاً من سترة، أو غراباً ينقر رأس رجل، أو نمراً ينهش لعبة، أو يداً طالعة من بقعة دم... على أن الكابوسية تلك ليست أساساً في استعادة كل هذا الوجع، فهو قد ينطلق من يوميات الفوضى التي نعيشها في لبنان، ليصل إلى مغارات الذاكرة، والعكس صحيح. على أن اختلاف المسافة الزمنية هو في حد ذاته اختلاف في مستوى الغضب والانفعال وتوتير اللوحة. من دون أن يكون ذلك ميكانيكياً بالطبع. فداخل الفنان مكثف بما يكفي لتعويم قصص الحرب، فكيفما مد يده إلى كيس الذاكرة تطلع قصص وحكايات لا تنتهي. لا مادة ترفضها لوحة بورجيلي، ما عدا المادة "النبيلة" التي لا يهتم بإغوائها. كل المواد يمكن أن تتحول إلى رموز، أو هي بقايا حكايات وأحداث، أو يمكن تأويلها في اتجاهات شعاعية كثيرة. فهو يترك للمادة التي يثبتها في اللوحة أن تكون بديلاً من التلوين أو الحفر أو النحت. فنجد قطع خشب ومعدن ورملاً وحصى وأقمشة مختلفة. هي مواد فالتة مهملة ومحتقرة، يجمعها من طوافه، يلصقها وقد يلونها أو يحفر فيها. فمعرضه نفسه حمل عنوان "مارودار"، ربما يمكننا أن نترجمه "فن الطواف"، وهو أقرب إلى "فن الرمم"، أو فن "المهمل"، أو الفن الذي يستحضره من الطواف على طلل الأماكن وآثار الأحداث والأدوات وحتى الأفكار. يصطاد بورجيلي البقايا لا ليجمل الصورة بها، إنما ليحي أصلها، أو ينهي موتها، بل أحياناً ليصنع منها جدثاً جديداً أو حلماً جديداً، من دون أن تكون الأحلام سوى لعبة لا حساب بالضرورة لعقباها. تأخذه المادة المستخدمة أحياناً إلى عفوية التركيب أو التأليف. فيبني كرسياً من كسرات خشب، ويسخر من الجالس على الكرسي، منصّباً عليه قرداً. وهنا ينتقل إلى الوجه الثاني من تدليله على الواقع، باستخدامه السخرية بألوانها المتفاوتة بين سوداء وبيضاء، وهو يطلق على أكثر من لوحة عنوان "المرة الأولى تراجيديا.. المرة الثانية كوميديا"، في إشارة إلى حرية الحركة بين قطبين، بين عمق الفكرة واللعب معها، أو لنقل الضحك منها، فـ"شرّ البلية ما يضحك". يعرف إيلي أبو رجيلي كيف يقدم لوحة ساخنة، أو على علاقة بالوجدان من جهة والحدث من جهة أخرى، بيوقظ الذاكرة ليس بخطابات أفيشية، إنما بسرد بصري لأفكار موجعة ومسلية في آن. أحمد بزّون |
بعثٌ آرامي في فلسطين.. http://arabi.assafir.com/content/ima...333_801022.jpg اسماعيل شموط - فلسطين كأننا أمام فصل من كوميديا ناجحة، توجّه نقداً لاذعاً للفلسفة السياسيّة الحديثة. مهما اتخذنا الأمر على محمل الجد، لا يسعنا التخلّص مما يحتويه من عبثٍ هزليّ. ما القصّة إذاً؟ استيقظ وزير الداخليّة الإسرائيليّة صباحاً وقرر أن المسيحيين في فلسطين ليسوا عرباً. هكذا: لستم عرباً. طيب ماذا نحن؟ قال: أنتم آراميّون. حدث في أحد صباحات أيلول/سبتمبر الأخير أن استيقظ أكثر من 130 ألف إنسان فلسطيني مسيحي داخل الأراضي المحتلّة العام 1948، ووجدوا أنفسهم قد فُطموا من العروبة لمصلحة القوميّة الآراميّة. بعد أيّام قليلة من ذلك القرار استقال الوزير. قصّة استقالته لا تزال بؤرة نميمة في كواليس الصحافة الإسرائيليّة حيث تسود ادعاءات تورّطه بقضايا ذات طابعٍ جنسيّ. لكن الاستقالة لم تغيّر شيئاً من البرنامج، فالمشروع أكبر بكثير من مجرّد قرار وزاري. «المؤتمر الأوّل للقوميّة الآراميّة» سيُعقد في مكانه وزمانه من دون زحزحة، وقد صار ذلك فعلاً يوم 21 تشرين الأوّل/أكتوبر في مدينة اسمها «نتسيريتعيليت»، أقامها الإسرائيليّون على أراضي مدينة الناصرة وقراها المحيطة. هنا، يجدر التذكير أن الناصرة هي واحدة من المدن الرئيسة في الرواية التاريخيّة المسيحيّة، ويُحكى أن فيها بشّرت الملائكة مريم العذراء بولادة المسيح. عُقد المؤتمر تحت حراسةٍ أمنيّة إسرائيليّة مشددة، ومنعت الصحافة من دخوله. إلى جانب الوزير المستقيل حضر كاهن التجنيد، واسمه جبرائيل ندّاف، وهو كاهن من طائفة الروم الأرثوذكس أقالته الكنيسة من أي منصبٍ دينيّ لكنّه لا زال، بحمايةٍ إسرائيليّة، يرتدي رداء الكاهن. وإلى جانبهم حضر أيضاً رئيس بلديّة «نتسيريتعيليت»، وهو بموازاة سياساتها «السبّاقة» في ماراثون العنصريّة الصهيونيّة، ضليع أيضاً بقضايا الرشى والفساد. بهذه الأجواء الاحتفاليّة، افتتحت «القوميّة الآراميّة» مؤتمرها الأوّل في «إسرائيل». تحالف المتحجّرات في المجلّد الأوّل من مؤلفه المؤسّس، «دراسة التاريخ»، الذي كُتب في الثلاثينيّات، يطرح المؤرخ الإنجليزي أرنولد توينبي نظريّته التأريخيّة التي تتناول الحضارات بصعودها وسقوطها، تناولاً نفسياً سلوكياً يصل به إلى منح الحضارات صفة نهائيّة. هذا من باب الاختصار. في الفصل السابع من المجلّد يتحدّث توينبي عن الاستثناءات في هذه النظريّة، خاصةً عن الشعوب التي أعيد إحياءها بعد آلاف السنين، وهو يخص بالذكر اليهود والسريان، ويصفهم (وإن كان وصفاً قاسياً) بالمتحجّرات التاريخيّة. إذاً يرى بهم حالة «ضحايا تمييز دينيّ يمثّلون مجتمعات منقرضة، لم تواصل بقاءها إلا كمتحجّرات»، إذ أنها لم تختف عن الوجود، لكنّها بالتأكيد ليست حضارات حيّة. أما في أرض فلسطين فلم يكن للآراميّة إلا الوجود اللغوي، وللدقة فقد كانت الآراميّة لهجة من لهجات اللغة السريانيّة، إضافةً لطريقتها الخاصّة في كتابة الحرف. ولم تكن هذه اللهجة محكيّة في أرض فلسطين إلى العام 540 ق.م. تقريباً، بعد عودة اليهود من «السبي البابليّ» في بابل. هناك اكتسبوا الآراميّة التي انتصرت على أكاديّة الآشوريين، كما اكتسبوا هناك أيضاً ما سُمي لاحقاً بالتقويم العبريّ وعادوا بهما إلى فلسطين. وقد كانت الآراميّة اللغة التي تحدّث بها السيّد المسيح الذي وُلد فقيراً بين فقراء، إذ أنها كانت هي لهجة العوام والطبقات المعدمة بين القبائل اليهوديّة، بينما احتكر الأسياد من كهنة ورجال دين اللغة العبرانيّة. في جدليّة السيّد والعبد، لا زال السيّد يتحدّث العبريّة إلى يومنا هذا، أما المستعبَدين فمنهم من قبل بالعبوديّة برحابة صدر، شرط أن تكون بالآراميّة القديمة لا بعربيّة الحاضر. «آرامي ورأسي مرفوع» لم نخترع قصّة القوميّة الآراميّة، بل استوردناها من لبنان. ولعلّ أكثر ما يُثبت تمسّك الفلسطينيين في إسرائيل بانتمائهم للأمة العربيّة هو نسخ كل المصائب السياسيّة التي تصيب الوطن العربيّ إلى مجتمعنا. ومثلما نُسخت الطائفيّة ونُسخ التكفير، نُسخت أزمات اليسار ونُسخ بلاء النيوليبراليين، نُسخت «النزعات الانفصاليّة» أيضاً. «القوميّة الآرامية» هذه ليست غريبة عن نزعات التسييس السريانيّة في لُبنان، وذروتها الحرب الأهليّة. وجدنا موقعين للآراميين على الانترنت، واحد منهم هو موقع «التنظيم الآرامي الديمقراطي»، ولديهم نشيد (بالعربيّة وليس الآرامية، والله أعلم) تتحدث كلماته عن انبعاث نسر سرياني، يقولون فيه: «ولنا النهر ولنا البحر من آرام إلى كنعان»، وأناشيد أخرى مثل «آرامي وراسي مرفوع» وتحريف لأغنيّة «أنا مش كافر»، يقولون فيه: «الي بيخطف كافر والي بيقتل كافر، لكن شو بعملّك إذا اجتمعوا علينا مجموعة من الكافرين؟»، وتحريف آخر لأغنية «شو هلأيّام» يقولون فيه: «بيقولو لك هلصليبيّة أخذوا أرضن للعُربان...». بروتوكولات من وكر التجنيد في فلسطين المحتلّة، قاد «الحملة الآراميّة» ما يُسمّى «منتدى تجنيد المسيحيين». وهو تنظيم بدأ في العام 2012 وبقي يمثّل نفراً قليلاً من العملاء من أبناء الطائفة المسيحية، وقد وضعوا نصب أعينهم هدف الانسلاخ عن المجتمع العربي الفلسطيني والاندماج بمجتمع المستعمرين الصهيونيّ عن طريق الانخراط في الجيش الإسرائيليّ. أسس المنتدى رائد في جيش الاحتلال، بدعم من كاهن التجنيد ندّاف، ويمثّلها اليوم بالأساس نقيب سابق في سلاح المظليين الإسرائيليّ. وفّرت الحكومة الإسرائيليّة لهذا «المنتدى» كل الموارد «على بياض». مكاتب وموظّفين ومِنَح ومبالغ ماليّة طائلة من أجل تجنيد أكبر عدد ممكن من المسيحيين في الجيش الإسرائيلي. وكانت 2014 سنة «الإنجازات» بالنسبة للمنتدى في عمله تجاه الحكومة الإسرائيليّة. في يوم 16 كانون الأوّل/ديسمبر من العام 2013 عُقدت في الكنيست الإسرائيلي جلسة خاصّة للجنة برلمانيّة أطلق عليها «لجنة تجنيد الأقليّات»، ترأسها عضو البرلمان آيليت شاكيد التي نادت علناً إبان الحرب الأخيرة على غزّة بقتل «النساء والشيوخ أيضاً». لم تحظ هذه الجلسة بالتغطية الإعلاميّة الفلسطينيّة الكافية، رغم أن البروتوكول قد نُشر عبر الموقع الرسميّ للبرلمان. عُرضت في الجلسة معطيات دقيقة حول تجنيد العرب في الجيش الإسرائيلي، وحول نيات الجيش والحكومة. ويتوضّح من المحضر، بشكلٍ يثير الضحك والشماتة والبكاء في آن، صراع الديوك بين العملاء على أنواعهم من أجل مكاسبهم الشخصيّة وسباقهم في تذليل النفس أمام الصهاينة. تمحور خطاب ممثل منتدى تجنيد المسيحيين في محضر الجلسة حول مطلبين أساسيين، كلاهما تحققا في العام 2014. الأوّل أن يُرسل للشباب المسيحي في سن التجنيد أوامر للمثول في العسكر، تكون اختياريّة وغير مُلزمة، فمن يرفضها (أي الأغلبيّة الساحقة من الشباب) لا يتعرّض لعقوبة، لكنّها خطوة مرحليّة لتجهيز الشباب من أجل فرض الأوامر الإلزاميّة لاحقاً. أما المطلب الآخر فكان الاعتراف «بالقوميّة الآراميّة». لماذا؟ يفسّر مندوب منتدى المتصهينين: من أجل «تخلّص الشباب المسيحي من فكرة كونه عربيّاً، لأنها الفكرة التي تحول دون دخوله إلى الجيش الإسرائيلي». لكنْ هناك أسباب أكثر عمليّة فسّر بها المندوب (بالمناسبة، بالعاميّة الفلسطينيّة مندوب وجمعها مناديب تعني الجواسيس) ضرورة إعطاء مكانةٍ قانونيّة لقوميّة المسيحيين الآراميّة، من أجل فرز الشباب المسيحي عن باقي «الأقليّات» في الجيش الإسرائيلي. حيث يسكن هؤلاء استعلاء مقيت على غيرهم من الدروز والبدو عامةً، وعلى الخادمين منهم بالجيش خاصةً. إذ يرفض المسيحيّون دمجهم في الوحدات الخاصّة بالدروز أو بالبدو. وقد فسّر المندوب في الجلسة بديبلوماسيّة أن «عقليّتنا تختلف كلياً عن عقليّة هؤلاء». شهادة فطامٍ من العروبة يتلازم الاعتراف الإسرائيلي بقوميّة جديدة مع مشروع خبيث لتجنيد أبناء هذه المجموعة في الجيش الإسرائيلي، لينخرطوا في قتال إخوانهم في غزّة أو لبنان. كأن التجنيد، وهو لا ينمّ عن أي حاجةٍ ماديّة أو عسكريّة في جيش يعتمد على القدرة التكنولوجيّة لا على الموارد البشريّة، هو «شهادة فطام» تقدّمها إسرائيل لمن «يتخلّص» من هويّته العربيّة. بين الدروز، مثلاً، تلازمت سياسات التفرقة مع فرض الخدمة العسكريّة الإجباريّة على الشباب الدروز منذ العام 1954. فبني معروف، وعددهم 110 آلاف في فلسطين اليوم، شيء والعرب شيء آخر، لهم مناهج تعليم مختلفة ومكانة سياسيّة مختلفة. كذلك سعت الحكومات الإسرائيليّة لسلخ الفلسطينيين البدو، وعددهم نحو 200 ألف إنسان في النقب و100 ألف في قرى شمال فلسطين، عن سائر الشعب الفلسطيني عبر ما نسمّيه بعمليّة «البدونة» التي تقوم باستغلال الحالة الاقتصاديّة العصيبة التي عاشوها بعد مصادرة أرضهم ومنعهم من رعاية الماشية، كما استغلال التمييز ضد البدو داخل المجتمع الفلسطيني نفسه، من أجل سلخهم وتجنيدهم للجيش الإسرائيلي. عبر مواقع التواصل الاجتماعي، استفزّ أحد النشطاء السياسيين عنصريّة هؤلاء العملاء واستعلاءهم الشهير على الدروز والبدو، وكتب ساخراً: «ما شعور إخواننا الآراميين في أنهم يحققون اليوم «الإنجاز» الذي حققه البدو قبل ستين عاماً؟». بالمحصّلة، معطيات الجيش الإسرائيلي تدل ـ وهي معطيات تُبالغ على الأرجح ـ أنه من العام 2008 وحتّى العام 2012 جُنّد 50 شاباً مسيحياً في كل عام، من أصل نحو 1,000 شاب في سنّ التجنيد سنوياً. في العام 2013 حققوا إنجازاً بعد صرف مبالغ خياليّة وفتح مكاتب لتجنيد الشباب المسيحي للجيش، وحملات إعلاميّة، وموظّفين وتحريك الموارد الحكوميّة الإسرائيليّة كافة لمصلحتهم. وبهذا رفعوا العدد من 50 إلى.. 53 مجنّداً. بين قوميّة السيّد وقوميّة العبد بين الفلسطينيين داخل الأرض المحتلّة العام 1948، يُنظر للتجنيد للجيش الإسرائيلي كإحدى أخطر القضايا وأكثرها مصيريّة، وهي واحدة من القضايا القليلة جداً التي تحوز إجماعاً صارماً بين القوى السياسيّة الفلسطينيّة في الداخل. ليست المصيبة في أن تحمل السلاح ضد إخوتك فقط. بل أساس المصيبة في أن يهرب المستضعَفون إلى التماهي مع القمع والفاشيّة بدلاً من السعي للتحرر منها. فالهويّة القوميّة تحت الاستعمار ليست إلا استعارة لوحدة التوّاقين للتحرر، وتضْحي ثانويّة لحظة التخلص من الاستعمار، بينما قوميّة القامع فهي شوفينيّة بالضرورة، وتسعى لبقاء خالد. وليست رغبة الإنسان في تعريف نفسه بشكلٍ مخالف هي الأزمة، ولا في رغبة البعض أن يعلموا أولادهم الأكاديّة أو حتّى الحميريّة، لكنّ الأزمة في ما تمثّله الهويّات الجديدة من رغبة للضحايا في أن يصطفّوا خلف قاتلهم. وهم بالمناسبة يردفون انتماءهم «الآرامي» بانتمائهم «الإسرائيلي». ولولا أن اليهوديّة ترفضهم، بحيث أن الانتماء إليها لا يكون إلا برابط الدمّ، لتنازلوا عن الآراميّة أيضاً. يتخذ الصهاينة، عرباً عملاء كانوا أم يهود، الأحداث المأساوية ضد المسيحيين في الوطن العربي (متجاهلين أن الأمة كلها بجميع طوائفها تعاني)، حجة قويّة ليتبجّحوا «باحترام إسرائيل للأقليّات الدينيّة فيها». نبكي تهجير المسيحيين من الموصل، والإشارة العنصريّة على أبواب بيوتهم بالطلاء الأحمر، إنما كيف يبكي ذلك من يجلس في حضن من هَجّروا وهدموا أكثر من 500 قرية ومدينة فلسطينيّة من دون أن يتركوا فيها لا باب ولا حجر. بقلم : مجد كيّال |
العود الأبدي لمهيار http://assafir.com/Medias/Photos/201...97b2553c33.jpg من وقت لآخر أعود لقراءة ديوان «أغاني مهيار الدمشقي» للشاعر أدونيس والقراءة إعادة نظر في ثلاثة: المقروء والزمن والقارئ. أختار هذا الديوان بالذات للشاعر، من دون سواه لأسباب أهمها أنه جاء بعد ديوانين أولين له هما: قصائد أولى (1947 1955) وأوراق في الريح ط1 (1958) ما كانا ليشكلا عتبة عالية في شعر الشاعر كما هي الحال في «أغاني مهيار الدمشقي» بل كان ثمّة مسحة من لغة سعيد عقل وأسلوبه في النحت اللغوي والقافية الصلبة وقد بدأت تتوارى بالتدريج من خلال التطور للأسلوب الحر والتدخل الأسطوري المكثف في شعره والتنويع الوزني والإيقاعي، فضلاً عن الرؤية الشعرية ما أوصله إلى «أغاني مهيار» سريعاً خلال مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات. فقد ظهرت الطبعة الأولى منه في العام 1961، وبعض قصائده مؤرخ في العام 1958 (قصيدة مرثية الأيام الحاضرة) وأنه شكل القمة المؤسسة لشعر الشاعر، لا بالنسبة لما سبق وحسب، بل نسبة لما لحق من دواوين من كتاب التحوّلات والهجرة.. إلى المسرح والمرايا، فـ«وقت بين الرماد والورد» فـ«الكتاب» بجزءيه.. فـ«تنبأ أيها الأعمى».... حتى آخر دواوينه.. ولعل ملامح من «أغاني مهيار..» مبثوثة في جميع ما لحق من قصائد الشاعر، من حيث هي جسد شعري واحد. او نسق أدونيسي أو طريقة شعرية. ولعله في قصيدة تالية على قصائد «أغاني مهيار..» في مجموعة «المسرح والمرايا 1968» أربع أغنيات لتيمور ومهيار «يرسخ ما يمكن أن نسمّيه العود الأبدي لمهيار من خلال قوله: «مهيار غنّى بكى برأ صلّى أدان بارك وجه الجنون ذوب في صوته جرح العصور اشتهى سيلاً، وكالسيل كان» الآثار الكاملة، دار العودة ط2_1971، المجلد الثاني ص 323) الهاء والراء مهيار اسم علم. ولعله أعجمي، إذ لأول وهلة، يأخذنا هذا الاسم في العنوان، إلى «مهيار الديلمي» وهو أبو الحسن مهيار بن مرزويه (متوفى 428 هـ 1037 م) كاتب وشاعر فارسي كان مجوسياً فأسلم على يد الشريف الرضي في بغداد وهو شيخه وعليه تخرّج في نظم الشعر وسُمّي بالديلمي نسبة للديلم (قرية على بحر قزوين) حيث ولد. استخدم في بغداد مترجماً عن الفارسية وتشيّع وغلا في تشيّعه حتى قال له ابن برهان: «يا مهيار انتقلت من زاوية في النار إلى زاوية فيها». له ديوان كبير من الشعر في أربعة مجلدات ومن أشهر قصائده، بائيته التي يغنيها محمد عبد الوهاب والمعروفة بـ«أعجبت بي» وفيها يفتخر بنسبه الفارسي ودينه العربي (تسعة أبيات على «الرمل») مطلعها: «أعجبت بي بين نادي قومها أم سعد فمضت تسأل بي» ومنها: «وأبي كسرى على إيوانه / أين في الناس أب مثل أبي قد قبست المجد عن خير أب / وقبست الدين عن خير نبي وضممت الفخر من أطرافه/ سؤدد الفرس ودين العرب» لا يُخفى الشبه في التسمية، بين مهيار الديلمي ومهيار الدمشقي. ولعلنا لو أخذنا اسم «مهيار» على محمل الصوت، لرأينا أن مهيار في العربية، صيغة مبالغة على وزن «مفعال». ولعلّ في ضم الهاء للراء في جذر (ه ا ر) ما يجمع بين ما هو ليّن وهشّ (حرف الهاء) وإكثار الكلام من دون إصابة المعنى، بحسب ابن منظور. فإن أدونيس، في استعماله لمهيار كصوت وقناع، شبيه باستعماله للمتنبي في «الكتاب» كقناع آخر من أقنعته المتعددة. وكاستعماله قناع صقر قريش عبد الرحمن الداخل في تحوّلات الصقر (من ديوانه كتاب التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل» (ط1 1960) والغزالي في تعويذات لمدائن الغزالي من ديوان المسرح والمرايا (ط1 1965) هذا فضلاً عن مرايا كثيرة لأسماء من أساطير يونانية.. اورفيوس، سيزيف... أو سورية، يطبع عليها الشاعر صوراً لذاته. إن ثمة شيئاً ما من خلع الشعراء العرب للبوس الأمة المهترئ، وشهوة عارمة بغسل الهزائم بالنار والكبريت. (كما يقول خليل حاوي) او كشف العورة (بأسلوب مظفر النواب) أو شتيمة الأصول العربية للهزيمة (نزار قباني) أو السخرية حتى من الأبطال (مرثية جديدة على قبر صلاح الدين لأمل دنقل). سيكون من البساطة وربما من الخفّة وسم حركة الرفض في الشعر العربي الحديث والمعاصر بالشعوبية، ونقلها من أعماق القرون الوسطى إلى أواسط جديدة. وفي كل حال، وكيفما أدرت استعارة أدونيس لاسم مهيار الديلمي، فإن جزءاً ما أكيداً وكبيراً من تاريخنا العربي لم يجد الشعراء العرب كبير حرج في إحراقه والتنكيل به.. أصغي بين كلمات أغاني مهيار الدمشقي، لنشيج لا يحتمل. لأنني موجع على امتداد 144 صوتاً وأغنية ومزموراً، وضربات فؤوس مجنونة تحطم كل ما حولها من آلهة ومقامات وترتيبات داخل الردهة العربية، ولا يهمها (في غرفة الموتى هذه) ما يملأ الغرفة من بخور مقدس، أو من أشباح الملائكة والشياطين، بل ترى الشاعر ينهال بمهاميزه على ما يحيط به من كل شيء... ممتلئاً بشبح نيتشوي أكيد، لا من أجل تمجيد الشهوة أو النشوة الديونيزيسية، والرغبات الأولية التي قدسها نيتشه. وفضلها على ترتيبات العقل وقواعد الأخلاق اليونانية والمسيحية معاً وأحلها محل الأصنام المتنوعة التي حطمها، بل من أجل ماذا؟ نسأل ونجيب: من أجل الرفض إن الأقنعة المستعمَلة في «أغاني مهيار الدمشقي»، فضلاً عن مهيار نفسه، هي في القسم الأخير المسمّى «الموت المعاد»، على التوالي بصيغة مراثٍ لكل من عمر بن الخطاب، ابي نؤاس، الحلاج، بشار (بن برد). قد يبدر سؤال ما هو الخيط الجامع بين عمر بن الخطاب وكل من أبي نؤاس والحلاج وبشار بن برد؟ هو في مرثية ابن الخطاب، يشير إلى جبلة بن الأيهم وقصته معروفة مع عمر. يستدعي أدونيس من خلالها ما يسميه «الحجر الأخضر فوق النار». لنتفق على تسميته «العدل» المرفوع في موقع الجبروت... درة عمر بن الخطاب. لكن مراثي كل من أبي نؤاس والحلاج وبشار بن برد، قد تحمل إلى موقع آخر من رموز للرفض في مواجهة السائد من ثقافة وسياسة ودين وليس هذا كافياً للقول بشعوبية مستحدثة ومنسوخة من القرون الوسطى. نجد أطياف الرفض تطل بين طيات الأغاني وكسور المخلوقات وتضاعيف الصور، التي تحيط بالشاعر كما تحيط الألعاب المهشّمة بطفل غامض انتابته موجة من الغضب، جعلته فجأة يرفض، ويحطم جميع ما يحيط به من دمى، ثم يقف مفتوح العينين مبعثر الشعر حائر الملامح بين أنه شقي أو أنه سعيد. كمجنون في نشوة ويشير بإصبعه إلى الأنقاض. إن مهاميز أدونيس (تيمّناً بما كتبه دريدا عن نيتشه في كتابه أساليب نيتشه: مهاميز EPERONS) فعلت فعلها على كل حال. يقول: «ماذا إذن تهدّم وجه الأرض ترسم وجهاً آخر سواه ماذا إذن ليس لك اختيار غير طريق النار غير جحيم الرفض حين تكون الأرض مقصلة خرساء أو إله». (قصيدة ليس لك اختيار) - ملامح مهيار - ملامح مهيار الدمشقي أو صور مهيار في الديوان كثيرة. وتأتي من خلال أناشيد أو قصائد مقطعية، مختزلة بمعظمها، موزونة بأوزان الشعر الحر، وبعضها مرسَل، غالباً ما يُسمّى المقطع منه بـ«مزمور».. - من النشيد الأول أو المزمور الأول يشير الشاعر إلى بطله على أنه «فيزياء الأشياء» ونفهم من ذلك أنه حركتها وتحولاتها. وأن هذا الكائن له قدرة عجائبية على التخلق أو التشكل «يخلق نوعه بدءاً من نفسه» وندرك مع القصائد التالية أنه «مدمر»، «هوذا يأتي كرمح وثني غازياً أرض الحروف» وقوته في كلماته (ليس نجماً) ومهيار ملك.. بل لغة. وأصوات «مهيار ناقوس من التائهين في هذه الأرض الجليلية» (صوت) ولعله يولد من العدم أو مما حطّمه من الوجود من المادة والغبار من «جثة المكان» (كما يقول تولد عيناه) وهو (كخالق للوجود الجديد من كسور العالم القديم) ذو قوة عنفية تدميرية، لا يؤلف بين الأشياء بقوة الحب، بل بقوة الموت.. لأنه يأكل نفسه ليولد من جديد. «باسم تاريخه في بلاد الوحول يأكل حين يجوع جبينه» (قناع الأغنيات) وهو باختصار: الملك والإله والرمز واللغة. بل لعله «كاهن مثقل باللغات البعيدة. كاهن حجري النعاس»(العهد الجديد) ولغة جديدة: «إنه فارس الكلمات الغريبة» لا ريب أن لدى أدونيس، هاجساً مردوداً من الحركة (الفيزيس) والميتفيزيك فصوره مكتظة بمفردات النبوة، الإله، السماء، الأسرار.... وحتى القدرة على التغيير، كما القدرة على الردم والتهشيم، هي ثورة إذاً على أصل ديني مستور، ولا تتجلى إلا في لغة الشاعر. والمفارقة أن لغته ذاتها لغة غيبية قرآنية «لكن لاهوتها لاهوت معكوس. أعني أن رحلة (الخارق) أو (الموعود) أو (المحول، المدمر، الماحق، الطوفاني، الرافض) لا ينتمي لمخيلته الدينية بمقدار ما ينتمي لوثنية ما... هو يسميه القديس البربري»: (لا ننس أن الشاعر واسمه علي أحمد سعيد اسبر اتخذ اسم إله وثني سوري أدونيس). - ذاك مهيار قديسك البربري يا بلاد الرؤى والحنين حامل جبهتي لابس شفتي ضد هذا الزمان الصغير على التائهين ذاك مهيار قديسك البربري تحت أظافره دم وإله إنه الخالق الشقي» (البربري القديس م 1 ص 352) وهو لا يختار «لا إله ولا هاوية الشيطان» لأنه لا يريد «أن يبدل الجدار بالجدار» (هو يريد أن يكون خارج هاتين المملكتين خارج العصيان والخطيئة (بالمعنى الديني) ليعيش في داخل جرح الكلمة الوثني. «إنني لغة لإله يجيء إنني ساحر الغبار» (أورفيوس 377) تأخذ لفظة «إله» لدى أدونيس معاني غير معنى اسم الجلالة (الله) في الإسلام. هي مفرد «آلهة» ومجمع الآلهة هو مجمع وثني لدى اليونان القدماء وحتى حين يذكر لفظ الجلالة بذاته «الله»، فإنه ينحو به منحى وثنياً أي يعطيه وهو في وثنيته هذه، وهي وثنية فتاكة وساحرة معاً، ليس الجمال، وليس الأخلاق، وليس الحب... إلخ وليس لأية أقانيم دينية أو أخلاقية بل هي أقانيم التحوّل القاسية. لعله الموت عينه يقول في «مزمور»: «أحمل هاويتي وأمشي... إنني الموت حقاً»، «إنني نبي وشكاك» هو «نبي ومسخ». أعرف أنني شرخ الموت أتبطن القبر وأخنخن كلماتي. لكنني حيّ... وحيث أعبر «الموت واللاممر». إذن، نحن لسنا أمام ملاك طهراني وسماوي (كما هوهلدرلن في إطار هيدغر) بل هو هادم ومدمر... باللغة. ويعطي لكلمة إله ما أعطى اليونانيون القدماء من احاسيس ورغبات لآلهتهم فهم يأكلون ويشربون ويحتربون... كالبشر تماماً. يقول: «انتظر الله الذي يحار يضحك يبكي ينحني يضيء وجهك يا مهيار ينــبئ بالــله الــذي يجــيء» (الآثــار الكــاملة رؤيا ص 379) وهكذا يتقدم الرجل في أغانيه ومزاميره وصوره، من خلال كيمياء لغوية متلاحمة، ل ا ينظمها سوى الإيقاع الذي غالباً ما يندرج في الأوزان، أو يفلت منها في المزامير. وهي إيقاعات متهاترة متآلفة متنابذة تسبح كأسماك في بحر، تنساب او تفترس بعضها البعض... وتتشكل منها جميع احتمالات الكلام. إن ثمة أطيافاً من هيدغر في كتابه عن الحركة ((la phisis وكتبه الفلسفية المتعلقة بالميتافيزيك واللغة مثل كتابه «الطريق إلى الكلام» Acheminement vers la parole Gallimard» - رفض ماذا؟ لا نستطيع فهم بعض أبعاد أدونيس في «أغاني مهيار الدمشقي» من دون تماس مثلث فكري لغوي - تاريخي. إذ أية حوادث تاريخية أنطقت الشاعر في أواسط القرن الفائت، كما أنطقت سواه من شعراء الرفض العربي مثل محمد الماغوط بمثل هذا الجنون المدمّر للأبنية الثقافية والسياسية العربية في زمن يؤرخ له بأنه زمن الثورات القومية في مصر وسوريا والعراق والشمال الأفريقي على الاستعمار، والخروج من دهاليز عصر الظلمات الطويل (المغولي التركي الغربي) بحركات التحرر العربية؟ فحين يحشرج الماغوط، في الفترة الزمانية نفسها قائلاً في قصيدة الفائض البشري «آه لو يتم تبادل الأوطان كما الراقصات في الملهى»، الآثار الكاملة مجلد 1 ص 15، ومثله أدونيس القائل «إنني خائن أبيع حياتي للطريق الرجيمة إنني سيد الخيانة». وفي كل خطوة من خطواته ترتسم علامات الارتجاج والتدمير». وهو أكثر إلغازاً من الماغوط الذي يضع إصبعه مباشرة في الجرح ويفرك فيه وأكثر باطنية من نزار قباني وأثقل وطأة من مظفر... حين يحشرج هؤلاء الشعراء بمثل ما كتبوه ماذا يريدون؟ ماذا يريد أدونيس؟ هو يصرخ كالمجنون.. «أيها البحر أيها الأبيض أيها الفرات أيها العاصي وأنت يا بردى لقد شربتك جميعاً وما ارتويت»، ليعود فيمجّد اليأس ويناديه. علينا أن نصغي إلى أدونيس جيداً. إلى الرجع الأبدي لمهيار. بقلم :محمد علي شمس الدين |
النقاش الأدونيسي http://assafir.com/Medias/Photos//20...ae99c6c3c5.jpg أدونيس (مصطفى جمال الدين) يصح أن نقول في أدونيس إنه شاغل الناس، فالرجل منذ انخرط في الأدب والثقافة، وهو يخرج من معركة إلى معركة ومن خصومة إلى خصومة مع أوساط وتيارات ومدارس فكرية وأدبية، وحتى مع حكومات، رغم أن الرجل قلما يناوئ سلطة سياسية بعينها إلا أن ضلعاً سياسياً في كل خصومة تنشأ ضده. أدونيس ليس شاعراً مؤثراً وذائعاً فحسب، إنه إلى الشاعر يجمع تنظير الشعر، كما يجمع المفكّر وصاحب المواقف، وهذه جميعها لا تنجو من السياسة. أدونيس الشاعر والمفكّر والمنظّر، هو كل ذلك مجتمعاً في واحد. ذلك يمنحه حضوراً لافتاً بل أدونيس هو هذا الحضور المتعدّد المصادر والآفاق. في هذا الحضور الذي طغى على الثقافة العربية في بعض حقبها، كان سجال أدونيس حول التراث العربي والحداثة الشعرية والدين والثقافة العربية الراهنة، وهو سجال هجومي وإشكالي في آن معاً، يشكل عناوين بارزة في السجال العام، سرعان ما كانت تستفز العصبية القومية والدينية والتراثية فيتهم أدونيس بالشعوبية ومعاداة العرب والإسلام وتخريب الشعر العربي. هذه تهم قوامها سياسي رغم أنها بالدرجة نفسها ثقافية، إلا أن الركيزة الايديولوجية للخطاب القومي ـ الديني، طالما اصطدمت بأطروحات أدونيس التي لم يكن مقلاً في طرحها واستدراج الخصومات عليها. وإذا شئنا أن نلخّص قلنا إن السجال مع أدونيس لم يكن سجالاً مع شاعر فحسب، إذ لا يحتمل الشعر وحده هذا السجال بقدر ما هو سجال مع مفكّر حقبة من الثقافة الراهنة، لذا كان هذا السجال من وجوه الجدل الثقافي العربي، ومن أكثر وجوهه تواتراً وصخباً. الشعوبي، عدو العرب والإسلام، وبسبب ذلك عمد إلى تخريب الشعر وهو درة الأدب العربي وحامل الروح العربية وحافظها. هذا الخطاب الذي يختلط فيه الشعبوي بالايديولوجي بالدعوي والديماغوجي، يمكننا القول إنه الايديولوجيا السائدة التي تكرس أصناماً لفظية ونعرات شبه غريزية، لم يتجاهله أدونيس ولم يتعالَ عليه، بل عمد إلى مواجهته مباشرة واستفزازه مراراً، فكان بذلك مناضلاً. يختار ساحته وخصمه ولغته الهجومية والاستعدائية فيجرّ هكذا الخصم إلى موقعة عامرة عارمة، ويواجهه بلغة قطعية حاسمة، إن لم نقل استفزازية. لنقل إننا هكذا أمام خطاب شعبوي يحاصره الآخر في شعبويته ولا يمانع في أن يقلب عليه منطقه، ويصيبه من داخله. أدونيس المناضل لا ينفك يثير معارك حول الموضوعات نفسها، معاركه متوقعة الصدى والردود بل والهبوب، ينتقل بها أدونيس من مكان إلى آخر، أمكنة حساسة وغير حساسة، معبّأة وغير معبّأة. كأنه بذلك يذيع أفكاره ويثبتها ويغرسها غرساً ويقرّبها من المتناول. لنعفّ عن هذا النقاش فهو ليس موجهاً إلينا. الخطاب الشعبوي الغريزي هو خطاب النعرة البعثية والأصوليات الدينية التي حاسبت أدونيس سياسياً، فحرم من دخول العراق والسعودية، وطرد من اتحاد الكتّاب العرب في دمشق، لكن تحت هذا النقاش نقاشاً آخر لا يثير معارك ولا يمر في معارك، إنه هامش نقاش أقلوي مشاركوه أفراد وأفراد فحسب. «الثابت والمتحوّل» بأجزائه الثلاثة قد يكون رائداً في بابه. إنه من أمهات الكتب التي تتناول الثقافة العربية ككل، وتنسقها في مندرجات نظرية وفي سيستام يجتمع فيه الأدب إلى الدين إلى علم الكلام إلى الفلسفة إلى التصوّف. أضاء «الثابت والمتحول» على جوانب كانت مغمورة من التراث كبعض التجارب الصوفية، «النفري» على سبيل المثال، وعرض التراث لنقاش جديد واستخرج منه وعليه أسئلة مبتكرة. كان على هذا النحو يساهم في إحياء التراث وقراءته قراءة معاصرة، لا بد أن هذا وحده رد على التهم الشعبوية الموجّهة لأدونيس «الشعوبية بوجه خاص» إذ أن الذين وجهوا هذه التهم لم يخدموا التراث العربي بمقدار ما خدمه أدونيس، ولم يكن له علم بالتراث كالعلم الذي له، إلا أن نقاشاً آخر ومن وجهة أخرى، يأخذ على «الثابت والمتحول» منهجه. فهو في إدراج للثقافة العربية في خطين متضادين «ثابت ومتحول» كان، يدخل في مأزق منهجي هو ثنائية أطلق عليها البعض «مانوية» أي مقابلة بين متضادين. الثابت والمتحول ليسا أقنومين صافيين، في الثابت نقع على عنصر متحول أو عناصر متحولة أو في المتحول نقع على عنصر أو عناصر ثابتة، ثم إن بين الثابت والمتحول درجات من التراسل والتفاعل والتبادل. فالمتحول في تحولاته يغدو ثابتاً والثابت متحولاً، فليس الثبات والتحول أقنومين جوهرانيين. ليس لهما بهذا المعنى جوهر دائم، إنهما عرضان متحولان هما أيضاً. كان هذا نقداً للرؤية الأدونيسية يتهمها بالجوهرانية والثنائية، ويرى أنها من هذه الناحية تقع في ما تنتقده فهي إذ تصم الثقافة العربية بالثبات والصنمية تجعل من التحول والتغيير جوهراً وأقنوماً ثابتين. لا يخفي أدونيس في نقده للثقافة العربية الراهنة اعتبارها متخلفة بل وشبه غائبة وغير موجودة، هذا رأي يصح ولا يصحّ، لكن ما يؤخذ على أدونيس انه لا يعرض لدوره في هذه الثقافة التي كان من أوائل روادها ومؤسسيها. لا يبدو اعتراض أدونيس على الثقافة العربية الراهنة نقداً ذاتياً بأي حال. إذ لا شك في أن أدونيس يكاد يخرج نفسه من الثقافة التي كان أحد بناتها الأساسيين. إنه يتبرأ منها ولا يعترف، على الأقل، بمسؤوليته فيها. شيء آخر، كان أدونيس من أول دعاة الحداثة، حداثة الأدب وحداثة الفكر وكان له إسهامه البارز في المجالين، غير أن داعية الحداثة في الشعر ما لبث أن وجد أن الثقافة العربية والشعر العربي لم يفهما الحداثة، وكل ما فعلاه هو أنهما انتكسا إلى تقليدية، لا تقلّل منها الأشكال التي يتخذها الشعر (قصيدة النثر على سبيل المثال)، لا يقول لنا أدونيس إلا أن رؤيا وفلسفة هذه القصيدة تقليديتان، لا يهم هنا الشكل. لا يقول لنا أدونيس أي رؤيا وأي فكر تضطلع بهما الحداثة، وبالطبع يخرج نفسه من الانتكاس إلى التقليد. هنا نجد أنفسنا أمام حداثة جوهرانية أيضاً، حداثة مثالية لا يمكن بلوغها. وقد يكون الأثر الأدونيسي، في هذا السياق، مثالها العربي الوحيد. هكذا تغدو الحداثة طلسماً لا يفك سحره ولا يفتي فيه سوى أدونيس، كما يغدو سرها عنده، إنه المؤسس وله بهذه الصفة الحق في أن يتحقق من الحداثة، كما أن له ملء الحق في أن ينعاها، إذا لم يؤد الأبناء والأحفاد الرسالة كما وعاها هو ورسمها، أو ضلوا وانحرفوا واختلفوا عن نموذجها الأدونيسي. بقلم : عباس بيضون |
"التنين" الروسي يقتنص "اللؤلؤة السوداء" في أبوظبي http://cdn.rt.com/media/pics/2014.11...833d8b45e9.jpg مهرجان ابو ظبي السينمائي abudhabifilmfestival.ae فاز فيلم "لافاياثان" (التنين) للمخرج الروسي أندريه زفيانتسيف بجائزة اللؤلؤة السوداء للأفلام الروائية الطويلة، بمهرجان أبوظبي السينمائي الذي اختتم فعاليات دورته الثامنة أمس الجمعة. كما منح الممثل الروسي اليكسي سيريبرياكوف جائزة "أفضل ممثل"، وحصل صناع الفيلم على جائزة نقدية بقيمة 100 ألف دولار كذلك فاز الفيلم الروسي الثاني "اختبار" من إخراج الكسندر كوت على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في المهرجان و50 ألف دولار. وقال منتج فيلم "لافاياثان" الكسندر رودنيانسكي: "نحن سعداء بهذه الجائزة. وحقيقة فوز فيلمين روسيين هذا العام يشهد على النصر غير المشروط للسينما الروسية". وكان فيلم "لافاياثان" الفائز في مهرجان كان السينمائي قد حصل على العديد من الجوائز في المهرجانات السينمائية الأوروبية، أهمها الجائزة الكبرى لمهرجان لندن السينمائي الـ58 ومهرجان ميونيخ والجائزة الرئيسية في مهرجان الفليم الصربي في باليتش، كما تم ترشيحه من قبل روسيا للحصول على جائزة "أوسكار" في فئة "أفضل فيلم أجنبي". وشهد حفل اختتام المهرجان الإعلان عن الفائزين في فئات مسابقات الأفلام الثلاثة التي تتضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، ومسابقة آفاق جديدة، ومسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة. ونال الفيلم العراقي الألماني " ذكريات منقوشة على حجر" جائزة أفضل فيلم من العالم العربي. والفيلم الذي أخرجه شوكت أمين كوركي يدور حول "المجزرة التي ارتكبها الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بحق الأكراد في إقليم كردستان عام 1988، والتي ذهب ضحيتها 200 ألف قتيل" وفق وصف لجنة التحكيم. وفاز اللبناني غسان سلهب بلقب أفضل مخرج من العالم العربي عن فيلمه الوادي. وفي مسابقة آفاق جديدة ذهبت جائزة اللؤلؤة السوداء إلى الفيلم الإيطالي الألماني العجائب للمخرج أليتشه رورواتشر. ونال الفيلم الأردني "ذيب" لمخرجه ناجي أبو نوار جائزة أفضل فيلم عربي، فيما منحت جائزة أفضل مخرج من العالم العربي الى الياس سالم مخرج فيلم الوهراني. وذهبت جائزة مسابقة الأفلام الوثائقية الى فيلم فيرونجا للمخرج أورلاندو فون اينزيدل، بينما نال جائزة أفضل فيلم وثائقي من العالم العربي "المطلوبون الـ18 "للمخرجين عامر شوملي وبول كاون. ونالت ياسمين فضة مخرجة فيلم ملكات سورية لقب أفضل مخرج عربي. |
أنجيلينا جولي تلمح إلى جاهزيتها للانتقال إلى مضمار السياسة http://cdn.rt.com/media/pics/2014.11...c8338b456c.jpg أنجيلينا جولي أدلت الممثلة الامريكية المشهورة أنجيلينا جولي بتصريح لمجلة " Vanity Fair " الأمريكية لمحت فيه بأنها جاهزة لأن تجرب نفسها في مضمار السياسة أو الدبلوماسية أو الخدمة الحكومية. وأعلنت قائلة:" إذا أردتَ تغيير شيء فيجب عليك تولي هذه المسؤولية". وقالت مجيبة على سؤال مباشر موجه إليها عما إذا كانت جاهزة لأن تكرس حياتها للسياسة والدبلوماسية والخدمة الحكومية، قالت : " أنا مفتوحة". يذكر أن الملكة البريطانية إليزابيث الثانية كرمت في اكتوبر/تشرين الثاني الماضي انجيلينا جولي بمنحها منزلة "السيدة" تقديرا لدورها في المجال الإنساني، ومنحتها وسام الصليب الكبير للقديسين ميخائيل وسانت جورج. كما إن أنجيلينا جولي تولت دور مبعوثة النوايا الطيبة بتفويض من إدارة المفوض السامي لشؤون اللاجئين في منظمة الامم المتحدة. وزارت في إطار تلك البعثة عشرات البلدان التي تواجه كوارث إنسانية. وقامت بتأسيس بضعة صناديق خيرية، وشاركت في عقد لقاءات سياسية على المستوى العالي في الولايات المتحدة وأوروبا لترويج الخدمات الانسانية للمحتاجين. المصدر: "نوفوستي" |
من وعد بلفور إلى وعود «الخلفاء»! طلال سلمان أما وقد تحوّل «وعد بلفور» إلى أقوى كيان عنصري مسلح في الشرق العربي تحت اسم «إسرائيل ـ دولة يهود العالم»، فإن «العرب» قد نهضوا لتقسيم المقسّم من بلادهم بحيث يزيدون عدد دولهم في العالم، فتصير لهم «الأكثرية» في الأمم المتحدة و«الفيتو» القاطع في مجلس الأمن الدولي أيضاً. ذلك أنه عشية الذكرى السابعة والتسعين للوعد الذي أعطاه وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور إلى زعيم الصهاينة من اليهود البريطانيين اللورد إدموند روتشيلد، «لتأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين» ، تتهاطل على الرعايا العرب وعود من النافذين والقادة في أهلهم، بإقامة دول عدة (جديدة ومختلفة عن الموجودة) فوق أرضهم الممتدة بين المحيط والخليج. .. وإذا كان «أبو بكر البغدادي» قد أعلن قيام «دولة العراق والشام» وسمّى نفسه خليفة عليها، فثمة «امراء مؤمنون» كثر هم بصدد إقامة «دولهم» إما داخل «دولته» ذاتها أو من حولها في مختلف أنحاء بلاد الشام مع تمدد محتمل نحو اليمن في أقصى الشرق العربي ونحو ليبيا غير بعيد عن أقصى الغرب العربي. ففي سوريا الآن عشرات الدويلات المقتتلة في ما بينها، على الحدود الطويلة مع تركيا كما على الحدود القصيرة مع الأردن، في حين لما يحسم الصراع على الفضاء الممتد بين سوريا والعراق بين أساطيل الطيران الحربي الأميركي أساساً ومعه أقوى الطائرات وأسرعها في دول أوروبا الغربية وأستراليا، فضلاً عن أسلحة الجو الخليجية بطياريها والطيارات جميعاً، وبين أسطول سيارات «نيسان» و«تويوتا» التي حوّلها «الخليفة» إلى بديل من الدبابات ذات الجنازير. ... وفي العراق تتهاوى مشاريع دول مذهبية لتقوم مشاريع دول قبلية، فضلاً عن استقلال الأكراد بدولتهم، في انتظار نتائج الحرب مع «دولة الخلافة» بحسم الصراع بين الخلفاء في «داعش» و«النصرة» وما قد يستجد أو يستولد «القاعدة» من «دول» أخرى. أما في لبنان، حيث لكل جهة «دولتها»، فقد يجتمع الرؤساء (أو الخلفاء) المحتملون للدول المحتملة ويجمعون على «وعد» بالتمديد الثاني للمجلس النيابي، وربما سيعقبه ثالث، ولا من يستنكر أو يستهجن انطلاقاً من أن «المجلس سيد نفسه»، فضلاً عن أن الانتخابات عملية شكلية ولكن مكلفة، وقد تحفل بمعارك ديموقراطية طاحنة بين قطعان الناخبين من رعايا «الخلفاء» المتواطئين على التمديد إلى ما شاء الله، ما دام الأمر لهم من قبل ومن بعد. وفي لبنان، أيضاً، «وعد» بانتخاب رئيس جديد للجمهورية العتيقة ذات يوم... ولا ضرورة للاستعجال، إذ لم يلمس «الشعب» أية فروق بين أن يكون له «رئيس» ينتخبه العالم، أو حكم بلا رأس، أو برأس بدل من ضائع تمثله حكومة بتواقيع ـ ومنافع ـ كثيرة. وليست كل «الوعود» للتنفيذ كما «وعد بلفور». وربما لأن «العرب» مشغولون بوعود كثيرة سمعوها من قادتهم وأمراء المؤمنين فيهم، فقد نسوا فلسطين وتركوها لمصيرها «الإسرائيلي»، وانهمكوا في حروب تصفية لدولهم العتيقة تمهيداً لإقامة دول جديدة بعدد قبائلهم ومذاهبهم والطوائف، فضلاً عن الأعراق والأجناس والقوميات، أما لبنان فقد اجتمع العالم كله فيه، وهكذا ارتاح وأراح، ولا يهم أنه يرتج بفعل انفجارات طائفية أو مذهبية، بين الحين والآخر، ولكنه لا يسقط لأنه «محروس من الله» أو هكذا يظن أهله، قادة ورعايا. وأنعم بالله حارساً وحافظاً من شرور «الخلفاء»! |
أزمة المسلمين في تسييس الإسلام سليمان تقي الدين يواجه العرب والمسلمون أزمة تاريخية عميقة جراء صعود الإسلام السياسي وتصدّره الفعال المشهد لا سيما الإسلام السلفي الجهادي التكفيري. يجيب البعض، من موقع الإسلام السياسي نفسه، ان ظاهرة التكفير والعنف والإرهاب ليست حقيقة الإسلام وانه يجب تصحيح الصورة فكرياً وتقديم النموذج الآخر. بالرغم من أهمية هذا الطرح والمسؤولية الكبرى للقوى والتيارات البعيدة عن الممارسات الشاذة المتوحشة، إلا أن هذا الأمر يحتاج فعلاً إلى نموذج يضع الإسلام كثقافة لمعظم مكونات الأمة خارج الاستخدام السياسي، لأن ذلك يجعله حتما في وضعية النزاع على السلطة المعنوية والمادية الرمزية والواقعية. كل محاولة لجعل الدين مشروعاً سياسياً أي مرجعية للدولة أو السلطة أو ثقافة سائدة أو مهيمنة هي مشروع صراعي، والصراع على السلطة له وسائل وأدوات غير ثقافية وعنفية في هذا المجال. ما نشهده الآن من تأزم للنزاعات يعود في جزء أساسي منه إلى إقحام الهويات الدينية في الصراع السياسي. ومن سوء الحظ أن المداخلات الخارجية تصب في الوجهة نفسها إن بسبب هوية المتدخلين أو بسبب استثمار الخارج لصراع الهويات هذا. كانت الأصولية أو السلفية الإسلامية ثقافة خليجية سعودية الأصل لأسباب وظروف تاريخية معروفة. لكنها لم تكن قابلة للتصدير قبل تراجع المشروع القومي العربي وظهور سلطة النفط. ولكن بتبرير هذه المرة في صد محاولة تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية، أي الإسلام الراديكالي الذي يصيب الأنظمة العربية كلها بمقتل تخاذلها وتخلفها وهجانة ثقافتها أمام شعوبها، والإسلام الإيراني نفطي كذلك وله أبعاد قومية ومذهبية ومصالح إقليمية. ليس صدفة أن تصدير الثقافة السلفية (الوهابية) هذه تصاعد مع صعود الدور الإيراني واغتذى من هذه التناقضات وأقام مشروعاً متكاملاً في مواجهة تحديات الخارج بالتقاطع مع الغرب ضد السوفيات في أفغانستان وبقايا نفوذهم في العالم العربي وضد النموذج الإيراني. إيران نموذج لإسلام سياسي خاص، لشعبها أن يقرر مدى ملاءمته لحاجاته ووعيه وطموحاته. لكن حين يصير هذا النموذج مادة للتصدير لا نكون أمام عمل تبشيري ثقافي فقط بل أمام سلطة تجذب بصورة أساسية فئات من الشعوب العربية ذات وضعيات مذهبية. وهذه الفئات تحمل إرثاً تاريخياً طويلاً من الصراع حول تفسيرها أو تأويلها الخاص للإسلام ولما يترتب على ذلك من نقض لهويات السلطات القائمة ومنظومة ثقافتها وممارستها. قد يكون لهذه الفئات مظلومية مشروعة في كبت حرياتها العبادية ونشر أفكارها وكذلك في الموقع الاجتماعي والسياسي الذي فرض عليها، أو شكوى أحياناً من استهدافها ثقافياً وسياسياً. لكن ذلك لا يمكن معالجته في محاولة احتكار شرعية المرجعية الإسلامية ثقافياً وسياسياً أو في محاولة بناء مرجعية مركزية تحت شعار وحدة الإسلام والمسلمين. المسلمون في وجودهم الراهن مذاهب فكرية تحولت إلى منظومات سياسية متجسدة في دول وطوائف. لم يكن بينها في القرن الماضي نزاعات حادة لأنها اندرجت جميعها في مشاريع سياسية محافظة أو راديكالية. انهيار المشروع العربي جعل منها أحزاباً سياسية تبني نفوذها ومواقعها على البيئات الطائفية. هذا واقع لا يمكن معالجته بفتاوى العلماء ولا المرجعيات الدينية المتعددة والمتعارضة ولا من خلال البحث عن «المشترك الإسلامي». المشترك الإسلامي لا رصيد كبيراً له في ما نعلم إلا ما صار يُعرف بالقيم والمبادئ العامة التي صارت جزءاً من ثقافة الأمة ووجدانها الجمعي ومن بنية الدولة الحديثة. في ما خلا ذلك «لم يسل سيف في الإسلام كما سلّ في مسألة الخلافة والإمامة» أي الحكم والسلطة. هذا النزاع يتجدد اليوم مع تبلور غير مسبوق للطوائف بوصفها مؤسسات سياسية تعبر من خلالها الكثير من امتيازات السلطة. وليس أدل على ذلك من محاولة تغطية البعد المذهبي والبعد السلطوي تحت مسمى مواجهة الخارج، والدفاع عن هوية ومصالح الأمة. آلت النزاعات في لبنان والعراق وسوريا واليمن والبحرين إلى انشطار مذهبي طائفي ليس من أثر فيها للبحث عن نموذج مشترك مع باقي المكونات الإسلامية وغير الإسلامية، وكأن جمع هذا التعدد والتنوع يحتاج إلى قطب مسيطر يقود الآخرين حيث يشاء من موقع القوة إلى خياراته السياسية والثقافية. لكن الإسلام السياسي بتياراته وأطرافه كافة لم ينتج حتى الآن نموذجاً جاذباً مؤسساً للتقدم الاجتماعي والإنساني، بل تفوق هنا أو هناك بمنطق القوة المرتكزة إلى العصبية لا إلى التنظيم الاجتماعي. فحين يرتبط صعود أي فئة اجتماعية ببعد إيديولوجي عصبي يتحول إلى مشروع شمولي مقلق للآخرين. |
الحلم العربي من "الوحدة" إلى تفتيت الدولة الواحدة! طلال سلمان صار "الوطن العربي" بمشرقه خاصة، مع تمدد إلى بعض مغربه، "أرض مشاعٍ" مفتوحةً للعصابات المسلحة رافعة الشعار الإسلامي، بالشراكة ـ معلنة أو مستترة ـ مع قوى الاستعمار الجديد بالزعامة الأميركية. تختفي، فجأة ومن دون مقدمات، الحدود بين الدول الشقيقة التي طالما ناضل "الشعب الواحد" من اجل إسقاطها توكيدًا لوحدته وتوطيدًا لمسيرته نحو الغد الأفضل، وترتفع رايات "الخلافة الإسلامية" فتستنبت او هي تبعث من بطن الماضي إمارات العشائر ومشيخاتها، ويغيب العلم الوطني، ويختفي الجيش الوطني الذي سيتبعثر بحسب الانتماء المذهبي لضباطه وأفراده. تصير سوريا مجموعة من المقاطعات تتحكم في بعضها تنظيمات مسلحة تتوحد تحت شعار: "لا إله إلّا الله، محمد رسول الله"، ثم تختلف فتقتتل على حق الإمرة والسلطة وحدود الإمارة، بينما تستمر "الدولة" قائمة في "المركز" دمشق، وينتشر جيشها على مساحات واسعة، فينهكه القتال الذي لا ينتهي ضد تنظيمات تتوالد من ذاتها، وتجد من يرعاها ويدعمها ـ عربيًا بالأساس ودوليًّا ـ بالمال والرجال والسلاح، وتتواصل الحروب من دون أفق للانتصار. "يذوب" الكيان الرسمي السوري، في إمارات مستقطعة لميليشيات متعددة الهوية، بين "إسلامية معتدلة" و"إسلامية متطرفة" و"علمانية"، يلجأ إليها المنشقون من غير الإسلاميين، الذين يرون أنفسهم "البديل" من النظام القائم المدموغ ببدعة العلمانية. أما العراق، فيعيش مرحلة الاضطراب العنيف الناجم عن إسقاط "الدولة" بالاحتلال الأميركي، ويتوزع شعبه بحسب الانتماء المذهبي لكل جهة: البعض يريد الانتقام من عصور الاضطهاد وآخرها عهد صدام حسين، فيحاول الإمساك بمرافق الدولة جميعًا، نابذًا "أهل السنة" بعد اتهامهم بإقصائه عن السلطة منذ إقامة الدولة في العام 1920. وهكذا تتآكل الدولة بالجيش والقوى الأمنية وتهدر المليارات نهبًا وصفقات مشبوهة، بينما الأكثرية الساحقة من العراقيين تعيش في قلب البؤس والعوز. حتى إذا ما دخل "أمير المؤمنين" بطابور مقاتليه من بعض أنحاء تركيا، مخترقًا مئات الكيلومترات في سيارات يابانية لم تستخدم من قبل، وصولًا إلى "الموصل"، انتبهت "الدولة العراقية" من غفلتها فاشتد الصراع بين سياسييها ليحسم نتيجة "تدخل دولي مزدوج" بإقامة حكومة جديدة ضعيفة، وباتخاذ قرار مواجهة " الخليفة" من الجو: هكذا امتلأت السماء العراقية بأسراب الطيران الحربي التي جاءت على عجل، أميركية وأوروبية و"عربية" وصولًا إلى أستراليا، من أجل ضرب مشروع "الدولة الإسلامية في العراق والشام". ومما يضحك ويبكي أن هذه الحرب الكونية على "داعش" قد أسقطت الحدود السورية ـ العراقية، من دون استئذان. وهكذا أسقط الاستعمار الجوي الأممي الاعتبار عن الاستعمار البري الذي كان قد أقام الحدود بين النفوذَين البريطاني والفرنسي في أعقاب الحرب العالمية الأولى عبر تقسيم بلاد الشام دولًا شتى أبرزها العراق وسوريا. وإذا ما أُسقطت هذه الحدود، فعلًا، صار مشروعًا الحديثُ عن "دول" أخرى في المنطقة، أولها الأردن (وصولًا إلى فلسطين) وآخرها لبنان الذي يعيش نظامه السياسي ـ وبالتالي كيانه ـ في قلب العاصفة. في الطرف الآخر من شبه الجزيرة العربية، يشهد اليمن "فورة سياسية" تهدد كيانه السياسي، المتصدع أصلًا، بالانهيار، إما عبر تقسيمه مجددًا بين شمال وجنوب، وإما عبر حرب أهلية مفتوحة، بما يريح السعودية ويرد على "الهجوم الإيراني" بفرط اليمن جميعًا حتى لا يكون منصة هجوم مباشر على المملكة المذهبة. أما على الجانب الأفريقي للوطن العربي، فإن الحرب الأهلية التي تلتهم ليبيا باتت تهدد جيرانها جميعا، وبالذات مصر التي تخوض حربًا شرسة ضد "الإخوان المسلمين" فيها. وها هم "إخوانهم" في ليبيا، وبدعم قطري مفتوح، يحاولون الاستيلاء على السلطة كلها أو بعضها، مما يشكل خطرًا داهمًا على مصر كما على الجزائر عبر تونس، من الجهة الأخرى، مع احتمال انتشار النار إلى بعض دول أفريقيا، وأولها نيجيريا، حيث للتنظيمات الإسلامية أكثر من مدى حيوي. هل من المبالغة القول إن الأرض العربية مشاع، يأخذها الأقوى بسلاحه أو بماله أو بالأمرين معًا، فإن عَزَّتِ القوة على الغني لجأ إلى الأقوى، ففتح له أرضه وسماءه وآبار نفطه كي يحميه من التنظيمات الإسلامية التي كان المبادر إلى تغذيتها وتعزيزها ونشرها في المحيط، فلما تعاظمت قوتها ارتدت عليه؟ وهكذا انعقدت المساومة الصعبة مع الأميركي الذي كان شريكه في توظيف هذه التنظيمات في حربه على العروبة! ليس مبالغة القول إننا نشهد عملية تفتيت منهجية لعدد من أهم الدول العربية موقعًا أو ثروة، ما يهدد جيرانها بانتقال النار إليها. إن سوريا تشهد حالة تفتيت لجهاتها وأنحائها كافة، فيصير الشرق غير غربها، ويصير شمالها غير جنوبها، وفي كل جهة "سلطة" قد لا تدوم طويلًا، ولكن زوالها سيترك جرحًا عميقًا، بحيث يزيد من صعوبة إعادة توحيدها في دولة واحدة. وحتى لو افترضنا أن الدولة المركزية انتصرت عسكريًّا، بعد حروب هائلة الأكلاف والضحايا، فإن إعادة بناء سوريا سوف تستهلك أجيالًا من شعبها، لإعادتها إلى ما كانت عليه، بينما وتيرة التقدم الإنساني هائلة الاندفاع إلى ذرىً كانت في مستوى الأحلام. أما العراق فهو مهدد بما هو أخطر مما يهدد سوريا: لقد تصرف الغرب مع الأكراد في العراق وكأن كيانهم الذاتي في الشمال ـ كردستان العراق ـ هو "أمة تامة" وكيان سياسي مستقل قائم بذاته وأن العلاقة مع المركز في بغداد هي إلى حد كبير بروتوكولية: يأخذ منها حاجته للاستقلال ويشاركها في مواردها كافة. إن نفط سوريا منهوب: فقد استولت العصابات المسلحة، بالشعار الإسلامي، على العديد من الآبار، وهي تستخرج النفط وتبيعه لحسابها، والمشتري التركي حاضر؛ بل إن ثمة من يقول إن الدولة المركزية في دمشق "تشتري" نفطها مع غض النظر عن "هوية" البائع! كذلك، فبعض نفط العراق منهوب، والخط مفتوح ـ تجاريًّا ـ بين «داعش» وأنقره أردوغان، لا يقفله الموقف المتذبذب للرئيس التركي الذي يعميه الغرض وإصراره على إسقاط النظام السوري عن التبصر في هوية "بديله" المفترض. في المقابل، فإن السعودية، على وجه التحديد، تلعب لعبة أسعار النفط، وهي قد نجحت في خفضها بشكل ملحوظ خلال الأسابيع القليلة الماضية. وهي تستهدف بذلك إيران، حتى وإن تراجع دخل المملكة المذهبة. أما اليمن الفقير أصلًا، فواضح أن أسعار النفط يمكن استخدامها سلاحًا في معركة تطويعه ، واستنزاف إيران فيه، إضافة إلى المضي قدمًا في استنزافها في سوريا وفي لبنان، ومؤخرًا في العراق. .. وأما النفط الليبي، فيذهب بعضه إلى تسعير الحرب الأهلية فيها، كما قد يذهب بعض آخر منه إلى تأمين كلفة علميات التخريب في دول الجوار: أساسًا مصر، ومن بعدها الجزائر، وربما تونس إذا لزم الأمر لنصرة «الإخوان» فيها وتأمين عودتهم إلى السيطرة على الحكم.. ديموقراطياً، وإلا فخطر التفتيت قائم، ويمكن اللجوء إليه لإعادة المعترضين إلى .. بيت الطاعة! هل ترانا أمام مشاريع لاستيلاد أكثر من دويلة في العراق المنقسم على ذاته، الآن، فعلًا؟ وأكثر من دويلة في سوريا المشلعة الأنحاء والموزعة غنائم على التنظيمات المتصارعة بالشعار الإسلامي؟ ثم ما مستقبل اليمن و"الدول" المنوي إقامتها، ولو متهالكة فيه؟ وما مصير لبنان؟ ومن يستطيع وقف حروب التقسيم حتى تلاشي الدول في الوطن العربي؟ تلك هي المسألة. حتى لو افترضنا أن الدولة المركزية انتصرت عسكريًّا، بعد حروب هائلة الأكلاف والضحايا، فإن إعادة بناء سوريا سوف تستهلك أجيالًا من شعبها، لإعادتها إلى ما كانت عليه، بينما وتيرة التقدم الإنساني هائلة الاندفاع إلى ذرىً كانت في مستوى الأحلام |
http://www.hutteensc.com/forum/imgcache/1470.imgcache (1) سأفتقدك جدا حين تتساقط الامطار وتملأ رائحة الارض المكان وارتجف بردا وارتجف شوقا وارتجف رعبا ويشتد حوليّ الشتاء (2) سأفتقدك جدا حين يشتد خريف العمر وتذبل اوراق ايامي وتتساقط اسناني واسير على ثلاث وتغزو ضفائري الثلوج البيضاء (3) سأفتقدك جدا حين يأتي الليل بلا صوتك وبلا طيفك وبلا دفئك وابحث عنك في رداء القمر واغفو كالطفلة الجريحه فوق صدر المساء (4) سأفتقدك جدا حين يمد لي احدهم ذراعيه وينتشلني من بحر احزاني ويمنحني أجنحة جديده ودماء جديده وحياة جديده ويسأل قلبي عنك بخجل وتحن اليك في عروقي الدماء (5) سأفتقدك جدا حين اتناول طعامي ولا تكون في المقعد المقابل ولا المقعد المجاور ولا المقعد القريب ولا البعيد واجلس وحيده تحاصرني عيون الاشقياء (6) سأفتقدك جدا حين اردد امامهم كاذبة اني نسيتك وان امرك ما عاد يعنيني وان فراقك ما عاد يشقيني واني لا اعود في المساء كالطفلة الموؤوده الى سريري وابكيك في الخفاء (7) سأفتقدك جدا حين اسير فوق شاطيء البحر وارسم وجهك فوق طائرات الورق واعبث برمال الشواطيء وابحر وحيدة الى مدن العشق واطارد طيفك كالمجنونة فوق الماء (8) سسأفتقدك جدا حين اعترف بيني وبين نفسي بأن الرسائل التي أحرقتُها احرقتني وبـأن الهدايا التي كسرتُها كسرتني وبأن البقايا التي قتلتُها قتلتني وبأن مشانق النسيان التي اعددُها لك وحدي انتهي تحتها في المساء (9) سأفتقدك جدا حين تحدثني عنك اخرى وتسرد حكاية شوقك لعينيها واشم عطرك في يديها وتتفجر كل المتناقضات بداخلي فأشتاقك أكثر وأرفضك أكثر وأحبك أكثر وأكرهك بلا انتهاء (10) سأفتقدك جدا حين يسألني عنك قلبي وأصمت ويسألني عنك عقلي وأصمت ويسألني عنك ليلي وأصمت ويسألني عنك جداري وأصمت ويسألني عنك هاتفي وأصمت وأتحول الى قالب من الثلج يقتات الصمت بكبرياء (11) سأفتقدك جدا حين اكتشف انك الرجل الوحيد الذي اثار جنوني واثار رعبي واثار غيرتي ومنحني قدره على الحب وشيّد لي مدينة من الثلج فوق خط الاستواء (12) سأفتقدك جدا حين اتذكر اني كنت امرأة انانيه اخترت الرحيل رغما عنك وفتحت ابوابنا لرياح الفراق رغما عنك وفرضت على قلبك نهاية مؤلمة وغادرتك بهدوء..كأحلام المساء (13) سأفتقدك جدا حين اقف امام المرآه واسالها من الاجمل في عالمك فتخبرني انك عشت بعدي الف حكاية حب وكتبت بعدي الف قصيدة حب وعشقت بعدي الف امرأة حسناء وانك مازلت تبحث عني بين النساء شهرزاد الخليج |
الساعة الآن 12:04 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.