![]() |
https://scontent-a.xx.fbcdn.net/hpho...80&oe=550CD5AC فها هو صقيع الشتاء يجتاحني بأنفاسه الحارقة يلامس اطراف الألم والفقد ويبعثرني في ليالي الحنين بلسعات شوق تندثر معها خفايا الروح ...! |
|
|
|
رضوى عاشور: آلمني رحيلك بقدر ما أدهشتني حياتك لا أدري عن أية رضوى سأبدأ الكلام، عن رضوى الروائيّة، أم الأستاذة الجامعيّة، أم الصديقة، أم والدة تميم وزوجة مريد.. عن رضوى المناضلة في الجامعة وفي الميدان ومع المرض.. سأبدأ بالإشارة إلى كتابها «أثقل من رضوى» الذي ما زال حيّاً في ذاكرتي وما زالت حرارةُ كلماته وإيقاعُ حروفه المعجون بالمكابدة ينبض بين ضلوعي .. ما زالت لذعة الألم تطوِّق قلبي وصرخةُ الإعجاب بالمريضة المناضلة تستقرُّ في حنجرتي.. ويواجهني السؤال كيف يكون بإمكاني أن أكتب. مثلُ الكلام على شجرة تتفرع غصونها حين الكلام على رضوى. شجرةٌ هي رضوى بأكثر من غصن.. تتفرّع، تمتد، تزهر بلا انقطاع.. بلا كلل. لم أكن أتصوّر أنَّ مريضاً على هذا القدر من المعاناة يبحث عن ورقة ليكتب قبل أن يفيق من البنج.. لم أتصور أنَّ مصاباً بمرض خطير، لا يفكرُّ إلاّ بالعودة إلى مصر، مصر التي هي أكثرُ من وطن، مصر الميدان والثورة. يعود وينجز كتاباً بالغَ الجمال والثراء. من أنت يا رضوى، ومن أين جئت.. هل من الأنثى الفائقةِ الجرأة والعطاء.. الأنثى التي حكمت وأنجبت وتركت لك استعادةَ ذلك التاريخ.. فآمنتِ بالثورة، وعملتِ لأجلها كي تكون مصر، تلك الأنثى الأم، أماً لنا جميعا؟ كأنّ الحياة التي كنت تنشدينها وأنت تقاومين المرض هي قرينة ذلك النهر الذي ما زال يجري منذ أزل الآزلين. كأنّك عندما كتبت عن الشهداء والثورة، كنت مثل كلِّ المناضلين، «مسنودة بقوة على تراثٍ ممتدٍ من أوزوريس»، حتى هؤلاء الشباب الذين يقدّمون حياتهم قرباناً من أجل العدالة والديموقراطيّة والكرامة. آلمني رحيلك يا رضوى بقدر ما أدهشتني حياتك. إنه ذاك الألم التاريخي الذي ما زلنا نعيشه، والذي حكيتِ عنه أكثرَ من حكاية. حكاية نضالات الجامعة وشهدائها. أكثرمن حكاية حكيت، حكايةَ هند، أنثى قرية أكياد بالقليوبية، الأنثى المهانة التي اقتلع عملاءُ القمع حجابها وعرّوها أمام الناس وداستها «رجليهم» وكأنّها حشرة. وحكايةَ شعبان مكاوي الطالب، الدكتور، الزميل المريض، وكأنك تحكين عن كل شباب الريف المسكونين بحلم الحياة العادلة وبحب مصر. تحكين عن فنّ الجداريّات، عن المحو والرسم، عن التناسخ والتعدّد. في كتاباتك تحتشدُ الثّقافة، يحتشدُ المثقَّفون الجُدُد أبناءُ تاريخِ مصر العريق، الثائرون كما الثقّافة. إنّها الثورة، «الثورةُ الجديدة» كما تسمّينها، غيرُ المقطوعةِ من شجرة، ولا أتت من فراغ. شهداؤها «مسنودون بقوّةٍ على تراثٍ بكته امرأةٌ حتى فاض النيل، وشهداءِ المسيحيّةِ الأوائل و»لا تحسبن» ومددِ أبي عبد الله الحسين سيّدِ الشهداء، وصولاً إلى آبائهم المباشرين بطول تاريخنا الحديث». تحفرين في طبقات التاريخ، تجدين ناظراً يكتب عن تاريخ مدينة.. هي مدينتك. يكتب، فتسألينه عن معنى الحكاية، عن حقيقتها.. فأنت مشغولة بالمسار، بهويّة المكان، برؤية ما لا يُرى، بمعنى الهدم والبناء. ها أنا ألهث خلفك يا رضوى، أعبر عوالمك المتخيّلة.. عوالمك المحمولةَ بأجنحة الإبداع، المغرّدةَ على إيقاعات حقائقها. تكتبين.. تحكين لنا الحكايات.. كأنّكِ من سلالة شهرزاد.. أنثى الكلامِ المعاصرة. لا تملّين ولا تتعبين يا رضوى من رواية الحكايات وكتباتها لنا.. كأنّك جدّةٌ لهذا الزمن الذي نعاني عيشه، ويضنينا قمعُه وبحثُنا عن كرامتنا فيه.. جدّةٌ حداثيّة.. تكتب لتحكي، وتحكي فيما هي تكتب عن ضياع تاريخ، أو عن تضييع الإنسان لهذا التاريخ وقد اقتُلِع من أرضه وقريته وبيته. هكذا جعلت من الكتابة حياة لك، ولنا، نحن كلُّ الذين واللواتي نحبك ونفخر بك صديقةً جميلة، وروائيّةً مبدعة، وإنسانةً نادرةَ المزايا، فائقةَ العطاء، باقية الحضور بيننا وبين قرائك في الشرق والغرب. لروحك النقية مني ألف تحية وسلام. يمنى العيد |
رضوى عاشور الناقدة الروائية المعارضة.. أي حياة خصبة تركت وراءك http://assafir.com/Medias/Photos//20...54d2c191c2.jpg كان يمكن أن نسميها الوردة، وجهها وقوامها ملمومان كوردة كبيرة. ضحكتها المخملية تتكسر وتصل رويداً رويداً إلى الحضور. صوتها ونظارتها تصدر عن القلب. كانت رضوى عاشور لمن يحضرها قلباً وقلباً فحسب، قلباً يتنفس ويبتسم ويتكلم. كانت من جيل ولد تحت كواكب كبيرة وعاش معلّق البصر والنفس والمهجة بأشياء كبيرة، مهمات ثقيلة رزح تحتها هذا الذي عاش للعظائم والمبادئ الحديدية والحملات المرصوصة والأحلام البعيدة، جيل كان موزعاً بين التبشير وبين الدعوى وبين الخروج والتمرد والمجابهة في الجامعات وفي الشوارع، كان يمكن للثقافة أن تتجهم وأن تتوثن لولا نخبة كرضوى وسواها تنفست الحرية مع القانون والانتظام العقائدي. رضوى الناقدة لم تكن حرفية ولا داعية أو محرضة. لقد استطاعت أن تدمج بين ما هو إنساني ووجداني وبين ما هو عمق وأصالة، وبين ما هو مستقبلي وطليعي. من الناقدة ولدت الروائية التي حملت إلى الرواية فكرها النقدي، وأعطت للتاريخ حصته وللموقف حصته وللمتعة حصتها. هكذا توازت الروائية مع الناقدة، لكنهما توازيا في البدء مع الإنسانة، لا شك أن رحيل رضوى عاشور سيترك فجوة في فضائنا وفي ثقافتنا، الحب والطيبة سيفتقدانها بالتأكيد، سينقص شيء في هوائنا وفي سمائنا، لكننا هنا في وداع امرأة هو أيضاً وداع جيل أخذ يتناقص بالتدريج لنذكر أن هذا العالم لم ينختم إلا وفقدنا بعض كبارنا. خيري شلبي ومحمد البساطي وإبراهيم أصلان، والآن رضوى عاشور. إنه الجيل العارم المتمرد المصارع، جيل المهمات الكبيرة التي لم تفعل سوى تدمير أصحابها، جيل الحملات التي تبددت في الهواء، مع ذلك كان أيضاً جيل الملاحم التي انقلبت عليه. جيل النبل والأخلاق التي تفضي إلى الخسارة، وداعاً رضوى لقد التحقت برعيل كبير ترك وراءه فراغاً واسعاً. جرجس شكرى: رمز جيل رضوى عاشور الروائية، والأكاديمية، والناقدة، والمناضلة، صاحبة المواقف الثورية، التي أثارت جدلا كبيرا.. كل هؤلاء رضوى عاشور.. لكن تبقى في مخيلتي تلك السيدة التي التقيت بها فى نهاية التسعينيات مع الراحلين محمد البساطي، وإبراهيم منصور في أزمتي «وليمة لأعشاب البحر»، وأزمة «الروايات الثلاث». كنت الأصغر بينهم وكانت هي الأكثر حماسة وصلابة، نلتقي ليل نهار لإصدار البيانات وبحث الأزمة، وما زلت أذكر موقفها الصارم في الدفاع عن حرية الرأي والتعبير بروح فتاة في العشرين وخبرة السنين الطويلة، وحين كانت تضيق بنا الأماكن كان بيتها مفتوحا نلتقي فيه؟ اعتبرت نفسي محظوظا في تلك الأيام وأنا ألتقي يوميا بهذا الجيل صاحب المواقف التي تعلمت منها الكثير. رضوى هي أحد رموز هذا الجيل الذي دافع بقوة عن الثقافة وحرية الإبداع حتى الرمق الأخير. (شاعر مصري) إبراهيم عبدالمجيد: شهر قاس رضوى عاشور واحدة من أهم كتاب جيل الستينيات، وإن كانت قد احتفت فى بداية حياتها بالنقد الأدبي والعمل الجامعي، إلا انها كانت على اتصال بالواقع الأدبي، لم تنعزل عنه. أتذكر أن أول ندوة أقمتها في حياتي بعد صدور روايتي «ليلة العشق والدم».. كانت المتحدثة الرئيسة هي رضوى عاشور. هي إنسانة رائعة جدا، كانت تدرك أن ما سيتبقى من الإنسان ما تكتبه يداه، لذا فاجأت الجميع بدخول عوالم الإبداع، وقدمت عددا من أعذب الروايات. من بينها «ثلاثية غرناطة» التى كانت تذكرة غير مباشرة بما يحدث فى فلسطين. بحثها التاريخي فى الرواية كان كبيرا وعظيما. ظلت رضوى مؤثرة وفاعلة فى الواقع السياسي، خصوصاً في عملها في جماعة 9 مارس لاستقلال الجامعة، وقد رأيتها آخر مرة قبل عام ونصف عام تقريبا، كنت خارجا لاستراحة من ميدان التحرير، وكانت داخلة إلى الميدان، ممتلئة بالتفاؤل الشديد. هذا الشهر قاس بالفعل علينا، فقد رحل فى وقت متقارب محمد ناجي، إبراهيم مبروك، وأخيرا رضوى... تركونا جميعا في حزن شديد! (روائي مصري) حمدي عبد الرحيم: أيتها الحنون قبل عشرين عاماً قرأت قصيدة للشاعرالكبير مريد البرغوثي عن «حلوة جنّنتنا بذيل الحصان». جننتني القصيدة، فهاتفت (بشجاعة نادرة) الدكتورة رضوى عاشور زوج الشاعر، طالباً منها نسخة من ديوان «رنة الإبرة» الذي يضم قصيدتي الحبيبة. طبعًا قدمت اعتذاري لأن الديوان ليس موجودًا بمكتبات القاهرة. كأنني والله قد رأيت ابتسامتها وهي تحدد لي وقت الزيارة في بيتها بوسط البلد. أرسل الله لي الصديق أشرف عبد الشافي فتسلحت بصحبته. دخلنا إلى بيت كبيت علاء الديب وصافيناز كاظم حيث تعرّش النظافة والمحبة والسكينة. قدمتْ لنا نوعاً من الفطائر لم نكن قد تذوقناه من قبل، مال أشرف عليّ هامساً: «هتطلع أنت بالديوان فسيبني أدوس في الفطير دا». كأنها قد سمعت همس أشرف، فقد جلبت المزيد من الفطائر قدمتها لنا ضاحكة: «دي فطاير مكسيكية اتعلمت أعملها من وقت ما كنت بحضّر الدكتوراه في أمريكا». شرّق بنا الكلام وغرّب، وكنت في الحقيقة مشغولًا بالحصول على نسخة الديوان أكثر من انشغالي بمجريات الحديث، لاحظتْ هى ذلك فقامت وجاءت بنسخة فاخرة من الأعمال الكاملة لزوجها الحبيب وشاعري الكبير مريد البرغوثي، قفز قلبي من الفرح وأنا أحتضن النسخة الفاخرة، حك أشرف ذقنه تعبيراً عن أحاسيس الحسد والغيرة وهمس: «أهو اسمي كلت فطير مكسيكسي». كنتُ أتعجل الانصراف لأنفرد بالنسخة الفاخرة (هذه من عاداتي السخيفة)، قبيل انصرافنا بلحظة، تلقت الدكتورة رضوى اتصالاً من ناقد، انقلبت السيدة الحنون الرقيقة إلى نمرة متوحشة، وصبت على رأس الناقد وقلبه وضميره أبشع اللعنات. كنتُ وأشرف مرتبكين أمام لهاث غضب السيدة الرقيقة التى قذفت بسماعة التلفون ثم نظرتْ إلينا قائلة: «البني آدم دا لازم تعرفوه كويس وأوعوا تصدقوا كلمة من كلامه، الأخ أديته إمبارح كتاب ليا، طبعًا لا يمكن بالعقل كدا يكون قرأه، أتفاجأ النهاردة الضهرية بالبيه طالع على إذاعة الشرق الأوسط وهو بيختار كتابي بوصفه أحسن كتاب في السنة، قرأه أمتى النصاب الحرامي دا؟ ناقد ايه دا، دا حرامي الغسيل أشرف منه ميت مرة، هو فاكر إنه بكدا هيرضيني؟ هو شايفني عيّلة تافهة للدرجة دي، أخس على دي ناس معندهاش قيم ولا مبادئ ولا ضمير». رحمك الله يا رضوى يا أيتها الحنون التى لا تساوم على مبدأ، ونفعنا بحنانك وحسمك وفنك وعلمك آمين. (روائي مصري) محمد هاشم: أي ضمير فقدنا الاسم الأول على اليمين دائماً فى أي موقف معلن من المثقفين المصريين يدافع عن حرية الفكر والاعتقاد والرأي والتعبير الأدبي والعلمي، كان العم والأستاذ إبراهيم منصور حين يكتب ويصل لصياغة نهائية لبيان ما، يُصرّ بعد كل الصياغات أن يقرأه أحد الموجودين تليفونياً على الدكتورة رضوى، أثناء إضراب المطالبة بطرد السفير الإسرائيلي الذي قاده مع أساتذة وأصدقاء وأبناء وزملاء، وفي الكثير من محطات اشتغاله كضمير للثقافة المصرية، لا بد وأن أحدكم سمعه يسأل بإلحاح، "حدّ كلم الدكتورة رضوى"، ليتأكد من وجود الاسم الأول قبل السيدات والسادة الموقعين. إذا كنت مثلي من جيل يتذكر لجنة الدفاع عن الثقافة المصرية، أو 9 مارس، للدفاع عن استقلال الجامعات، وكأبرز من عبّر عن حركة النخبة الجامعية الليبرالية واليسارية، وحين تذكر أو تسمع عن 1972 لا بد أنك ستعرف أي ضمير فقدنا. رضوى عاشور وداعاً! ناشر مصري بطاقة - ولدت في القاهرة سنة 1946. - متزوّجة من الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي سنة 1970 ولهما ولد واحد هو الشاعر تميم. - حازت الماجستير من جامعة القاهرة سنة 1972 والدكتوراه من جامعة ماساشوستس سنة 1975. - عادت إلى مصر برسالة دكتوراه «في البحث عن نظرية للأدب: دراسة للكتابات النقدية الأفرو ـ أميركية». - رئيسة قسم الأدب بكلية الآداب في جامعة عين شمس، وأستاذة بقسم اللغة الإنكليزية، لمدّة ثلاث سنوات. - بدأت الكتابة سنة 1980، وكتبت قصة رحلتها إلى أميركا كطالبة دكتوراه. - نالت جوائز عدة من مصر وخـــارجها ومنها جائزة قسطــنطين كفافيـــس الدولية للأدب في اليونان عـــام 2007، وجائزة سلــطان العويس للرواية والقصة في الإمارات عام 2012. - من مؤلفاتها: الرحلة: أيام طالبة مصرية في أميركا (1983)، حجر دافئ - رواية (1985)، خديجة وسوسن - قصص (1989)، رأي النخل - قصص (1989)، سراج - رواية (1992)، غرناطة - رواية (1994) حصلت على جائزة «معرض القاهرة للكتاب» لأفضل رواية، مريمة والرحيل - رواية (1995)، تقارير الى السيدة راء (2001)، قطعة من أوروبا (2003)، فرج - رواية (2008). ولها كتابان في النقد الأدبي. - عضـــو لجــنة الدفــاع عن الثقافة القومية المهتمة بمواقف رافضة للوجود الصهيوني في مصر والوطن العربي. - اشتهرت بمعركتها الشرسة ضدّ «السرقات العلمية» التي تمثل إحدى ركائز الفساد في الجامعة المصرية. عباس بيضون |
سرقة اللحظة وسط كم من الضباب والضوضاء البصرية، تقف لتنبش بين ثنايا اللحظة عما تستطيع أن تسرقه من ربع الوقت أو اقل، فقط لا غير. هكذا، صغرت أحلامك لتتمحور حول بعض السرقات المحببة، أو ربما بمنطق هذا الوقت، «المحللة»، لا وفق أي دين أو مذهب سوى دين حب الحياة، والشغف باقتناص اللحظة عندما تحضر بقوة! ففي اقتناص اللحظة من بين ذاك الضجيج القاتل شكل من أشكال السرقة ولكنها ليست ككل السرقات. هي بمذاق التناغم الاول أو النظرة الاولى أو الرعشة المغمسة في الشهد! لا وقت للقيلولة ولا لغفوة سوى هناك، حيث دفء الحضن في ذاك الزمن الذي يبدو شديد البعد الآن. لا عمر ولا وقت مخصص للسرقات. بل هي هناك تقف عند حافة الزمن تناديك عبر نسائم الصباح الأولى، وتردد عليك: هل نسيت أن على هذه الارض ما يستحق الحياة، كما قال درويش ورددناه من بعده. حتى ذاك الطفل الرضيع في مدن فلسطين كلها يقف أمام دباباتهم، وعيناه منفتحتان على دنيا تبدو أبعد من الرصاصة الاولى والقتل المتكرر. هو الآخر يعرف أنه يحب الحياة حد تقديم سنواته الأولى ثمناً لها! السرقات تتنوع عندما تتسلل من زحمة النقاش البيزنطي، فتحلق بعيداً حيث مدن لم تزرها وبحار لم تغتسل بمائها وسفن كنت تحلم بها طويلاً، ومذاق لم تعرفه ونسمة برائحة الحرية التي تفتقدها مدننا المتعبة المنغمسة في تحليل تفاصيل الخطوة ووضع اليد عند الصلاة وكيفية الوضوء وغسل الأسنان في رمضان و.. القائمة تطول وأنت تبعد اكثر فأكثر في ذاك البحر اللازوردي، حيث تراقص حور العيون ملائكة الجمال والرحمة. حتى الملائكة عندهم هي لنشر النور. أما عندنا فهي فقط لتسجيل السيئات والعقاب والحساب لا غير! السرقات تأتي عندما يطيل أحدهم في شرح المشروح وتفسير المفسر. هناك، عند تلك اللحظة، تهرب أنت الى الأطراف البعيدة. تقف على حافة الارض رأسك مدفون في الغيمة البيضاء ورجلك في السماء الزرقاء. تنظر من بعيد لهم جميعاً وترى كيف ان الحياة من أول صرخة حتى آخر نفس قصيرة جداً جداً. فيما نضيع الكثير منها في نثر الكلمات فحسب، من دون حساب أو معنى. تعود فجاءة الى اللحظة مع بدء الأسئلة، ليس خوفاً من الحرج من أن تبدو الأكثر بلاهة في الحضور، بل مراعاة لمشاعر الشارح والمشروح! وهناك، عندما يحاول أحدهم أن يجذبك وبقوة الى عالمه الارضي شديد الصغر، ذاك الذي يبدو من بعيد كنقطة في بحر هنا، تنفصل عن عالمهم وعالمك وتعود لسرقة اللحظة بذاتها. تهرب بعيداً عن ذاك الحوار المستمر من داخل الخيمة المظلمة، وتخرج بحثاً عن بعض من الأوكسجين وكثير من النور. لا يمكن أن ينمو عشب الحب في ارض الظلام والتكفير. لا يمكن. وفيما يعبث الجميع بهواتفهم النقالة، تحاول تقليدهم أو التمثيل بحرفية عالية لا تعرف من أين أوتيتها. وترحل بهاتفك الى عوالم واسعة. تذهب الى جزر اقرب لك من كثير منها ومنهم، وترقص على أنغام زوربا ثم تمر فوق البوسفور، فهذا ليس لهم وحدهم ولا لدولة العثمانيين الجدد فقط، بل هو لكل البشر كما الهواء والماء والأوكسجين، لا رقيب عليه. هو مشاع لنا ولهم ولهن! وأنت تغير صفحات الأجندة، تسقط ورقة منها. هي مما تسرقه أيضاً من بين الاوراق المبعثرة. تحمل كثيراً من تعبك وبعض هواجسك وقلبك المتعب وحزنك المعتق في الأيام الطويلة وتبتعد. هي سرقة معلنة بعض الشيء، ولا تخجل عندما تعود الى الورقة التي تليها، سواء كانت يوماً أو أسبوعاً أو شهراً، فتردد أنك كنت هناك وكان الزمن اكثر عذوبه وللريح صوت الموسيقى وللبحر انغام «اليامال» التي كان أجدادك يرددونها في رحلاتهم لصيد اللؤلؤ شديد النقاوة والملتصق بك منذ الطفولة. ذاك الذي قالت لك أمك يوماً إنه سيكون عقدك الأول، ترتدينه في تلك الليلة البهيجة. رحلت الليالي كلها وبقي العقد حبيس علبته، فلم تأتِ ليلة البهجة الموعودة كما وصفتها جدتي! آه كم بقي من الوقت لتكثر سرقاتك البريئة. كلما بعدت الايام بك وشاب الشعر كثيراً وأضيفت بعض التجاعيد على مساحة الوجه المتعب، أوقفت انت الزمن ورحت تبحر في سرقاتك التي كانت، وتلك القادمة لا محالة. خولة مطر زمن السرقات الحلال بعباءة التكبيرات يا خولة .!!. |
«من أين ياذا الذي استسمته أغصان؟ من أينَ أنت فداكَ السروُ والبانُ؟ إن كنتَ من غيرِ أهلي، لا تَمُرّ بنا أو لا، فما ضاقت بإبن الجارِ جيرانُ هكذا ينبثق الـ»أنتَ» المخاطب في شعر سعيد عقل، مثل رأسٍ صغيرةٍ غالية ينظر إليها وتنظر إليه. يكفي هذا التبادل لإضاءة العالم، وأخذ الزخرفة على القناديل إلى مداها الأقصى، من هذا «الصانع البارع» كما يحلو لأدونيس أن يسميه. قد يؤخذ على الشاعر سقطاته الأيديولوجية الفينيقية واللاهوتية والقومية اللبنانية التي طبعت فترة من تاريخه، إلا ان الإنصاف يقتضي القول ان سعيد عقل قد نجح بالسمو بالكلمة إلى مقام «الكلمة ـ الإله»، وهو يلتقي بذلك مع مقولة الرسام هنري ماتيس الحديثة «بأن الفن ـ أي فن ـ لا بد أن يكون دينياً، ليس بالمعنى الثيولوجي والأورثوذكسي التطبيق، الذي قد يكون منفراً، ومحدود الأفق، بل بفتح رئتيه على هواء الرباني، أو المطلق والمقدس، وهو ما فعله سعيد عقل تماماً في مجدليته، أو في قصيدة غنيت مكة وفي قصيدته الشهيرة في مدح الإمام علي. الحب أيضاً بُعد جمالي يحكم شعر صاحب «رندلى» بشكل صارم. في هذه العلاقة بين الحب والشعر، يتخذ العالَم شكل النحت النافر، أو الحقل البصري الممغنط بفكرة المرآة بين الله والإنسان، ومشاركة الله في خلق الجمال. يمتلك هذا الحقل عند سعيد عقل قطبَيه المختلفَين: الأنا «الأرستقراطية» الواثقة والروح الرسولية والـ»أنت» التي تتخذ شكل الرب أو الوطن، أو الحبيبة، في انصهار مصقول بعناية الحب سواء في مساحات الالتقاء أو التباعد بين القطبَين، بحيث يشكلان معاً، مرآة ثنائية القلب. رغم الود المفقود بين الجيل الجديد لقصيدة النثر الذي انتمي إليه، والنمط البلاغي المحكم الذي أوغل فيه سعيد عقل منذ ثلاثينيات القرن الماضي، لا يمكن للذائقة الجمالية إلا أن تقف على أبيات مثل: (الشعرُ قبضٌ على الدنيا، مشعشعةً كما وراء قميصٍ شعشعت نُجُمُ فأنتَ والكون تيّاهان كأس طِلى دُقّت بكأسٍ وحُلمُ لمّه حُلُمُ») لتشارك الشاعر ذلك الشعاع الأبدي الذي يسرقه من سماء الآلهة. محمد ناصر الدين |
بيتر كاسينغ أيها الشاب العشريني الوسيم. حملت على ظهرك صليب الشعب السوري ومعه الأدوية والأغطية والألبسة والخيم. قطعت مسافة اقيانس، وبرٍ وبحرٍ كي تصل الى سوريا وتواسي شعبها المنكوب بالقتل والسجن والتعذيب والدمار. انشأت في بلدتك في ولاية انديانا جمعية لجمع التبرعات من اجل إسعاف السوريين، تشتري لهم ما هم بأمسّ الحاجة اليه من ضروريات الحياة. بنيت صداقات وثيقة مع العديد من أبناء هذا الشعب، فقدّروا اندفاعك وتضحياتك وأحبوا هذه الشعلة المضيئة في عينيك، شعلة التعاطف مع المشردين، الثكالى والميتمين. تعرّفتُ إليك عن طريق أصدقاء مشتركين من بيروت، استضفتك في داري مع الأصدقاء، وكان بيننا خبز وملح ومساهمة في حملة التبرع التي تقودها من اجل السوريين. أول ما سألتك عندما التقيتك اذا كان لك تواصل مع سلطات بلادك فأجبت بالنفي بشكل قاطع، وكان في عينيك ما يوحي بأنك صادق في ما تقول. حذرتك من مخاطر التجول في سوريا، وحذّرك آخرون من اصدقائك اللبنانيين. قالت لك إحداهن لا تنسَ أنك اميركي. وكانت الأجواء بدأت تتلبد بالغيوم في المناطق التي حررها «الجيش الحر» في سوريا، والذي وعده «تجمع اصدقاء سوريا» والهيئات الناطقة باسم المعارضة بالمال والسلاح لكن الوعود التي رددوها ما كانت إلا هباءً وذراً للرماد في العيون. في المقابل، وجد الظلاميون من يمدهم بالمال والسلاح، وراحوا يتمددون في المساحات التي استولى عليها «الجيش الحر» ويغتالون قياداته. يا صديقي الشاب، قرأتَ العالم كانعكاس لرؤيتك لنفسك. والبراءة في عينيك، توهمت انها تسري في قلوب الآخرين. كنت تقول إن لك أصدقاء بين الشعب السوري لن تخذلهم بالانقطاع عنهم، ولن يتوانوا عن توفير الحماية لك من اي مكروه يواجهك. وكان الغلط في الحسابات. اعتقلتك «داعش» أشهراً وقلبنا على يدنا من سوء المصير على يد هؤلاء القتلة الظلاميين. وتحقق ما كنا نخافه. ذبحوك كالخراف بحجة وحيدة، انك أميركي، ونشروا «فيديو» يصورون فيه ما اوقعوه فيك. رُحت ضحية استعراض إعلامي لبطشهم البربري، هكذا كافأوا تضحيات الانسان فيك. بيتر كاسينغ، عندما ترجع سوريا للسوريين ذات يوم، ويكتبون تاريخ الأحداث والبشر في هذه المأساة المروعة التي حلت بهم، سوف يتذكرون هذا السراج الذي أضأته في ارض سوريا، ودفعت دمك الغالي ثمناً لهذه الشعلة. إسأل اولاً من موّل «داعش» وسلحها قبل ان تتمكن من مناطق وتستولي على اسلحة وتعتمد على التمويل الذاتي؟ وسؤالي الثاني يتعلق بهذا التمويل الذاتي! يقول العارفون إنه يدخل على «داعش» مليون وسبعمئة الف دولار يومياً من تجارة النفط. من يشتري هذا النفط؟ هل هي دول؟ واذا كانوا تجاراً، فهؤلاء لا يستطيعون ان يشربوا النفط انما يبيعونه في دول. فمن هي الدول التي تشتري نفطهم ولأية غاية؟ والسؤال الثالث حول الذين يغادرون بلدانهم للالتحاق بـ»داعش»، تجتذبهم المنظمة بشكل افرادي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهم من بيئات مهمشة وعاطلون عن العمل، يسعون الى المغامرة والشعور بالانتماء الى مجموعة ويحلمون بالجنس وتمثيل دور بطولي. يقال إن البغدادي يصله من الخارج كل شهر ألف شاب من هؤلاء. كيف يصل هؤلاء وأي طريق يسلكون ليدخلوا الى سوريا والعراق من دون ان يعترضهم احد؟ هل جاؤوا على بساط الريح؟ أسئلة لا جواب عليها أو ان الجواب الملتمس يكمن في السؤال، بينما التحالف الدولي بقيادة اميركا يقصف «داعش» ويعدنا الرئيس اوباما ان المعركة سوف تستمر سنين طويلة. السلام الى روحك يا بيتر من أصدقائك في لبنان والسلام على روح الابرياء الذين يقتلون في سوريا والعراق ولبنان في زمن هذا الجنون المقيم. مسعود يونس |
|
الساعة الآن 09:58 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.