قوله
تعالى :
{ ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد } فيها مسألتان :
المسألة الأولى : في سبب نزولها أربعة أقوال :
الأول : نزلت في الجهاد .
الثاني : فيمن يقتحم القتال ; أرسل عمر رضي
الله عنه جيشا فحاصروا حصنا [ ص: 203 ] فتقدم رجل عليه فقاتل فقتل ، فقال الناس : ألقى بيده للتهلكة ، فبلغ ذلك عمر فقال : كذبوا ; أو ليس
الله تعالى يقول : { ومن الناس من يشري
نفسه ابتغاء مرضاة الله } وحمل هشام بن عامر على الصف حتى شقه ، فقال أبو هريرة : { ومن الناس من يشري
نفسه ابتغاء مرضاة الله } .
الثالث : نزلت في الهجرة وترك المال والديار لأجلها ; روي أن صهيبا أخذه أهله وهو قاصد النبي صلى
الله عليه وسلم فافتدى منهم بماله ، ثم أدركه آخر فافتدى منه ببقية ماله ، وغيره عمل عمله فأثنى عليهم .
الرابع : أنها نزلت في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ; قاله عمر ، وقرأ هذه الآية واسترجع ، وقال : قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل . ويروى أن عمر رضي
الله عنه كان إذا صلى الصبح دخل مربدا له ، فأرسل إلى فتيان قد قرءوا القرآن ، منهم ابن عباس وابن أخي عنبسة فقرءوا القرآن ، فإذا كانت القائلة انصرفوا . قال : فمروا بهذه الآية : { وإذا قيل له اتق
الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ومن الناس من يشري
نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد } فقال ابن عباس لبعض من كان إلى جانبه : اقتتل الرجلان . فسمع عمر رضي
الله عنه ما قال ، فقال : أي شيء قلت ؟ قال : لا شيء . قال : ماذا قلت ؟ قال : فلما رأى ذلك ابن عباس قال : أرى هذا أخذته العزة بالإثم من أمره بتقوى
الله ، فيقول هذا : وأنا أشري نفسي
ابتغاء مرضاة الله فيقاتله ، فاقتتل الرجلان . فقال عمر : لله تلادك يا ابن عباس .