!~ آخـر مواضيع المنتدى ~!
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   منتديات بنات فلسطين > ★☀二【« الاقـسـام الأدبــيــه »】二☀★ > قصص أدبية , روايات , حكايات , تاريخ الأدب والأدباء

زاوية خاصه بروايات غسان كنفاني ارجوا التثبيت

= 500) this.width = 500; return false;" /> غسان كنفاني (عكا 8 ابريل 1936 - بيروت 8 يوليو 1972) روائي وقاص وصحفي فلسطيني تم اغتياله على يد جهاز المخابرات

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 01-05-2014
Alaa ghanem غير متواجد حالياً
Palestine     Male
SMS ~ [ + ]
الحياة ليست اماكن الحياة اشخاص
لوني المفضل Darkorange
 رقم العضوية : 766
 تاريخ التسجيل : Jan 2014
 فترة الأقامة : 3736 يوم
 أخر زيارة : 01-22-2014 (12:25 AM)
 العمر : 30
 الإقامة : طولكرم
 المشاركات : 265 [ + ]
 التقييم : 16
 معدل التقييم : Alaa ghanem is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
اضف الشكر / الاعجاب
شكر (اعطاء): 0
شكر (تلقي): 0
اعجاب (اعطاء): 0
اعجاب (تلقي): 0
لايعجبني (اعطاء): 0
لايعجبني (تلقي): 0
z V زاوية خاصه بروايات غسان كنفاني ارجوا التثبيت



زاوية خاصه بروايات غسان كنفاني 1408290.jpg

غسان
كنفاني (عكا 8 ابريل 1936 - بيروت 8 يوليو 1972) روائي وقاص وصحفي فلسطيني تم اغتياله على يد جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) في 8 يوليو 1972 عندما كان عمره 36 عاما بتفجير سيارته في منطقة الحازمية قرب بيروت. كتب بشكل أساسي بمواضيع التحرر الفلسطيني، وهو عضو المكتب السياسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. في عام 1948 أجبر وعائلته على النزوح فعاش في سوريا ثم في لبنان حيث حصل على الجنسية اللبنانية. أكمل دراسته الثانوية في دمشق وحصل على شهادة البكالوريا السورية عام 1952. في ذات العام تسجّل في كلية الأدب العربي في جامعة دمشق ولكنه انقطع عن الدراسة في نهاية السنة الثانية، انضم إلى حركة القوميين العرب التي ضمه إليها جورج حبش لدى لقائهما عام 1953. ذهب إلى الكويت حيث عمل في التدريس الابتدائي، ثم انتقل إلى بيروت للعمل في مجلة الحرية (1961) التي كانت تنطق باسم الحركة مسؤولا عن القسم الثقافي فيها، ثم أصبح رئيس تحرير جريدة (المحرر) اللبنانية، وأصدر فيها(ملحق فلسطين) ثم انتقل للعمل في جريدة الأنوار اللبنانية وحين تأسست الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1967 قام بتأسيس مجلة ناطقة باسمها حملت اسم "مجلة الهدف" وترأس غسان تحريرها، كما أصبح ناطقا رسميا باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. تزوج من سيدة دانماركية (آن) ورزق منها ولدان هما فايز وليلى. أصيب مبكرا بمرض السكري. بعد استشهاده، استلم بسام أبو شريف تحرير المجلة.


والده
خرج أبوه من عكا وكان الأكبر لعدد غير قليل من الأشقاء، وبما أن والده لم يكن مقتنعاً بجدوى الدراسات العليا فقد أراد. لإبنه أن يكون تاجراً أو كاتباً أو متعاطياً لاى مهنة عادية ولكن طموح الابن أبي عليه إلا أن يتابع دراسته العالية فالتحق بمعهد الحقوق بالقدس في ظروف غير عادية. صفر اليدين من النقود وحتى من التشجيع، فما كان عليه إلا أن يتكل علي جهده الشخصي لتأمين حياته ودراسته فكان تارة ينسخ المحاضرات لزملائه وتارة يبيع الزيت الذي يرسله له والده ويشترى بدل ذلك بعض الكاز والمأكل، ويشارك بعض الأسرفي مسكنها، إلى أن تخرج كمحام. عاد إلي عكا ليتزوج من أسرة ميسورة ومعروفة ويشد رحاله للعمل في مدينة يافا حيث مجال العمل أرحب وليبني مستقبله هناك. وكافح هناك وزوجته إلى جانبه تشد أزره وتشاركه في السراء والضراء ونجح وكان يترافع في قضايا معظمها وطني خاصة أثناء ثورات فلسطين واعتقل مرارا كانت إحداها بإيعاز من الوكالة اليهودية. وكان من عادة هذا الشاب تدوين مذكراته يوماً بيوم وكانت هذه هي أعز ما يحتفظ به من متاع الحياة وينقلها معه حيثما حل أو ارتحل، وكثيراً ما كان يعود إليها ليقرأ لنا بعضها ونحن نستمتع بالاستماع إلى ذكريات كفاحه، فقد كان فريدا بين أبناء جيله، وكان هذا الرجل العصامي ذو الآراء المتميزة مثلاً لنا يحتذى. هذا هو والد غسان كنفاني الذي كان له بدون شك أثر كبير في حياة ثالث أبنائه غسان.
هو الوحيد بين أشقائه ولد في عكا، فقد كان من عادة أسرته قضاء فترات الاجازة والأعياد في عكا، ويروى عن ولادته أن امه حين جاءها المخاض لم تستطع أن تصل إلى سريرها قبل أن تضع وليدها وكاد الوليد يختنق بسبب ذلك وحدث هذا في التاسع من نيسان عام 1936. كان من نصيب غسان الالتحاق بمدرسة الفرير بيافا وكان يحسد لانه يدرس اللغة الفرنسية زيادة عما يدرسه غيره. ولم تستمر دراسته الابتدائية هذه سوى بضع سنوات. فقد كانت أسرته تعيش في حي المنشية بيافا وهو الحي الملاصق لتل أبيب وقد شهد أولى حوادث الاحتكاك بين العرب واليهود التي بدأت هناك إثر قرار تقسيم فلسطين. لذلك فقد حمل الوالماتغتاغزوجته وأبناءه وأتي بهم إلي عكا وعاد هو إلى يافا، أقامت العائلة هناك من تشرين عام 47 إلى أن كانت إحدى ليالي أواخر نيسان 1948 حين جري الهجوم الأول على مدينة عكا. بقي المهاجرون خارج عكا على تل الفخار (تل نابليون) وخرج المناضلون يدافعون عن مدينتهم ووقف رجال الأسرة أمام بيت جدنا الواقع في اطراف البلد وكل يحمل ما تيسر له من سلاح وذلك للدفاع عن النساء والأطفال إذا اقتضى الامر. ومما يذكر هنا ان بعض ضباط جيش الإنقاذ كانوا يقفون معنا وكنا نقدم لهم القهوة تباعاعلما بان فرقتهم بقيادة أديب الشيشكلي كانت ترابط في أطراف بلدتنا. وكانت تتردد على الأفواه قصص مجازر دير ياسين ويافا وحيفا التي لجأ أهلها إلى عكا وكانت الصور ما تزال ماثلة في الأذهان. في هذا الجو كان غسان يجلس هادئاً كعادته ليستمع ويراقب ما يجري.
استمرت الاشتباكات منذ المساء حتي الفجر وفي الصباح كانت معظم الاسر تغادر المدينة وكانت أسرة غسان ممن تيسر لهم المغادرة مع عديد من الأسر في سيارة شحن إلى لبنان فوصلوا إلى صيدا وبعد يومين من الانتظار استأجروا بيتاً قديما في بلدة الغازية قرب صيدا في اقصي البلدة علي سفح الجبل، استمرت العائلة في ذلك المنزل أربعين يوما في ظروف قاسية إذ أن والدهم لم يحمل معه الا النذر اليسير من النقود فقد كان أنفقها في بناء منزل في عكا وآخر في حي العجمي بيافا وهذا البناء لم يكن قد انتهي العمل فيه حين اضطروا للرحيل. من الغازية انتقلوا بالقطار مع آخرين إلى حلب ثم إلى الزبداني ثم إلى دمشق حيث استقر بهم المقام في منزل قديم من منازل دمشق وبدأت هناك مرحلة أخرى قاسية من مراحل حياة الأسرة. غسان في طفولته كان يلفت النظر بهدوئه بين جميع إخوته وأقرانه ولكن كنا نكتشف دائماً أنه مشترك في مشاكلهم ومهيأ لها دون أن يبدو عليه ذلك.
بعدها تحسنت أحوال الأسرة وافتتح أبوه مكتباً لممارسة المحاماة فأخذ هو إلى جانب دراسته يعمل في تصحيح البروفات في بعض الصحف وأحياناً التحرير واشترك في برنامج فلسطين في الاذاعة السورية وبرنامج الطلبة وكان يكتب بعض الشعر والمسرحيات والمقطوعات الوجدانية.
وكانت تشجعه على ذلك وتأخذ بيده شقيقته التي كان لها في هذه الفترة تأثير كبير علي حياته. وأثناء دراسته الثانوية برز تفوقه في الادب العربي والرسم وعندما انهى الثانوية عمل في التدريس في مدارس اللاجئين وبالذات في مدرسة الاليانس بدمشق والتحق بجامعة دمشق لدراسة الادب العربي وأسند إليه آنذاك تنظيم جناح فلسطين في معرض دمشق الدولي وكان معظم ما عرض فيه من جهد غسان الشخصى. وذلك بالإضافة إلى معارض الرسم الاخري التي أشرف عليها.
وفي هذا الوقت كان قد انخرط في حركة القوميين العرب ووقد كان غسان يضطر أحيانا للبقاء لساعات متأخرة من الليل خارج منزله مما كان يسبب له احراجا مع والده الذي كان يحرص علي انهائه لدروسه الجامعية وأعرف أنه كان يحاول جهده للتوفيق بين عمله وبين اخلاصه ولرغبة والده.
في أواخر عام 1955 التحق للتدريس في المعارف الكويتية وكانت شقيقته قد سبقته في ذلك بسنوات وكذلك شقيقه. وفترة اقامته في الكويت كانت المرحلة التي رافقت إقباله الشديد والذي يبدو غير معقول على القراءة وهي التي شحنت حياته الفكرية بدفقة كبيرة فكان يقرأ بنهم لا يصدق. كان يقول انه لا يذكر يوماً نام فيه دون أن ينهي قراءة كتاب كامل أو ما لا يقل عن ستماية صفحة وكان يقرأ ويستوعب بطريقة مدهشة.
وهناك بدأ يحرر في إحدي صحف الكويت ويكتب تعليقا سياسياً بتوقيع "أبو العز" لفت إليه الانظار بشكل كبير خاصة بعد أن كان زار العراق بعد الثورة العراقية عام 1958 على عكس ما نشر بأنه عمل بالعراق.
في الكويت كتب أيضاً أولي قصصه القصيرة "القميص المسروق" التي نال عليها الجائزة الأولي في مسابقة أدبية. ظهرت عليه بوادر مرض السكري في الكويت أيضاً وكانت شقيقته قد أصيبت به من قبل وفي نفس السن المبكرة مما زاده ارتباطاً بها وبالتالي بابنتها الشهيدة لميس نجم التي ولدت في كانون الثاني عام 1955. فأخذ غسان يحضر للميس في كل عام مجموعة من أعماله الأدبية والفنية ويهديها لها وكانت هي شغوفة بخالها محبة له تعتز بهديته السنوية تفاخر بها أمام رفيقاتها ولم يتأخر غسان عن ذلك الا في السنوات الأخيرة بسبب ضغط عمله. وفي عام 1960 حضر غسان إلى بيروت للعمل في مجلة الحرية.


غسان الزوج
بيروت كانت المجال الأرحب لعمل غسان وفرصته للقاء بالتيارات الأدبية والفكرية والسياسية. بدأ عمله في مجلة الحرية ثم أخذ بالإضافة إلى ذلك يكتب مقالاً اسبوعيا لجريدة "المحرر" البيروتية والتي كانت ما تزال تصدر أسبوعية صباح كل اثنين. لفت نشاطه ومقالاته الانظار إليه كصحفى ومفكر وعامل جاد ونشيط للقضية الفلسطينية فكان مرجعاً لكثير من المهتمين. عام 1961 كان يعقد في يوغوسلافيا مؤتمر طلابي اشتركت فيه فلسطين وكذلك كان هناك وفد دانمركي. كان بين أعضاء الوفد الدانمركي فتاة كانت متخصصة في تدريس الأطفال. قابلت هذه الفتاة الوفد الفلسطيني ولاول مرة سمعت عن القضية الفلسطينية. واهتمت الفتاة اثر ذلك بالقضية ورغبت في الاطلاع عن كثب على المشكلة فشدت رحالها إلى البلاد العربية مرورا بدمشق ثم إلى بيروت حيث أوفدها أحدهم لمقابلة غسان كنفاني كمرجع للقضية وقام غسان بشرح الموضوع للفتاة وزار واياها المخيمات وكانت هي شديدة التأثر بحماس غسان للقضية وكذلك بالظلم الواقع على هذا الشعب. ولم تمض على ذلك عشرة أيام الا وكان غسان يطلب يدها للزواج وقام بتعريفها علي عائلته كما قامت هي بالكتابة إلى أهلها. وقد تم زواجهما بتاريخ 19/10/1961 ورزقا بفايز في 24/8/1962 وبليلي في 12/11/1966.
بعد أن تزوج غسان انتظمت حياته وخاصة الصحية إذ كثيراً ما كان مرضه يسبب له مضاعفات عديدة لعدم انتظام مواعيد طعامه. عندما تزوج غسان كان يسكن في شارع الحمراء ثم انتقل إلى حى المزرعة، ثم إلى مار تقلا أربع سنوات حين طلب منه المالك اخلاء شقته قام صهره بشراء شقته الحالية وقدمها له بايجار معقول. وفي بيروت اصيب من مضاعفات السكري بالنقرس وهو مرض بالمفاصل يسبب آلاماً مبرحة تقعد المريض أياماً. ولكن كل ذلك لم يستطع يوماً أن يتحكم في نشاطه أو قدرته على العمل فقد كان طاقة لا توصف وكان يستغل كل لحظة من وقته دون كلل. وبرغم كل انهماكه في عمله وخاصة في الفترة الأخيرة إلا أن حق بيته وأولاده عليه كان مقدساً. كانت ساعات وجوده بين زوجته وأولاده من أسعد لحظات عمره وكان يقضى أيام عطلته (إذا تسنى له ذلك) يعمل في حديقة منزله ويضفي عليها وعلى منزله من ذوق الفنان ما يلفت النظر رغم تواضع قيمة موجوداته.


غسان القضية
أدب غسان وإنتاجه الادبي كان متفاعلا دائما مع حياته وحياة الناس وفي كل ما كتب كان يصور واقعاً عاشه أو تأثر به. "عائد إلى حيفا" وصف فيها رحلة مواطني حيفا في انتقالهم إلى عكا وقد وعي ذلك وكان ما يزال طفلاً يجلس ويراقب ويستمع ثم تركزت هذه الأحداث في مخيلته فيما بعد من تواتر الرواية. "أرض البرتقال الحزين" تحكى قصة رحلة عائلته من عكا وسكناهم في الغازية. "موت سرير رقم 12" استوحاها من مكوثه بالمستشفي بسبب المرض. "رجال في الشمس" من حياته وحياة الفلسطينيين بالكويت واثر عودته إلى دمشق في سيارة قديمة عبر الصحراء، كانت المعاناة ووصفها هي تلك الصورة الظاهرية للأحداث أما في هدفها فقد كانت ترمز وتصور ضياع الفلسطينيين في تلك الحقبة وتحول قضيتهم إلى قضية لقمة العيش مثبتاً أنهم قد ضلوا الطريق.
في قصته "ما تبقي لكم" التي تعتبر مكملة "لرجال في الشمس" يكتشف البطل طريق القضية، في أرض فلسطين وكان ذلك تبشيراً بالعمل الفدائي. قصص "أم سعد" وقصصه الأخرى كانت كلها مستوحاة من أشخاص حقيقيين. في فترة من الفترات كان يعد قصة ودراسة عن ثورة فلسطين 1936 فأخذ يجتمع إلى سكان المخيمات ويستمع إلى ذكرياتهم عن تلك الحقبة والتي سبقتها والتي تلتها وقد أعد هذه الدراسة لكنها لم تنشر (نشرت في مجلة شؤون فلسطين) أما القصة فلم يكتب لها ان تكتمل بل اكتمل منها فصول نشرت بعض صورها في كتابه "عن الرجال والبنادق". كانت لغسان عين الفنان النفاذة وحسه الشفاف المرهف فقد كانت في ذهنه في الفترة الأخيرة فكرة مكتملة لقصة رائعة استوحاها من مشاهدته لاحد العمال وهو يكسر الصخر في كاراج البناية التي يسكنها وكان ينوى تسميتها "الرجل والصخر".


غسان الرائد
تجب وضع دراسة مفصلة عن حياة غسان الادبية والسياسية والصحفية ولكننا في هذه العجالة نكتفي بايراد أمثلة عن ريادته بذكر بعض المواقف في حياته وعتها الذاكرة:
في أوائل ثورة 58 التي أوصلت عبد الكريم قاسم إلى حكم العراق، زار غسان بغداد ورأى بحسه الصادق انحراف النظام، فعاد وكتب عن ذلك بتوقيع "أبو العز" مهاجماً النظام العراقي، فقامت قيامة الأنظمة المتحررة ضده إلى أن ظهر لهم انحراف الحكم فعلا فكانوا أول من هنأوه على ذلك مسجلين سبقه في كتاب خاص بذلك.
بعد أن استلم رئاسة تحرير جريدة "المحرر" اليومية استحدث صفحة للتعليقات السياسية الجادة وكان يحررها هو وآخرون. وقد استحدثت إحدى كبريات الصحف اليومية في بيروت صفحة مماثلة.
لا أحد يجهل أن غسان كنفاني هو أول من كتب عن شعراء المقاومة ونشر لهم وتحدث عن أشعارهم وعن أزجالهم الشعبية في الفترات الأولى لتعريف العالم العربي على شعر المقامة، لم تخل مقالة كتبت عنهم من معلومات كتبها غسان وأصبحت محاضته عنهم ومن ثم كتابه عن "شعراء الأرض المحتلة" مرجعاً مقرراً في عدد من الجامعات وكذلك مرجعا للدارسين.
الدراسة الوحيدة الجادة عن الأدب الصهيوني كانت لغسان ونشرتها مؤسسة الأبحاث بعنوان "في الأدب الصهيوني". أشهر الصحافيين العرب يكتب الآن عن حالة اللاسلم واللاحرب ولو عدنا قليلا إلى الأشهر التي تلت حرب حزيران 67 وتابعنا تعليقات غسان السياسية في تلك الفترة لوجدناه يتحدث عن حالة اللاسلم واللاحرب أي قبل سنوات من الاكتشاف الأخير الذي تحدثت عنه الصحافة العربية والأجنبية.
اننا نحتاج إلى وقت طويل قبل أن نستوعب الطاقات والمواهب التي كان يتمتع بها غسان كنفاني. هل نتحدث عن صداقاته ونقول أنه لم يكن له عدو شخصى ولا في أي وقت واي ظرف أم نتحدث عن تواضعه وهو الرائد الذي لم يكن يهمه سوى الإخلاص لعمله وقضيته أم نتحدث عن تضحيته وعفة يده وهو الذي عرضت عليه الالوف والملايين ورفضها بينما كان يستدين العشرة ليرات من زملائه. ماذا نقول وقد خسرناه ونحن أشد ما نكون في حاجة إليه، إلى ايمانه واخلاصه واستمراره على مدى سنوات في الوقت الذي تساقط سواه كأوراق الخريف يأساً وقنوطا وقصر نفس.
كان غسان شعباً في رجل، كان قضية، كان وطناً، ولا يمكن أن نستعيده الا إذا استعدنا الوطن.
عمل في الصحف والمجلات العربية التالية: - عضو في أسرة تحرير مجلة "الرأي" في دمشق. - عضو في أسرة تحرير مجلة "الحرية" في بيروت. - رئيس تحرير جريدة "المحرر" في بيروت. - رئيس تحرير "فلسطين" في جريدة المحرر. - رئيس تحرير ملحق "الأنوار" في بيروت. - صاحب ورئيس تحرير "مجلة الهدف" في بيروت. كما كان غسان كنفاني فنانا مرهف الحس، صمم العديد من ملصقات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كما رسم العديد من اللوحات.


غسان والأطفال
كثيراً ما كان غسان يردد: "الأطفال هم مستقبلنا". لقد كتب الكثير من القصص التي كان أبطالها من الأطفال. ونُشرت مجموعة من قصصه القصيرة في بيروت عام 1978 تحت عنوان "أطفال غسان كنفاني". أما الترجمة الإنكليزية التي نشرت في عام 1984 فكانت بعنوان "أطفال فلسطين".

قصص ومسرحيات
موت سرير رقم 12- بيروت، 1961. قصص قصيرة.
أرض البرتقال الحزين – بيروت، 1963. قصص قصيرة.
رجال في الشمس – بيروت،1963. رواية. قصة فيلم "المخدوعين".
أم سعد – بيروت، 1969. رواية.
عائد إلى حيفا – بيروت، 1970. رواية.
الشيء الآخر – صدرت بعد استشهاده، في بيروت، 1980. قصص قصيرة.
العاشق، الأعمى والأطرش، برقوق نيسان5 (روايات غير كاملة نشرت في مجلد أعماله الكاملة)
القنديل الصغير-بيروت.
القبعة والنبي. مسرحية.
القميص المسروق وقصص أخرى. قصص قصيرة.
جسر إلى الأبد. مسرحية.
بحوث أدبية***
أدب المقاومة في فلسطين المستقلة.
الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968.
في الأدب الصهيوني
نال في 1966 جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان عن روايته "ما تبقى لكم".
نال اسمه جائزة منظمة الصحفيين العالمية في 1974 وجائزة اللوتس في 1975.
منح اسمه وسام القدس للثقافة والفنون في 1990.
استشهد صباح يوم السبت 8/7/1972 بعد أن انفجرت عبوات ناسفة كانت قد وضعت في سيارته تحت منزله مما أدي إلي استشهاده مع ابنة شقيقته لميس حسين نجم (17 سنة).






.h,dm ohwi fv,hdhj yshk ;kthkd hv[,h hgjefdj





رد مع اقتباس
قديم 01-05-2014   #2


الصورة الرمزية Alaa ghanem
Alaa ghanem غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 766
 تاريخ التسجيل :  Jan 2014
 العمر : 30
 أخر زيارة : 01-22-2014 (12:25 AM)
 المشاركات : 265 [ + ]
 التقييم :  16
 الدولهـ
Palestine
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
الحياة ليست اماكن الحياة اشخاص
لوني المفضل : Darkorange
اضف الشكر / الاعجاب
شكر (اعطاء): 0
شكر (تلقي): 0
اعجاب (اعطاء): 0
اعجاب (تلقي): 0
لايعجبني (اعطاء): 0
لايعجبني (تلقي): 0
افتراضي



نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

غسان كنفاني
ام سعد


( أم سعد امرأة حقيقية ، اعرفها جيداً، وما زلت أراها دائماً، و أحادثها و أتعلم منها، وتربطني بها قرابة ما، ومع ذلك لم يكن هذا بالضبط ، ما جعلها مدرسة يومية ، فالقرابة التي تربطني بها واهية إذا ما قيست بالقرابة التي تربطها إلى تلك الطبقة الباسلة ، المسحوقة والفقيرة والمرمية في مخيمات البؤس ، والتي عشت فيها ومعها ، ولست أدري كم عشت لها.
"إننا نتعلم من الجماهير، ونعلمها" ومع ذلك فأنه يبدو لي يقيناً أننا لم نتخرج بعد من مدارس الجماهير، المعلم الحقيقي الدائم، والذي في صفاء رؤياه تكون الثورة جزءاً لا ينفصم عن الخبز والماء وأكف الكدح ونبض القلب.
لقد علمتني أم سعد كثيراً ، وأكاد أقول أن كل حرف جاء في السطور التالية إنما هو مقتنص من بين شفتيها اللتين ظلتا فلسطينيتين رغم كل شيء، ومن كفيها الصلبتين الصلبتين اللتين ظلتا، رغم كل شيء، تنتظران السلاح عشرين سنة.
ومع ذلك فأم سعد ليست امرأة واحدة، ولولا أنها ظلت جسداً وعقلاً وكدحاً، في قلب الجماهير وفي محور همومها وجزءاً لا ينسلخ عن يومياتها، لما كان بوسعها أن تكون ما هي، ولذلك فقد كان صوتها دائماً بالنسبة لي هو صوت تلك الطبقة الفلسطينية التي دفعت غالياً ثمن الهزيمة.
والتي تقف الآن تحت سقف البؤس الواطئ في الصف العالي من المعركة ، وتدفع ، وتظل تدفع أكثر من الجميع)


غسان كنفاني


في البداية لن ننسى أن نشكر رفيقي العزيز من غزة (يبوس) الذي تفضل بطباعة عدد من روايات وقصص ومسرحيات الشهيد الراحل غسان كنفاني ...

1-
أم سَعد
والحرب التي انتهت


كان ذلك الصباح تعيساً. وبدت الشمس المتوهجة وراء النافذة وكأنها مجرد قرص من النار يلتهب تحت قبة من الفراغ المروع، كنا نطوي أنفسنا على بعضها كما تُطوى الرايات. وفجأة رأيتها قادمة من رأس الطريق المحاط بأشجار الزيتون، وبدت أمام تلك الخلفية من الفراغ والصمت والأسى مثل شيء ينبثق من رحم الأرض. قمت ووقفت أمام النافذة المشرعة وأخذت انظر إليها تمسي بقامتها العالية كرمح يحمله قدر خفي.
وجاءت زوجتي ووقفت إلى جانبي ونظرت إلى الطريق، ثم قالت لي: "ها هي أم سعد، وقد جاءت".
مثل دقات الساعة جاءت. هذه المرأة تجيء دائماً، تصعد من قلب الأرض وكأنها ترتقي سلماً لا نهاية له، وقالت زوجتي فيما نحن نحصي خطواتها: "ترى..كيف تشعر أم سعد الآن؟".
وقلت لنفسي: "لست أدري" وكنت أنتظرها لا تعلم شيئاً، فوراء ظهورنا تراكمت دروع الجنود المحطمة فوق الرمل المهجور، وشقت طوابير النازحين مسافات جديدة.
كنت اسمع هدير الحرب من الراديو، ومنه سمعت صمت المقاتلين، وهو يتكئ على الطاولة ورائي ينوح مثل أرملة، ويطلي بصوته المهزوم كل أشياء الغرفة بالتفاهة: المكتبة، والمقعد، والزوجة، والأطفال ، وصحن الطعام، وأحلام المستقبل، ويجعل الحبر بلا لون.
وقالت زوجتي: لقد اختفت أم سعد منذ تفجر القتال. وها هي تعود وكأنما على إيقاع الهزيمة..لقد قاتلوا من أجلها وحين خسروا خسرت هي مرتين، تراها ماذا ستقول الآن؟ لماذا تجيء وكأنها تريد أن تبصق في وجوهنا ؟ كيف تراها رأت المخيم حين غادرته هذا الصباح؟.
وظلت الأسئلة معلقة في الهواء، كما لو أنها الغبار الذي لا يرسو، وكدت أراها، مسننة ومدببة وذات رؤوس كالشفرات تسبح في تلك الحزمة الفضية التي كانت تصبها أشعة الشمس في قلب الغرفة، فيما كانت أم سعد ترقى الطريق نحونا، تحمل الصرّة الصغيرة التي تحتفظ بها دائماً، وتسير عالية كما لو أنها علم ما، تحمله زنود لا تُرى.
ودخلت أم سعد، ففوحت في الغرفة رائحة الريف، وبدت لي كما كانت قبل عشرة أيام فقط! يا الهي كم تتغير الأمور وكم تتهدم الصروح في عشرة أيام! وضعت صرتها الفقيرة في الركن، وسحبت من فتحتها عرقاً بدا يابساً، ورمته نحوي:
- "قطعته من دالية صادفتني في الطريق، سأزرعه لك على الباب، وفي أعوام قليلة تأكل عنباً".
- ودورت العرق الذي بدا خشبه بنية داكنة لا تنفع شيئاً بين أصابعي، وقلت لها:
- " أهذا وقته يا أم سعد؟ ".
وأخذت تعيد ربط شالها الأبيض حول رأسها، كما تفعل دائماً حين تكون منصرفة إلى التفكير بشيء آخر، وقالت:
- " قد لا تعرف شيئاً عن الدالية، ولكنها شجرة عطاءة لا تحتاج إلى كثير من الماء. الماء الكثير يفسدها..تقول: كيف؟
أنا أقول لك. إنها تأخذ ماءها من رطوبة التراب ورطوبة الهواء، ثم تعطي دون حساب.
قلت:
- " قضيب ناشف ".
- " انه يبدو كذلك، ولكنه دالية ".
- " هذا ليس مهماً..".
قالت فجأة:
- " انتهى الأمر، أليس كذلك؟"
- " بلى ".
- " وأنت تقول ذلك ".
- واستدارت ، ومضت إلى الشرفة فلحقت بها بخطوات بطيئة، وسألتها:
- " كيف كان المخيم اليوم؟ ".
- وفجأة نظرت إليّ، وبدت لي القصة كلها على جبينها الذي له لون التراب، ثم فرشت كفيها أمامي:
- " بدأت الحرب بالراديو وانتهت بالراديو، وحين انتهت قمت لأكسره، ولكن أبا سعد سحبه من تحت يدي. آه يا ابن العم! آه! ".
واتكأت على حاجز الشرفة، وأخذت تنظر إلى حقول الزيتون المطلة على مدارج التلة، ثم سحبت يدها فوقها جميعها وقالت:
- " والزيتون لا يحتاج إلى ماء أيضاً ، انه يمتص ماءه عميقاً في بطن الأرض، من رطوبة التراب ".
ثم نظرت إليّ:
- لقد ذهب سعد ولكنهم امسكوه، ومنذ يومين كنت اعتقد أنه يحارب. هذا الصباح عرفت أنه كان محبوساً ، يا للعار.
كنت أقول لنفسي: لو مات..
وصمتت فجأة.
- كيف عرفت أنه محبوس؟.
- صباح الاثنين سمعنا الراديو، فحمل أغراضه وجمع رفاقه وطلعوا من المخيم كالعفاريت. أقول لك أنني لحقت به. أخذت طريقاً مختصراً وقابلته قرب مدخل المخيم وأسمعته كيف أزغرط. وقد ظل يضحك حتى اختفى عن أنظاري..ولكن يا حسرة! لم يصل. حبسوه.
- والآن؟.
- ذهب المختار ليرى. مرَّ عليَّ في الصباح وقال لي: لا تخافي يا أم سعد. سأعود لك به. الأهبل، يعتقد أن هذا ما أريده..الأهبل، يعتقد أن ذلك ما يريده سعد. أتعرف؟ سيعود المختار في الليل ويقول لي: ابنك ولد شقي، أخرجته من الحبس فهرب مني نحو الجبل وقطع الحدود..
- يقطع الحدود إلى أين؟.
وبدا لي أنها أشارت بذراعها إلى جهة ما، ثم ارتدت الذراع كأنما من تلقائها، وأخذت تدور حول نفسها، تشير إلى كل شيء، وأخذت أحصي الأشياء التي أشارت إليها الذراع السمراء: المكتبة والمقعد والأطفال والزوجة وصحن الطعام وأنا.
ولأول وهلة لم أصدق، وبدت لي حركة ذراعها وكأنها رمز لشيء شديد التعقيد، لا يمكن أن يرقى إليه عقلها البسيط وعدت أسأل:
- يقطع الحدود إلى أين؟
وشهدت في ركن شفتيها تلك الابتسامة التي لم أرها قط على وجهها، والتي صار يتعين علي منذ الآن أن أراها هناك دائماً، منذ هذه اللحظة، تشبه رمحاً مسدداً، وهذه المرة لم تحرك ذراعها، وقالت:
- كأنك لا تعرف! كأنك لا تعرف! نعم..يقطع الحدود إلى أين؟ هكذا تسأل، هكذا يسألون..لماذا لم تتناول فطورك؟.
وفاجأني السؤال، فالتفت إلى حيث كان الطعام ينتظر منذ ساعتين شهية محكمة الرتاج، كأنها باب أغلق إلى الأبد ولحم مصراعيه صدأ الهزيمة المرة التي لها طعم الذل..وعادت أم سعد تقرع ذلك الباب مرة أخرى:
- لماذا لم تتناول فطورك؟ أنا لم أتناول فطوري أيضاً، أنتظر شيئاً ما يفتح شهيتي ليس للأكل فحسب، ولكن للحياة أيضاً ..أتصدق؟ ليس ثمة من يستطيع أن يفعل ذلك إلاَّ سعد.
وصمتت قليلاً، ثم همست كأنما لنفسها:
- أتعرف؟ إذا عاد سعد إلى البيت الليلة، إذا عاد، فلن أستطيع تناول الطعام..أتدرك الآن لماذا يتوجب عليه أن يقطع الحدود؟
وعاد ذراعها مرة أخرى يشير إلى تلك الحدود، ويدور فوق المكتبة والمقعد والأطفال والزوجة وصحن الطعام وأنا، ثم ظل مصوباً نحوي، مشدوداً كأنه جسر أو حاجز، وسألت:
- وأنت؟ ماذا ستفعل يا ابن العم؟ عشرون سنة مضت و أمس تذكرتك وأنا اسمع في الليل أن الحرب انتهت ، وقلت لنفسي، يجب أن أزوره ، ولو كان سعد هنا لقال لي: هذه المرة دوره هو أن يزورنا..فهل ستفعل؟.
ولم تنتظر جوابي. عادت إلى الغرفة فرفعت عرق الدالية عن الطاولة وأخذت تتأمله كأنها تراه تلك اللحظة للمرة الأولى.
وخطت ببطيء نحو الباب الآخر وهي تقول:
- سأزرعه، وسترى كيف يعطي عنباً، هل قلت لك انه لا يحتاج إلى الماء، وانه يعتصر حبات التراب في عمق الأرض ويشربها؟
وبدت لي وهي تمشي عبر الممر شيئاً شامخاً عالياً، كما كانت تبدو دائماً، ولست ادري لماذا أخذت أفكر بالمختار الذي ذهب يسعى لإطلاق ابنها من الحبس، فسألتها:
- هل قال لك المختار كيف سيفك سعد من الحبس؟
ومن آخر الممر التفتت إلي، وكانت تبدو أمام الباب المفتوح عملاقاً يدخل مع ضوء الشمس، لم اكن لأستطيع أن أرى وجهها بوضوح ، ولكنني سمعتها تقول:
- أما زلت تفكر بالمختار؟





- " ألم أقل لك؟ ".
كان ذلك أول ما قالته أم سعد صباح اليوم التالي، وقد جاءت مبكرة كالعادة، وكنت قد نمت متأخراً، ولكنها لم تنتظر ، ففاجأتني في الفراش، ومضت تقول:
- " ألم اقل لك أن لا تفكر بالمختار؟ أتعرف ماذا حدث؟.
ذهب وأراد أن يأخذ من كل واحد منهم توقيعاً على ورقة يتعهدون فيها أن يكونوا اوادم، ولكنهم رفضوا وطردوه "
- من هم؟
- سعد ورفاقه. قال لي المختار انهم ضحكوا عليه، وان سعد سأله: "شو يعني اوادم؟ " قال المختار انهم كانوا محشورين في زنزانة، وانهم اخذوا يضحكون جميعاً، وان شخصاً لا يعرفه كان بينهم قال له: " اوادم يعني قاعدين عاقلين؟ " فقال رجل ثالث: " يعني ناكل كف ونقول شكراً؟ " وان سعد قام وقال له: " يا حبيبي ، اوادم يعني بنحارب، هيك يعني هيك "..
كانت تتوهج بسعادة غامضة، وجلست على الكرسي وقالت:
- يخزي العين عليهم! كان المختار يحكي لي القصة وكنت اضحك بعبي، وقلت له اخيراً: " مليح اللي ما ضربوك، احمد ربك عالسلامة! " فزعل.
- ورفضوا توقيع التعهد؟
- طبعاً رفضوا..قالوا للمختار " راحت عليك " ، وقد زعل، خصوصاً حين سألهم المختار إن كانوا يريدون شيئاً من المخيم فقال له سعد: " سلم عالأهل يا ابني ".
فزعل لأنه اكبر من سعد، من جيل أبيه، وقال لي إن سعد لم يحترمه، وانه قال له "يا ابني "، كأنه ولد..
- وماذا قلت أنت للمختار؟
- قلت له إن سعد قلبه أبيض، وانه حين قال له يا ابني فهو لم يقصد أهانته، كل ما قصده أن الدور الآن دوره..
- يا أم سعد! أردت تكحيلها فعميتها.!
- أنا؟ أنا قصدت ذلك قصداً..
- والآن ماذا سيفعل سعد؟ ألم يكن خروجه من السجن أفضل؟
وقفت، ونظرت إلي واضعة تلك الابتسامة على ركن شفتيها، وقالت:
- طيب! أنت غير محبوس، فماذا تفعل؟
وكانت الصحف ملقاة على الأرض، والراديو الذي تركته في الليل مفتوحاً أخذ يتلو نشرة الأخبار، وكانت أم سعد تنظر إليّ تارة واليه تارة أخرى، وبدت لي نظراتها، وهي تنتقل مني إليه، إنما تمد بيننا قضبان حديد تعجز كفاي عن هزها، ثم قالت:
- أتحسب إننا لا نعيش في الحبس؟ ماذا نفعل نحن في المخيم غير التمشي داخل ذلك الحبس العجيب؟ الحبوس أنواع يا ابن العم! أنواع! المخيم حبس، وبيتك حبس، والجريدة حبس، والراديو حبس، والباص والشارع وعيون الناس..أعمارنا حبس، والعشرون سنة الماضية حبس، والمختار حبس..تتكلم أنت على الحبوس؟ طول عمرك محبوس..
أنت توهم نفسك يا ابن العم بأن قضبان الحبس الذي تعيش فيه مزهريات؟ حبس، حبس، حبس. أنت نفسك حبس..فلماذا تعتقدون أن سعد هو المحبوس؟ محبوس لأنه لم يوقع ورقة تقول انه آدمي..آدمي؟ من منكم آدمي؟ كلكم وقعتم هذه الأوراق بطريقة أو بأخرى ومع ذلك فأنتم محبوسون..
قمتُ، وكانت ترتجف، لا شك أنها كانت المرة الأولى التي رأيتها فيها مجتاحة بمثل ذلك الغضب، قلت لها:
- هدئي أعصابك يا أم سعد..أنا لم أقصد شيئاً.
وبهدوء قالت:
- كل واحد يقول الآن " أنا لم أقصد شيئاً "..فلماذا يحدث كل الذي يحدث؟ لماذا؟ لماذا لا يتركون الطريق للذين يقصدون؟ لماذا أنت لا تقصد شيئاً؟
ثم اقتربت مني.
- اسمع..أنا أعرف أن سعد سيخرج من الحبس. الحبس كله! أتفهم؟



يتبع ...


 

رد مع اقتباس
قديم 01-05-2014   #3


الصورة الرمزية Alaa ghanem
Alaa ghanem غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 766
 تاريخ التسجيل :  Jan 2014
 العمر : 30
 أخر زيارة : 01-22-2014 (12:25 AM)
 المشاركات : 265 [ + ]
 التقييم :  16
 الدولهـ
Palestine
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
الحياة ليست اماكن الحياة اشخاص
لوني المفضل : Darkorange
اضف الشكر / الاعجاب
شكر (اعطاء): 0
شكر (تلقي): 0
اعجاب (اعطاء): 0
اعجاب (تلقي): 0
لايعجبني (اعطاء): 0
لايعجبني (تلقي): 0
افتراضي



نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

غسان كنفاني
خيمَة عن خيمَةٍ تفرق



أم سعد، المرأة التي عاشت مه أهلي في " الغبسية " سنوات لا يحصيها العد، والتي عاشت، بعد ، في مخيمات التمزق سنوات لا قبل لاحد بحملها على كتفيه، ما تزال تأتي لدارنا كل يوم ثلاثاء: تنظر إلى الأشياء شاعرة حتى أعماقها بحصتها فيها، تنظر إليّ كما لابنها، تفتح أمام أذني قصة تعاستها وقصة فرحها وقصة تعبها، ولكنها أبداً لا تشكو.
إنها سيدة في الأربعين، كما يبدو لي ، قوية كما لا يستطيع الصخر، صبورة كما لا يطيق الصبر، تقطع أيام الأسبوع جيئة وذهاباً، تعيش عمرها عشر مرات في التعب والعمل كي تنزع لقمتها النظيفة، ولقم أولادها.
اعرفها منذ سنوات. تشكل في مسيرة أيامي شيئاً لا غني عنه، حين تدق باب البيت وتضع أشياءها الفقيرة في المدخل تفوح في رأسي رائحة المخيمات بتعاستها وصمودها العريق، وببؤسها وآمالها، ترتد إلى لساني غصة المرارة التي علكتها حتى الدوار سنة وراء سنة.
آخر ثلاثاء جاءت كعادتها، وضعت أشياءها الفقيرة واستدارت نحوي:
- يا ابن عمي، أريد أن أقول لك شيئاً. لقد ذهب سعد.
- إلى أين؟
- إليهم؟
- من؟
- إلى الفدائيين.
وسقط صمت متحفز فيما بيننا، وفجأة رأيتها جالسة هناك، عجوزاً قوية، اهترأ عمرها في الكدح الشقي. كانت كفاها مطويتين على حضنها، ورأيتهما هناك جافتين كقطعتي حطب، مشققتين كجذع هرم، وعبر الأخاديد التي حفرتها فيهما سنون لا تحصى من العمل الصعب، رأيت رحلتها الشقية مع سعد، مذ كان طفلاً، تعهدته هاتان الكفان الصلبتان مثلما تتعهد الأرض ساق العشبة الطرية، والآن انفتحتا فجأة فطار من بينهما العصفور الذي كان هناك عشرين سنة.
- لقد التحق بالفدائيين.
وكنت ما أزال أنظر إلى كفيها، منكفئتين هناك كشيئين مصابين بالخيبة، تصيحان من أعماقهما، تطاردان المهاجر إلى الخطر والمجهول..لماذا، يا الهي، يتعين على الأمهات أن يفقدن أبناءهن؟ لأول مرة أرى ذلك الشيء الذي يصدع القلب على مرمى كلمة واحدة مني، كأننا على مسرح إغريقي نعيش مشهداً من ذلك الحزن الذي لا يداوى.
قلت لها، محاولاً أن أضيعها وأضيّع نفسي:
- ماذا قال لك؟
- لم يقل شيئاً. فقط ذهب، وقال لي رفيقه في الصباح انه ذهب إليهم.
- ألم يذكر لك قبلاً انه سيذهب؟
- بلى. قال لي مرتين أو ثلاث مرات انه ينوي الالتحاق بهم.
- ولم تصدقي آنذاك؟
- بلى. صدقت. أنا أعرف سعد، وقد عرفت انه سيذهب.
- فلماذا، إذن، فوجئت؟
- أنا؟ لم أفاجأ. إنما أعلمك بالأمر. قلت لنفسي: قد تكون ترغب في معرفة أخبار سعد.
- ولست حزينة أو غاضبة؟
وتحركت كفاها المطويتان في حضنها، ورأيتهما جميلتين قويتين قادرتين دائماً على أن تصنعا شيئاً، وشككت إن كانتا حقاً تنوحان، وقالت:
- لا. قلت لجارتي هذا الصباح. أود لو عندي مثله عشرة. أنا متعبة يا ابن عمي. اهترأ عمري في ذلك المخيم. كل مساء أقول يا رب! وكل صباح أقول يا رب!. وها قد مرت عشرون سنة، وإذا لم يذهب سعد، فمن سيذهب؟
وقامت، ففاض في الغرفة مناخ من البساطة. بدت الأشياء أكثر إلفة، ورأت فيها بيوت الغبسية مرة أخرى، ولكنني لحقت بها إلى المطب، هناك ضحكت وهي تنظر إليَّ، وأخبرتني:
- " قلت للمرأة التي جلست إلى جانبي في الباص أن ولدي أضحى مقاتلاً (آنذاك بدا صوتها، بلا ريب، مختلفاً، ولذلك تذكرت الآن) قلت لها إنني احبه وسأشتاق له، ولكنه جاء ابن أمه..أتعتقد أنهم سيعطونه رشاشاً؟ "
- انهم يعطون رجالهم رشاشات دائماً.
- " والطعام ؟ "
- يأكلون كفاية ، وكذلك يعطونهم السجاير.
- " إن سعد لا يدخن، ولكنني متأكدة انه ستعلم ذلك هناك. يا نور عيني أمه! أود لو كان قريباً فأحمل له كل يوم طعامه من صنع يدي. "
- يأكل مثل رفاقه.
- " اسم الله عليهم جميعاً "
وصمتت لحظة، ثم دارت وواجهتني:
- " أتعتقد انه سينبسط لو ذهبت فزرته؟ أستطيع أن أوفر أجرة الطريق، وأذهب يومين إلى هناك "
وتذكرت شيئاً فأكملت:
- " أتدري؟ إن الأطفال ذل! لو لم يكن لدي هذان الطفلان للحقت به. لسكنت معه هناك. خيام؟ خيمة عن خيمة تفرق! لعشت معهم، طبخت لهم طعامهم. خدمتهم بعيني ولكن الأطفال ذل. "
قلت لها:
- لا ضرورة لأن تزوريه هناك، دعيه يتصرف وحده. إن الرجل الذي يلتحق بالفدائيين لا يحتاج، بعد، إلى رعاية أمه.
ونشفت كفيها بمريولها، وعميقاً في عينيها رأيت شيئاً يشبه الخيبة: تلك اللحظة المروعة التي تشعر فيها أم ما انه صار بالوسع الاستغناء عنها، أنها اطرحت في جهة ما كشيء استهلكه الاستعمال.
ودنت مني تقول:
- " أتعتقد ذلك حقاً؟ أتعتقد انه من غير المفيد أن أذهب إلى رئيسه هناك وأوصيه به؟ "
وتحيرت قليلاً، مستشعرة التمزق ينهكها، ثم سألت:
- " ..أم تراك تستطيع أنت أن توصى رئيسه به؟ تقول له: دير بالك على سعد، الله يخليلك ولادك "
وقلت لها:
كيف؟ إن أحداً لا يستطيع أن يوصي بالفدائي.
- "لماذا؟"
- لأنك أنت تقصدين أن يتدبر رئيسه الأمر بحيث لا يعرضه للخطر، أما سعد نفسه، ورفاقه، فيعتقدون أن أحسن توصيه بهم هي أن يرسلوا على الفور إلى الحرب.
ومرة أخرى جلست هناك، ولكنها بدت قوية اكثر مما رأيتها أبداً، وراقبت في عينيها وكفيها الخشنتين حيرة الأم وتمزقها وأخيراً قر رأيها:
- " أقول لك ،لتكن توصيتك به إلى رئيسه أن لا يغضبه. قل له: أم سعد تستحلفك بأمك أن تحقق لسعد ما يريد. انه شاب طيب، وحين يريد شيئاً لا يتحقق يصاب بحزن كبير. قل له، دخيلك، أن يحقق له ما يريد .. يريد أن يذهب إلى الحرب؟ لماذا لا يرسله؟"


يتبع ..


 

رد مع اقتباس
قديم 01-05-2014   #4


الصورة الرمزية Alaa ghanem
Alaa ghanem غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 766
 تاريخ التسجيل :  Jan 2014
 العمر : 30
 أخر زيارة : 01-22-2014 (12:25 AM)
 المشاركات : 265 [ + ]
 التقييم :  16
 الدولهـ
Palestine
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
الحياة ليست اماكن الحياة اشخاص
لوني المفضل : Darkorange
اضف الشكر / الاعجاب
شكر (اعطاء): 0
شكر (تلقي): 0
اعجاب (اعطاء): 0
اعجاب (تلقي): 0
لايعجبني (اعطاء): 0
لايعجبني (تلقي): 0
افتراضي



نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

غسان كنفاني
المطر والرجُل والوَحل




كان صباح الثلاثاء ماطراً، ودخلت أم سعد وهي تقطر ماء. كان شعرها مبتلاً، وينقط على وجهها، فيبدو وكأنه تراب مسقي. تناولت معطفها، فيما وضعت المظلة الكالحة في الزاوية كما يوضع السيف المتعب، وقالت:
- هذا ليس مطراً، السماء، يا ابن عمي، تكب سطولاً. وابتسمت، ولكنني رأيت شريطاً من الوحل الأحمر يطوق طرف ردائها وهي تستدير. قلت لها:
- ماذا يا أم سعد؟ هل وقعت؟
وبسرعة التفتت إلي:
- وقعت؟ أم سعد لا تقع. لماذا؟
- ثمة وحل على تنورتك.
حكت الوحل بإصبعها الخشنة، ثم تركته لشأنه حين أحست أنه ما زال طرياً، وقالت:
- طاف المخيم في الليل..الله يقطع هالعيشة.
واهتز الجبل أمامي، ثمة دموع عميقة أخذت تشق طريقها إلى فوق،لقد رأيت أناساً كثيرين يبكون. رأيت دموعاً في عيون لا حصر لها، دموع الخيبة واليأس والسقوط. الحزن والمأساة والتصدع. رأيت دموع الوجد والتوسل. الرفض الكسيح والغضب المهيض الجناح. دموع الندم والتعب. الاشتياق والجوع والحب، ولكنها أبداً أبداً لم تكن مثل دموع أم سعد: لقد جاءت مثلما تتفجر الأرض بالنبع مثل أول الأبد، مثلما يستل السيف من غمده الصامت، ووقفت هناك على بعد لحظة واحدة من بريق العين الصامدة. عمري كله لم أرَ كيف يبكي الإنسان مثلما بكت أم سعد. تفجر البكاء من مسام جلدها كله. أخذت كفاها اليابستان تنشجان بصوت مسموع. كان شعرها يقطر دموعاً. شفتاها، عنقها، مزق ثوبها المنهك، جبهتها العالية، وتلك الشامة المعلقة على ذقنها كالراية، ولكن ليس عينيها.
- ولو يا أم سعد؟ أنت تبكين؟
- أنا لا أبكي يا ابن عمي. أود لو أستطيع. لقد بكينا كثيراً. كثيراً..كثيراً. أنت تعرف. بكينا أكثر مما طافت المياه في المخيم ليلة أمس، وذات صباح كان سعد قد ذهب. انه يحمل مرتينة الآن، وتشتي عليه ماء ورصاصاً. لا أحد يبكي الآن، ولكنني يا ابن عمي، صرت امرأة عجوزاً. صرت أتعب. أمضيت كل الليل غارقة في الوحل والماء. عشرون سنة…
وصل النشيج إلى حلقها فاعترض الكلمة. فرشت راحتيها أمامي وابتلعت الغصة التي كدت أسمع صوت سقوطها في صدرها المملئ بحطام العذاب والأسى..
- ماذا أقول يا ابن عمي؟ في الليل أحسست بأنني قريبة من النهاية..ما النفع؟ أريد أن أعيش حتى أراها. لا أريد أن أموت هنا، في الوحل ووسخ المطابخ..هل تفهم ذلك يا ابن عمي. أنت تعرف كيف تكتب الأشياء، أنا لم أذهب إلى مدرسة في عمري؟ ولكننا نحس مثل بعضنا. يا ربي! ماذا أقول؟ أمس في الليل فكرت بذلك جيداً، ووجدت الكلمات المناسبة، وفي الصباح نسيتها..طيب! أنت تكتب رأيك، أنا لا اعرف الكتابة، ولكنني أرسلت ابني إلى هناك..قلت بذلك ما تقوله أنت.أليس كذلك؟.
شعرت بذلك النصل الذي ينبثق فجأة من أحضان الكلمة البسيطة، وينقذف في صدورنا بسرعة الرصاصة وتصويب الحقيقة، ولوهلة رأيت شريط الوحل الداكن الذي كان يتدلى على طرف ثوبها شيئاً يشبه تاج الشوك.
- تعالي يا أم سعد. اجلسي هنا. أنت متعبة فقط، وربما كان شوقك لسعد وقلقك عليه هما اللذان يصدعان رأسك. وكذلك الطقس أنت تشعرين بالتعاسة لأنك تعرفين بأن المطر سيستمر طوال النهار، وستعملين في جرف الوحل طوال الليل. تعالي اجلسي، لا تسمحي لذلك كله أن يهدمك."
جلست، وتنفست الصعداء مثلما يفعل الإنسان حين يريد أن يهيل على الغيوم السوداء في صدره هواء نقياً:
- " لا، يا ابن عمي. أتعرف ماذا كان يفعل سعد حين يطوف المخيم؟ كان يقف ويتفرج على الرجال وهم يجرفون الوحل، ثم يقول لهم: " ذات ليلة سيدفنكم هذا الوحل". ومرة قال له أبوه: لماذا تقول ذلك؟ ماذا تريدنا أن نفعل؟ هل تعتقد أنه يوجد مزراب في السماء وأن علينا أن نسده؟ وضحكنا كلنا، ولكنني نظرت إليه رأيت في وجهه شيئاً أرعبني، كان منصرفاً إلى التفكير وكأن الفكرة راقت له، كأنه سيذهب في اليوم التالي ليسد ذلك المزراب.
- ثم ذهب؟.
- ثم ذهب.
ونظرت إلى مباشرة..كان ثمة ارتداد لا يصدق. تراجع طوفان الدموع الذي كانت تسبح فيه و أشرقت كما يضاء الشيء من الداخل.
- أتعرف، ي ابن عمي؟ أنا لست قلقة عليه. لا. هذا ليس صحيحاً. قلقة. قلقة وغير قلقة. ربما كان لديك، أنت الذي ذهبت إلى المدرسة، اسم لهذه الحالة..فأمس فقط جاء رفيقه وقال لي انه بخير.
- جاء عندك؟
- لم أر وجهه. كان الليل ثقيلاً، وكنا نشتغل بالوحل والماء حين جاء ووقف بجانبي. كان عملاقاً، يخزي العين العين، وقال لي: " سعد يسلم عليك. انه بخير. وسيهديك غداً سيارة " ثم ذهب.
- يهديك سيارة؟
- أجل. ألا تعرف؟ يعني انه سينسف سيارة.
- وهل فعل؟
- ماذا؟ سعد لا يقول شيئاً ثم لا يفعله. أنا اعرفه جيداً. وفي الخارج، شقت الشمس طريقها وسط الغيوم الداكنة مثلما يشق المحراث ثلماً في الأرض، وقذفت حزمة دفء في الغرفة. أكانت الصدفة أن سقطت الشمس على وجهها وهي جالسة هناك؟ لقد ابتسمت، وبدت قوية وشابة كما كانت تبدو دائماً.
لقد انتظرت حتى المساء لاسمع نبأ سقوط سيارة إسرائيلية في كمين مقاتلين. وارتقبت بلهفة أن أسمع تلك التتمة الرائعة للخبر: " وعاد الفدائيون إلى قواعدهم سالمين ". لست ادري لماذا مضيت من توي إلى المخيم، وفي مستنقع الوحل شهدت أم سعد واقفة مثل شارة الضوء في بحر لا نهاية له من الظلام، وقد رأتني قادماً، فلوحت بيديها، كان صوتها أعلى من صوت الرعد المدوي في سقف السماء، وانهمر الصدى من كل صوب كالشلال:
- ارأيت ؟ قلت لك إن سعد سيهدي أمه سيارة.
وكان المطر ينهمر، ولم يكن رذاذه الصاخب في تلك اللحظة إلا تطاير الماء أمام زورق صامد يشق طريقه كالقدر



يتبع ..


 

رد مع اقتباس
قديم 01-05-2014   #5


الصورة الرمزية Alaa ghanem
Alaa ghanem غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 766
 تاريخ التسجيل :  Jan 2014
 العمر : 30
 أخر زيارة : 01-22-2014 (12:25 AM)
 المشاركات : 265 [ + ]
 التقييم :  16
 الدولهـ
Palestine
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
الحياة ليست اماكن الحياة اشخاص
لوني المفضل : Darkorange
اضف الشكر / الاعجاب
شكر (اعطاء): 0
شكر (تلقي): 0
اعجاب (اعطاء): 0
اعجاب (تلقي): 0
لايعجبني (اعطاء): 0
لايعجبني (تلقي): 0
افتراضي



نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
غسان كنفاني
في قَلبِ الِدّرع


كانت الضحكة تملأ وجهها كما لم أرها أبدأً، ووضعت أم سعد أشياءها الفقيرة في الزاوية، وقالت:
- جاء سعد.
وحومت في الغرفة فيما كان الدوي في الخارج يستقبل مجيء العيد، وجلست، واضعة كعادتها كفيها في حضنها مطويتين إلى بعضهما على تلك الصورة الفريدة التي تشبه عناقاً حميماً، وأمامي برقت عينا سعد وراء مدفعه القصير، قادماً وهو مضرج بالتراب من وراء الليالي الطويلة التي غابها، وسألتها:
- لقد غاب سنة.
- كلا. تسعة شهور وأسبوعان، جاء أمس.
- سيظل.
- لا. قطبوا له ساعده، كانت رصاصة قد..
وشمرت عن كمها، وأرتني كيف شقت الرصاصة لحم الساعد من الرسغ إلى الكوع، وفي ساعدها الأسمر القوي الذي يشبه لونه لون الأرض، رأيت كيف للأمهات أن ينجبن المقاتلين، وخيل الي لوهلة إنني أرى أثراً لجرح عتيق، ملتحم ولكنه كامن، يمتد من رسغ أم سعد إلى كوعها، وقلت:
- أنت أيضاً.
- أنا؟ آه، ذلك جرح عتيق، من أيام فلسطين..سرق الواوي دجاجة فسحبته من تحت سلك شائك وطققت له رقبته، جرحني السلك يومها.
- وسعد؟
- يقول انه سيرجع حين يلتئم الجرح.
ولاحظت، لنفسي، كيف قالت أنه " سيرجع " ولم تقل انه " سيذهب "، ولكنني لم أفكر كثيراً، كانت أم سعد علمتني طويلاً كيف يجترح المنفي مفرداته وكيف ينزلها في حياته كما تنزل شفرة المحراث في الأرض، وقالت:
- " أسم الله عليه، انه يحمل ساعده كما يحمل النيشان، قال انه صار قائد فرقته، وانهم يسألونه دائماً: لماذا، يا سعد توسع خطواتك؟ انه في الأمام، وقلت له: أبن أبوك."
- اشتاق لك كثيراً؟
- " من؟ سعد؟ يخزي العين. عبطني لحظة واحدة وتركني، فقلت له: ولو يا سعد؟ إلا تعبط أمك وتبوسها بعد هذا الغياب؟ أتعرف ماذا قال؟ قال: ولكني رأيتك هناك. وضحك ".
- كيف رآك هناك؟
- قال انه كان في فلسطين. غرب كثيراً، وظل يمشي جمعة أو أكثر مع أربعة من رفقائه. قال انه قرب كثيراً من البلد، ثم اختبأوا في الزرع، لم أفهم لماذا، كان يحكي وكنت انظر في عينيه، يا عيني عليه، يا عيني عليهم كلهم، كان يحكي وكنت أقول لنفسي: كان هناك، فلم افهم لماذا اختبأوا في الزرع..قال انهم..
***

جاعوا، وأخذت السماء تزخ. حين يسقى فولاذ الرشاشات تضحي له رائحة الخبز، هكذا قال سعد.
كانوا قد حوصروا، إلا انهم احتفظوا بمكمنهم هادئين، وقدروا أن الحصار سينفك بعد ساعات. امتد الحصار أياما حتى أنهكهم الجوع، وأخيراً وصلوا إلى باب خيارين: أن يظلوا كامنين، طاوين أنفسهم على عذاب أخذ يشتد ولا يعرفون متى يمضي، أو أن يتركوا لاحدهم أن يجرب مغامرة الذهاب إلى القرية القريبة.
كان الخيار صعباً، قال سعد، وقرروا الانتظار حتى المساء قبل أن يعقدوا العزم على قرار.
وعند الظهر قال سعد لرفاقه: ها قد جاءت أمي!
ونظر الرجال إلى رأس الطريق المنحدر كالثعبان من التلة، وخناك رأوا امرأة في ثوبها الريفي الطويل الأسود تنزل قادمة صوبهم. تحمل على رأسها بقجة، وفي يدها رزمة من العروق الخضراء.
وبدت لهم عجوزاً، في عمر أم سعد وفي قامتها العالية الصلبة، ومن خلال الصمت المخيم كصمت الموت، كان صليل الحصى تحت قدميها العاريتين يسمع كأنه الهمس.
وقال أحد الأربعة:
- أمك؟ أمك في المخيم يا أخوت..ضربك الجوع بالعمى!
وقال سعد:
- انتم لا تعرفون أمي..إنها تلحق بي دائماً، وهذه أمي.
وصارت المرأة في محاذاة مكمنهم، وباتوا يسمعون حفيف ثوبها الطويل المطرز بالخيوط الحمراء، ونظر إليها سعد، من خلال أشجار العليق التي تسد مكمنه، وفجأة ناداها:
- " يما يما ".
- وتوقفت المرأة لحظة، وأدارت بصرها في الحقول الصامتة حولها، وظلوا يراقبونها صامتين فيما أمسك أحدهم بذراع سعد وضغط عليها محذراً، لحظة، لحظة أخرى، احتارت المرأة، ثم عادت تسير.
خطوتان، ثلاث خطوات، واعاد سعد نداءه:
- "يا يما ، ردي علي! "
مرة أخرى وقفت المرأة، ونظرت حولها محتارة، وحين لم ترَ شيئاً أنزلت الصرة عن رأسها ووضعتها على الأرض وأراحت فوقها رزمة العروق الخضراء، وحطت كفيها على خاصرتيها وأنشأت، بعينيها، تنقب في دغول العليق حولها.
وقال سعد:
- " أنا هون يما "!
والتقطت العجوز مصدر الصوت، فتأملته برهة إلا أنها لم ترَ شيئاً، وأخيراً انحنت فلمت قضيباً مشقت عنه أوراقه وخطت نحوهم خطوتين، ثم وقفت ونادت:
- "لماذا لا تخرج وتريني نفسك؟ "
ونظر الرجال نحو سعد الذي تردد برهة، ثم علق رشاشة على كتفه، وسار بهدوء نحو المرأة:
- " أنا سعد ، يا يما ، جوعان "!
وسقط القضيب من يد الفلاحة العجوز وهي تحدق الى الشاب الذي ولده الدغل الشائك ينحدر نحوها بالكاكي وبالرشاش على كتفه، أما رفاقه فقد هيأوا بنادقهم، فيما أخذ سعد يقترب من العجوز.
وقالت المرأة:
- " يجوع عدوينك يا ابني..تعال لعند أمك "
وأقترب سعد أكثر، كانت خطواته مطمئنة وكان رشاشة ما زال يتأرجخ على كتفه من غير اكتراث، وحين صار على بعد خطوة منها فتحت ذراعين واحتضنته: " يا حبيبي..يا ابني..الله يحميك".
وقال سعد:
- " يا يما، بدنا أكل "
وانحنت المرأة فناولته الصره، وحين أخذها رأى عينيها تدمعان، فقال لها:
- " حلفتك بالنبي لا تبكي يا يما !"
قالت العجوز:
- " معك بقية الأولاد؟ أطعمهم. في المغرب سأمرق من هنا واضع الزوادة على الطريق..الله يحميكم يا أولادي "
وعاد سعد بالزوادة، ولم يلحظ رفاقه أية دهشة في ملامحه. أكلوا، وقال أحد رفاقه:
- " لنغير مكاننا، فقد تعود بالعسكر "
إلا أن سعد لم يرد، وبعد قليل قال لهم:
- إنها أمي، وقد رأيتم ذلك بأنفسكم، فكيف تعود بالعسكر؟ "
وفي المساء جاءت العجوز فوضعت الزوادة، ووضعتها هناك فجر اليوم التالي، وفي كل مرة كان سعد يناديها من وراء الدغل:
- " يسلموا ايديكي يما "
ويسمعونها تقول:
- " الله يحميك يا ابني "
***

قالت أم سعد: تلك المرأة العجوز ظلت أيام خمسة تطعمهم..قال لي سعد إنها لم تتأخر ساعة واحدة، حتى انفك الحصار، جاءت فوضعت الزوادة ونادت: " العسكر راحوا..الله يوفقكم "..
وعادت أم سعد فطوت راحتيها على حضنها كما يتعانق مخلوقان لا فصام بينهما، وقالت: سعد يقول انه رآني هناك، وانه لولا أن أطعمته لمات جوعاً، ولولا أن دعوت له لقتلته الرصاصة التي شطفت لحم ساعده.
وقامت، ففاحت في الغرفة رائحة الريف الذي كمن فيه سعد، محاطاً بذلك الدرع الذي لا يصدق، وقالت:
- " سيرجع بعد أن يلحم جرحه، قال لي ألا أشتاق له كثيراً فهو يراني هناك دائماً..ماذا تريدني أن أقول له؟ قلت له: الله يكون معك ويحميك."
واستدارت، خطوة، خطوتين، وفجأة سمعت نفسي أنادي:
- " يا يما "
فوقفت.



يتبع ...


 

رد مع اقتباس
قديم 01-05-2014   #6


الصورة الرمزية Alaa ghanem
Alaa ghanem غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 766
 تاريخ التسجيل :  Jan 2014
 العمر : 30
 أخر زيارة : 01-22-2014 (12:25 AM)
 المشاركات : 265 [ + ]
 التقييم :  16
 الدولهـ
Palestine
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
الحياة ليست اماكن الحياة اشخاص
لوني المفضل : Darkorange
اضف الشكر / الاعجاب
شكر (اعطاء): 0
شكر (تلقي): 0
اعجاب (اعطاء): 0
اعجاب (تلقي): 0
لايعجبني (اعطاء): 0
لايعجبني (تلقي): 0
افتراضي



نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


غسان كنفاني
الذينَ هَرَبوا والذينَ تقَدمُوا



فرشت أم سعد راحتيها أمامي، ورأيت بين شقوقهما التي أهترأت مع التعب والعذاب، آثاراً حمراء لخيوط من الجروح لم تلتئم تماماً بعد، فسألتها:
- ما الذي حدث يا أم سعد؟ هل اعتركت مع شجرة عليق؟
وعادت تدفع أمام وجهي راحتيها اللتين تشبهان جلد أرض يعذبها العطش، ثم قالت:
- لا، يا ابن عمي، لقد أمضيت ليلة أمس الأول ألم عن الأرض قطعاً حادة من المعدن..
- ليلة أمس الأول؟

***

..كانت أم سعد تعشي ابنها الصغير حين سمعت دوي الانفجار الأول. مخيم البرج لا يبعد كثيراً عن المطار، ولأول وهلة قالت لنفسها: هناك من بكر بالاحتفال بعيد رأس السنة. ثم أصاخت السمع، فقد قالت لها أحاسيسها أن الجو يحب بخطر أشد.
كان نهارها صحراء قاحلة من التعب المضني. منذ أبكر الصبح وهي تعتصر الملابس والمماسح، تنظف الشبابيك وتجلو الأرض وتنفض السجاجيد( في بيوت الآخرين، طبعاً ، فبيتها في المخيم غرفة مشطورة من النصف بحائط من التنك). كانت متعبة، وقد أخذت تعشي ابنها الصغير لتضعه في فراشه وتنام، حين سمعت دوي الانفجار الأول.
ولم تتردد لحظة حين سمعت الانفجار الثاني، فتركت صغيرها وعادت إلى الخارج، وفوق كثبان الرمل الأحمر مضت نحو الطريق، وهناك استطاعت أن ترى أذريعة النار تغوص في غيوم الدخان الماضي إلى العتمة.
وقفت أم سعد هناك حائرة، كانت تسمع الدوي وتسمع أزيزاً غامضاً، ولكنها لم تكن تعلم بالضبط ماذا يتعين عليها أن تفعل.
***

- هل كنت وحدك هناك؟
- وحدي؟ ماذا تعتقد يا ابن العم؟ وحدي؟ كنا كالنمل. كل نساء المخيم وأولاده وشبابه خرجوا كأنهم اتفقوا على ذلك سلفاً، ووقفنا جميعاً هناك. لا نعرف ماذا يتعين علينا أن نفعل. وفي الأفق كنا نرى الحرائق، ثم سمعنا محرك طائرة يجرش عن قرب، فرفعنا رؤوسنا إلى فوق.
***

جاءت الطائرة، مطلية باللون الأسود، وحلقت على علو خفيض، وأخذت تزح رصاصها على الشارع، وسمعت أم سعد صوتاً معدنياً كالرنين يملأ الطريق، وفي اللحظة التالية تقدمت نحو الإسفلت، ورفعت بين أصابعها قطعة حديد ذات أربعة رؤوس مسننة.
قالت أم سعد لرفيقاتها:
- هذه الحدائد تفرقع دواليب السيارات
ودورتها بين أصابعها، ثم قالت:
- يا صبايا، لنلمها ونقذف بها إلى الرمل..
واندفعت النساء، ومن ثم اندفع الأولاد، إلى الطريق المظلم وأخذوا يجمعون قطع الحديد بأيديهم العارية ويقذفون بها إلى الرمل، وبسرعة انتشروا، كالأشباح، على طول الطريق، ينظفونه من العراقيل، وفي كل مرة كانت الطائرة تعود كانوا يقذفون بأنفسهم إلى الرمل، ثم يعودون إلى الطريق مع ذهابها.

***

قالت أم سعد:
- كانت الطائرة تحلق على علو منخفض جداً، تكاد تمس رؤوسنا، وفي مرة كانت قريبة منا إلى حد اعتزمت أن اقذفها بحجر، ولكنها مضت مسرعة، بعد أن رمت حفنة جديدة من تلك الحدائد الشيطانية، ولكننا أسرعنا فلممناها.
- لقد نظفتم الطريق إذن؟
- في اللحظة ذاتها. كنا كالعفاريت، ولكن السيارات التي تركها أصحابها مع الغارة في منتصف الطريق كانت في وضع غير مناسب، وقد حاولنا أن ندفشها إلى اليمين، أو إلى اليسار، إلا أنها لم تتزحزح، ثم خفنا أن يرانا أصحابها فيقولون إننا كنا نحاول سرقتها.
- ولو! ولو يا أم سعد؟
- أجل. أنت لا تعرف شيئاً..ما الذي أستطيع أن أفعله حين يؤشر صاحب سيارة عليّ، وأنا في ملابسي الرثة وشعري الذي طير ريح الطائرة غطاءه، ووجهي الملطخ بالرمل والعرق..ويقول: رأيتها تسرق سيارتي؟
- غلطانة يا أم سعد. أنت كنت تقومين بعمل عظيم..
- اعرف، ولكنني يا ابن العم لا أستطيع أن أثق برجل ترك سيارته في عرض الطريق، تسد الدرب، وهرب..في لحظة مثل تلك اللحظة..لا، لا أستطيع أن أثق!.

***

هدأت النار، وظل الدخان يطرش الأفق، ووقفت أم سعد على الرمل تنظر إلى كفيها المجرحتين، وبدأ الأطفال يعودون إلى بيوتهم.
وأخذت لبرهة، تفكر بسعد وأحسته في جسدها كما كان يوم أن ولد، يرجها بمشاعر لا تستطيع أن تعرف طبيعتها، يملؤها بنوع مذهل من الثقة بالمستقبل ومن الأمل فيه.
في مكان ما، قالت لنفسها، يقف سعد الآن تحت سقف من الدخان، ثابت الساقين كما كان دائماً، كأنه شجرة، كأنه صخرة، يقبض بسلاحه ثمن ذلك الدخان كله.

***

عادت أم سعد، ففرشت راحتيها أمامي، كانت الجروح تمتد فوق خشونتها انهراً حمراء جافة، تفوح منهما رائحة فريدة، رائحة المقاومة الباسلة حين تكون جزءاً من جسد الإنسان ودمائه.
قلت لها: لا عليك..إنها جروح بسيطة..
- هذه؟ طبعاً، ستمحى. ستمحوها الأيام. سيملؤها غبار التعب، سيتراكم فوقها صدأ الأواني التي أغسلها، وذرات البلاط الذي أمسحه، ورماد المنافض التي أنظفها، وعكورة المياه التي أغسل بها .. اجل يا ابن العم، أجل.. ستغرق هذه الجروح تحت سواقي التعب، يجففها اللهاث، وتغتسل طوال النهار بالعرق الساخن الذي أعجن فيها خبز أولادي..نعم يا ابن العم..ستضع الأيام الذليلة فوقها قشرة سميكة، وسيضحى من المستحيل على أي كان أن يراها، ولكنني أعرف، أنا التي أعرف، أنها ستظل تحزني تحت تلك القشرة. أعرف!


يتبع ...


 

رد مع اقتباس
قديم 01-05-2014   #7


الصورة الرمزية Alaa ghanem
Alaa ghanem غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 766
 تاريخ التسجيل :  Jan 2014
 العمر : 30
 أخر زيارة : 01-22-2014 (12:25 AM)
 المشاركات : 265 [ + ]
 التقييم :  16
 الدولهـ
Palestine
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
الحياة ليست اماكن الحياة اشخاص
لوني المفضل : Darkorange
اضف الشكر / الاعجاب
شكر (اعطاء): 0
شكر (تلقي): 0
اعجاب (اعطاء): 0
اعجاب (تلقي): 0
لايعجبني (اعطاء): 0
لايعجبني (تلقي): 0
افتراضي



نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

غسان كنفاني
الرسَالة التي وَصَلت
بَعدَ 32 سَنَة


أخذت أم سعد تتذكر، يومها، أياماً بدت بعيدة، وتحدثت عن رجل اسمه "فضل"، تراه قتل في 1948 أم بعد ذلك؟ إنها لا تذكر بالضبط، ولكن ذلك لم يكن مهماً تماماً، فقد كان الأمر كله منذ البدء يتعلق برجل آخر.
جاءت يومها مهمومة، وأخذت تدور في أنحاء الدار غير عارفة ماذا يتعين عليها أن تفعل بالضبط، وبدت لي ضائعة لا تسمع ما أقوله، ثم غابت في الشرفة منصرفة إلى عمل ما لم يبد لها، ولا لي، ضرورياً أبداً، وقالت زوجتي: " ثمة شيء ما يجثم بالهم على كتفيّ أم سعد ".
وأنا الذي أعرف أن أم سعد صندوق مغلق على همه، لا يبوح لأحد إذا ما ضجت أصوات التعب والقلق والخوف من المجهول، وكدت أمضي إلى شأني لو لم تسألني عما إذا كنت أعرف فلاحاً من الغبسية كان اسمه " فضل "، أو عما إذا كنت سمعت عنه.
وحين قلت لها إنني لم أسمع عنه زمت شفتيها محتارة، ثن سألتني إن كنت أعرف رجلاً اسمه " عبد المولى..".
كان من قرية تقع إلى الشرق من الغبسية:
- أهو الرجل الذي يشتغل مع الإسرائيليين وقد صار عندهم نائباً في البرلمان؟
- هو بعينه.
- وما الذي جعلك تتذكرينه؟
وبدت محتارة، والى حد غامض بائسة وتعسة وغير راغبة في الكلام، وأخذت أستحثها يدفعني فضول لمعرفة معنى ذلك الانبثاق الغريب لأناس ظلوا غائبين عنها وعن ذاكرتها عشرين سنة، وأخيراً اعترفت بصوت كالهمس أن " عبد المولى" قتل " فضل".
قالتها باختصار مدهش، ومع ذلك فقد صار الأمر أكثر غموضاً وتعقيداً، ومضت تحوم مثل دوري يشعر بالبرد ويفتش عن ملجأ.
- أحدث مكروه لسعد؟
- بعيد الشر، وأمس فقط بعث لي خبراً، والصحيح يا ابن العم إنني محتارة؟
- ماذا حدث يا أم سعد؟
ومن صدرها أرجت ورقة مطوية معلوكة ودفعتها نحوي:
- قرأها لي حسن، ومن ساعتها وأنا مهمومة.
كنت أعرف خط سعد، وقد كان خطه، بقلم رصاص سميك الرأس. يتحدث عن رفيق له اسمه "ليث" وقع في الأسر، وعلم سعد أن أهله قد يبعثون إلى " عبد المولى" طالبين منه بحكم علاقات عائليه قديمة تربطهم به أن يتوسط لابنهم الأسير، وحاولت أن أمضي في قراءة تلك الرسالة الغريبة، إلا أن الخط بدا مشوشاً وغائباً في ثنيات الورقة واهترائها.
- وما الذي يقلقك أنت يا أم سعد؟
- سعد يقول لي أن أذهب إلى أمه، وان أقول لها لا.
- وهل ذهبت؟
- مررت في الصباح قرب بيتهم في الميم، وتحيرت أمام الباب. هذا شيء صعب. يا ابن العم، صعب. أنت في هذه الحالة تقول لهؤلاء الناس، مهما قلت " تفو عليكم".
- وما علاقة سعد بهذه القصة؟
- انه يعرف " ليث " منذ كانا صغيرين، وأنا أظن أن ليث قد أوصى سعد. لماذا أكذب عليك؟ ليث قال لسعد انه إذا حدث له شيء، وحاول أهله الكتابة لابن عمهم عبد المولى، فما على سعد إلا أن يطخهم.
وجلست على المقعد مثلما يسقط الشيء من تلقائه، واضعه راحتيها فوق بعضها في تلك الحركة الفريدة التي تشبه عناق طيرين، وكان بالوسع رؤية رسالة سعد تطل بطرفها الأبيض من بين راحتيها، ذات صوت نائح قادم من بعيد وليس بالوسع رده أو طيه، وفجأة أحست أنها نقلت إليّ همها كله وأسقطته على كتفي، ثم قالت:
- أنا اعرف سعد، سيفعل.
- وهل تأكدت أن أهل ليث كتبوا إلى عبد المولى؟
- لا لم أتأكد، وعلي أن أفعل، هذا هو الشيء الصعب..ماذا تعتقد؟ لو كنت متأكدة من شيء لما ترددت في شيء، ولكن أن اذهب إلى أم ليث، وأقول لها: صباح الخير يا أم ليث، يا فتاح يا عليم، سعد يقول لكم..لا.
- ذلك شيء لا يستطيع الإنسان أن يفعله بسهولة، ومنذ ليلة أمس وأنا كمن يحمل على ظهره كيس بلان..أقول لك الصحيح، منذ أن سمعت اسم عبد المولى يقرأه لي حسن تزرزع بدني كمن ركبته العفاريت..هذا الرجل يا سبحان الله كنت اتوغوش منه منذ زمان، من أيام فلسطين".
سألت، بدافع الفضول الذي كان ما يزال يمتلكني:
- قبل ان يموت فضل؟
- تذكرت فضب على الفور. أنت لا تستطيع أن تتذكر عبد المولى مفصولاً عن فضل، وقد جاء الاثنان معاً على رسالة سعد.
- قلت أن عبد المولى قتل فضل؟
- ليس تماماً. يعني انه لم يحمل باروده ويطخه.
- كيف إذن؟
- عبد المولى كان متزعماً حمولته، رجل عنده أرزاق ويشغل الفلاحين ويملك زيتوناً وتبغاً يبيعه لشركة قرمان.. أنت لا تذكر تلك الأيام، وطبعاً أنت لا تعرف فضل، فضل فلاح من حالاتنا، لا ارض ولا ميَّ، وفي سنه ال36 طلع فضل إلى الجبل. كان حافي القدمين، وحمل مرتينة وغاب طويلاً.

***

كانت أم سعد ما تزال صبية آنذاك في مطلع عمرها، تسمع عن الأمور ولا تدركها تماماً، تتحدث عن إضراب ال6 أشهر وعن الفلاحين الذين حملوا السلاح وطلعوا إلى الجبل:
- وبعدين جاء المكتوب من ملوك العرب، ونزل الرجال إلى بيوتهم، وأنا لا اذكر الأشياء تماماً، وإذا سألتني الآن كيف..لما عرفت، ولكنني اذكر الأشياء تماماً حادثاً واحداً، فقد قالوا أن القرية الفلانية ستقيم احتفالاً. يا حسرة! احتفال لماذا؟ على كل حال يومها قالوا لنا أن نذهب إلى هناك، وكان الذهاب ببلاش، فرحنا نتفرج.
وعاد فضل، مع من عاد، إلى القرية: نزل من التلال حافي القدمين كما صعد إليها وكما عاش فيها، ويبدو أن الطريق كانت طويلة فوصل إلى الساحة مع آخر من وصل من القرى المجاورة، ممزق القدمين والثياب ومتعباً ومستنزفاً حتى آخر أنفاسه، ولم يجد فضل مكاناً في الساحة المحتشدة بالناس غير عتبة دار تقع في آخرها، فجلس يهدئ أنفاسه ويتدبر أمر قدميه الممزقتين المحشوتين بالتراب والشوك والدماء.
- كنت واقفة مع النسوان غير بعيدة عنه، وفي البدء لم أنتبه إلى وجوده لولا أن سمعت امرأة تقول لأخرى انه فضل الذي يعمل في المعاصر والذي كان من أول الذين طلعوا إلى الجبل. م اخذ الناس يصفقون، ونظرنا إلى الأمام فرأينا عبد المولى يصعد إلى الطاولة ويبدأ بالحكي، وهات يا تصفيق. لست أذكر الآن عما تحدث يومها، ولكن لا شك انه حكى عن الثورة والانتصار والانكليز واليهود، ولا أعرف لماذا في تلك اللحظة نظرت إلى فضل، فرأيته يمد ذراعه مشيراً إلى الناس ويقول شيئاً، لأول وهلة حسبت انه يطلب شربة ماء أو أكلاً، فذهبت نحوه علني أساعده، ولكنني عرفت حين صرت قربه انه كان كمن يحدث نفسه، ولم اعد أنسى ذلك أبداً. الصحيح يا ابن العم ان كل شيء أعرفه عن فضل.
- وماذا كان يقول؟
- سمعته يقول: " ولكو، إسّا أنا الذي تمزعت قدماه، وهذا الذي تصفقون له"؟ ولا أعرف لماذا ظلت هذه الجملة في رأسي طول الوقت. أنت تعرف، لم أكن أذكرها كل يوم، ولكنها كانت في رأسي، وحين جاء مكتوب سعد جاء الاثنان معاً، عبد المولى وفضل..
وعادت ففرشت الورقة البيضاء التي هرأها الطي أمام عيني. ورأيت فيها على صغرها واختصارها رواية طويلة لا تكاد تصدق، ومضت أم سعد تقول:
- والآن، عبدا لمولى مرة أخرى بعد عشرين سنة، هل تتصور ذلك يا ابن العم؟ كيف يمكن لذلك أن يحدث؟ إنني لا أتحدث عن "ليث" ، ولكن فضل..هل تفهم ماذا أقصد؟ فضل مات بعد ذلك، بعضهم يقول انه مات مسلولاً في المعصرة، وبعضهم يقول انه زلق ووقع في الوادي، وبعضهم يقول، انه قتل في حرب ال48، بل إن بعضهم يقول انه طلع من فلسطين في ال49 وعاد إليها فقتلوه في الطريق، ولكن ذلك ليس هو الموضوع. أنا أتصوره دائماً جالساً على العتبة والدم ينزف ممزوجاً بالتراب والغبار من قدميه، و أتصوره ميتاً، وفي نفس الوقت اسمع أصوات التصفيق والتهاني والزغاريد..وعبد المولى، مثلما قلت، صار مهماً هناك، خاين ولذلك مهم عندهم. في البرلمان، كما قلت. يا حيف!
وقامت، وأخذت تحوم من جديد وكأنها مربوطة إلى تلك الورقة التي كتبها سعد في مكان مجهول، ( ربما أسندها إلى جذع شجرة، أو إلى ذراع سلاحه، لذلك بدت الخطوط خشنة سميكة مقطعة ) وقلت لها:
- وما الذي ستفعلينه الآن يا أم سعد؟
ومضت تهز رأسها محتارة، ثم اهتدت إلى أول الخيط:
- لو ذهبت عن أم ليث وذكرتها بحكاية فضل وعبد المولى، أينفع ذلك شيئاً؟
- ربما، ولكن لماذا تتحدثين وكأنك متأكدة من أن أهل ليث يفكرون في الكتابة لعبد المولى؟
- لا..أنا لست متأكدة من شيء، ولكن لا بد من أن أفعل شيئاً..آه يا ابن العم! لو يومها قام فضل عن العتبة وطخ عبد المولى، أما كانت هذه المشكلة قد انتهت؟
التزمت الصمت، فقد كدت أقول لها انه لو حدث ذلك لما حدثت أشياء كثيرة، ولما أمضت هي عشرين سنة في المخيم، ولكنني عدت فقلت:
- لو فعل ذلك لقتله الناس.
- صحيح، يومها، لقتله الناس..كان أحسن له أن يظل في الجبل..ولا يحضر تلك الحفلة.
- لو ظل بالجبل، يا أم سعد، لما استطاع عبد المولى أن يقيم الحفلة.
- صحيح، لو ظلوا كلهم، ولكن ماذا حدث؟ المسكين فضل ركبوا على ظهره، في المعصرة وفي الجبل، ثم في المعصرة، ولو جاء إلى المخيم لركبوا أيضاً على ظهره.
- لذلك يريد سعد أن يمنع ذلك، وهل عرفت الآن، انه يريد ألا يجعل من ليث"فضلاً" آخر..
استدارت، ونظرت إليَّ مباشرة: ذلك الرمح الذي تسدده في لحظات النبوؤة بسرعة الرصاصة وتصويب الحقيقة، ومدت نحوي بذراع بطيئة ولكن صلبة تلك الورقة المهترئة البيضاء التي تشبه طائر طريد قادم من مكان يعبق برائحة الموت والصمود، جاءت كلماتها مشدودة كأنها القصف:
- لم يقل أحد ذلك كله لفضل المسكين..فلماذا لا تقوله أنت الآن، أنت تعلمت من الكتب والمدارس، لماذا لا يقوله لأهل ليث؟.


 

رد مع اقتباس
قديم 01-05-2014   #8


الصورة الرمزية وسام الملك
وسام الملك غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 662
 تاريخ التسجيل :  Dec 2013
 أخر زيارة : 12-29-2021 (01:03 AM)
 المشاركات : 11,246 [ + ]
 التقييم :  6836
 الدولهـ
Palestine
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Black
اضف الشكر / الاعجاب
شكر (اعطاء): 43
شكر (تلقي): 38
اعجاب (اعطاء): 136
اعجاب (تلقي): 151
لايعجبني (اعطاء): 3
لايعجبني (تلقي): 0
افتراضي



يسلموو كثير

مجهود ولا اروع يعطيك الف عافيه
ولي عوده للقراءه كامله
ودي لروحك


 

رد مع اقتباس
قديم 01-14-2014   #9


الصورة الرمزية سفير القلعة
سفير القلعة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 793
 تاريخ التسجيل :  Jan 2014
 أخر زيارة : 02-03-2015 (08:10 PM)
 المشاركات : 12,936 [ + ]
 التقييم :  1003
لوني المفضل : Cadetblue
اضف الشكر / الاعجاب
شكر (اعطاء): 0
شكر (تلقي): 0
اعجاب (اعطاء): 0
اعجاب (تلقي): 0
لايعجبني (اعطاء): 0
لايعجبني (تلقي): 0
افتراضي



مشكور اخي عاشق لتقديم اعمال غسان كنفاني الرائعة


تحياتي


 

رد مع اقتباس
قديم 01-14-2014   #10


الصورة الرمزية سفير القلعة
سفير القلعة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 793
 تاريخ التسجيل :  Jan 2014
 أخر زيارة : 02-03-2015 (08:10 PM)
 المشاركات : 12,936 [ + ]
 التقييم :  1003
لوني المفضل : Cadetblue
اضف الشكر / الاعجاب
شكر (اعطاء): 0
شكر (تلقي): 0
اعجاب (اعطاء): 0
اعجاب (تلقي): 0
لايعجبني (اعطاء): 0
لايعجبني (تلقي): 0
افتراضي



شكرا الاخوة المساهمين في المشاركة بتقديم اعمال غسان كنفاني


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فلسطين وأجمل رجالها وشعرائها وأديب الشهيد غسان كنفاني وجع الروح ะ» فِلِسطِيـטּ وآلقَضِيـةٌ |▪●™ 5 10-24-2013 10:17 AM
انا جديدة هنا ممكن ترحيب(ارجوا التثبيت) جزائرية وافتخر مطار بنات فلسطين - ωoเcoмє 35 08-22-2013 02:48 AM
لديك..◄رساله خاصه ومشفرهـ عليك حل رموزها عشق الياسمين زوايا عامة 4 07-18-2013 02:26 AM
أشهر مقولات غسان كنفاني. رفيعة الشأن حـانة الآدباء والفـلاسفة والمفكريـن 10 05-24-2013 07:22 PM


الساعة الآن 07:01 PM


فن بيتك متجر فن بيتك الصعب للاتصالات سبيكترا

Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.